تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج المجلد 1

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله [امام خمینی]/ محمد الفاضل اللنکرانی.

مشخصات نشر : قم: حوزه العلمیه قم، مکتب الاعلام الاسلامی، مرکز النشر، 14ق.= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 6500 ریال (ج.3) ؛ 10000 ریال (ج.5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1415ق. = 1373.

يادداشت : چاپ قبلی: جامعه مدرسین قم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = -1368.

يادداشت : چاپ اول: 1374.

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1418ق.=1376).

مندرجات : .- ج. 3 و 5. کتاب الحج

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : حوزه علمیه قم. دفتر تبلیغات اسلامی. مرکز انتشارات

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1300ی

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 74-6482

[ (كتاب الحج)]

اشارة

(كتاب الحج)

[و هو من أركان الدين]

اشارة

و هو من أركان الدين و تركه من الكبائر و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية. (1)

______________________________

(1) و قبل الخوض في تعريف الحج- لغة و اصطلاحا- ينبغي التعرض لاهمية الحج الذي هي من العبادات المفروضة في عداد سائر العبادات من الصلاة و الزكاة و الصوم فنقول قد وصفه صاحب الجواهر- قده- بأنه أعظم شعائر الإسلام و أفضل ما يتقرب به الأنام إلى الملك العلام لما فيه من إذلال النفس و إتعاب البدن و هجران الأهل و التغرب عن الوطن، و رفض العادات و ترك اللذات و الشهوات و المنافرات و المكروهات، و إنفاق المال و شد الرحال، و تحمل مشاق الحل و الارتحال، و مقاساة الأهوال، و الابتلاء بمعاشرة السفلة و الأنذال، فهو حينئذ رياضة نفسانية و طاعة مالية، و عبادة بدنية، قولية و فعلية، وجودية و عدمية و هذا الجمع من خواص الحج من العبادات التي ليس فيها اجمع من الصلاة، و هي لم تجتمع فيها ما اجتمع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 4

..........

______________________________

في الحج من فنون الطاعات، و في الحديث انه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط بل من كل شي ء إلّا الصلاة بل في الحديث انه أفضل من الصلاة و الصيام لأن المصلي يشتغل عن أهله ساعة، و ان الصائم يشتغل عن اهله بياض يوم، و ان الحاج ليشخص بدنه و يضحى نفسه و ينفق ماله و يطيل الغيبة عن اهله لا في مال يرجوه و لا في تجارة و قد تطابق العقل و النقل على ان أفضل الأعمال أحمزها و ان الأجر على قدر المشقة و يدل على أهمية الحج

و أفضليته من الصلاة- مضافا الى اشتمال الحج عليها و عدم اشتمالها عليه- ان الصلاة عبارة عن إحرام صغير يتحقق الشروع فيه بتكبيرة الإحرام المسماة بها لأجله و الفراغ عنه بالتسليم و لا ينافي ذلك ما ورد في الصلاة من انها عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها لعدم دلالته على الحصر فتدبر.

و عمدة ما يختص الحج به مما لا يوجد في غيره أصلا هو الجهة الاجتماعية السياسية المتحققة فيه فإنه يتضمن اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم و عاداتهم و رسومهم و اختلاف مذاهبهم و هذا الاجتماع العظيم الذي ليس في الإسلام مثله ممهد لحصول الوحدة و الاتحاد بين المسلمين و تحقق القدرة الكاملة التي لا يعاد لها أية قدرة في العالم و هذا يتوقف على الارتباط و معاشرة المسلمين بعضهم مع بعض و البحث عماهم عليه من النقائص و المشكلات و عن طريق رفعها و حلها و عمدة المشاكل التي اقترنت بهم و قلدتهم هي مشكلة الحكومات التي يدعون بالظاهر الإسلام و يتظاهرون به و في الباطن ليس فيهم من الإسلام عين و لا اثر و قد استظهروا بالحكومات القوية المستعمرة المسيطرة على العالم و يطيعونها بكل طاعة بل يعبدونها كعبد ذليل و لا يتخلفون عن أوامرهم و نواهيهم بوجه أصلا.

و قد صار هذا الاستعمار الوسيع سببا للمنع عن اجتماع المسلمين و إظهار اتحادهم و حصول تجمعهم في المعابر و الأمكنة و في هذا الزمان الذي اكتب هذه السطور لم يمض من حادثة مكة المكرمة- التي قد قتل فيها قرب مسجد الحرام أزيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1،

ص: 5

..........

______________________________

من أربعمائة من الحجاج من الرجال و النساء بيد الحاكم الكافر المستولي على الحرمين إطاعة لأمر مولاه و خوفا من حصول الاتحاد و الارتباط بين المسلمين الذي هو لا يلائم مع حكومته و لا يجتمع معها ضرورة عدم تحمل المسلمين لمثل هذه الحكومة و إذا حصل لهم القدرة يخرجون من سلطته و جوره- إلا أقل من سنتين.

و كيف كان فهذه الجهة في الحج جهة مهمة لا توجد في غيره لاقتضائها حصول القدرة الكاملة للإسلام و تحقق الوحدة و الاتحاد بين المسلمين.

و بعد ذلك يقع الكلام في معنى الحج لغة و اصطلاحا فنقول:

اما الأول فقد قال في لسان العرب: «الحج القصد، حج إلينا فلان اى قدم، و قد حج بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف اليه، قال المخبل السعدي:

اى يزورونه و يقصدونه، قال ابن السكيت يقول يكثرون الاختلاف اليه، هذا الأصل ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك و الحج الى البيت خاصة، و الحج بالكسر الاسم و الحجة- أي بالكسر- المرة الواحدة و هو من الشواذ لان القياس بالفتح، قال الأزهري و الحج و الحج قضاء نسك سنة واحدة و بعض يكسر الحاء فيقول الحج، و قال الفراء و الحج و الحج ليس عند الكسائي بينهما فرق».

و قال الخليل في العين: «و حج علينا فلان اى قدم، و الحج كثرة القصد الى من يعظم- اى يراد تعظيمه-».

و في أقرب الموارد: «حج فلانا حجا قصده، و بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف اليه».

و في القاموس: «الحج القصد و القدوم و كثرة الاختلاف و التردد و قصد مكة للنسك».

و في المجمع: «الحج القصد و السعي اليه ..».

و يستفاد من «تاج العروس» انه قد يأتي

بمعنى الكف يقال حجج عن الشي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 6

..........

______________________________

و حج كف عنه و قد يأتي بمعنى الغلبة بالحجة يقال حجه يحجه حجا إذا غلبه على حجته و في الحديث فحج أدم موسى اى غلبه بالحجة و قد يأتي ببعض المعاني الأخر.

و يستفاد من هذه العبارات ان الحج إذا استعمل وحده يكون بمعنى القصد أو القصد الى من يعظم و ليس المراد من القصد مجرد النية و الإرادة بل القصد الذي يتعقبه السعي و الحركة للإيجاد و لذا عطف السعي على القصد في عبارة المجمع و كذا عطف «يقصدونه» على «يزورونه» فيما حكى عن المخبل و إذا استعمل مع على أو الى يكون بمعنى القدوم و إذا استعمل مع عن يكون بمعنى الكف و الاعراض.

كما ان الظاهر انه لا فرق بين الحج- بالفتح- و الحج- بالكسر و انهما بمعنى واحد و يؤيده اضافة الحج- بالكسر- الى البيت في آية الحج في القراءة المعروفة لعدم ملاءمة اسم المصدر مع الإضافة الى البيت كما لا يخفى.

و اما الثاني فقد قال الشيخ في المبسوط: «الحج لغة القصد و في الشريعة كذلك الا انه اختص بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بزمان مخصوص».

و أورد عليه المحقق بأنه يخرج عنه الوقوف بعرفة و المشعر لأنهما ليسا عند البيت الحرام مع كونهما ركنين من الحج إجماعا كما انه قد أورد عليه بان مقتضاه حصول الحج بالقصد و لو لم يتحقق منه شي ء من المناسك و لكن لا مجال لهذا الإيراد بعد ما ذكرنا من معنى القصد في الكلمات المتقدمة كما لا يخفى.

و قال المحقق في الشرائع و المختصر: «انه اسم لمجموع

المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة» و أورد عليه في التنقيح بأنه ان كان المراد من المناسك هي المناسك الصحيحة يكون قيد «المؤداة ..» لغوا و ان كان المراد أعم يلزم ان يكون الحج الفاسد داخلا في التعريف و بأنه يشمل العمرة أيضا و بان الآتي بالبعض التارك للبعض الذي لا مدخل له في البطلان يصدق عليه اسم الحاج مع عدم شمول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 7

..........

______________________________

التعريف له.

كما انه أورد الشهيد في الدروس على هذا التعريف بأنه يلزم عليه النقل و يلزم على تعريف الشيخ التخصيص و هو خير من النقل و الظاهر ان هذا الإيراد عجيب لان النقل يتحقق على كلا التعريفين لانه لا فرق في تحققه بين ان يكون المنقول اليه مغايرا للمنقول عنه بالكلية أو يكون مغايرا بالعموم و الخصوص على ان تعريف الشيخ ينطبق على تعريف بعض أهل اللغة فقد عرفت في كلام لسان العرب و في كلام القاموس تعريفه بأنه قصد مكة للنسك و الظاهر انه تعريف لغوي و الا لا مجال لذكره في اللغة فتدبر و الذي يسهل الخطب ما افاده صاحب الجواهر من ان الغرض من أمثال هذه التعاريف هو الكشف في الجملة فهي أشبه شي ء بالتعاريف اللغوية و الأمر فيها سهل و بعد ذلك يقع الكلام في الأمور الثلاثة المذكورة في المتن فنقول أحدها: الوجوب و هو ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع من المسلمين بل بضرورة من الدين و قد وقع التعبير عن وجوبه في الكتاب بما لم يقع عن غيره فان الواجبات و الفرائض قد عبر عن وجوبها و الإلزام المتعلق بها اما بمثل صيغة افعل مثل الصلاة و

الزكاة و اما بمثل كتب عليكم كما في الصوم و نحوه فان هذا التعبير أيضا ظاهر في الوجوب و قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ ناظر الى القاتل فإنه يجب عليه قبول القصاص إذا اختار ولى الدم ذلك و اما بالإضافة إلى ولي الدم فالتعبير بقوله تعالى وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ.

و كيف كان فالتعبير الوارد في الحج المختص به هو التعبير الوارد في الدين و ثبوت الحق و هو قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «1» و الظاهر انه إنشاء للوجوب بهذه الكيفية و بهذه الصورة لا اخبار كما ربما يحتمل.

______________________________

(1) سورة آل عمران آية 97.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 8

..........

______________________________

و اما قوله تعالى في الذيل «وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» فيحتمل فيه وجوه:

الأول: ان يكون المراد هو الكفر المتحقق بالترك و المسبب عنه و هو الذي يظهر من بعض الروايات الآتية و اختاره صاحب الجواهر- قده- و عليه فهل المراد هو تحقق الكفر بالترك حقيقة أو ان المراد أهمية شأن الترك بحيث يمكن ان يطلق عليه الكفر و لو بالعناية و المسامحة و قد ذكرنا في أول بحث الصلاة من هذا الكتاب انه يستفاد من القرآن ان ترك الصلاة موجب للكفر الذي يتعقبه وجوب القتل و هو قوله تعالى «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ». «1» نظرا الى ان مقتضى إطلاق الصدر وجوب

قتلهم في جميع الحالات و مع كل الخصوصيات و قد خرج منه في الذيل صورة واحدة فالصور الباقية داخلة تحت إطلاق الصدر فالاية تدل بإطلاقها على وجوب قتل المشركين في غير تلك الصورة و من مصاديقه التوبة و الخروج عن الشرك و عدم إقامة الصلاة كما لا يخفى الثاني: ان يكون المراد هو الكفر المسبب عن إنكار وجوب الحج و كونه فرضا و قد حكاه في مجمع البيان عن ابن عباس و الحسن.

الثالث: ان يكون المراد بالكفر هو الكفران في مقابل الشكر لا الكفر المقابل للإسلام و الايمان نظير قوله تعالى إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً. «2»

نظرا الى ان التكاليف الإلهية المتوجهة إلى العباد كلها نعم أنعمها اللّٰه على العباد و تفضلها عليهم لان المصالح و المفاسد كلها راجعة إلى العباد و لا حقة بهم و عليه فكل تكليف نعمة كما ان أصل الهداية المذكور في الآية لطف و نعمة، و شكر كل تكليف هو العمل على طبقه و الإتيان بمتعلقه كما ان كفرانه هو المخالفة و الترك و عليه فيحتمل

______________________________

(1) سورة التوبة آية 5

(2) سورة الإنسان آية 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 9

..........

______________________________

في آية الحج ان يكون المراد بالكفر فيها هو الكفران الحاصل بالترك و يظهر هذا الاحتمال من مجمع البيان أيضا.

الرابع: ما افاده بعض الاعلام في شرح العروة- على ما في تقريرات بحثه- مما هذا لفظه: «ان الظاهر من قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ ان من كفر بأسبابه و كان كفره منشأ لترك الحج فان اللّٰه غنى عن العالمين لا ان إنكار الحج يوجب الكفر فإن الذي يكفر يترك الحج طبعا لانه لا

يعتقد به و نظير ذلك قوله تعالى «مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ» «1» فان عدم صلوتهم و عدم إتيانهم الزكاة لأجل كفرهم و تكذيبهم يوم القيامة و لا تدل الآيات على ان ترك الصلاة موجب للكفر بل الكفر و تكذيب يوم القيامة منشأ لترك الصلاة و عدم أداء الزكاة فلا تدل الآية على ان منكر الحج كافر».

و يرد عليه ان تفسير الكفر بالكفر المتحقق بأسبابه و جعله مقدما للجزاء الذي قام مقامه قوله فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ يوجب عدم الارتباط بمسألة الحج و وجوبه أصلا مع ان ظهور الآية في الارتباط مما لا مجال لإنكاره فلا محيص من جعل الكفر بأيّ معنى كان مرتبطا بالحج- تركا أو إنكارا- فإذا حمل على الكفر الاصطلاحي فلا بد من ان يكون سببه اما الترك و اما الإنكار.

و اما التنظير بقوله تعالى مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ الى أخر الآية فعجيب فان هذه الآية لا تكون في مقام بيان الكفر و تطبيق عنوان الكافر بل في مقام السبب الموجب للسلوك في النار و هما أمران أحدهما التكذيب بيوم الدين الذي يكون موجبا للكفر و الثاني ترك الصلاة و الزكاة و قد ثبت في محله ان الكفار مكلفون و معاقبون على الفروع كالأصول و هذه قاعدة فقهية مذكورة في محلها و من جملة أدلتها هذه الآية فلا ارتباط لها بالمقام الذي لا بد- كما عرفت- من الارتباط بين صدر الآية و ذيلها

______________________________

(1) سورة المدثر آية 42- 46

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 10

..........

______________________________

و تحقق المناسبة

بين الكفر و الحج كما لا يخفى فهذا الاحتمال في كمال الضعف ثم ان هذه الاحتمالات مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسير الآية و اما مع ملاحظتها فنقول:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قال اللّٰه:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذه لمن كان عنده مال (الى ان قال) و عن قول اللّٰه عز و جل وَ مَنْ كَفَرَ يعنى من ترك. «1» و قد وقع فيها تفسير الكفر بالترك يعنى ان المراد من الكفر هو الترك و حيث انه لا محيص عن وجود المناسبة بين الأمرين و الا لا ارتباط بينهما بوجه لا بد اما من القول بأن المناسبة هي السببية و المسببية بمعنى ان ترك الحج سبب للكفر و قد استعمل اللفظ الموضوع للمسبب في السبب و عليه فيكون المراد بالكفر هو الكفر الاصطلاحي المقابل للإيمان و اما من القول بان المراد بالكفر هو الكفر بالمعنى اللغوي الذي هو عبارة عن الستر و الإخفاء و قد وقع الاستعمال بهذا المعنى في الكتاب في مثل قوله تعالى «أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ» فان المراد بالكفار هو الزراع لأجل أنهم يسترون الحبة في بطن الأرض و يخفونها فيها و في المقام يكون ترك الحج و عدم الإتيان به سترا له و إخفاء كما لا يخفى.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه- ع- في وصية النبي- ص- لعليّ- ع- قال يا على كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات و الساحر و الديوث و ناكح المرأة حراما في دبرها،

و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بايع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج يا علىّ تارك الحج و هو مستطيع كافر يقول اللّٰه تبارك و تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّٰه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 11

..........

______________________________

يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا. «1» و ظاهرها ان مجرد الترك في تمام العمر يوجب تحقق الكفر و لا محالة يكون حين الموت كافرا و لكن حيث لا تكون الطوائف التسعة الأخرى محكومة بالكفر الاصطلاحي الموجب لترتب آثار الكفر من النجاسة و غيرها فلا محالة لا يكون المراد من الكفر المسبب عن ترك الحج أيضا ذلك و يؤيده انه على هذا التقدير كان اللازم ان يقال مات يهوديا أو نصرانيا لا انه يبعثه اللّٰه يوم القيامة كذلك و عليه فهو حين الموت لا يكون كافرا حتى يترتب عليه ما يترتب على الميت الكافر من الاحكام.

و منها: ما رواه الكليني بسندين أحدهما صحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السلام- قال ان اللّٰه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ قال قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا

هكذا فقد كفر. «2»

و في معنى ذيل الرواية احتمالان:

أحدهما ان يكون المراد ان من قال ليس الحج هكذا اى بواجب و في الحقيقة أنكر وجوب الحج فقد كفر.

ثانيهما ما افاده بعض الاعلام من ان الظاهر من ذلك رجوعه إلى إنكار القرآن و ان هذه الآية ليست من القرآن و ان القرآن ليس هكذا فإنه- ع- استشهد أولا بقول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ثم سئل السائل فمن لم يحج منا فقد كفر قال- ع- لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر فالإنكار راجع الى إنكار القرآن و تكذيب النبي- ص.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 12

..........

______________________________

و يرد عليه منع ظهور الرواية في ذلك جدا فإنه لم يكن البحث في إنكار القرآن بوجه و الاستشهاد بالاية لا يدل على كون المراد ذلك بل حيث ان الآية كانت ظاهرة في تحقق الكفر بمجرد ترك الحج و كان ذلك موجبا لتعجب السائل سئل عن المراد منها و لا معنى لكون المراد من الكفر هو الكفر بالآية بعد عدم تمامية الآية بعد نعم حيث يكون وجوب الحج مدلولا عليه بصدر الآية و لإدخاله للذيل فيه فلا مانع من فرض الكفر بالوجوب في القضية الشرطية المذكورة في الذيل و اما مع عدم تمامية الآية فلا مجال لفرض الإنكار في نفسها بعد عدم تماميتها كما لا يخفى.

ثم ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و الصحيحة الاولى ان يقال بان هذه الصحيحة تصير قرينة على أمرين أحدهما ان المراد

من الكفر المفسر بالترك في الاولى ليس هو الكفر اللغوي الذي كان أحد الاحتمالين فيها و ثانيهما ان المراد من الترك فيها ليس مجرد الترك و مطلقه بل الترك عن إنكار و اعتقاد بعدم الوجوب فيصير معنى الآية بلحاظ الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المسبب عن الإنكار و ينطبق على تفسير ابن عباس و بعض آخر فتدبر.

الأمر الثاني من الأمور الثلاثة المذكورة في المتن ان مجرد ترك الحج من المعاصي الكبيرة و يدل عليه- مضافا الى ما عرفت من أهمية فريضة الحج و عظم شأنه- انه قد عد في الروايات الواردة في بيان المعاصي الكبيرة و تعدادها الاستخفاف بالحج منها و المراد من الاستخفاف ان كان هو الترك فينطبق على المقام و ان كان هو الإتيان عن استخفاف سواء كان لأجل التأخير عن عام الاستطاعة أو لأجل عدم الاعتناء بشأنه كما هو و ان اتى به في عام الاستطاعة فدلالته على المقام انما هي بالأولوية هذا مضافا الى انطباق الضابطة الكلية في المعصية الكبيرة عليه و هي إيعاد اللّٰه تبارك و تعالى عليها النار أو العذاب صريحا أو ضمنيا أو باللزوم و لذا عد السيد الطباطبائي بحر العلوم ترك الحج منها مستندا الى قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 13

[مسألة- 1 لا يجب الحج طول العمر في أصل الشرع إلا مرة واحدة]

مسألة- 1 لا يجب الحج طول العمر في أصل الشرع إلا مرة واحدة.

و وجوبه مع تحقق شرائطه فوري بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأول من الاستطاعة و لا يجوز تأخيره و ان تركه فيه ففي الثاني و هكذا. (1)

______________________________

و لكن بملاحظة ما ذكرنا في تفسير الآية من ان المراد

هو الكفر الناشئ عن الترك عن إنكار و جحود لا يبقى للآية دلالة على حكم التارك المحض الخالي عن الإنكار و الأمر سهل.

الأمر الثالث كونه من أركان الدين و يدل عليه- مضافا الى ما عرفت- الروايات التي رواها الفريقان العامة و الخاصة الدالة على انه بنى الإسلام على خمس على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية. «1» فإنه قد جعل مما بنى عليه الإسلام و لعله لذا يطلق عليه حجة الإسلام و لا يضاف غيره اليه و لعل هذا الإطلاق يؤيد ما تقدم من أهمية الحج و أفضليته حتى عن الصلاة التي هي عمود الدين و على اى فكونه من أركان الدين مما لا مجال للمناقشة فيه أصلا.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:

أحدهما عدم وجوب الحج طول العمر بأصل الشرع إلا مرة واحدة و التقييد بأصل الشرع في مقابل الحج الواجب بالنذر و الاستيجار و غيرهما و المخالف في المسألة الصدوق فإنه بعد نقل رواية محمد بن سنان الآتية الدالة على وجوب الحج واحدا قال في محكي العلل: «جاء هذا الحديث هكذا و الذي اعتمده و افتى به ان الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة» ثم استدل بالأحاديث الدالة عليه.

و قد استدل للمشهور بأمور:

أحدها: الإجماع قال في الجواهر عقيب حكم المتن بعدم الوجوب إلا مرة واحدة: «إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين» و حكى الإجماع عن المنتهى أيضا.

______________________________

(1) ئل أبواب مقدمة العبادات الباب الأول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 14

..........

______________________________

و الظاهر ان الإجماع في مثل المقام لا يكون صالحا للاستناد اليه مستقلا لوجود الأدلة الأخرى التي هي المدرك للمجمعين فلا أصالة له

أصلا.

ثانيها: الآية الشريفة «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» نظرا الى ان مقتضاه تعلق الوجوب بالماهية و الأمر بطبيعة الحج غاية الأمر كونه مشروطا بالاستطاعة و امتثال الأمر المتعلق بالماهية يتحقق بإيجادها في الخارج و لو مرة لتحقق الطبيعة به فالمستطيع إذا حج في عام الاستطاعة فقد امتثل الأمر المتوجه اليه، و التكرار اللازم في مثل الصلاة و الصيام لأجل الأدلة الخارجية الدالة عليه لا لنفس الأمر بهما فالاية لا دلالة لها على أزيد من المرة و مع الشك في وجوب الزائد يكون مقتضى الأصل البراءة من الوجوب لعدم كون المقام من قبيل الأقل و الأكثر الارتباطيين كما هو واضح.

ثالثها: الروايات الدالة بالصراحة أو الظهور على عدم وجوب الزائد مثل:

صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ما كلف اللّٰه العباد الا ما يطيقون، انما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات الى ان قال و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك. «1»

و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا- ع- قال إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لان اللّٰه وضع الفرائض على أدنى القوة كما قال «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» يعني شاة ليسع القوى و الضعيف و كذلك سائر الفرائض انما وضعت على ادنى القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم. «2»

و رواية محمد بن سنان ان أبا الحسن على بن موسى الرضا- عليهما السلام-

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص:

15

..........

______________________________

كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة لأن اللّٰه تعالى وضع الفرائض على ادنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم. «1»

و غير ذلك من الروايات المصرحة بان من زاد فهو تطوع.

لكن في مقابلها روايات متكثرة ظاهرة في الوجوب في كل عام مثل:

ما رواه الكليني بسندين أحدهما صحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السلام- قال: ان اللّٰه- عز و جل- فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ قال: قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر. «2»

و المناقشة الجارية في الرواية من جهة المتن عبارة عن ظهورها في كون المستفاد من الآية وجوب الحج في كل عام مع انك عرفت عدم دلالتها الا على تعلق الأمر بالطبيعة و هي تتحقق في الخارج بوجود فرد واحد و حملها على كون المراد من الرواية كون ذلك تفسيرا للاية و ان كان على خلاف ظاهرها أو على كون الاستناد بالاية انما هو لأصل الوجوب من دون خصوصية كونه في كل عام خلاف الظاهر جدا.

و رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: ان اللّٰه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام. «3»

و رواية أبي جرير القمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: الحج فرض

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 3

(2) ئل أبواب

وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 16

..........

______________________________

على أهل الجدة في كل عام. «1»

و رواية أسد بن يحيى عن شيخ من أصحابنا قال: الحج واجب على من وجد السبيل إليه في كل عام. «2»

و رواية عبد اللّٰه بن الحسن الميثمي رفعه الى أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان في كتاب اللّٰه عز و جل فيما انزل اللّٰه، و للّٰه على الناس حج البيت في كل عام من استطاع اليه سبيلا. «3» فان كان المراد مما انزل اللّٰه هو كون «في كل عام» جزء من القرآن النازل كما هو ظاهره فلا مجال للأخذ بهذه الرواية الدالة على تحريف الكتاب بعد قيام الأدلة الواضحة و البراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف بالنقيصة في الكتاب كالزيادة و قد فصلنا القول في هذا المجال في كتابنا: «مدخل التفسير» فليراجع.

و ان كان المراد منه هو تفسير الآية بذلك فلا مانع منه لكنه خلاف ظاهر الرواية و قد جمع بين الطائفتين بوجوه من الجمع:

أحدها: ما استقر به صاحب الوسائل من حمل الطائفة الأولى على الوجوب العيني و الطائفة الثانية على الوجوب الكفائي و قد عقد با بين بهذين العنوانين أورد أحد بهما في أحد البابين و الأخرى في الأخر و جعله الوجه صاحب الحدائق مؤيدا له بما دل على عدم جواز تعطيل الكعبة و الا استحقوا العقاب و لم يناظروا و انه يجبر الامام الناس على الحج إذا تركوه و نفى البعد عن هذا الوجه صاحب العروة فيها.

و اللازم نقل جملة من الروايات الواردة في الأمرين فنقول:

اما ما يدل

على عدم جواز تعطيل الكعبة فمنها ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 6

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 17

..........

______________________________

في وصيته للحسن و الحسين- عليهما السلام-: أوصيكما بتقوى اللّٰه .. الى ان قال: اللّٰه اللّٰه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه ان ترك لم تناظروا. «1»

و منها رواية الحسين الأحمسي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب أو قال انزل عليهم العذاب. «2»

و منها صحيحة حماد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال كان على- صلوات اللّٰه عليه- يقول لولده يا بنى انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا. «3»

و اما ما يدل على إجبار الوالي فمنها رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لو عطل الناس الحج لوجب على الامام ان يجبرهم على الحج ان شاءوا و ان أبوا فإن هذا البيت انما وضع للحج. «4»

و منها صحيحة حفص بن البختري و هشام بن سالم و معاوية بن عمار و غيرهم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده و لو تركوا زيارة النبي- ص- لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين. «5»

و يرد على هذا الوجه من الجمع ما أورده عليه صاحب الجواهر

مما حاصله انه مخالف لإجماع المسلمين على الظاهر و نصوص الإجبار خارجة عما نحن فيه لعدم اختصاصها بأهل الجدة كما يدل عليه ذيل صحيحة حفص بل اشتمل أيضا على الجبر على المقام عند البيت و على زيارة النبي- ص- و المقام عنده مع عدم ثبوت

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع ح- 2

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح- 1

(5) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

الوجوب الكفائي بالإضافة إليها قطعا ثم نقل عبارة الدروس المشتملة على ان زيارة الرسول و ان كانت مستحبة مؤكدة الا انه يجبر الامام الناس على ذلك لو تركوه لما فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الأذان و منع ابن إدريس ضعيف الى ان قال:

و على كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص أهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة منهم مؤديا لواجب و لو كان مع من لم يحج منهم. و العجب من صاحب الوسائل انه مع اختياره هذا الجمع كيف عقد الباب (46) هكذا: باب استحباب الحج و العمرة عينا في كل عام و إدمانهما و لو بالاستنابة فإنه مع حكمه بالوجوب الكفائي كيف اختار الاستحباب العيني و لا مجال لاحتمال كون المراد هو الوجوب الكفائي بالنسبة إلى خصوص أهل الجدة لعدم تقييد عنوان هذا الباب بغيره فيلزم الجمع بين الوجوب الكفائي و الاستحباب العيني و

من الواضح عدم إمكانه فتدبر.

ثانيها حمل الطائفة الثانية على الاستحباب و هو محكي عن الشيخ و المحقق في المعتبر و صاحب المدارك و اختاره صاحب الجواهر و قد وجه بأن الأخبار الدالة على عدم وجوبه إلا مرة واحدة نص في مفادها و الاخبار المعارضة لا تكون نصا في الوجوب فيمكن حملها على ارادة الاستحباب و من المحتمل ان يكون المراد من لفظ «الفرض» الواقع في هذه الاخبار معناه اللغوي و هو الثابت و معلوم ان الثبوت أعم من ان يكون بنحو الوجوب أو الاستحباب.

و يرد على هذا الوجه ان حمل لفظ «الفرض» على ذلك ان سلمنا إمكانه و لكن الأمر لا يتم بذلك فإنه قد وقع في بعضها الاستشهاد بقوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ ..

و لا معنى للاستشهاد للاستحباب بالآية كما هو أوضح من ان يخفى و قد وقع في بعضها ان «في كل عام» جزء من التنزيل و وجهناه بكونه تفسيرا له فهل يمكن حمل «في كل عام» الواقع تفسيرا للآية على الاستحباب فهذا الوجه أيضا غير تام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 19

..........

______________________________

ثالثها حمل الطائفة الثانية على الوجوب البدلي بمعنى انه يجب على كل أحد مع الاستطاعة أن يحج في عامها و ان تركه ففي العام الثاني و ان تركه ففي العام الثالث و هكذا فمعنى وجوبه في كل عام هو عدم السقوط مع المخالفة و الترك بل هو باق على العهدة إلى آخر العمر و قد اختار هذا الوجه الشيخ في محكي التهذيب و العلامة في محكي المنتهى.

و يرد عليه عدم كونه جمعا دلاليا مقبولا عند العقلاء بحيث يكون موجبا لخروج الطائفتين عن التعارض و صيرورتهما

مجتمعتين فلا مجال له أيضا.

رابعها ما افاده بعض الاعلام في شرحه على العروة و جعله أحسن المحامل و وجوه الجمع من ان الروايات الظاهرة في كون الحج فريضة في كل عام ناظرة الى ما كان يصنعه أهل الجاهلية من عدم الإتيان بالحج في بعض السنين لأنهم كانوا يعدون الأشهر بالحساب الشمسى و مقتضاه تداخل بعض السنين في بعض و منه قوله تعالى:

إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيٰادَةٌ فِي الْكُفْرِ «1» فإنه رد عليهم بان الحج يجب في كل عام و انه لا يخلو كل سنة عن الحج و بالجملة كانوا يؤخرون الأشهر عما رتبها اللّٰه تعالى فربما لا يحجون في سنة فالمنظور في الروايات ان كل سنة قمرية لها حج و لا يجوز خلوها عن الحج لا انه يجب الحج على كل أحد في كل سنة.

و اللازم أولا توجيه هذا الكلام بان تركهم الحج في بعض الأعوام ليس لأجل عدهم الأشهر بالحساب الشمسى فان الظاهر عدم كون هذا الحساب معروفا عند الاعراب حتى في زماننا هذا بل لأجل ما وقع في تفسير الآية المسبوقة بما يدل على ان عدة الشهور عند اللّٰه اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم من ان العرب كانت تحرم الشهور الأربعة و ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم و إسماعيل و هم كانوا أصحاب غارات و حروب فربما كان يشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا

______________________________

(1) سورة التوبة آية 37

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 20

..........

______________________________

يؤخرون تحريم المحرم الى صفر فيحرمونه و يستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم يزول التحريم الى المحرم و لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة و حكى عن

مجاهد انه قال: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي- ص- في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذي الحجة.

و من ذلك يظهر ان التأخير لم يكن مستندا الى الحساب الشمسى بل الى تغيير مكان الأشهر من حيث الحلية و الحرمة و مع ذلك لا يكون هذا الوجه بتام فإنه لو كان كلمة «في كل عام» واقعة في آية الحج لكان من الممكن ان تحمل على ما ذكر ردا على ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و اما مع وقوعها في الرواية المروية عن موسى بن جعفر- ع- المتقدمة فلا وجه للحمل على هذا بعد وجود فصل طويل و نسيان ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و بطلانه و عدم تحققه أصلا لمضي أزيد من مائة سنة من الإسلام فلا مجال لهذا الحمل.

خامسها ما يخطر بالبال من ان المراد من «كل عام» في الرواية التي أشير إليها ان فرض الحج على أهل الجدة انما يكون على سبيل القضية الحقيقية لا القضية الخارجية بمعنى ان وجوب الحج لا يختص بزمان نزول الآية بل هو حكم ثابت الى يوم القيامة على المستطيع فليس المراد ان المستطيع يجب عليه الحج في كل عام بل المراد ثبوت الحكم الى يوم القيامة و يؤيد هذا الوجه بل يدل عليه التأمل في الرواية المزبورة فإنه قد وقع فيها الاستشهاد لفرض الحج على أهل الجدة في كل عام بقوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. مع ان مقتضى

الاستشهاد الاستناد الى ظاهر الآية و ما كان يفهمه أهل العرف منها لانه لا معنى للاستشهاد بتفسير الآية الذي يكون على خلاف ظاهرها و من المعلوم عدم دلالة الآية على الوجوب في كل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 21

..........

______________________________

عام بمعناه الظاهر الذي ينسبق الى الذهن ابتداء فالجمع بين التعرض لهذه الجهة و بين عدم دلالة الآية بالظهور على ذلك يقتضي الحمل على معنى يستفاد من ظاهر الآية و هو ليس الا ما ذكرنا من كون المراد به هي القضية الحقيقية التي هي ظاهر الآية أيضا فتدبر جيدا.

ثم انه لو لم يتم شي ء من هذه الوجوه و المحامل و بلغت النوبة إلى فرض التعارض بين الطائفتين فاللازم ترجيح ما دل على عدم الوجوب إلا مرة واحدة لأنها موافقة للشهرة الفتوائية لما عرفت من انه لم ينقل الخلاف عن أحد سوى الصدوق- قده- و قد حقق في محله ان المستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة ان أول المرجحات في باب المتعارضين هي الشهرة الفتوائية فاللازم هو الحكم بما عليه المشهور من عدم وجوب الحج على المستطيع الآمرة واحدة طول العمر و ما زاد فهو تطوع.

الأمر الثاني من الأمرين المذكورين في المتن ان وجوب الحج فوري بمعنى انه يجب الإتيان به في عام الاستطاعة و ان تركه ففي الثاني و هكذا و في الفورية بهذا المعنى جهتان:

إحديهما: لزوم الإتيان في عام الاستطاعة فورا و قد تطابقت الفتاوى و الآراء من السلف الى الخلف و من القديم و الحديث على ان وجوب الحج فوري و حكى الاتفاق عليه من الناصريات و الخلاف و شرح الجمل للقاضي و التذكرة و المنتهى و يستدل

عليه بأمور:

أحدها: نفس الإجماع المذكور الكاشف عن رأى المعصوم- عليه السلام- و لم ينقل الخلاف في هذا الأمر حتى من واحد و لكن الكشف في مثله مما يحتمل ان يكون مدرك المجمعين بعض الوجوه الآتية من حكم العقل و من الروايات الواردة في موارد مختلفة محل نظر بل منع فالظاهر انه لا أصالة لهذا الإجماع بل اللازم ملاحظة المدارك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 22

..........

______________________________

الأخر كما لا يخفى.

ثانيها: ان فورية وجوب الحج من المرتكزات عند المتشرعة المبالين بالشريعة المقيدين بها فإنهم يذمون من ترك الحج في أول عام الاستطاعة من دون عذر له و لا يرونه الا تاركا للوظيفة الإلهية و مخالفا لما هو واجب عليه في الشريعة و هذا الارتكاز كاشف عن الثبوت في الشرع كما لا يخفى.

و يرد عليه ان هذا الدليل انما يتم على تقدير إحراز اتصال هذا الارتكاز بزمن المتشرعة في أزمنة الأئمة المعصومين- عليهم السّلام- لان الارتكاز الثابت في ذلك الزمان يكشف قطعا عن التلقي عن الامام المعصوم و الأخذ منه و اما مع عدم الإحراز المذكور و احتمال كون منشأ الارتكاز وجود اتفاق المراجع و أصحاب الفتوى من الفقهاء على لزوم الفورية و الرسائل العملية المتفقة في هذه الجهة كما لا تبعد دعواه فلا يكون هذا النوع من الارتكاز بكاشف عن رأى المعصوم- عليه السلام- أصلا.

ثالثها: حكم العقل بأنه إذا كان المكلف واجدا لجميع الشرائط التي لها دخل في التكليف و صار التكليف منجزا عليه فلا بد له من تفريغ ذمته فورا و لا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت احتمالا عقلائيا و ليس ذلك لأجل دلالة صيغة الأمر على الفورية بالدلالة

اللفظية لما قد حقق في محله من عدم دلالتها عليها بوجه لا بمادتها و لا بهيئتها بل لأجل حكم العقل بذلك و جواز التأخير في مثل الصلاة انما هو لأجل حصول الوثوق و الاطمئنان ببقائه غالبا و ذلك لأجل قصر الوقت الموجب لحصول الاطمئنان كذلك و اما في مثل الحج الذي لا يمكن تحققه في كل عام إلا مرة فوجود الفصل الطويل يمنع عن تحقق الوثوق فلا مساغ لتأخيره إلى العام القابل.

و هذا الدليل و ان كان تاما في نفسه الا انه لا ينطبق على تمام المدعى لان المدعى وجوب الفورية في الحج و لو مع العلم بالبقاء و التمكن من الحج في العام القابل و الدليل لا يقتضي ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 23

..........

______________________________

رابعها: الأخبار الواردة في التسويف الدالة على حرمته و هي على طائفتين و قد جمعهما في الوسائل في باب واحد:

الطائفة الأولى ما يدل بظاهرها على حرمة نفس عنوان التسويف الظاهر في مجرد التأخير و لو وقع منه الحج في العام القابل مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوفه «1» للتجارة فلا يسعه، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به الحديث «2».

فان ظاهره عدم كونه من جهة مجرد التسويف في سعة و انه لا يكون مجازا فيه و قوله: و ان مات .. انما هو فرض احدى صورتي التسويف و هو ما لو انجر الى الترك و

لا دلالة على اختصاص الجملة السابقة بخصوص التسويف الذي يوجب الترك كما هو ظاهر و مرت الإشارة الى ان معنى التسويف يتحقق بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و لو حج في العام القابل و لا يتوقف على التأخير سنين متعددة.

و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له: أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة أو الدين فقال لا عذر له يسوف الحج ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «3» و هذه أظهر من الرواية السابقة في الدلالة على وجوب الفورية.

______________________________

(1) في الطبعة الجديدة من الوسائل بدل «سوفه» بالفاء و التشديد «سوقه» بالقاف و الظاهر انه غلط و يدل عليه الروايات الأخرى المذكورة في المتن

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 24

..........

______________________________

و صحيحة زيد الشحام قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- التاجر يسوف الحج؟ قال ليس له عذر، فان مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «1» و تفريع الموت على التسويف تفريع على أحد فرضية و لا دلالة له على اختصاصه بفرض الموت الطائفة الثانية ما يدل على حرمة التسويف فيما إذا كان موجبا للترك الى آخر الموت مثل:

رواية معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّٰه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ قال قلت له:

سبحان اللّٰه اعمى قال أعماه اللّٰه عن طريق

الحق. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام الحديث. «3»

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا قال: ذلك الذي يسوف نفسه الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت. «4»

و غير ذلك من الروايات المذكورة في الوسائل في ذلك الباب و الظاهر صحة الاستدلال بهذه الطائفة أيضا كما يظهر من الجواهر و ذلك لانه مع جواز التأخير و عدم فورية الوجوب لا مجال للعذاب بمثل ما ذكر فيها و لا لعدّه تاركا للشريعة و لا محالة يترتب عليه استحقاق العقوبة لأنه لم يكن قاصدا لترك الحج بل كان عازما على الإتيان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 3

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 25

..........

______________________________

به غاية الأمر ان التأخير كان مستندا الى عدم فورية الوجوب نظير من مات في العصر قبل ان يصلى الظهر و العصر فإنه لا يكون معاقبا على ترك الصلاتين فالعذاب و استحقاق العقوبة في المقام انما هو لأجل فورية وجوب الحج فالاستدلال صحيح.

و خامسها: الروايات الظاهرة في انه يشترط في النائب ان لا يكون مستطيعا يجب عليه الحج مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد

اللّٰه- عليه السلام- في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال قال يحج عنه صرورة لا مال له «1».

فان الظاهر من المال المنفي في الذيل و لو بقرينة المال المثبت في الصدر هو المال الذي يكفي للحج و تتحقق به الاستطاعة كما لا يخفى و غير ذلك من الروايات و تقريب دلالتها على المقام ان الاشتراط المذكور يكشف عن فورية وجوب الحج لانه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك وجه للاشتراط فمن هذا الطريق يستكشف الفورية فيما نحن فيه.

و يرد عليه ان الوجه المذكور و ان كان محتملا الا انه يحتمل ان يكون الوجه مجرد اشتغال الذمة بالحج و ثبوت التكليف فإنه يلائم مع الاشتراط أيضا و لا دليل على ترجيح الاحتمال الأول حتى يتم الاستدلال.

و سادسها: الأخبار الواردة في الحج البذلي الظاهرة في وجوب الإتيان به فورا و في عام البذل بضميمة انه لا فرق من هذه الجهة بينه و بين الحج عن الاستطاعة النفسية في جهة الفورية أصلا و هذه الروايات كثيرة:

منها: صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام- فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل. «2»

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 26

..........

______________________________

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم

يفعل فإنه لا يسعه الا ان يخرج و لو على حمار أجدع أبتر. «1» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا دليل على فورية وجوب الحج البذلي فإنه إذا بذل الباذل نففة الحج و لم يقيده بالعام الأول بل كان غرضه مجرد تحقق الحج من المبذول له لا يكون هنا دليل على لزوم الإتيان بالحج فورا نعم فيما إذا دعاه قوم ان يحجوه بحيث لا تبقى الاستطاعة إلى العام القابل لان غرضهم مصاحبته معهم في الحج كما إذا كان المبذول له عالما بمسائل الحج فأرادوا ان يكونوا معه ليتم حجهم و تكون مناسكهم مطابقة لما في الشريعة ففي مثل هذه الصورة لا تبعد دعوى فورية الوجوب لانتفاء الاستطاعة البذلية بخروج العام و التحقيق يأتي في محله- انه لا دليل على مساواة الأمرين فإذا كانت الفورية ملحوظة في وجوب الحج البذلي فلا دليل على اعتبارها في غيره من الحج عن استطاعة لعدم الدليل على التساوي و بطلان القياس.

و سابعها: الروايات الدالة على وجوب استنابة الموسر في الحج إذا منعه مرض أو كبر أو عدوّ أو غير ذلك مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال:

ان عليا- عليه السلام- رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أوامر يعذره اللّٰه فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له. «3»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر

ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

و تقريب دلالتها انه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك وجه لوجوب الاستنابة المذكورة لأنه مع مشروعية التأخير لا يجب عليه الاستنابة.

و فيه ان هذا الاستدلال تام لو كان مفاد الروايات وجوب الاستنابة في العام الأول من الاستطاعة أيضا لأنه لا يجتمع ذلك مع مشروعية التأخير مع ان الظاهر انصراف الروايات عن هذا الفرض و ان موردها ما إذا استقر على المستطيع الحج بالترك في العام الأول مع القدرة عليه من جميع الجهات فإنه في هذه الصورة مع وجود حائل بينه و بين الحج من مرض أو كبر أو عدو أو غير ذلك تجب عليه الاستنابة فلا دلالة لهذه الروايات على حكم المقام.

و ثامنها: ما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- «1» انه كتب الى المأمون تفصيل الكبائر و من جملتها الاستخفاف بالحج نظرا إلى صدقة بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و عليه فإذا كان التأخير معصية كبيرة فاللازم ان تكون الفورية واجبة كما هو ظاهر.

و يرد عليه انه لا يعلم صدق الاستخفاف على التأخير عن عام الاستطاعة و يأتي الكلام فيه في بحث كون التأخير كبيرة أم لا فانتظر.

إذا عرفت ما ذكرنا من الوجوه الثمانية فقد ظهر لك تمامية دلالة بعضها و صحة الاستدلال به و ان كان في كثير منها مناقشة بل منع كما مر و عليه فلا ينبغي الإشكال في فورية وجوب الحج بالنظر الى الدليل.

و بعد

ذلك يقع الكلام فيما يرتبط بالفورية في مقامين:

أحدهما: انه قد صرح المحقق في الشرائع بأن التأخير مع الشرائط كبيرة موبقة و قال السيد في العروة لا يبعد كونه كبيرة كما صرح به جماعة و يمكن استفادته من جملة من الاخبار و استدل عليه صاحب الجواهر بأمرين:

______________________________

(1) ئل أبواب جهاد النفس الباب السادس و الأربعون ح- 33

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 28

..........

______________________________

الأول كونه كذلك في نظر أهل الشرع و مرجعه الى ثبوت ارتكاز المتشرعة على كونه معصية كبيرة فإنهم لا يرون من أخر الحج عن عام الاستطاعة إلا كذلك و يقدحون في عدالته.

و الظاهر ان هذا الارتكاز على تقدير الثبوت يكشف عن موافقة المعصوم- عليه السلام- و عن التلقي عنه و ليس كالارتكاز في أصل فورية الوجوب الناشئ عن الآراء و الفتاوى و الرسائل العملية لعدم وجود الاتفاق هنا بل لم يتعرض له الجميع كما انه لم يتعرض له الماتن- أدام اللّٰه ظله الشريف- فلا محالة يكون هذا الارتكاز كاشفا و لكن الظاهر إمكان المناقشة في أصل ثبوت هذا الارتكاز فان القدر المتيقن منه كون التأخير معصية و اما كونه معصية كبيرة قادحة في العدالة فلا.

الثاني رواية فضل بن شاذان المتقدمة آنفا الدالة على ان الاستخفاف بالحج من المعاصي الكبيرة و التأخير عن عام الاستطاعة يتحقق به الاستخفاف.

و فيه انه يحتمل ان يكون المراد بالاستخفاف هو الاستخفاف النظري و الاعتقادي بمعنى عدم اعتقاده كونه من الفرائض المهمة الإلهية و ان كان أصل وجوبه معتقدا له و يؤيده انه يستعمل الاستخفاف في مقابل الترك فإنه فرق بين تارك الصلاة و بين المستخف له و في الحديث عن الصادق- عليه السلام- انه

في ساعات أخر عمره الشريف أمر بجمع أقوامه و المتقربين اليه و قال لهم ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة و مع ملاحظة ان أمر الصلاة في الوقت دائر بين الفعل و الترك و ان الاستخفاف غير التارك يستفاد منه ان الآتي بالصلاة مع عدم اعتقاد كونها من أهم الفرائض و أعظم الواجبات لا تناله شفاعة أهل البيت- عليهم السلام- و عليه فلا دلالة لرواية فضل على ان من أخر الحج مع اعتقاد ما فيه من الأهمية و العظمة و اتى به في العام القابل يكون مستخفا بالحج كما لا يخفى.

ثم على تقدير كون المراد بالاستخفاف هو الاستخفاف العملي و لا بد- ح- من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 29

..........

______________________________

ان يكون المراد به هو الترك فهل يصدق على مجرد الترك في عام الاستطاعة أو يتحقق بالترك الى آخر العمر الذي وقع التعرض له في روايات التسويف المتقدمة و الظاهر هو الأول فتدبر.

و يمكن الاستدلال على كون التأخير معصية كبيرة بالاية الشريفة الواردة في الحج المشتملة على قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ .. بناء على ان يكون سبب الكفر هو مجرد الترك لا الترك الناشئ عن اعتقاد عدم الوجوب- كما اخترناه في تفسير الآية- و على ان يكون المراد بالترك مطلق الترك الحاصل بالترك في عام الاستطاعة لا الترك المطلق المتوقف على الترك الى ان يموت فإن إطلاق الكفر على الترك بناء على الأمرين لا بد و ان يكون بنحو العناية و التسامح و لكن يستفاد منه كونه معصية كبيرة لأنه لا مجال لإطلاق الكفر و لو مجازا على المعصية غير الكبيرة كما هو واضح.

و الظاهر منع كلا الأمرين اما

الأول فقد أشير إليه آنفا و اما الثاني فلظهور الآية في الترك المطلق و ان مفادها نظير مفاد الأخبار الواردة في التسويف الى ان يموت و لا ملازمة بين الكفر الناشئ عن ترك الحج الى آخر العمر و بين الكفر الناشئ عن مجرد التأخير عن عام الاستطاعة كما لا يخفى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لإثبات كون التأخير معصية كبيرة و لعله لذا لم يقع التعرض له في المتن مع وقوع التصريح به في الشرائع.

ثانيهما: قد فسرت الفورية في المتن تبعا للفقهاء بأنه تجب المبادرة في العام الأول من الاستطاعة و ان تركه فيه ففي الثاني و هكذا و مرجعه الى اعتبار الفورية في جميع السنوات على تقدير المخالفة في السابقة و الدليل عليه بعض ما يدل على أصل اعتبار الفورية كالأخبار الواردة في التسويف الدالة على عدم جوازه بعنوانه و بطبيعته و من المعلوم انه كما ان التأخير عن العام الأول تسويف كذلك التأخير عن العام الثاني مع عدم الإتيان به في العام الأول فلا مجال لتوهم انه على تقدير مخالفة الفورية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 30

[مسألة- 2 لو توقف إدراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة]

مسألة- 2 لو توقف إدراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة من السفر و تهيئة أسبابه وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام، و لو تعددت الرفقة و تمكن من المسير بنحو يدركه مع كل منهم فهو بالتخيير، و الاولى اختيار أوثقهم سلامة و إدراكا، و لو وجدت واحدة و لم يكن له محذور في الخروج معها لا يجوز التأخير إلا مع الوثوق بحصول أخرى. (1)

______________________________

في العام الأول تسقط الفورية بالمرة و لا يجب عليه

المبادرة في العام الثاني كما هو ظاهر

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لحكم أمرين:

أحدهما المقدمات من السفر و تهيئة أسبابه بعد حصول الاستطاعة التي هي شرط التكليف و قد حكم بوجوب تحصيلها على وجه يدرك الحج في ذلك العام و المراد من الوجوب هو الوجوب الشرعي بناء على الالتزام بأمرين أحدهما الوجوب المعلق في مقابل الوجوب المنجز و قد وقع البحث في الأصول في استحالته و إمكانه نظرا الى انفكاك البعث عن المبعوث إليه لمدخلية الوقت المخصوص في تحقق الحج فإذا قلنا بفعلية الوجوب بمجرد الاستطاعة يصير الوجوب فعليا و الواجب استقباليا و القائل بالاستحالة لا يرى إمكان الانفكاك كما ان القائل بالعدم لا يرى منعا فيه و التحقيق في محله و ثانيهما ثبوت الملازمة العقلية بين وجوب ذي المقدمة و الوجوب الشرعي للمقدمة فإنه- ح- يصير وجوب تحصيل المقدمات في باب الحج وجوبا شرعيا لاقتضاء الأمر الأول ثبوت التكليف بالحج قبل الموسم بعد حصول الاستطاعة و اقتضاء الأمر الثاني وجوب تحصيل المقدمات بالوجوب الشرعي لأن المفروض ثبوت الملازمة بين الوجوبين الشرعيين.

اما لو قلنا باستحالة الواجب المعلق و ان دخالة الوقت في باب الحج كدخالته في باب الصلاة حيث لا تجب قبله فوجوب تحصيل المقدمات- ح- يصير وجوبا عقليا لان العقل يحكم بأنه إذا توقف إتيان المأمور به في وقته على إيجاد مقدمات قبله لا محيص عن الإتيان بها و تحصيلها بحيث يقدر على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

إتيان المأمور به في وقته و يعبر عن هذا بلزوم المقدمات المفوتة كما انه إذا أنكرنا الملازمة في بحث مقدمة الواجب تكون المقدمة محكومة باللابدية العقلية لتوقف حصول

المأمور به عليها لفرض المقدمية فالوجوب في هاتين الصورتين يكون وجوبا عليا و في الفرض الأول يكون شرعيا كما عرفت.

ثانيهما تعدد الرفقة و فيه فرضان:

الأول: ما إذا كانوا موافقين في الخروج زمانا و الظاهر انه لا إشكال في انه إذا كانوا متفقين في أصل الوثاقة و في مرتبتها و تمكن من المسير مع كل منهم يكون مخيرا في الخروج مع اىّ واحد منهم كما انه لا إشكال في انه إذا كانوا مختلفين في أصل الوثاقة فاللازم بحكم العقل اختيار من يثق بوصوله و إدراكه الحج معه و لا يجوز له اختيار من لا يثق بوصوله و إدراكه الحج.

و اما إذا كانوا مختلفين في مرتبة الوثاقة كما إذا كان بعضهم أوثق من الأخر فظاهر السيد في العروة لزوم اختيار الأوثق سلامة و إدراكا و صريح المتن عدم الوجوب و ان الاولى ترجيح الأوثق و هو أولى لأنه لا دليل على مرجحية الاوثقية عند العقل بعد كون الملاك بنظره هو مجرد الوثاقة المشتركة بين الجميع كما انه لا دليل عليها في الشرع فيجوز له اختيار غير الأوثق كما لا يخفى.

الثاني: ما إذا كانوا مختلفين في الخروج من حيث الزمان أو كانت هناك رفقة واحدة و احتمل وجود اخرى و هذه الصورة مذكورة في المتن فإنه ليس المراد بوحدة الرفقة المذكورة فيه هو الانحصار الحاصل بالعلم بعدم وجود أخرى فإنه- مضافا الى عدم كونه مرادا له- يغايره استثناء صورة حصول الوثوق بحصول اخرى بعد ظهور كون الاستثناء متصلا.

و كيف كان ففي هذا الفرض أقوال أربعة:

الأول: ما افاده الشهيد في «الروضة» من وجوب الخروج مع الرفقة الاولى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 32

..........

______________________________

و

ظاهره ثبوت الوجوب و لو مع العلم بالتمكن من المسير مع الثانية و إدراك الحج معها نظرا الى ان مجرد التأخير تفريط في أداء الواجب فاللازم الخروج مع الاولى مطلقا.

الثاني: ما عن الشهيد في الدروس من عدم جواز التأخير إلا مع الوثوق بالثانية و بالتمكن من المسير و إدراك الحج معها و قد تبعه في المتن.

الثالث: ما احتمله قويا في المدارك حيث انه بعد استحسانه لما نقله عن الدروس قال: بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى.

الرابع: ما حكاه في المدارك عن التذكرة من انه أطلق جواز التأخير عن الرفقة الأولى قال لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب و الظاهر انه لا ارتباط بين المسألتين فان الحج النيابي تابع من جهة الفورية و من سائر الخصوصيات لما يدل عليه عقد الإجارة لفظا أو انصرافا و هذا بخلاف المقام الذي يرتبط بما هو المستفاد من الأدلة اللفظية الشرعية الدالة على الفورية بضميمة حكم العقل بلزوم تحصيل المقدمات فتصير الأقوال في المسألة ثلاثة.

و الظاهر هو القول الثاني الذي هو الوسط بين القولين لان تعين الخروج مع الرفقة الاولى و لو مع العلم أو الوثوق الذي يقوم مقامه عند العقلاء يحتاج الى دليل و دعوى كون مجرد التأخير تفريطا في أداء الواجب ممنوعة جدا فإنه بعد فرض تعدد الرفقة و عدم الفرق بين الاولى و الثانية بل ربما كانت الثانية أوثق سلامة و إدراكا لا يحكم العقل بتعين الخروج مع الاولى و عدم جواز التأخير لحصول الغرض و هو إدراك الحج في عام الاستطاعة على كلا الفرضين كما هو المفروض.

كما انه لا مجال لاحتمال جواز التأخير بمجرد

احتمال حصول أخرى أو التمكن منها فإن التأخير بذلك مع احتمال الفوت و عدم الإدراك و المفروض التمكن مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 33

..........

______________________________

القافلة الاولى لا يسوّغه العقل و الدليل عليه ما عرفت من لزوم المبادرة بضميمة حكم العقل فإنه لا يرى مجالا للتأخير في هذه الصورة أصلا.

ثم انه في صورة الوثوق التي يجوز فيها التأخير لو صادف عدم خروج قافلة أخرى أو عدم التمكن من المسير معه لا يكون ترك الحج في العام الأول موجبا لاستحقاق العقوبة و تحقق المعصية بوجه.

و اما في صورة عدم جواز التأخير لعدم الوثوق فان صار التأخير مستلزما لفوات الحج لعدم خروج الرفقة الثانية فرضا فلا إشكال في استحقاق العقوبة على ترك الحج و عدم الإتيان بما هو الواجب عليه من رعاية المبادرة و الفورية و اما إذا لم يترتب عليه فوات الحج بل حصلت الفرقة الثانية و تمكن من المسير معها و خرج و أدرك الحج فهل يترتب على مجرد التأخير غير الجائز استحقاق العقوبة أم لا ظاهر الجواهر الترتب حيث قال: «و الا- اى و ان لم يثق- فالعصيان ثابت له من حيث التعرض للمعصية و الجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الاولى مع عدم الوثوق بالثانية و ان تبين له الخلاف بعد ذلك و التمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء السابق».

و الظاهر عدم تحقق التجري بمجرد عدم الوثوق فان الاحتمال الذي يتساوى طرفاه لا يجتمع مع تحققه بل الظاهر انه يتحقق في خصوص صورة الوثوق بالخلاف فلا يجرى ما أفاده في جميع صور المسألة.

ثم ان ظاهر الجواهر انه لا فرق بين الوثوق و بين مطلق الظن مع ان الظاهر كون

الوثوق هو الظن القوى المتاخم للعلم الذي يعبر عنه بالاطمينان و يعامل معه عند العقلاء و العرف معاملة العلم و الا فمجرد الظن مع عدم اعتباره بوجه لا يستلزم جواز التأخير لعدم الفرق بينه و بين الاحتمال بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 34

[مسألة 3- لو لم يخرج مع الاولى مع تعدد الرفقة]

مسألة 3- لو لم يخرج مع الاولى مع تعدد الرفقة في المسألة السابقة أو مع وحدتها و اتفق عدم التمكن من المسير أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج و ان لم يكن إثما، نعم لو تبين عدم إدراكه لو سار معهم أيضا لم يستقر بل و كذا لو لم يتبين إدراكه لم يحكم عليه بالاستقرار. (1)

______________________________

(1) كان البحث في المسألة السابقة مرتبطا بالحكم التكليفي و في هذه المسألة بالحكم الوضعي و هو الاستقرار و عدمه و ظاهر المتن استقرار الحج بمجرد التأخير و لو كان جائزا كما في صورة الوثوق برفقة ثانية و التمكن من المسير معها فإنه لو تبين خلافه و لم تحصل الثانية أو لم يتمكن من الخروج معها أو لم يدرك الحج مع الخروج يستقر عليه الحج فيجب عليه الإتيان به و لو زالت الاستطاعة في العام الثاني و لكنه مبنى على ان يكون موضوع الحكم بالاستقرار مجرد ترك الحج مع التمكن- منه كما قد صرح به في العروة- و لكن المحكي عن المحقق- قده- ان موضوع الحكم المذكور هو الإهمال و الترك العمدي و من المعلوم انه لا يتحقق إلا في صورة الترك رأسا و عدم الخروج مع شي ء من القوافل أو في صورة الترك المستند الى عدم الخروج مع عدم الوثوق بالثانية فإنه يتحقق- ح- عنوان الإهمال و

لو كان مقرونا بمجرد الاحتمال مع الوثوق المسوغ للتأخير فلا مجال لصدق الإهمال و عليه فلا يحكم عليه بالاستقرار و حيث ان بحث الاستقرار من المباحث المهمة الآتية و الظاهر عدم ورود دليل خاص فيه بل يكون مستفادا من الأدلة الواردة في الموارد المختلفة و من الأحكام الأخرى الثابتة فيها فاللازم احالة التحقيق في ذلك الى محله.

ثم انه قد استثنى في المتن موردان عن حكم الاستقرار:

أحدهما- صورة تبين عدم الإدراك لو سار مع الرفقة الاولى و الوجه فيه تبين عدم التمكن من الحج في العام الأول بوجه فلا مجال للاستقرار أصلا.

ثانيهما- صورة الشك في الإدراك مع الرفقة الاولى و الوجه في عدم الاستقرار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 35

[القول في شرائط وجوب حجة الإسلام]

اشارة

القول في شرائط وجوب حجة الإسلام و هي أمور:

[أحدها الكمال بالبلوغ و العقل]

اشارة

أحدها الكمال بالبلوغ و العقل فلا يجب على الصبي و ان كان مراهقا، و لا على المجنون و ان كان أدواريا ان لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الاعمال مع مقدماتها غير الحاصلة، و لو حج الصبي المميز صح لكن لم يجز عن حجة الإسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط عدا البلوغ و الأقوى عدم اشتراط صحة حجه بإذن الولي و ان وجب الاستئذان في بعض الصور. (1)

______________________________

فيها انه بناء على المبنى الأول أيضا لا بد من إحراز موضوع الحكم بالاستقرار و المفروض الشك في التمكن و عدمه فلا يترتب الاستقرار مع الشك في موضوعه كما لا يخفى.

(1) في هذا الأمر جهات من البحث:

الاولى: عدم وجوب حجة الإسلام على الصبي مطلقا و ان كان مميزا مراهقا و عدم وجوبها على المجنون مطلقا و ان كان أدواريا و الوجه فيه- مضافا الى الإجماع المحقق- الروايات العامة الظاهرة في انه رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق الدالة على رفع قلم التكليف مطلقا.

و يدل عليه في خصوص المقام الروايات الآتية في الجهة الثانية الدالة على ان حج الصبي لا يجزى عن حجة الإسلام فإنه لو كان الحج واجبا عليه بالاستطاعة لكان حجه حجة الإسلام.

نعم يستثنى من المجنون الأدواري ما إذا كان دور إفاقته وافيا بإتيان تمام الاعمال و المناسك و تحصيل المقدمات غير الحاصلة فإنه- ح- عاقل يتمكن من الحج بمقدماته فهو واجب عليه كما في العاقل المطلق و كما في سائر التكاليف و الوظائف فلا إشكال في هذه الجهة من البحث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 36

..........

______________________________

الثانية:

صحة حج الصبي و عدم اجزائه عن حجة الإسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط سوى البلوغ و يدل عليه روايات:

منها صحيحة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «1» و منها رواية شهاب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال سألته عن ابن عشر سنين يحج قال عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت. «2».

و منها رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال لو ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام. «3»

و هذه الروايات الثلاثة مشتركة في الدلالة على عدم كون حج الصبي حجة الإسلام و انه لا يجزى عنه بعد البلوغ و لو كان حجه واجدا لجميع الشرائط و الخصوصيات سوى البلوغ و اما كون الوجه فيه هو بطلان عبادة الصبي و الحج الصادر منه أو ان الوجه شي ء آخر يجتمع مع صحة عباداته و حجه فلا دلالة للروايات عليه اما الرواية الأخيرة فدلالتها باعتبار عدم اشتمالها على السؤال المذكور في الأولتين واضحة لأن ثبوت حجة الإسلام بعد الاحتلام يجتمع مع كلا الاحتمالين و اما غيرها فلا يظهر من السؤال فيه مفروغية صحة حج الصبي عند السائل حتى يكون الجواب ظاهرا في التقرير لان مجرد فرض صدور الحج من ابن عشر سنين لا دلالة فيه على ثبوت الصحة و التعرض في الجواب لعدم الإجزاء بصورة وجوب حجة الإسلام عليه بعد الاحتلام لا يكون قرينة على ان مورد السؤال هو الاجزاء حتى يقال بأنه

______________________________

(1) ئل

أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني عشر ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

لا بد في الاجزاء و عدم الاجزاء من فرض الصحة لأن الحج الباطل لا مجال لاجزائه عن حجة الإسلام أصلا فاللازم استفادة صحة حج الصبي من الروايات الأخرى أو من القاعدة الكلية الدالة على ان عبادة الصبي شرعية و قد حققناها في كتابنا:

«القواعد الفقهية» و سيأتي في ذيل هذه الجهة إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها ما رواه الصدوق بإسناده عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر «1» و الكلام في هذه الرواية تارة من حيث السند و اخرى من حيث الدلالة.

اما الأول فقد روى صاحب الوسائل الرواية عن ابان بن الحكم و ربما يقال مع توضيح منا: انه لا وجود له في الكتب الرجالية و لا في كتب الحديث و الصحيح كما في محكي الفقيه هو ابان عن الحكم و الظاهر ان أبانا هذا لا يكون ابان بن تغلب الذي هو من أعاظم الرواة وثقاتهم لعدم روايته عن غير الامام- عليه السّلام- غالبا و لا يكون ابان بن عثمان أيضا لعدم ثبوت رواية له عن حكم بن الحكيم نعم يوجد فمن روى عن حكم بن الحكيم الصيرفي الثقة روايتان رواهما ابان عنه- كما في جامع الرواة و إزاحة الاشتباهات عن الطرق و الإسناد: أحد بهما في التهذيب و الأخرى في الكافي و لكن لا يعلم حاله من جهة

الوثاقة فالرواية من حيث السند ضعيفة هذا و لكن الظاهر انه هو ابان بن عثمان الثقة و الرواية معتبرة من حيث السند كما سيأتي في بعض المباحث الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد صرح هذا القائل أيضا في بعض المباحث الآتية بأن الراوي عن حكم بن الحكيم هو ابان بن عثمان و قد حكى ذلك أيضا عن المجلسي في المرآت.

و اما من حيث الدلالة فظاهرها إطلاق حجة الإسلام على حج الصبي و ان كان التقييد بقوله: حتى يكبر ظاهرا أيضا في عدم اجزائه عن الحج بعد الكبر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 38

..........

______________________________

و هذا تصير قرينة على ان الإطلاق المذكور ليس مبتنيا على الاصطلاح المعروف في حجة الإسلام بل المراد به هو الحج المشروع في الإسلام أو الحج الواقع في حال الإسلام.

و ربما يقال بأنه قد أطلق حجة الإسلام على حج النائب في بعض الروايات مع انه لا إشكال في بقاء حجة الإسلام على النائب لو استطاع. و الرواية التي أشير إليها هي موثقة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم «1».

و لكن لو كان مرجع الضمير في قوله «يجزيه» هو الغير الذي هو المنوب عنه بحيث كان مرجع السؤال إلى كفاية حج النائب عن المنوب عنه لا يبقى للاستشهاد به مجال كما انه لو كان مرجع الضمير هو الرجل النائب لكانت الرواية دالة على الاجزاء غاية الأمر كونها مخالفة للنصوص الأخر و الفتاوى نعم لو أريد توجيهها تصير كالمقام.

ثم انك عرفت انه

لا دلالة للروايات الدالة على ان حج الصبي لا يكفى عن حجة الإسلام بعد ما بلغ على صحة حج الصبي و مشروعيته و استحبابه و لكن يستفاد ذلك من طرق آخر:

أحدها: نفى الخلاف عنه و في محكي ظاهر التذكرة و المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء بل ادعى عليه الإجماع كما في المستند و هذا الاتفاق في مسألة الحج إذا انضم الى الخلاف في مسألة مشروعية عبادات الصبي يكشف عن ان للحج خصوصية من بين العبادات و لا تكون من صغريات تلك القاعدة و لكن حيث يحتمل ان يكون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية يخرج الإجماع عن الأصالة و لا تكون له كاشفية بنفسه كما هو ظاهر.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 39

..........

______________________________

ثانيها: الأخبار الدالة على رجحان الحج و استحبابه و ترتب فوائد كثيرة أخروية و دنيوية فإنها- بعمومها أو إطلاقها- تشمل الصبي أيضا و قد أورد كثيرا منها في الوسائل في الباب الثامن و الثلاثين من أبواب وجوب الحج و شرائطه و من المعلوم انه لا مجال لتخصيصها أو تقييدها بحديث رفع القلم عن الصبي بعد ظهوره في نفسه بلحاظ كلمة الرفع و تعديته بعن و بلحاظ وقوعه في مقام الامتنان في رفع خصوص التكاليف الإلزامية لعدم ثبوت الكلفة و المشقة في غيرها و عدم كون رفعه ملائما للامتنان بوجه فتبقى دلالة هذه الروايات باقية على عمومها و إطلاقها شاملة للصبي أيضا.

ثالثها: الأخبار الدالة على استحباب إحجاج الصبي غير المميز بتقريب انه إذا كان إحجاج الصبي غير المميز مستحبا فحج الصبي المميز مستحب بالأولوية القطعية بل

ربما يقال ان بعض هذه الاخبار يشمله بل يختص به مثل:

صحيحة زرارة عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبّى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و يطاف به و يصلى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى أبيه. «1» نظرا الى صراحتها في انه انما يحج بالصبي ان لم يقدر على ان يحج بنفسه و إلا حج بنفسه.

و يرد عليه ان قوله: «فان لم يحسن ان يلبّى» و ان كان ظاهرا في ثبوت فرضين الا ان الظاهر كون كلا الفرضين مصداقا للصبي غير المميز غير القادر على ان يحج بنفسه و الشاهد عليه قوله- ع- بعد ذلك و يطاف به و يصلى عنه فإنه حكم في كلا الفرضين فمن اين يستفاد حج الصبي بنفسه كما لا يخفى و اما قوله يأمره ان يلبّى و يفرض الحج فليس المراد به هو اذنه له في ان يحج و الا لا يلتئم مع قوله «حج الرجل بابنه» فإنه ظاهر في الإحجاج فالمراد من الأمر بالتلبية هو تلقينه إياها كما لا يخفى

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 40

..........

______________________________

و رواية أبان بن الحكم قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام يقول الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق. «1» بتقريب ان الذيل قرينة على ان المراد

من «حج به» هو الأمر بالحج و الاذن له فيه لانه لا معنى لاحجاج العبد في مقابل الصبي و قد عرفت ان الصحيح هو ابان عن الحكم و ان أبانا هذا هو ابان بن عثمان فالرواية من حيث السند لا مجال للخدشة فيها.

و اما الأولوية المذكورة أولا فغير واضحة لأن استحباب الإحجاج ثابت في حق الولي فكيف يستفاد منه الاستحباب على الصبي بنفسه إذا كان مميزا و لكن الطريق الثاني كاف في إثبات المشروعية و الصحة و ان لم نقل بها في سائر العبادات.

الجهة الثالثة في اعتبار اذن الولي في مشروعية حج الصبي و استحبابه و عدمه و المنسوب الى المشهور الاعتبار بل في الجواهر استظهار الإجماع من نفى الخلاف فيه بين العلماء في محكي المنتهى و التذكرة و لكن الذي ذهب اليه السيد في العروة و اختاره أكثر المتأخرين منه هو العدم و استدل للمشهور بأمرين:

أحدهما- ان الحج عبادة خاصة متلقاة من الشارع و قد قام الدليل على مشروعيته مضافا الى البالغ- في حق الصبي الذي اذن له الولي لأنه القدر المتيقن من الأدلة الدالة على المشروعية للصبي و في غير هذه الصورة نشك في أصل المشروعية و مع الشك فيها تجري أصالة العدم و لا مجال لقياس المقام على الموارد التي تكون أصل المشروعية مسلما و لكن الشك وقع في قيد وجودي أو عدمي كموارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين حيث يرجع فيها عند عدم الإطلاق إلى أصالة البراءة عن وجوب الزائد و الوجه فيه كون أصل المشروعية في المقام مشكوكا.

و الجواب عنه انه لا فرق في جواز الرجوع الى الإطلاق بين الصورتين أصلا

______________________________

(1) أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب

السادس عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 41

..........

______________________________

فمن إطلاق الأدلة المتقدمة الدالة على المشروعية للصبي يستفاد انه لا فرق بين صورة وجود الاذن و صورة عدمه أصلا فلا وجه لهذا الدليل.

ثانيهما: استتباع الحج للمال و من المعلوم ان جواز تصرف الصبي في المال مشروط بإذن الولي و قد مثل في العروة للمال بالهدي و الكفارة و لأجله أورد على هذا الدليل بأنه يمكن ان يقال أو لا بعدم ثبوت الكفارات عليه لان عمد الصبي و خطأه واحد و إتيانه ببعض محرمات الإحرام لا يوجب الكفارات و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و ثانيا بأنه لو سلم ثبوت الكفارة فإن أمكن الاستيذان من الولي فهو و الا فيدخل في العاجز و مجرد ذلك لا يوجب سقوط الحج و توقفه على اذن الولي بل يمكن الالتزام بأنه يأتي بالكفارة بعد البلوغ و هكذا ثمن الهدى ان أمكن الاستيذان من الولي فهو و الا فيكون عاجزا عن الهدى.

و لكن الظاهر ان المراد به هو مصارف الحج المتوقف عليها الحج نوعا لاستلزامه السفر و غيره فيكون المراد ان استتباع الحج له يوجب توقفه على الاذن.

و لكنه يرد عليه- مضافا الى إمكان أن يتحقق البذل من أخيه- مثلا- أو من غيره بحيث لا يكون الحج له مستلزما لصرف شي ء من أموال نفسه أصلا- انه لو سلم استلزامه لصرف مال نفسه مطلقا نقول ان في مقابل ما يدل على اعتبار اذن الولي في التصرفات المالية الصادرة من الصغير الأدلة الدالة على استحباب الحج و مشروعيته بالإضافة إليه غاية الأمر انك عرفت ان في هذا المجال طائفة تدل بعمومها أو إطلاقها على الاستحباب

للصبي و طائفة تدل على خصوص الاستحباب للصبي اما الطائفة الأولى فالنسبة بينها و بين أدلة اعتبار الاذن في التصرف المالى عموم و خصوص من وجه لثبوت مادتي الافتراق و مادة الاجتماع اما الأولتان فهما حج غير الصبي و التصرف المالي في غير الحج و اما الثانية فحج الصبي و لا مرجح لدليل اعتبار الأذن بل يقع التساقط و يرجع الى أصالة عدم الاعتبار لو لم نقل بأن موافقة المشهور مرجحة لدليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 42

[مسألة 1- يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز فيجعله محرما]

مسألة 1- يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز فيجعله محرما و يلبسه ثوبي الإحرام و ينوى عنه و يلقنه التلبية ان أمكن و الا يلبي عنه و يجنبه عن محرمات الإحرام و يأمره بكل من أفعاله و ان لم يتمكن شيئا منها ينوب عنه، و يطوف به و يسعى به و يقف به في عرفات و مشعر و منى، و يأمره بالرمي و لو لم يتمكن يرمى عنه و يأمره بالوضوء و صلاة الطواف و ان لم يقدر يصلى عنه، و ان كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء و الصلاة أيضا و أحوط منه توضؤه لو لم يتمكن من إتيان صورته. (1)

______________________________

اعتبار الاذن.

و اما الطائفة الثانية فعلى تقدير تماميتها و الإغماض عن المناقشة المتقدمة فاللازم الالتزام بكونها مخصصة لدليل اعتبار الاذن و الا تلزم اللغوية كما لا يخفى و لكن مورد هذه الطائفة صورة وجود اذن الولي كما هو ظاهر روايات هذه الطائفة هذا و الذي يسهل الخطب انه لا معارضة بين الطائفتين و بين أدلة اعتبار الاذن بوجه فان مفادهما ثبوت الاستحباب و المشروعية و صحة العمل من الصبي

و مفادها اعتبار الاذن في جواز التصرف المالى و لا منافاة بين الأمرين فإنه يقال بان جواز تصرفه يتوقف على الاذن و لكن حجه لا يكون مشروطا به و الكلام انما هو في الحج لا في المال فلو لم يستأذن من الولي و صرف مقدارا كثيرا من ماله فذلك لا يضر بحجه الذي لم يقم دليل على كونه مشروطا بالاذن فالأقوى- ح- ما عليه المتن نعم لو قلنا بأنه لا يجوز للولي الإذن للصبي في مثل الحج لعدم كونه مصلحة مالية و غبطة دنيوية و دائرة الاذن محدودة بالتصرف الذي كان كذلك و قلنا باستلزام الحج للتصرف المالى و لو غالبا لكان مقتضى أدلة استحباب الحج للصبي سقوط اعتبار الاذن لئلا تلزم اللغوية و لكن الظاهر عدم كون دائرة الاذن محدودة بذلك بحيث لا يجوز له الاذن في التصدق بماله و لو يسيرا و عليه فلا منافاة بين الدليلين بوجه.

(1) في هذه المسألة جهات من البحث:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

الأولى: أصل ثبوت الاستحباب للولي في ان يحج بالصبي غير المميز و يدل عليه- مضافا الى انه المشهور بين الأصحاب بل ادعى في الجواهر انه يمكن تحصيل الإجماع- روايات متعددة:

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال:

قلت له ان معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال: مر أمّه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها، فاتتها فسألتها كيف تصنع فقالت إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثم زوروا به البيت و مري الجارية ان

تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة «1» و حميدة زوجة الامام الصادق و أمّ موسى بن جعفر عليهم السّلام و كانت تقية صالحة عالمة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقد موه إلى الجحفة أو الى بطن مرو يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه. «2»

و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و يطاف به و يصلى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى أبيه. «3»

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

ثم ان ظاهر هذه الروايات كالفتاوى إطلاق الحكم في الصبي غير المميز و انه

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 3

(3) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 44

..........

______________________________

لا يكون له حد فالطفل الذي ولد من يومه يجري في وليّه هذا الحكم و لكن هنا رواية واحدة ظاهرة في التحديد و هي رواية محمد بن الفضيل قال سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا اثغر. «1»

و قوله: إذا اثغر يمكن ان يكون من باب الافعال و يكون معناه- ح- كثرة ثغر الصبي

و الثغر ما تقدم من الأسنان و يمكن ان يكون من باب الافتعال و عليه فأصله: اثتغر قلبت التاء ثاء فصار اثغر بالتشديد و هذا هو الذي قاله ابن فارس في كتاب مقاييس اللغة الذي هو من أصول كتب اللغة و قد فسره بمن ألقى أسنانه و لكن في كتاب القصاص قد فسر المثغر في مسألة ما لو كانت المقلوعة سن مثغر بمن سقطت أسنانه الرواضع التي من شأنها السقوط و نبت مكانها الأسنان الأصلية.

و على كلا التقديرين فمقتضى ورود الرواية في مقام التحديد و ظهورها في مفروغية ثبوت الحد عند السائل و التقرير له في الجواب ببيان الحدان تكون الرواية مخالفة للروايات المتقدمة و لا مجال لدعوى عدم المعارضة و لو بالإطلاق و التقييد لكونهما مثبتين و ذلك لأجل اقتضاء مقام التحديد لذلك غاية الأمر ان ما دل من الروايات المتقدمة بالإطلاق تكون قابلة للتقييد بهذه الرواية و اما مثل صحيحة ابن الحجاج الذي ورد في سؤالها إن معنا صبيا مولودا لا تجتمع مع هذه الرواية بوجه سواء كانت من باب الافعال أو من باب الافتعال لأن الصبي مع وصف كونه مولودا يكون المتفاهم منه عند العرف هو الصبي الذي يكون قريب العهد بالولادة و لم يمض من ولادته إلا زمان قليل مع ان الاثغار لا يتحقق إلا بمضي أشهر كثيرة و الاثتغار يتوقف على سنين متعددة بل في القاموس ان الصبي من لم يفطم بعد و ان كان الإطلاق في نفس هذه الرواية يكون على خلافه و عليه فتقع المعارضة بينها و بين هذه الرواية

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1،

ص: 45

..........

______________________________

و الترجيح مع الصحيحة لموافقة المشهور.

الجهة الثانية في انه هل يختص الحكم بالصبي أو يشمل الصبية أيضا و قد استشكل فيها صاحب المستند و الظاهر ان منشأ الاشكال لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقن فان استحباب الإحجاج حكم مخالف للقاعدة لا يكون معهودا في شي ء من العبادات الأخرى فإن موضوع الاختلاف في شرعية عبادات الصبي و تمرينيتها هو الصبي المميز و اما الصبي غير المميز فلا بحث في عدم شرعية الصورة الحاصلة منه و لا في عدم استحباب حمله عليها للولي.

و اما كونه القدر المتيقن فلدلالة الروايات المتقدمة على حكم الابن أو الصبي أو الصبيان الذي هو جمع الصبي فلا يظهر منها حكم الصبية بوجه.

و ربما يقال بدلالة موثقة يعقوب على حكم الصبية قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- ان معي صبية صغارا و انا أخاف عليهم البرد فمن اين يحرمون؟ قال ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة ثم قال فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة «1» بناء على كون «يحرمون» و كذا قوله «فليحرموا» بصيغة المبني للمفعول لينطبق على الصبي غير المميز.

وجه الدلالة ان الصبية و ان كانت جمعا للصبي و جمع الصبية الصبايا الا ان المتفاهم العرفي من الصبية الصغار من الأولاد أعم من الذكر و الأنثى.

أقول لم يظهر وجه خصوصية هذه الرواية بعد ما كان المذكور فيها هي الصبية التي تكون جمعا للصبي.

و الظاهر ان مورد الروايات و ان كان هو الصبي أو الابن أو مثلهما الا ان العرف لا يرى له خصوصية بل يستفيد من نفسها شمول الحكم للصبية أيضا و هذا كعنوان «الرجل» المأخوذ في أدلة شكوك الصلاة

الذي تكون خصوصيته ملغاة بنظر

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 46

..........

______________________________

العرف فالإنصاف عدم اختصاص الحكم بالذكور.

الجهة الثانية في كيفية احجاجه فنقول:

امانية الإحرام فهي شأن الولي لفرض كونه صبيا غير مميز و هو لا يقدر على النية بوجه غاية الأمر ان الولي ينوي إحرام الصبي بحيث يصير الصبي محرما و يدل عليه ظهور الروايات المتقدمة في ذلك و ان وقع في صحيحة ابن الحجاج التعبير بقولها: فأحرموا عنه لكن الظاهر انه ليس المراد هو إحرام الولي عن الصبي كالإحرام المتحقق من النائب بقرينة قولها: و جردوه و غسلوه و غيرهما فالمراد هو الإحرام به و لذا لا بد له من مراعاة ان لا يتحقق من الصبي ما يحرم على المحرم البالغ من محرمات الإحرام كما قد صرح به في صحيحة زرارة المتقدمة حيث قال و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و من المعلوم ان ذكرهما انما هو من باب المثال لا لأجل خصوصية فيهما.

ثم انه لا يبعد ان يقال بأنه كما يستحب التلفظ بالنية في اعمال حج نفسه كذلك يستحب التلفظ بها في إحرام الصبي كما قاله صاحب الجواهر و تبعه السيد في العروة فيقول: اللهم إني أحرمت هذا الصبي ..

و يلبسه ثوبي الإحرام كما ورد في بعض الروايات و يأمره بالتلبية اى يلقنه إياها ان أحسنها و ان لم يحسنها فيلبي عنه كما وقع التعرض لكلا الفرضين في رواية زرارة على ما عرفت في معناها.

و اما الطواف فحيث انه يكون مشروطا في البالغ و من بحكمه بالطهارة وقع البحث في انه هل يجب التوضؤ هنا

أم لا و على التقدير الأول فاللازم هو وضوء الولي أو الصبي بمعنى إتيانه بصورة الوضوء و على تقدير عدم التمكن توضؤه أو كليهما وجوه بل أقوال متعددة:

قال في محكي التذكرة: «و عليه ان يتوضأ للطواف و يوضئه فان كانا غير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 47

..........

______________________________

متوضئين لم يجز الطواف، و ان كان الصبي متطهرا و الولي محدثا لم يجزه أيضا لأن الطواف بمعونة الولي يصح و الطواف لا يصح الا بطهارة و ان كان الولي متطهرا و الصبي محدثا فللشافعية قولان أحدهما لا يجزى ..» و ذكر في الجواهر بعد نقل هذه العبارة: قلت لا ريب في ان الأحوط طهارتهما معا لانه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل و ان كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي كما يومئ اليه ما في خبر زرارة من الاجتزاء بالصلاة عنه.

أقول: مسألة الصلاة لا تقاس بالطواف بعد كون التعبير في الرواية المذكورة يطاف به و يصلى عنه و الوجه في الفرق هو إمكان الطواف بالصبي غير المميز مطلقا سواء كان بالحمل أو بالتعليم و اما الصلاة فلا تجري فيه ذلك لانه لا يمكن حمل الصبي في السنة الاولى من ولادته- مثلا- على الصلاة فاعتبار الطهارة فيها باعتبار كون الولي هو المصلى و اما الطواف فالطائف هو الطفل و ان كان بمعونة الولي.

هذا و يظهر من كشف اللثام ان اعتبار طهارة الولي كأنه لا اشكال فيه و انما الإشكال في اعتبار طهارة الصبي حيث قال: «و على من طاف به الطهارة كما قطع به في التذكرة و الدروس و هل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون وجهان كما في الدروس و ظاهر

التذكرة من انها ليست طهارة مع الأصل و من انه طوافه لانه طواف بالمحمول».

و قال بعض الاعلام في شرح العروة ما خلاصته: انه ان تمكن الطفل من الوضوء و لو بتعليم الولي إياه فهو و ان لم يكن الطفل قابلا للوضوء فلا دليل على وضوئه و ما ورد من إحجاج الصبي انما هو بالنسبة إلى أفعال الحج كالطواف و السعي و اما الأمور الخارجية التي اعتبرت في الطواف فلا دليل على إتيانها صوره فإن الأدلة منصرفة عن ذلك كما انه لا دليل على ان الولي يتوضأ عنه فيما إذا لم يكن الطفل قابلا للوضوء فان الوضوء من شرائط الطائف لا الطواف و المفروض ان الولي غير طائف و انما يطوف بالصبي فالصحيح انه لا يعتبر الوضوء أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

أقول لو فرض ان الأدلة منصرفة عن الأمور الخارجية المعتبرة في الطواف فلا دليل على لزوم الوضوء و ان تمكن الطفل منه و لو بتعليم الولي كما لا يخفى.

و الظاهر انه لا مجال لدعوى الانصراف بل المستفاد من الأدلة بعنوان الضابطة ان كل ما يتمكن الصبي من الإتيان به فاللازم أن يأتي به بنفسه و لو بتعليم الولي إياه من دون فرق بين الافعال و بين المقدمات و لكن تسلم لزوم طهارة الولي على ما في التذكرة و كشف اللثام يوجب التزلزل في الاقتصار على طهارة الصبي و ان كان الدليل المذكور في التذكرة غير صالح للاستدلال به فان مجرد توقف صحة طواف الصبي على معونة الولي لا يقتضي اعتبار طهارة الولي بوجه بعد عدم كونه متصفا بأنه طائف و قد عرفت الفرق بين الطواف و بين الصلاة

كما في الرواية فالأحوط الجمع بين الطهارتين وضوء الصبي أو توضئه و وضوء الولي.

ثم انه لم يعلم ان الوجه في عدم التعرض للطهارة في الطواف و تعرضه لها بالإضافة إلى الصلاة كما في المتن هل هو لعدم اعتبار الطهارة عنده في الطواف بوجه كما عرفته من بعض الاعلام أو يكون الطواف بنظره مثل الصلاة لا يبعد ان يكون الوجه هو الثاني.

كما ان الظاهر بملاحظة تحقق نية الإحرام من الولي ان نية الطواف أيضا وظيفته لانه لا يمكن ان تحقق من الطفل بعد كونه غير مميز كما هو المفروض.

ثم ان ظاهر جملة من الروايات المتقدمة هو رمى الولي عنهم و معناه ان هذا العمل خارج عن دائرة قدرة الصبي غير المميز فيأتي به الولي و لكن في محكي القواعد و المبسوط انه يستحب له ترك الحصى في يد غير المميز ثم يرمى الولي أي بعد أخذها من يده و في محكي المنتهى: «و ان وضعها في يد الصغير و يرمى بها فجعل يده كالالة كان حسنا» و سيأتي البحث في هذه الجهة في مباحث الرمي إن شاء اللّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 49

[مسألة 2- لا يلزم ان يكون الولي محرما في الإحرام بالصبي]

مسألة 2- لا يلزم ان يكون الولي محرما في الإحرام بالصبي بل يجوز ذلك و ان كان محلا. (1)

[مسألة 3- الأحوط ان يقتصر في الإحرام بغير المميز على الولي الشرعي]

مسألة 3- الأحوط ان يقتصر في الإحرام بغير المميز على الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو الوكيل منهم، و الام و ان لم تكن وليا، و الاسراء الى غير الولي الشرعي ممن يتولى أمر الصبي و يتكفله مشكل و ان لا يخلو من قرب. (2)

______________________________

(1) وجه عدم اللزوم انه و ان كان المفروض في بعض الروايات المتقدمة كصحيحة زرارة الواردة فيما إذا حج الرجل بابنه الصغير صورة حج الولي أيضا الا ان الظاهر إطلاق البعض الأخر و شموله لما إذا لم يرد الولي الحج أصلا فالحكم عام لكلا الفرضين.

(2) القدر المتيقن من ثبوت الحكم الاستحبابي بالإضافة إلى الإحجاج هو الولي الشرعي الشامل للمذكورين في المتن و البحث في ثبوت الولاية لهم موكول الى محله.

و اما غير الولي الشرعي فإن كان هو الام فالظاهر ثبوت هذه الولاية لها وفاقا للمبسوط و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التحرير و المختلف و الدروس بل في المدارك نسبه الى الأكثر و ان نسبه في الشرائع إلى القول مشعرا بتضعيفه أو الترديد فيه و يدل عليه- مضافا الى إشعار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المشتملة على أمر الإمام عليه السّلام بان تلقى أم المولود حميدة و تسأل عنها كيف تصنع بصبيانها بذلك بل دلالتها عليه- صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول مر رسول اللّٰه- ص- برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت يا رسول اللّٰه- ص- أ يحج عن

مثل هذا قال: نعم و لك اجره «1» فإن السؤال و ان كان لا دلالة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 50

..........

______________________________

له في نفسه على تصدى الام للإحجاج لاجتماعه مع إحجاج الأب فإن محط نظر السائلة ان كون الصبي غير مميز يناسب مع الحج عنه- الذي يكون المراد هو الحج به و ليس المراد هو النيابة في الحج عن الصبي- أم لا الا ان قوله- ص- في الجواب: و لك اجره ظاهر في تصدى الام للإحجاج و ثبوت الأجر لها فلا مجال للإشكال في الأم بوجه و دعوى ان ثبوت الأجر لها أعم من احجاجها إياه مدفوعة بكونه خلاف الظاهر جدا.

و اما غير الام فربما يقال- كما قاله بعض الأعلام- بأنه يجوز لكل أحد ان يحرم بالصبي لأنه لا دليل على حرمة التصرف بالصبي ما لم يستلزم التصرف تصرفا ماليا و الذي يحتاج إلى اذن الولي ما إذا رجع التصرف بالصبي إلى التصرف في أمواله و اما إذا لم يرجع اليه فلا دليل على توقف جوازه على اذن الولي و عليه يجوز إحجاج الصبي لكل من يتولى أمر الصبي و يتكفله و ان لم يكن وليا شرعيا بل كان من الأجانب و الظاهر انه ليس البحث في الجواز من جهة كونه تصرفا في الصبي حتى يتكلم بمثل ما ذكر بل البحث انما هو في ثبوت الاستحباب المستفاد من الأدلة المتقدمة و انه هل يختص بالولي أو يعم غيره أيضا و هذا لا يرتبط بالجواز من جهة كونه تصرفا في الصبي بوجه بل اللازم ملاحظة تلك الأدلة و ربما يقال بدلالة

صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة على ذلك نظرا الى قوله- ع- انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة .. «1» فإن من كان معهم من الصبيان عام يشمل صبي نفسه و صبي غيره و لكن الظاهر انه لا مجال لاستفادة العموم منه فإنه حيث يكون المراد هو الصبيان غير المميزين و من المعلوم ان مثلهم يكونون مع أوليائهم لأن استصحاب صبي الغير مع فرض كونه غير مميز خلاف المتعارف خصوصا في سفر الحج فلا دلالة للرواية على تصدى غير الولي للتقديم إلى الجحفة كما لا يخفى.

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 51

[مسألة 4- النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي]

مسألة 4- النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي إلا إذا كان حفظه موقوفا على السفر به فمئونة أصل السفر- ح- على الطفل لا مئونة الحج به لو كانت زائدة. (1).

______________________________

و ربما يتوهم دلالة صحيحة زرارة المتقدمة أيضا على ذلك نظرا الى قوله- ع-: و ان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه. «1» فإن الإتيان بصيغة الجمع مع كون المفروض في المورد حج الرجل بابنه و هو صغير لا يناسب الا مع جواز تلبية غير الولي من الحجاج المتعددين لانه لا معنى للزوم تلبية الجميع و بعبارة أخرى المفروض في الرواية بلحاظ هذا التعبير تعدد الحاج فإضافة التلبية إلى الجميع لا يكاد يصح الا مع صحة تلبية غير الولي كما لا يخفى.

و فيه ان ذيل الرواية قرينة على كون التعدد المفروض في الرواية تعدد الأولياء و الصغار فكما ان الجمع ثابت في ناحية الأولياء كذلك متحقق في ناحية الصغار و ذلك قوله- ع-

يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم ..

فلا دلالة للرواية على تلبية غير الولي بل كل ولى يتصدى لتلبية صغيره و لأجله يصح التعبير بقوله: لبّوا عنه و الجمع بين هذا التعبير و بين كون المفروض في أول الرواية هو حج الرجل بابنه هو حمله على كون المراد به هو الجنس القابل لإرادة الجمع منه فتدبر جيدا.

(1) حيث ان إحجاج الصبي عمل يصدر من الولي بعنوان الاستحباب و ما يترتب عليه من الثواب انما يكون عائدا إلى الولي لا إلى الصبي و عليه فإذا كان الإحجاج متوقفا على السفر المستلزم لثبوت النفقة زائدة على الحضر فلا وجه لثبوتها في مال الصبي بوجه بعد عدم كونها غبطة له دنيوية و لا مصلحة له أخروية أصلا و ان كان مجرد المصلحة الأخروية أيضا غير كاف ظاهرا فان التصدق بمال الطفل لا يجوز و ان كان له.

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 52

[مسألة 5- الهدى على الولي و كذا كفارة الصيد]

مسألة 5- الهدى على الولي، و كذا كفارة الصيد، و كذا سائر الكفارات على الأحوط. (1) و في بعض النسخ: على الأقوى.

______________________________

نعم في مسألة الإحجاج إذا كان حفظه موقوفا على السفر به فمئونة السفر على الصبي و في ماله و كذلك إذا كان السفر مصلحة له نعم في هذه الصورة أيضا لا تكون مئونة الإحجاج في ماله كشراء ثوبي الإحرام له و أمثاله لعدم ارتباطه بما يتعلق بالصبي من الحفظ و المصلحة كما لا يخفى. و قد استدل عليه في الجواهر بأنه أولى من فداء الصيد الذي نص عليه في خبر زرارة قال: فما عن

الشافعي في أحد الوجهين من الوجوب في مال الصبي كاجرة المعلم واضح الضعف خصوصا بعد وضوح الفرق بان التعلم في الصغر يغنيه عنه في الكبر و لو فاته لم يدركه بخلاف الحج و العمرة.

(1) البحث في هذه المسألة يقع في مقامات:

المقام الأول في الهدى قال في الجواهر: و كأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي.

و الدليل على وجوبه على الولي ما عرفت من ان الإحجاج عمل يصدر من الولي بعنوان الاستحباب فما يتعلق به من النفقة يكون مرتبطا بالولي و لا وجه للثبوت في مال الصبي بعد عدم عود نفع اليه بوجه و الأولوية بالإضافة إلى كفارة الصيد المذكورة في المسألة السابقة جارية هنا أيضا فإنه إذا كانت الكفارة في قتل الصيد الذي هو عمل اختياري للصغير ثابتة على الولي فالهدى بطريق اولى كما لا يخفى.

و قد استدل على عدم ثبوته في مال الصبي- مضافا الى ما ذكر- بروايات:

منها صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله: قلت: ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم .. «1».

قال في «المستمسك» في مقام الاشكال على الاستدلال بالرواية: و اما صحيح

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 53

..........

______________________________

زرارة فالأمر فيه بالذبح عنهم انما كان بعد قول السائل: ليس لهم ما يذبحون فلا يدل على الحكم في صورة تمكن الطفل منه بل لعله ظاهر في الذبح من مال الصبي مع التمكن منه بل لا يبعد ظهوره في ذلك من جهة التقرير.

أقول: الظاهر ابتناء كلامه على كون مرجع الضمير في قول السائل: «هم» الحجاج صغارهم و

كبارهم على ما عرفت من كون المفروض في الرواية التعدد بالإضافة إلى كليهما فإنه- ح- يستظهر منه انه مع تمكن الصبي لا بد و ان يتحقق الذبح من ماله مع ان الظاهر ان مرجع الضمير خصوص الكبار بقرينة قوله- ع- قبله و ان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و عليه فمراد السائل عدم تمكن الحجاج الكبار من الذبح للجميع الكبار و الصغار فالحكم بلزوم الذبح عن الصغار ظاهر- ح- في الثبوت على الولي كما هو واضح.

و منها موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم. «1».

و ظاهر الأكثر تمامية الاستدلال بهذه الرواية للمقام مع ان الظاهر عدم ارتباطها بما نحن فيه بوجه لان كلامنا انما هو في الصبي غير المميز الذي يريد الولي الإحجاج به بالكيفية التي عرفت و مورد هذه الرواية الصبيان المميزون الذين يتصدون للحج بأنفسهم و الدليل عليه قوله: يغتسلون ثم يحرمون و لا مجال لقراءتهما مبنية للمفعول بعد قوله: قل لهم كما هو ظاهر و عليه فالمتصدى للاغتسال و الإحرام انما هو نفس الصبي و لا محالة يكون مميزا.

ان قلت ان ذيل الرواية يدل على وجوب الذبح عنهم و ظاهره الثبوت في مال الأولياء فإذا كان الهدى ثابتا على الولي في الصبي المميز ففي الصبي غير المميز

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

بطريق اولى.

قلت- مضافا الى انه لا وجه للثبوت على الولي في الصبي المميز

خصوصا إذا قلنا بعدم اشتراط حجه بإذن الولي- يكون المراد من الذيل ان الذبح حيث يكون امرا خاصا لا يتحقق من الكبير نوعا بالمباشرة و لذا تجري فيه النيابة في حال الاختيار فلذا ينوب الكبار عن الصغار كما ينوب الكبار بعضهم عن بعض و لا دلالة للذيل على وجوب ان يشترى الولي من ماله دون مال الطفل كما هو ظاهر فهذه الرواية أجنبية عن المقام.

المقام الثاني في كفارة الصيد و المشهور بينهم ثبوته على الولي أيضا و المحكي عن التذكرة وجوبها في مال الصبي، و عن ابن إدريس انه لا تجب الكفارة أصلا لا على الولي و لا في مال الصبي.

و يدل على المشهور ذيل صحيحة زرارة المتقدمة و هو قوله- ع-: و ان قتل صيدا فعلى أبيه. «1» فإنه يستفاد منه ثبوت كفارة الصيد في مورد قتل الصبي الصيد أوّلا فيقابل قول ابن إدريس و ثبوتها على الأب ثانيا فيقابل ما حكى عن التذكرة و من الواضح انه لا خصوصية للأب بل المراد به هو مطلق الولي أبا كان أو غيره و قد عرفت في معنى الرواية ان هذا الذيل قرينة على عدم كون المراد بقوله: لبّوا عنه هي تلبية غير الولي أيضا بل حيث كان المفروض في الرواية تعدد الإباء و الأبناء وقع التعبير بالجمع بلحاظه فالمراد هو إحجاج كل ولي صبية و كل أب ابنه كما لا يخفى و كيف كان فالإشكال انما يرد على العلامة فإنه مع ذهابه إلى حجية خبر الواحد كيف أفتى بخلافه مع كونه صحيحا قد استند اليه المشهور و أفتوا على طبقه و لا يرد على ابن إدريس من ناحية هذه الرواية بل الاشكال عليه من جهة

أخرى نجي ء في المقام الثالث إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) ئل أبواب أقسام الحج الباب السابع عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 55

..........

______________________________

و اما ما استند اليه العلامة في فتواه فهو ان ذلك أي الإتيان بما يوجب الكفارة من محرمات الإحرام من قبيل الإتلاف و الضمانات فكما ان إتلاف الصبي سبب لضمانه كذلك إتيانه بما يوجبها سبب لثبوت الكفارة و لا مانع من ثبوت الحكم الوضعي بالنسبة إلى الصبي لاشتراكه مع البالغ في الأحكام الوضعية كما قد حقق في محله.

و يرد عليه ما أورد عليه صاحب الجواهر من انه اجتهاد في مقابل النص و اما مستنده فسيأتي البحث عنه في المقام الثالث.

المقام الثالث في سائر الكفارات و البحث فيه أولا من جهة أصل ثبوت الكفارة بالإضافة إلى الصبي بعد اختصاص هذه الكفارات بصورة العمد.

و ثانيا من جهة انه بعد الثبوت هل يكون ثابتا على الولي أو يكون في مال الصبي و في هذا المقام احتمالات بل أقوال فالمحكي عن العلامة في التحرير و المختلف و المنتهى عدم ثبوت الكفارة أصلا و المحكي عن الكافي و النهاية الثبوت على الولي و اختاره العلامة في محكي القواعد و اما الثبوت في مال الصبي فلم ينقل عن أحد و لكن لازم ما اختاره العلامة في كفارة الصيد الثبوت في مال الصبي هنا أيضا.

و كيف كان فما استدل به على عدم ثبوت الكفارة أمور بعد وضوح انه لا مجال لإلغاء الخصوصية مما ورد في الصيد لثبوت الخصوصية له و عدم جواز قياس غيره به:

الأول ما ورد من ان عمد الصبي خطاء فان مقتضاه ان الفعل العمدي الصادر من الصبي يترتب عليه حكم الفعل

الصادر خطاء فإذا فرض ان هذه الكفارات لا تثبت إلا في صورة العمد فمقتضى ما ذكر عدم ترتب الكفارة على فعل الصبي و إتيانه شيئا من محرمات الإحرام كالتظليل العمدي و لبس المخيط كذلك و قد استحسن الاستدلال بهذا الأمر الشيخ فيما حكى عنه و استند اليه الحلي فيما ذهب اليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 56

..........

______________________________

و أورد على الاستدلال به بان هذه الجملة أجنبية عن أمثال المقام و انما تختص بباب الديات و الجنايات كما ذكره جماعة كثيرة و منهم السيدان صاحبا المدارك و العروة و ما قيل في وجه الاختصاص أمور:

أحدها ان هذه الجملة وردت في روايتين: الأولى صحيحة محمد بن مسلم عمد الصبي و خطاؤه واحد. «1» الثانية موثقة إسحاق بن عمار: عمد الصبيان خطاء يحمل على العاقلة. «2» و الرواية الثانية قرينة على ان الرواية الأولى أيضا ناظرة الى باب الديات و الجنايات لاختصاص الحمل على العاقلة بذلك الباب.

ثانيها ان نفس الصحيحة ظاهرة في الاختصاص فان المستفاد منها ان موردها ما إذا كان للعمد حكم و للخطاء أيضا حكم خاص و المقصود من الرواية الحكم بالوحدة فيما إذا صدر من الصبي و لازمة طبعا ترتب حكم الخطاء على الفعل العمدي الصادر منه فالقتل العمدي منه لا يوجب القصاص بل تثبت فيه الدية و تكون على العاقلة كما في قتل الخطاء و اما إذا لم يكن للخطاء حكم كما فيما هو المفروض في المقام لعدم ثبوت الكفارة في صورة الخطاء فلا تشمله الرواية بوجه لعدم ثبوت سنخين من الحكم بل الثابت سنخ واحد في خصوص صورة العمد.

ثالثها انصراف هذه الجملة عن مثل المقام من الكفارات و عدم

شمولها له بنظر العرف.

رابعها قيام القرينة الخارجية على الاختصاص بباب الديات و هي ملاحظة ترتب الآثار على الأفعال العمدية الصادرة من الصبي و على قصده و نيته فالإفطار العمدي منه في الصوم يوجب البطلان و كذا الإتيان عمدا بما يوجب قطع الصلاة و بطلانها من القواطع التي تقتضي البطلان في خصوص حال العمد و نية ثمانية

______________________________

(1) ئل أبواب العاقلة الباب الحادي عشر ح- 2

(2) ئل أبواب العاقلة الباب الحادي عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 57

..........

______________________________

فراسخ من الصبي يترتب عليها القصر و لا مجال لدعوى كون نيته كلا نية و كذلك قصد الإقامة و الموارد الأخرى فهذه الأمور بمنزلة القرينة الخارجية التي توجب التصرف في ظاهر هذه الجملة و تخصيصها بخصوص باب الديات و الجنايات كما لا يخفى و الظاهر عدم تمامية شي ء من هذه الوجوه الا الوجه الأخير.

اما الوجه الأول فيرد عليه منع القرينية على تقدير تسليم كون الذيل قرينة على الاختصاص بالإضافة إلى الصدر في نفس الموثقة فإن قوله عليه السّلام: «يحمل على العاقلة «بيان لبعض موارد الضابطة الكلية الملقاة في الصدر و لا يوجب ذلك الاختصاص للضابطة بتلك الموارد و على تقدير اختصاص الموثقة بذلك لا دليل على كونها قرينة على اختصاص الصحيحة أيضا بذلك بعد عدم المنافاة بينهما بوجه.

و اما الوجه الثاني فغاية ما يستفاد من الصحيحة اختلاف العمد و الخطاء في الحكم سواء كان بسبب كون كل منهما موضوعا لحكم أو بسبب ترتب الحكم على العمد فقط و لازمة عدم ثبوته في مورد الخطأ و مقتضى الحكم بوحدتهما عدم ترتب حكم العمد على عمد الصبي و لأجل ما ذكرنا يجرى الاستصحاب في

عدم الحكم فإنه أيضا مرتبط بالشارع و مضاف إليه فكأنه حكم بحكمين في المقام أحدهما ثبوت الكفارة على العامد و ثانيهما عدم ثبوته على الخاطئ و لا وجه لإخراج مثل هذا المورد عن الرواية أصلا.

و اما الوجه الثالث فيرد عليه منع الانصراف بعد كون الروايات المذكورة مفيدة للضابطة العامة من دون فرق بين باب الديات و بين غيره أصلا.

و اما الوجه الرابع فقد عرفت تماميته و ان ملاحظة الأمور الخارجية المتقدمة و ما يشابهها تقتضي عدم سعة دائرة هذه الضابطة و اختصاصها بباب الديات و الجنايات فتحصل من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الاستدلال لعدم ثبوت الكفارة في المقام بمثل هذه الروايات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

الأمر الثاني دعوى انصراف أدلة ثبوت الكفارة عن الشمول للصبي.

و يرد عليها منع الانصراف بعد كون موضوع الحكم هو المحرم الذي اتى بمحرّم الإحرام و لا فرق في المحرم بين البالغ و بين الصبي و لا مجال لدعوى كون إحرامه صوريا و كلا إحرام فإن المستفاد من الروايات الواردة في إحجاج الصبي صيرورته محرما حقيقة بسبب تحريم الولي إياه كما لا يخفى هذا و لكن السيد- في العروة- استشهد لمنع الانصراف بقوله و الا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضا مع ان لازم الانصراف ليس ذلك ضرورة ان الالتزام به في الصيد لأجل ورود نص خاص فيه مضافا الى كونه في الأهمية و العظمة بمرتبة لا يبلغها سائر المحرمات و لذا تثبت كفارته في كلتا صورتي العمد و الخطاء.

الأمر الثالث ان الأمور المترتبة على الحج من قبيل التكليف و الحكم التكليفي مرفوع عن الصبي لحديث رفع القلم و ليس ثبوت الكفارات من الضمان

كما في مورد إتلاف مال الغير الذي يوجب الضمان و يترتب عليه الحكم الوضعي غير المختص بالبالغين.

و يرد عليه- مضافا الى ان مقتضى هذا الأمر عدم ثبوت الكفارة على الصبي لا عدم ثبوتها مطلقا و لو على الولي- ان ثبوت الكفارة و ان كان بنحو الحكم التكليفي و لا مجال لتوهم كونه بمعنى الضمان كما في أصل ثبوت الهدى في الحج فإنه مجرد تكليف الا ان الكلام ليس في ذلك بل الكلام في سببية الإتيان بمحرم الإحرام لهذا الحكم التكليفي فإن المستفاد من الأدلة ثبوت هذه السببية شرعا و هي بلحاظ كونها من الأحكام الوضعية لا تختص بالبالغين بل تعم الصبيان كسببية الجنابة لوجوب الاغتسال بعد البلوغ فان كون المسبب حكما تكليفيا لا ينافي كون السببية شرعية غير مختصة بالبالغ و نظر العلامة في مسألة الصيد المتقدمة الى هذا المعنى غاية الأمر انه لا مجال للأخذ به من جهة الصيد بلحاظ ورود النص الخاص هناك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 59

..........

______________________________

و اما المقام فغير مشمول لذلك النص.

الأمر الرابع ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- و فيه: و سألته عن الصبيان هل عليهم إحرام؟ و هل يتقون ما يتقى الرجال؟ قال: يحرمون و ينهون عن الشي ء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم ان يصنعه و ليس عليهم فيه شي ء. «1» بناء على كون قوله عليه السّلام يحرمون مبنيا للمفعول حتى ينطبق على الصبي غير المميز الذي هو محل البحث و يؤيده قوله: و ينهون الذي يكون مبنيا للمفعول لا محالة كما هو ظاهر و

بناء على كون الذيل ظاهرا في عدم وجوب الكفارة مطلقا لا عدم وجوبها على الصبي و يمكن ان يورد على هذا الأمر بمنع ظهور الذيل في ذلك و يؤيده الإتيان بكلمة «عليهم» فإنه لو كان المراد عدم وجوب الكفارة مطلقا لكان يقتصر على قوله و ليس فيه شي ء فتدبر.

و قد تحقق مما ذكرنا انه لم يقم دليل في مقابل إطلاق أدلة الكفارات على تقييدها بغير الصبي و لأجله تصل النوبة إلى البحث في الجهة الثانية و هي ان الكفارة هل تكون ثابتة على الصبي و في ماله أو تكون على الولي؟ مقتضى القاعدة، الأول لما عرفت من ان مقتضى أدلة الكفارات ثبوتها على المحرم و المحرم الحقيقي في المقام هو الطفل و الإتيان بمحرم الإحرام قد صدر منه فاللازم ترتب الكفارة عليه و العجب من السيد- قده- في العروة حيث انه استدل لأقوائية تكفل الولي بتضعيف أدلة نفى الكفارة أو عدم ارتباطها بالمقام مع ان ثبوت الكفارة أمر و تكفل الولي له أمر أخر.

و كيف كان فيمكن ان يستدل على الثبوت على الولي بأمرين:

أحدهما ما يستفاد من صاحب الجواهر من إلغاء الخصوصية عما ورد في قتل الصيد

______________________________

(1) ئل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 60

..........

______________________________

و انه على أبيه كما في رواية زرارة المتقدمة و تقريبه ان ما ورد في الصيد يشتمل على أمرين أحدهما أصل ثبوت الكفارة في الصيد و ثانيهما ثبوتها على الأب و لا مجال لإلغاء الخصوصية من الأمر الأول بعد كون الصيد له أهمية خاصة فلا يمكن استفادة ثبوت الكفارة في غير الصيد من الرواية الواردة فيه و اما لو

استفيد ثبوتها من الأدلة الأخرى و ثبت اشتراك غير الصيد معه في أصل ثبوت الكفارة فلا مانع من إلغاء الخصوصية بالإضافة الى الأمر الثاني و الحكم بثبوت سائر الكفارات على الولي أيضا.

و هذا الأمر و ان كان غير بعيد الا ان إلغاء الخصوصية ليس بمثابة توجب الطمأنينة للنفس و الوثوق بها كما لا يخفى.

ثانيهما التسبيب لا بمعنى صيرورة الولي سببا لتحقق محرم الإحرام من الصبي فإن الولي و ان صار سببا لإحرامه فإنه الذي احرمه الا ان الإحرام لا يكون سببا و موجبا لصدور محرمه من التظليل و لبس المخيط و أشباههما بل السبب له هو إرادة الصبي و قصده لأغراض مترتبة عليه فان كونه غير مميز لا ينافي كونه مريدا و قاصدا و لذا أضيف العمد إليه في قوله- ع- عمد الصبي و خطؤه واحد بل بمعنى ان الولي كان مكلفا بعد الإحرام بالاتقاء عليهم كما في رواية زرارة و النهى عنهم كما في رواية على بن جعفر (ع) و صدور محرم الإحرام يكون دليلا غالبا على عدم تحقق المراقبة اللازمة و المحافظة الواجبة نعم يمكن صدور محرم الإحرام من الطفل أحيانا مع كمال مراقبة الولي و شدة محافظته الا انه من الندرة بمكان.

و على ما ذكرناه فيمكن ان يقال بان عدم المراقبة- مع فرض كون الطفل غير مميز- يوجب الاستناد إلى الولي فكأنه صدر هذا المحرم منه فيثبت عليه الكفارة و هذا الأمر و ان كان يمكن المناقشة فيه بأن مخالفة الولي للتكليف المتوجه إليه بالإضافة إلى الاتقاء و النهى لا يوجب ثبوت الكفارة عليه بل يترتب عليها استحقاق العقوبة و المؤاخذة الا انه طريق الى ان يكون مقتضى الاحتياط هو الثبوت على

الولي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 61

[مسألة 6- لو حج الصبي المميز و أدرك المشعر بالغا و المجنون كمل قبل المشعر]

مسألة 6- لو حج الصبي المميز و أدرك المشعر بالغا و المجنون كمل قبل المشعر يجزئهما عن حجة الإسلام على الأقوى و ان كان الأحوط الإعادة بعد ذلك مع الاستطاعة. (1)

______________________________

خصوصا مع ملاحظة الأمر الأول أيضا فالحق- ح- ما في المتن من اقتضاء الاحتياط اللزومي للثبوت على الولي.

(1) القول بالاجزاء في الفرضين هو المشهور بين الأصحاب و في الشرائع كالمحكي عن المعتبر و المنتهى الاجزاء على تردد و في محكي المدارك: التردد في محله و عن ظاهر النافع و صريح الجامع لابن سعيد هو المنع و في المستند نسب المنع إلى جماعة من متأخري المتأخرين و جعله الأظهر.

و لا يخفى ان مقتضى القاعدة بعد شرطية البلوغ- مثلا- في حجة الإسلام هو عدم الاجزاء لان مقتضاها اعتبار اشتمال جميع أجزاء الواجب على الشرط فكما ان مقتضى اعتبار شرطية الطهارة في الصلاة لزوم تحققها في جميع أجزاء الصلاة من أولها إلى أخرها فكذلك لازم اعتبار البلوغ في حجة الإسلام عدم تحققها بدونه و لو في شي ء من اجزائها و عليه فاللازم على القائل بالاجزاء اقامة الدليل عليه فنقول قد استدل عليه بأمور:

الأول الإجماع الذي ادعاه الشيخ في محكي الخلاف حيث استدل على الاجزاء بإجماع الفرقة و اخبارهم و العلامة في محكي التذكرة حيث قال: «و ان بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة بالغا معتقا و فعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام و كذا لو بلغ أو أعتق و هو واقف عند علمائنا اجمع» قال صاحب الجواهر بعد نقل العبارة: و هو الحجة.

و يرد عليه منع الصغرى و

الكبرى اما الأول فلعدم حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد و لو كان ناقله ثقة عدلا و قد حقق ذلك في محله و اما الثاني فلانه على تقدير الحجية بل و على فرض التحصيل لا يكون له في مثل المقام أصالة لاحتمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 62

..........

______________________________

ان يكون مستند المجمعين شيئا من الوجوه الآتية فلا بد ملاحظتها.

الثاني الروايات المتعددة الواردة في العبد إذا أعتق و أدرك المشعر بعده الدالة على اجزائه عن حجة الإسلام مثل رواية شهاب عن أبي عبد اللّٰه- ع- في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال يجزى عن العبد حجة الإسلام و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج. «1»

و رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- مملوك أعتق يوم عرفة قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج. «2» و غيرهما من الروايات الدالة على ذلك بتقريب ان المستفاد منها حكم عام بالإضافة الى كل من كان ناقصا- و لأجله لا يكون عليه حجة الإسلام- إذا كمل و أدرك المشعر كاملا يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام فلا فرق بين العبد و بين غيره من الصبي و المجنون في هذه الجهة أصلا و يمكن الإيراد عليه بأنه مع عدم تعرض شي ء من الروايات الواردة في العبد لعلة الاجزاء حتى يتعدى عن موردها إلى سائر موارد وجود العلة لا بد من القطع بالملاك و المناط و من الواضح انه لا مجال لتحقق هذا القطع خصوصا بعد ملاحظة عدم الاجزاء في بعض الموارد المشابهة كما قاله السيد في العروة حيث ذكر ان لازم إلغاء الخصوصية الالتزام بالاجزاء فيمن حج متسكعا ثم

حصل له الاستطاعة قبل المشعر و لا يقولون به.

الثالث الاخبار الدالة على ان من لم يحرم من مكة أحرم من حيث امكنه مثل رواية على بن جعفر- ع- عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال يقول اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه. «1»

قال صاحب الجواهر في تقريب الاستدلال بها: «فالوقف صالح لإنشاء الإحرام فكذا انقلابه أو قلبه مع انهما قد أحرما من مكة و أتيا بما على الحاج من الافعال فلا يكونان أسوء حالا ممن أحرم من عرفات- مثلا- و لم يدرك الا المعشر» بل في كلام بعض دلالتها على المقام بالأولوية.

و يرد عليه ان مقتضى ظهورها في كون الإحرام من حيث أمكن واجبا في موردها و مقتضى ملاحظة مواردها اختصاص الحكم بمن كان الحج واجبا عليه و لم يتحقق منه الإحرام في مكة لنسيان أو جهل أو عصيان أو مانع غيرها فإنه يجب عليه ان يحرم من حيث أمكن و اما الصبي الذي لا يجب عليه الحج و لا يكون مكلفا به فلا يستفاد حكمه منها و انه إذا بلغ قبل الوقوف بالمشعر يقع حجه حجة الإسلام و لذا اكتفى السيد في الجواب عن هذا الوجه بقوله و فيه ما لا يخفى.

الرابع الأخبار الدالة على

ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ففي رواية جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج و من أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة. «2»

و رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج. «3» و رواه الصدوق مثله الا انه قال على خمسة من الناس. و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و أورد السيد في العروة على الاستدلال بهذه الطائفة بأن موردها من لم يحرم فلا يشمل من أحرم سابقا لغير حجة الإسلام.

و اعترض عليه أكثر الشراح بعدم اختصاص موردها بمن لم يحرم بل يعمه

______________________________

(1) ئل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 8

(2) ئل أبواب الوقوف بالمشعر الباب الثالث و العشرون ح- 8

(3) ئل أبواب الوقوف بالمشعر الباب الثالث و العشرون ح 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 64

..........

______________________________

و من أحرم و فات منه الوقوف بعرفة لمانع من حبس أو غيره و في الحقيقة يكون المراد من هذه الروايات ان فوت الوقوف بعرفة الذي هو من الأركان لا يقدح في صحة الحج إذا كان ذلك لا عن عمد بل إدراك المشعر موجب لإدراك الحج فلا فرق بين من أحرم قبله و من لم يحرم أصلا.

و الحق في الجواب عن أصل الاستدلال ما أفيد مما يرجع الى عدم انطباق الدليل على المدعى بوجه فان مقتضى الروايات صحة الحج و تماميته بسبب إدراك المشعر و عدم كون فوت عرفة قادحا في ذلك و المدعى يرجع الى أجزاء الحج بعد البلوغ

و إدراك المشعر عن حجة الإسلام و من المعلوم ان الاجزاء و عدمه أمر و الصحة و عدمها أمر آخر و بعبارة أخرى لا شبهة في صحة حج الصبي و لو بلغ قبل الوقوف بالمشعر إنما الإشكال في الاجزاء و الروايات بعيدة عن إثباته و أجنبية عن افادته.

الخامس ما حكى عن بعض المحققين من ان مقتضى القاعدة هو الاجزاء لان الفعل المأمور به بالأمر الندبي عين الفعل المأمور به بالأمر الإيجابي من دون تفاوت بينهما أصلا لأن كلا من الفعلين واجد للملاك و المصلحة و الاختلاف انما هو في الأمر من جهة الوجوب و الاستحباب فالحج نظير الصلاة فكما انه إذا بلغ الطفل في أثناء الصلاة أو بعدها قبل خروج الوقت بل في أثنائه لا تجب عليه إعادة الصلاة لأنها طبيعة واحدة و قد تحقق الإتيان بها فكذلك الحج نعم ورد في باب الحج روايات تدل على ان البلوغ بعد الحج يمنع عن الاجزاء و انه لو حج الصبي عشرة حجج يجب عليه حجة الإسلام بعد البلوغ و تحقق الشرائط و اما البلوغ في الأثناء فلم يرد فيه نص دال على عدم الاجزاء بوجه فمقتضى القاعدة فيه الاجزاء و أورد عليه بوجهين:

الأول منع كون الحج طبيعة واحدة و حقيقة فأرده و ان كانت الصورة متحدة نظير الصلاة بالإضافة إلى أنواعها كالظهر و العصر و النافلة و الفريضة و القضاء و الأداء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

و الدليل على التعدد في المقام الروايات الدالة على عدم أجزاء حج الصبي البالغ بعد الحج عن حجة الإسلام و لو حج عشرة حجج و ما يدل على عدم أجزاء حج المتسكع و

عدم أجزاء حج العبد فان المستفاد منها تغاير طبيعة الحج و اختلاف حقيقته و ان كانت الصورة واحدة و عليه فالحج مثل أنواع الصلاة لا مثل نوع واحد منها كما لا يخفى.

ثم انه على المستدل إثبات وحدة الحقيقة و يكفي للقائل بالعدم عدم ثبوت الوحدة لان الاجزاء متوقف على إحراز الوحدة كما لا يخفى.

الثاني انه لو سلم كون الحج حقيقة واحدة لكن إطلاق بعض الروايات الواردة في عدم أجزاء حج الصبي يشمل ما إذا بلغ أثناء العمل و قبل إتمامه كصحيحة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن ابن عشر سنين يحج؟ قال عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت. «1» فإنه و ان كان تصوير البلوغ في الأثناء بالإضافة إلى الصبي المفروض في السؤال بعيدا جدا لكن تصوير حدوث الطمث بالنسبة إلى الجارية مع عدم فرض سن خاص لها أمر ممكن و مقتضى الرواية- ح- انه لا فرق في عدم الاجزاء بين حدوث الطمث بعد تمام الحج و بين حدوثه في الأثناء و يؤيده انه لا شبهة بحسب فتاويهم ظاهرا في عدم الاجزاء إذا بلغ بعد الموقفين و قبل إتمام بقية الأعمال و مستندهم ظاهرا نفس هذه الروايات فتدبر.

و الحق في هذه الجهة ان يقال ان مقتضى هذه الرواية ان الجارية إذا طمثت يجب عليها الحج فالطمث موجب لثبوته و لزومه و إذا انضمت هذه الرواية إلى الروايات المتقدمة الدالة على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج يستفاد ان ما تأتي به الجارية بعد الطمث تكون حجة الإسلام إذا كان الطمث قبل الوقوف بالمشعر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني عشر ح-

1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 66

..........

______________________________

و بعبارة أخرى المستفاد من تلك الروايات كما عرفت هو صحة الحج و تماميته بإدراك المشعر و مفاد هذه الرواية وجوب الحج الصحيح عليها بعد الطمث فملاحظة مجموعهما تصير دليلا للمشهور القائل بالاجزاء و ان كان كل واحد منهما غير صالح للاستدلال به فالحق- ح- ما عليه المتن تبعا لهم.

بقي في هذه المسألة جهات من البحث بعد الفراغ عن الاجزاء و اختياره:

الاولى قال السيد في العروة في مسألة العبد المنعتق قبل الوقوف بالمشعر التي يكون الاجزاء فيها ثابتا بالإجماع و النصوص: «هل يشترط في الاجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد الانعتاق من باب القلب أولا بل هو انقلاب شرعي؟

قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى فلو فرض انه لم يعلم بانعتاقه حتى فرغ أو علم و لم يعلم الاجزاء حتى يجدد النية كفاه و أجزأه». و قد تبع فيما اختاره صاحب الجواهر حيث تمسك بإطلاق النص و الفتوى و ان مقتضاه هو الاجزاء الشرعي» خلافا لما حكى عن الخلاف من وجوب تجديد نية الإحرام و لما حكى عن المعتبر و المنتهى و الروضة من إطلاق تجديد نية الوجوب و لما عن الدروس من تجديد النية.

أقول ان كان المستند في جريان الحكم في الصبي هو إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في انعتاق العبد قبل الوقوف بالمشعر الدالة على أجزاء حجه عن حجة الإسلام كما يظهر من الجواهر فلا مانع من التمسك بإطلاق تلك الروايات بالإضافة إلى المقام أيضا و الحكم بعدم لزوم تجديد النية و ان كان يمكن المناقشة على هذا التقدير أيضا فتدبر جيدا.

كما انه لو كان المستند في الحكم بالاجزاء في

الصبي البالغ هو الوجه الخامس الذي عرفته من ان الحج لا يكون حقائق متعددة و طبائع متكثرة بل هو حقيقة واحدة و طبيعة فأرده قد يعرض لها الاستحباب و قد يعرض لها الوجوب و لا يوجب ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 67

..........

______________________________

الاختلاف بوجه فاللازم أيضا ان يقال بعدم لزوم تجديد النية أصلا.

و اما لو منعنا إلغاء الخصوصية في روايات العبد و منعنا وحدة الطبيعة و اتحاد الحقيقة بل قلنا بالتعدد و التكثر و استندنا في الحكم بالاجزاء الى ما ذكرنا من ضم روايات «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» إلى الإطلاق في رواية الجارية الدالة على ان عليها الحج إذا طمثت فاللازم الحكم بلزوم تجديد نية الإحرام لان مقتضى ذلك الدليل وجوب الحج بالبلوغ لفرض التمكن منه بسبب إدراك المشعر و هذا لا ينافي لزوم التجديد بعد كون مقتضى القاعدة ذلك لفرض اختلاف الحقيقة و تعدد الطبيعة و بعبارة أخرى بعد كون اللازم بحسب القاعدة تجديد النية ليس هناك ما يدل على عدم اللزوم و الاكتفاء بالنية الأولى كما لا يخفى فالحكم في هذه الجهة مبنى على ملاحظة دليل الاجزاء و الثمرة بين القولين تظهر في الفرعين المذكورين في كلام السيد- قدس سره- في العروة.

الجهة الثانية في اعتبار الاستطاعة في الاجزاء و عدمه و في هذه الجهة مباحث:

الأول في أصل اعتبار الاستطاعة و عدمه و صريح الجواهر عدم اعتبار الاستطاعة نظرا إلى إطلاق نصوص العبد و الروايات الواردة فيه قال: و لا استبعاد في استثناء ذلك مما دل على اعتبارها فيها أي في حجة الإسلام بل حكى عن التذكرة انه قال: «لو بلغ الصبي و أعتق العبد قبل

الوقوف أو في وقته و أمكنهما الإتيان بالحج وجب عليهما ذلك لان الحج واجب على الفور و لا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحرّ خلافا للشافعي و متى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين لان ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده».

و استدل السيد في العروة- مضافا الى إطلاق نصوص العبد- بانصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام.

و لكن في محكي كشف اللثام جعل شرطية الاستطاعة في الاجزاء من المعلوم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 68

..........

______________________________

و يظهر الاعتبار من الدروس و الروضة و غيرهما و هو الظاهر و ذلك- مضافا الى منع الانصراف المتقدم- لان الروايات الواردة في العبد انما يكون محطّ النظر فيها هو حيث الحرية و العبودية و في الحقيقة تكون هذه الروايات ناظرة إلى أدلة اعتبار الحرية في حجة الإسلام و ان المراد منها ليس هو اعتبارها في جميع أفعال الحج و مناسكه بل إذا تحققت قبل الوقوف بالمشعر يكفى ذلك في الاجزاء و اتصاف حجه بكونه حجة الإسلام و لا نظر في هذه الروايات إلى سائر الشرائط المعتبرة فيها التي منها الاستطاعة و لا إطلاق فيها بالإضافة إليها أصلا و لذا لو جنّ بعد الانعتاق أو مقارنا له لا مجال للحكم بالصحة تمسكا بإطلاق الأدلة و الوجه فيه هو عدم كون محط نظرها إلّا الخصوصية الراجعة إلى الحرية و الرقية و لا تكون نافية لسائر الشرائط أصلا و عليه فلا تعارض بين روايات العبد و بين أدلة اعتبار الاستطاعة لا بنحو العموم و الخصوص مطلقا الذي عبر عنه في الجواهر بالاستثناء

كما عرفت و لا بنحو العموم و الخصوص من وجه كما تنزل إليه في الجواهر في ذيل كلامه و قال انه على هذا التقدير أيضا يكون الترجيح للمقام و على ما ذكرنا يكون الظاهر هو اعتبار الاستطاعة.

الثاني ان الاستطاعة المعتبرة هل هي الاستطاعة في حال البلوغ أو الاستطاعة من أول أعمال الحج فيه وجهان بل قولان قال في كشف اللثام: «من المعلوم ان الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال ..» و المحكي عن الدروس و الروضة و غيرهما اعتبار سبق الاستطاعة و بقائها و قد ضعف بعض الأعاظم على ما في تقريراته في شرح العروة ما افاده كاشف اللثام نظرا الى ان إطلاق أدلة اشتراط الاستطاعة في حجة الإسلام الشامل للمقام انما يدل على اشتراط ثبوتها من أول الأعمال إلى آخرها بحيث لو فقدت في جزء منها لم يجز عنها فان قلنا بانصراف إطلاقها عن المقام فاللازم القول بعدم اعتبارها أصلا و ان لم نقل بالانصراف فلا بد من القول باشتراطها من أول الأعمال إلى آخرها فلا مجال للقول باشتراطها من حين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

الانعتاق أو البلوغ في المقام.

أقول- مضافا الى انه لا مجال لحمل روايات العبد الدالة على الاجزاء على ما إذا كان هناك استطاعة سابقة و حين الشروع في الأعمال إذا قلنا بان العبد لا يملك لانه لا يبقى لها مورد فتدبر و الى ما عرفت من العلامة في التذكرة من القول بوجوب الحج على الصبي البالغ قبل الوقوف أو في وقته وجوبا فوريا يوجب تركه استقرار الوجوب من دون فرق بين ما إذا كان موسرا أو معسرا غاية الأمر أنه يمكنه

الحج مع الإعسار.

ان مقتضى روايات «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» بضميمة أدلة اعتبار الاستطاعة انه من استطاع و أدرك المشعر يكون حجة حجة الإسلام و من الواضح انه لا يعتبر في هذه الاستطاعة إلّا الاستطاعة و لو في ساعة قبل إدراك المشعر و لا مجال هنا لدعوى لزوم كون الاستطاعة متحققة من أول أعمال الحج بحيث لو كان يأتي بالحج بتمام أفعاله و اجزائه كان مع الاستطاعة فالاستطاعة المعتبرة هي الاستطاعة عند وجوب الحج و عليه فلا فرق بين عدم الإتيان بالأعمال السابقة على الوقوف أو الإتيان بها كما في المقام إذ لا يكون الإتيان مانعا عن تحقق حجّة الإسلام كما لا يخفى.

الثالث ان الاستطاعة المعتبرة هل هي الاستطاعة من البلد أو الميقات؟ الظاهر هو الثاني لأن طيّ الطريق الى الميقات لا يكون داخلا في الحج و لذا لو طيّ الطريق متسكعا ثم استطاع من الميقات يجب عليه حجة الإسلام.

الجهة الثالثة قد وقع التعبير في المتن تبعا للشرائع و بعض العبارات بإدراك المشعر لكن في نصوص العبد و معقد إجماع التذكرة و جملة من العبارات الاكتفاء في إدراك الحج بإدراك أحد الموقفين لا خصوص المشعر قال في الجواهر بعد نقل ذلك: و لعله لأن إدراك المشعر متأخر عن موقف عرفة فالاجتزاء بأحدهما يقتضي أنه الأقصى في الإدراك و لو فرض تمكنه من موقف عرفة دون المشعر فلا يبعد عدم الإجزاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

ضرورة ظهور النص و الفتوى في ان كل واحد منهما مجز مع الإتيان بما بعده لا هو نفسه.

أقول الظاهر ان الحكم من هذه الجهة لا يكون حكما جديدا بل حال الصبي من هذه

الجهة حال غيره سواء كان المستند هو إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في العبد أو كان المستند هي الروايات الدالة على من أدرك المشعر فقد أدرك الحج على ما عرفت اما على الثاني فواضح لعدم ورودها في خصوص الصبي و مثله بل الحكم عام فاللازم ملاحظة ان الموجب لإدراك الحج هو إدراك خصوص المشعر أو ان المناط هو إدراك أحد الموقفين و سيأتي البحث فيه في محله إن شاء اللّٰه تعالى و اما على الأول فلان الظاهر عدم كون الروايات الواردة في العبد ناظرة إلى خصوصية للعبد من هذه الجهة بل مفادها عدم اعتبار الحرية في تمام الاعمال و كفاية تحققها في المقدار الذي يوجب إدراك الحج كما لا يخفى.

الجهة الرابعة في ان الحكم بالاجزاء يختص بغير حج التمتع من القران و الافراد أو يعم حج التمتع بلحاظ تقدم عمرته على حجة أيضا و في هذه الجهة بحثان:

الأول في انه هل يشمل أدلة الاجزاء حج التمتع أم لا يمكن ان يقال بعدم الشمول نظرا الى انصرافها عن حج التمتع مع ملاحظة تقدم عمرته على حجه و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى الانصراف و ثبوت الإطلاق لتلك الأدلة.

الثاني انه بعد الشمول هل يكون مقتضاها الاجزاء بالإضافة إلى العمرة الواقعة بتمامها في حال عدم البلوغ أو ان مقتضاها هو الاجزاء بالإضافة إلى الحج فقط فالمحكي عن الخلاف و التذكرة التصريح بالأول و في محكي الدروس نسبته الى ظاهر الفتوى، و ظاهر كاشف اللثام هو الثاني قال في محكي كشفه: «انه- اى الاجزاء بالإضافة إلى العمرة أيضا- لم يساعده الدليل ان لم يكن عليه إجماع فإن إدراك أحد الموقفين الاختياريين يفيد صحة الحج و العمرة فعل أخر

مفصول منه وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 71

[مسألة 7- لو مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات و كان مستطيعا]

مسألة 7- لو مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات و كان مستطيعا و لو من ذلك الموضع فحجه حجة الإسلام. (1)

______________________________

أوقعها في عام أخر فلا جهة للاكتفاء بها و إذا قيل بالعدم فيكون كمن عدل الى الافراد اضطرارا فإذا أتم المناسك أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك أو بعده».

و قيل في تتميمه: انه يأتي بعد التمام بعمرة اخرى للتمتع في ذلك العام ان كانت أشهر الحج باقية و يسقط الترتيب بين عمرة التمتع و حجه للضرورة و ان لم يبق أشهر الحج أتى بالعمرة في القابل و هل يجب عليه فيه حجة أخرى وجهان:

من الأصل و من دخول العمرة في الحج و وجوب الإتيان بهما في عام واحد على المتمتع أقول لا ينبغي الترديد في ان المستفاد من أدلة الاجزاء بحسب ما هو المتفاهم منها هو كفاية العمرة الواقعة في حال الصغر أو العبودية و الوجه فيه كون حج التمتع و عمرته فعلا واحدا بخلاف حج القران و الافراد مضافا الى تقدم العمرة على الحج فبعد الالتزام بشمول أدلة الاجزاء لحج التمتع لا يكون مفادها الا ذلك.

و من هذه الأدلة العامة الشاملة لحج التمتع يظهر انه لو بلغ الصبي في أثناء العمرة أو بعدها قبل الشروع في الحج يكون عمله مجزيا عن حجة الإسلام كما إذا بلغ في أثناء الحج قبل الوقوف بالمشعر كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في كون الحج في المورد المفروض في المتن حجة الإسلام لفرض وقوعه بتمامه في حال الكمال مع الاستطاعة و من الواضح كفاية

الاستطاعة من موضع الإحرام و عدم لزوم ثبوتها من البلد بعد كون طي الطريق مقدمة لا دخل له في أصل الحج و المفروض الإتيان به في حال الصغر فهو كمن طي الطريق متسكعا ثم استطاع في موضع الإحرام فإنه لا شبهة في وجوب الحج عليه.

و الذي ينبغي التعرض له في هذه المسألة فرعان:

الأول الفرع الذي لم أر من تعرض له و هو ما إذا كان الصبي مستطيعا في البلد و لكنه غير بالغ و يعلم بأنه سيصير بالغا قبل الإحرام و في المدينة- مثلا- لتمامية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 72

..........

______________________________

سنه المعتبر في البلوغ في ذلك الوقت فهل يلزم عليه- و لو من ناحية العقل- ان يسلك الطريق و يوصل نفسه الى الميقات للإحرام و يأتي بحجة الإسلام أو انه لا تجب عليه الحجة في هذا العام بل ان بقيت استطاعته الى العام القابل يجب عليه فيه؟ ربما يتخيل الثاني نظرا إلى انه لا سبيل إلى إلزام الصبي بشي ء أصلا فلا مجال لإيجاب طي الطريق عليه و لو مع العلم بما ذكر.

و لكن الظاهر بطلان هذا التخيل فان الإلزامات الشرعية و ان كانت مرفوعة عن الصبي بحديث رفع القلم و مثله الا ان الإلزامات العقلية لا مجال لدعوى عدم ثبوتها في حق الصبي المميز فكما ان الحسن و القبح العقليين يجريان في الصبي المميز فالظلم منه قبيح و الإحسان منه حسن فكذلك الإلزامات العقلية ثابتة في حقه و طي الطريق يكون مشمولا لذلك فإذا كانت الاستطاعة البلدية موجودة على الفرض و الصبي يعلم بارتفاع النقص قبل الشروع في العمل فما المانع من توجه وجوب الحج اليه لا فعلا بل

عند البلوغ و ما المسوغ لترك الواجب في حقه و التأخير عن وقته و عدم فعلية وجوب الحج فعلا لا يمنع عن تحقق الإلزام العقلي بعد فرض اجتماع شرائط الوجوب قبل الإتيان بالواجب فهذا المقام نظير المقدمة التي يعلم المكلف بعدم التمكن منها في ظرف فعلية التكليف و تحقق شرائطه و لكنه متمكن منها فعلا فالظاهر انه محكوم من ناحية العقل بطى الطريق للإتيان بالواجب في وقته.

الثاني ما تعرض له بعض الاعلام في شرح العروة معترضا على الماتن من جهة عدم التعرض له و هو ما لو بلغ بعد الإحرام و قبل الشروع في الأعمال و ذكر في حكمه: انه هل يتم ذلك ندبا أو حين البلوغ ينقلب الى حجة الإسلام فيعدل إليها أو يستأنف و يحرم ثانيا من الميقات ثم رجح الاحتمال الثالث نظرا الى ان الاكتفاء بالإحرام الأول بدعوى انقلاب حجه الى حجة الإسلام لا دليل عليه، و إتمامه ندبا لا وجه له الا ما قيل من ان المحرم ليس له ان يحرم ثانيا و هذا واضح الدفع فإن الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

الأول ينكشف فساده بالبلوغ المتأخر و لذا لو علم حال الإحرام بأنه يبلغ بعد يومين- مثلا- ليس له ان يحرم و هو صبي فلا بد من إعادة الإحرام و يرجع الى الميقات و يحرم إحرام حجة الإسلام و هكذا لو دخل في أفعال العمرة و أتمها ثم بلغ فإنه يجب عليه الرجوع الى الميقات و إتيان العمرة ثانيا إذا وسع الوقت.

أقول لم يظهر لي كون هذا الفرع فرعا جديدا مغايرا لما وقع التعرض له في المسألة السادسة المتقدمة و هو ما إذا

بلغ الصبي و أدرك المشعر فإن عمدة مستند الحكم بالاجزاء فيه هو الروايات الواردة في انعتاق العبد و هو يصرح في مسألة العبد التي تعرض لها بعد صفحات بعموم روايات العبد و شموله لحج التمتع أيضا من جهة و بان المستفاد من إطلاق النصوص عدم الفرق بين حصول الحرية قبل الشروع في اعمال الحج و حصولها في أثناء العمرة و بين حصول الحرية بعد العمرة و قبل الموقف بمدة يسيرة- مثلا- فان الميزان في الاجتزاء كونه حرا في أحد الموقفين سواء حصلت الحرية في أثناء العمرة أم بعدها قبل أحد الموقفين.

فإذا كان هذا حال العبد و الملاك هو حصول الحرية في أحد الموقفين فيكون حال الصبي أيضا كذلك لانه لا فرق بينهما الا ان يستثنى من حكم العبد خصوص ما إذا انعتق بعد الإحرام و قبل الشروع في اعمال العمرة في حج التمتع و من الواضح انه لا وجه لهذا الاستثناء بعد كون الضابط ما ذكر خصوصا بعد تصريحه هنا بأنه إذا بلغ بعد إتمام العمرة يجب عليه الرجوع الى الميقات للإتيان بالعمرة ثانيا و ان كان مستند الحكم بالاجزاء في الصبي هي الروايات الدالة على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج فقد عرفت ان مقتضاها أن إدراك المشعر و ان كان مقرونا بفوات عرفات يوجب إدراك الحج فالميزان هو إدراك المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أم لا و من المعلوم تحققه في المقام لا لان له خصوصية بل لانه من مصاديق الفرع المتقدم.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج؛ ج 1، ص: 74

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 74

[مسألة 8- لو حج ندبا باعتقاد انه غير بالغ فبان بعد الحج خلافه]

مسألة 8- لو حج ندبا باعتقاد انه غير بالغ فبان بعد الحج خلافه، أو باعتقاد عدم الاستطاعة فبان خلافه لا يجزى عن حجة الإسلام على الأقوى إلا إذا أمكن الاشتباه في التطبيق. (1).

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الخلل فيما افاده من كون البلوغ المتأخر كاشفا عن بطلان الإحرام المتقدم أو العمرة المتقدمة فإنه لم يقم دليل على هذا الكشف بعد وقوع العمل صحيحا و اجزائه عن حجة الإسلام بناء على مذهب المشهور القائل بالاجزاء في تلك المسألة.

و بالجملة لم يظهر لنا أصلا ان هناك يكون فرعا جديدا غير الفرع المتقدم فتدبر جيدا.

(1) الإشكال في الاجزاء عن حجة الإسلام في الفرضين المذكورين في المتن اما على القول بعدم كون الحج ذات حقيقة واحدة و طبيعة فأرده بل له حقائق متعددة و متخالفة و ان كانت الصورة واحدة كصلاة الظهر و صلاة العصر فإنهما و ان كانتا متحدتين في الصورة الّا انه لا إشكال في تعددهما نظرا الى كون عنواني الظهرية و العصرية من العناوين القصدية التي لا تمتاز الّا بالقصد و لذا لو صلى صلاة العصر بتخيل الإتيان بصلاة الظهر ثم انكشف انه لم يأت بها بعد لا يجوز له احتساب ما اتى به بعنوان صلاة الظهر بل يأتي بصلاة الظهر بعدها و يسقط الترتيب لأجل الاعتقاد بإتيان صلاة الظهر فلان ما قصده من الحقيقة غير ما عليه من الحقيقة الأخرى كمثال الصلاة فالوجه في الاشكال في الاجزاء على هذا المبنى كون ما قصده غير ما عليه.

و اما على القول بوحدة الحقيقة و عدم تعدد الطبيعة غاية الأمر انه قد يعرض لها

الوجوب و قد يعرض لها الاستحباب كما عرفت نقله من بعض المحققين فالوجه في الاشكال على تقدير اعتبار قصد الوجه من الوجوب أو الاستحباب هو عدم رعاية هذا القصد لانه لم يأت به بنية الوجوب و هي كانت لازمة المراعاة في الامتثال و تحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

الموافقة في الأمور العبادية.

و على تقدير عدم اعتبار قصد الوجه أيضا فالوجه في الاشكال- ح- ان قصد الوجه و ان لم يكن معتبرا على ما هو المفروض الّا انه يمكن ان يقال بان مرجع عدم الاعتبار الى عدم لزوم نية الوجوب أو الاستحباب و اما نية الخلاف فقادحة في تحقق الامتثال و المفروض في المقام ثبوت هذه النية.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه على التقدير الأول الذي يبتنى على تعدد الحقيقة و تكثر الطبيعة لا محيص عن الاشكال و الحكم بالبطلان لما ذكر من مغايرة ما قصده لما عليه من جهة الحقيقة و لا مجال معها للاجزاء كما عرفت في مثال الصلاة.

نعم يستثنى فرض يمكن ان يتحقق و هو ما إذا أخطأ في التطبيق و نظيره في مئال الصلاة أن تكون نيته امتثال الأمر المتعلق بما هو الواجب أولا بعد زوال الشمس غاية الأمر أنه يتخيل انه معنون بعنوان صلاة العصر فالمنوى و ان كان هذا العنوان الا ان النية كانت متعلقة بالأصل بما هو الواجب أو لا فيكون الخطأ و الاشتباه في التطبيق بحيث لو كان يعلم بان الواجب أولا هي صلاة الظهر لكان يقصدها و في المقام ان تكون نيته امتثال الأمر المتعلق بالحج المتوجه اليه بعنوان انه يأتي به أول مرة مثلا غاية الأمر أنه يتخيل لأجل اعتقاد

عدم البلوغ أو عدم الاستطاعة انه أمر ندبي و لأجله ينوى متعلقه المغاير في الحقيقة مع الحج الوجوبي فالمنوى أولا و بالأصل هو الحج الذي تكون وظيفته في هذه السنة الإتيان به و لأجل الاشتباه في التطبيق تخيل انه الحج الندبي فنواه و قصده لأجل ذلك.

ففي هذه الصورة يرتفع الاشكال و الحكم فيها الاجزاء عن حجة الإسلام كما لا يخفى.

و اما على التقدير الثاني فيمكن التخلص عن الإشكال بأن قصد الوجه على تقدير اعتباره في تحقق الامتثال في الأمور العبادية على خلاف ما هو الحق المحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 76

[ثانيها الحرية]

ثانيها الحرية. (1)

______________________________

في محله لكن القدر المتيقن من دليل اعتباره هو ما إذا كان وجه العمل من الوجوب و الاستحباب مشخصا للمكلف و ظاهرا له فاللازم عليه- ح- رعاية هذا القصد و اما في مثل المقام مما إذا كان اعتقاده مخالفا لما هو الواقع فيقصد الندب في مورد الوجوب و بالعكس فالظاهر انه لا دلالة لدليل الاعتبار على لزوم الرعاية في مثله كما لا يخفى و اما على التقدير الثالث و فيمكن التخلص أيضا بأن قادحية نية الخلاف و لو على تقدير عدم اعتبار قصد الوجه انما هي فيما إذا كانت نية الخلاف واضحة للمكلف في حال العمل و الامتثال و اما في مثل المقام مما إذا كانت نية الخلاف مقرونة باعتقاد أنها نية الوفاق فلا مجال للحكم بقادحيتها أصلا كما لا يخفى و قد ظهر لك بملاحظة المباحث السابقة ان الأقوى هو تعدد حقيقة الحج و اختلاف أنواعه و عليه فالحكم في الفرضين المذكورين في المتن هو عدم الاجزاء الا في صورة الخطاء و الاشتباه في

التطبيق كما عرفت.

(1) اقتصر سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- أدام اللّٰه ظله الشريف- على بيان اشتراط الحرية و لم يتعرض لمسائله و فروعه نظرا الى عدم الابتلاء بمسائل العبيد و الإماء في هذه الأزمنة و قد ترك مسائلهما بل الكتب الفقهية المتعلقة بهما ككتاب العتق في «تحريره» المشتمل على المباحث الفقهية من أولها إلى آخرها نظرا الى ما ذكرنا و نحن نقتفى أثره و نقول:

المشهور بين الفقهاء اعتبار الحرية في الحج دون سائر العبادات بل في الجواهر الإجماع بقسميه منا و من غيرنا كما ان ظاهر المحكي من المعتبر أيضا ذلك حيث قال: ان عليه إجماع العلماء.

و ليعلم ان اعتبار الحرية في وجوب حجة الإسلام لا يرتبط بمسألة الاستطاعة التي يكون تحققها في العبد موردا للإشكال للاختلاف في ملكيته على أقوال: القول بعدم الملكية مطلقا كما هو المشهور و القول بالملكية كذلك و القول بالتفصيل و فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 77

..........

______________________________

أيضا أقوال من القول بملك فاضل الضريبة خاصة التي يضربها عليه مولاه و القول بملكه مع أرش الجناية و القول بأرش الجناية خاصة.

و الوجه في عدم الارتباط- مضافا الى الاتفاق في المقام و الاختلاف في مسألة ملك العبد على ما عرفت- ان اشتراط الحرية في كلمات الفقهاء انما وقع هو بعنوان أمر مستقل في رديف شرطية الاستطاعة.

و كيف كان فيدل على اعتبار هذا الشرط طوائف من الروايات:

الطائفة الأولى ما تدل على انه ليس على المملوك حج مثل:

ما رواه فضل بن يونس قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- فقلت يكون عندي الجواري و انا بمكة فأمرهن ان يعقدن بالحج يوم التروية فأخرج بهن فيشهدن المناسك أو أخلفهن بمكة؟ فقال

ان خرجت بهن فهو أفضل، و ان خلفتهن عند ثقة فلا بأس فليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق. «1»

و ما رواه فضل بن يونس أيضا عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام قال ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق. «2» و الظاهر اتحادها مع الرواية الاولى و ان جعلهما في الوسائل روايتين.

و رواية آدم بن على عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال ليس على المملوك حج و لا جهاد و لا يسافر إلا بإذن مالكه. «3»

و رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام قال ان معنا مماليك لنا و قد تمتعوا علينا ان نذبح عنهم قال فقال: ان المملوك و لا حج له و لا عمرة لا شي ء. «4»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

و ظاهرها انه لا يتحقق منه الحج صحيحا و لذا حملها الشيخ- قده- على عدم اذن مولاه قال في الوسائل: و يحتمل الحمل على نفى الوجوب.

الطائفة الثانية ما يدل على لزوم اعادة الحج على المملوك بعد الانعتاق فلو لم تكن الحرية شرطا لوجوب حجة الإسلام لما كان وجه للزوم الإعادة كما هو ظاهر هذه الطائفة مثل:

و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه اعادة الحج. «1»

رواية مسمع بن عبد الملك عن

أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لو ان مملوكا (عبدا خ ل) حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا «2» و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المملوك إذا حج و هو مملوك ثم مات قبل ان يعتق أجزأه ذلك الحج فإن أعتق أعاد الحج. «3» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذه الجهة.

الطائفة الثالثة ما تدل على ان المملوك إذا حج فأدرك أحد الموقفين معتقا أجزأه عن حجة الإسلام فلو لم تكن الحرية شرطا لما كان وجه للزوم إدراكه معتقا كما لا يخفى و هذه الطائفة هي الروايات التي استند إليها للقول بالاجزاء في بعض المسائل المتقدمة في الصبي الذي بلغ و أدرك المشعر أو أحد الموقفين و قد تقدم نقل بعض رواياتها و نضيف إليه رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام مملوك أعتق يوم عرفة قال إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج «4» فلا اشكال بعد ملاحظة هذه الطوائف في

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 5

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 79

[ثالثها الاستطاعة]

اشارة

ثالثها الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و قوته، و تخلية السرب و سلامته، و سعة الوقت و كفايته (1).

[مسألة- 9 لا تكفي القدرة العقلية في وجوبه]

مسألة- 9 لا تكفي القدرة العقلية في وجوبه بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية، و هي الزاد و الراحلة و سائر ما يعتبر فيها، و مع فقدها لا يجب و لا يكفى عن حجة الإسلام من غير فرق بين القادر عليه بالمشي مع الاكتساب بين الطريق و غيره، كان ذلك مخالفا لزيه و شرفه أم لا، و من غير فرق بين القريب و البعيد. (2)

______________________________

اعتبار الحرية أصلا.

(1) ذكر في الجواهر في وصف الاستطاعة قوله: التي هي شرط في الوجوب بإجماع المسلمين و النص في الكتاب المبين و المتواتر من سنة سيد المرسلين بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج.

و الظاهر- كما نبهنا عليه مرارا- ان مراده من كون اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج ضروريا من الدين هو ضروري الفقه لا ضروري الإسلام و كيف كان فلا شبهة في اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج بل وقع التعرض في أية الحج لهذا الشرط فقط في قوله تعالى مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و اما المراد من الاستطاعة و شمولها للأمور المذكورة في المتن فسيأتي التعرض للتفصيل في ضمن المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى

(2) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الاولى لا إشكال في ان الشرط في وجوب الحج بمقتضى النصوص الآتية المفسرة للاستطاعة و المبينة لما يشترط في وجوب الحج من هذه الناحية هي الاستطاعة الشرعية بمعنى الزاد و الراحلة و سائر ما يعتبر فيها إنما الإشكال في انه لو لا تلك النصوص و كان الدليل منحصرا بالاية الظاهرة في اعتبار الاستطاعة فهل كان

مفادها هي الاستطاعة و القدرة العقلية المعتبرة في جميع الواجبات فتكون الآية إرشادا إلى حكم العقل و لا دلالة لها على أزيد مما هو معتبر في سائر التكاليف أو ان مفادها هي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

الاستطاعة العرفية التي هي أضيق من الاستطاعة العقلية؟ فيه وجهان ذهب الى الأول بعض الأعاظم في شرح العروة و كذا بعض الاعلام في شرحه عليها و الظاهر هو الوجه الثاني نظرا الى ان الاستطاعة إذا أخذت في الدليل الشرعي يكون المرجع فيها هو العرف كسائر العناوين المأخوذة في أدلة الأحكام فكما ان الحاكم و المرجع في تشخيص الدم في قوله الدم نجس يكون هو العرف و هو لا يرى اللون الضعيف الباقي بعد غسله مرات- مثلا- دما بل يحكم بطهارته مع ان العقل يرى بقاء اللون و لو بمرتبة ضعيفة كاشفا عن بقاء الدم فكذلك المرجع في تشخيص الاستطاعة المأخوذة في الدليل هو العرف لا العقل و على ما ذكرنا فلو كان الدليل منحصرا بالاية الشريفة لكان مفادها اعتبار الاستطاعة العرفية و يؤيده انه لو كان المراد هي الاستطاعة العقلية لما كان وجه لتخصيص وجوب الحج من بين الواجبات بها و لو كان بنحو الإرشاد كما لا يخفى.

الجهة الثانية لا شبهة في اعتبار الراحلة في الاستطاعة الشرعية بالإضافة إلى البعيد في الجملة و لا خلاف فيه حتى من العامة إنما الإشكال في انه هل يختص اعتبار وجود الراحلة بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقة عليه أو منافيا لشرفه أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليها؟ حكى عن الشيخ- قده- في الخلاف الإجماع على عدم الفرق بين

من أطاق المشي و غيره في اعتبار الراحلة و يظهر من المدارك عدم العلم بوجود القائل بعدم اعتبار الراحلة في حق البعيد إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة و لكن قال في المستند: يمكن استفادة التفصيل بين المحتاج إلى الراحلة و غيره من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج و الافتقار و كيف كان فمنشأ الخلاف أو توهمه اختلاف الأخبار الواردة في الباب فطائفة كثيرة منها دالة بإطلاقها على ما ذهب اليه المشهور:

منها صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي قال سئل حفص الكناسي أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- و انا عنده عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 81

..........

______________________________

ما يعنى بذلك قال: من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحج أو قال: ممّن كان له مال فقال له حفص الكناسي فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممّن يستطيع الحج؟

قال: نعم. «1».

و منها صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في قوله عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة. «2».

و منها رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سأله رجل من أهل القدر فقال يا ابن رسول اللّٰه أخبرني عن قول اللّٰه عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أ ليس قد جعل لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة

الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن الحديث. «3» و الظاهر ان المراد باستطاعة البدن هي صحة الجسم و المراد من نفيه نفى كونه معتبرا فقط كما لا يخفى.

و منها خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون قال:

و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة. «4».

و منها غير ذلك من الروايات الظاهرة بإطلاقها في اعتبار الراحلة و انها من المراد بالاستطاعة المذكورة في الآية.

و في مقابلها روايات يمكن الاستدلال بها على ان اعتبار الراحلة مقيد بصورة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 7

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 5

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

الحاجة إليها و هي أيضا كثيرة:

منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام- فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل. «1» و الاستدلال بها مبنى على ان يكون المراد من قوله و لم يستحيي إلخ هو الاعتراض على استحيائه نظرا إلى انه لو كانت الراحلة المعروضة عليه هو حمارا أجدع أبتر لكان اللازم عليه القبول لتحقق الاستطاعة التي هي شرط في وجوب الحج بذلك بل يستفاد من الذيل انه لو كان قادرا على ان يمشى بعضا و يركب بعضا لكان يكفي في تحققها و ثبوت الوجوب عليه و

بما أن القدرة على مشى البعض لا خصوصية لها فيستفاد منها ان القدرة على مشى كل الطريق كافية في ثبوت الوجوب لتحقق الاستطاعة و يظهر من صاحب الوسائل حمل الرواية على هذا المعنى حيث جعل عنوان الباب: وجوب الحج على من بذل له زاد و راحلة و لو حمارا و وجوب قبوله ..

و لكن الظاهر ان المراد من قوله: و لم يستحيى بعد الحكم بأنه ممن يستطيع الحج انه لو عرض عليه الحج فاستحيى و لم يحج فهو ممن ترك الحج بعد الاستطاعة و الحكم فيه انه يستقر عليه الحج و لازمة الإتيان بالحج و لو على حمار أجدع أبتر و عليه فالذيل أيضا راجع الى هذه الصورة و من المعلوم انه في هذا الفرض إذا كان قادرا على المشي يجب عليه ان يحج و لو ماشيا كما سيأتي إنشاء للّٰه تعالى في بحث الاستقرار.

نعم لو قلنا بعدم ظهور الرواية في هذا المعنى فلا أقل من عدم ظهورها في المعنى الأول الذي عليه يبتنى الاستدلال فلا تصلح الرواية للنهوض في مقابل الروايات المتقدمة.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 83

..........

______________________________

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال قلت له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يستطيع (يطيق) ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج «1» و لعل هذه الرواية أظهر من الرواية السابقة في المعنى الذي ذكرنا و لكن يبعده بل يدل على خلافه

و ان المراد هو المعنى الأول صحيحة أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «2» و عليه فيتعين المعنى الأول لا محالة و دعوى كون الالتزام بمدلول هاتين الصحيحتين حرجيا قطعا و هو منفي في الشريعة و لا يلتزم به أحد مدفوعة بعدم كونه حرجيا دائما بل مدلولهما كسائر الأحكام الثابتة قد يتحقق فيه الحرج و قد لا يتحقق كما هو ظاهر.

و منها رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قول اللّٰه- عز و جل:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يخرج و يمشي ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشي قال يمشى و يركب، قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي قال يخدم القوم و يخرج معهم «3» و الرواية- مضافا الى ضعف سندها بعلى بن أبي حمزة البطائني الراوي عن أبي بصير- لا يكون مدلولها مفتى به لأحد من الأصحاب لأن القائل بعدم اعتبار الراحلة في الاستطاعة للبعيد إذا كان قادرا على المشي انما يقول بذلك في خصوص صورة القدرة على المشي و عدم كونه مشقة عليه و اما لزوم الخدمة و الخروج مع القوم في صورة عدم القدرة على المشي فلم يقل به أحد ظاهرا.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 7

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

و منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل عليه دين أ عليه ان يحج؟ قال: نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان (أكثر) من حج مع النبي- ص- مشاة و لقد مر رسول اللّٰه- ص- بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم «1» و كراع الغميم واد بين مكة و المدينة.

و ربما يقال ان المراد من «أطاق» المذكور في الرواية الذي هو من باب الافعال اعمال أخر مرتبة القدرة و بذل نهاية الطاقة التي ليس فوقها قدرة أصلا كما هو المراد في قوله تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ اى على الذين يتحملون الصوم بجهد و حرج شديد كالشيخ و الشيخة و من الواضح انه لا يجب الحج في هذا المورد قطعا و لم يلتزم به أحد كما ان الظاهر ان المراد بالطاقة في الرواية هو القدرة على المشي في داره و بلده في مقابل المريض و المسجى الذي لا يقدر على المشي أصلا حتى في داره و بلده و ليس المراد به المشي إلى الحج و عليه فالصحيحة في مقام بيان وجوب الحج على كل من كان قادرا على المشي و كان متمكنا منه في بلده في مقابل المريض الذي لا يتمكن من المشي فالرواية أجنبية عمن يطيق المشي و يتمكن منه بجهد و مشقة و اما الذين حجوا مع النبي- ص- فيحتمل ان يكون حجهم حجا استحبابيا لا حجة الإسلام و ذكر الامام- عليه السلام- هذه القضية ليس للاستشهاد و انما كان نقلها لمناسبة ما.

أقول الظاهر ان كلمة «أطاق» يكون المراد بها مجرد الطاقة و القدرة فإنا

نرى في كلمات الفقهاء سيما من كان منهم من أهل اللسان كصاحب الجواهر و قبله العلامة و الشيخ و غيرهما الاستعمال في ذلك بل صاحب الجواهر ذكر عقيبه قوله: «من دون مشقة» و ذكر في المدارك انه اعترف الأصحاب في حق القريب بعدم اعتبار الراحلة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 85

..........

______________________________

له إذا أطاق المشي و من الواضح ان مرادهم مجرد القدرة لا نهايتها و آخر مرتبتها و عليه فالرواية ظاهرة في وجوب حجة الإسلام إذا كان قادرا على المشي كما ان الظاهر ان المراد هو المشي إلى الحج لا المشي في بلده و داره فإنه لا خصوصية له في الوجوب بل الملاك هو سلامة البدن كما سيأتي و منه يظهر ان نقل من حج مع النبي- ص- كان بعنوان الاستشهاد لا لمجرد المناسبة و عليه فالرواية تدل على خلاف المشهور و لا مجال للمناقشة فيها سندا و دلالة أصلا و قد انقدح مما ذكرنا صلاحية جلّ هذه الطائفة للنهوض في مقابل أدلة المشهور و عليه فلا بد من العلاج فنقول يظهر منهم الجمع بين الطائفتين بوجوه:

الأول: ما افاده بعض الاعلام من أظهرية الروايات الدالة على اعتبار الراحلة التي هي مستند المشهور و الروايات المقابلة على تقدير تسليم دلالتها غايتها الظهور في عدم الاعتبار فيرفع اليد عن ظهورها بسبب أظهرية تلك الروايات.

و يرد عليه انه على تقدير تسليم دلالة هذه الطائفة لا مجال لدعوى أظهرية تلك الطائفة بعد كون النسبة بينهما هي نسبة المطلق و المقيد ضرورة ان مفاد تلك الطائفة اعتبار الراحلة مطلقا و مفاد هذه الطائفة عدم

اعتبارها في خصوص صورة القدرة على المشي و لا وجه لتوهم كون المطلق أظهر دلالة بالإضافة إلى مورد القيد عن المقيد كما هو ظاهر.

الثاني: ما حكى عن الشيخ- قده- من حمل هذه الطائفة على الاستحباب و تلك الطائفة على الحج الواجب الذي هو حجة الإسلام.

و يرد عليه عدم إمكان حمل هذه الطائفة على الاستحباب أما الرواية الأخيرة فمضافا الى التعبير بكلمة «على» فيها قد وقع التصريح فيها بحجة الإسلام فكيف يمكن حملها على الاستحباب و اما الروايتان الأولتان الواردتان في الاستطاعة البذلية فبلحاظ كونهما ناظرتين الى الآية الشريفة و مفسرتين لها لا تصلحان لهذا الحمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 86

..........

______________________________

الّا ان يقال بعدم دلالة الآية أيضا على خصوص وجوب الحج بل لها دلالة على الحج الاستحبابي أيضا و هو كما ترى خصوصا مع التعبير بالكفر فيها هذا مضافا الى انه لو وصلت النوبة الى هذا الحمل لا دليل على حمل روايات المشهور على الوجوب و الطائفة الأخرى على الاستحباب فمن الممكن ان يقال بعكس ذلك كما لا يخفى.

الثالث: حمل هذه الطائفة على من استقر عليه الحج و ان كان خلاف ظاهرها على ما عرفت و حمل روايات المشهور على حجة الإسلام.

و فيه انه لا بد في الجمع ان يكون مقبولا عند العرف و العقلاء بحيث لا يرون لأجله التعارض و المباينة بين الطرفين و من الواضح ان هذا الجمع لا يكون كذلك.

الرابع: حمل روايات المشهور على التقية من جهة ذهاب كثير من العامة إلى اشتراط الراحلة مطلقا.

و فيه- مضافا الى ان فتوى المشهور عندنا أيضا ذلك و في مثله لا مجال للحمل على التقية- ان الحمل عليها انما

هو في صورة عدم إمكان الجمع بوجه و ثبوت المعارضة التامة و وصول النوبة الى هذا المرجح و قد عرفت في الجواب عن الوجه الأول إمكان الجمع بنحو التقييد للإطلاق.

الخامس: ما افاده السيد في العروة و اختاره بعض الأعاظم في شرحها من ان مقتضى الجمع هو حمل الطائفة الأولى على صورة الحاجة الى الراحلة لعدم القدرة على المشي خصوصا مع ملاحظة انها منزلة على الغالب بل منصرفة عن صورة القدرة على المشي و لأجله ذكر السيد فيها انه لو لا الإجماعات المنقولة و الشهرة المحققة لكان هذا القول- اى القول الثاني- في غاية القوة. هذا و لكن تحقق الشهرة على الخلاف و توقف الاستطاعة على الراحلة مطلقا مع ان الجمع بين المطلق و المقيد كان امرا متداولا بين الفقهاء و تبعا للعقلاء في مقام التقنين و جعل القانون خصوصا فيما إذا كان التقييد مستلزما لخروج أفراد قليلة كما في المقام حيث ان القدرة على المشي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

إلى الحج قلما تتحقق في الأشخاص يكشف عن اعراض المشهور عن هذه الطائفة مع كونها بمرئي و مسمع منهم و قد تحقق في محله ان اعراض المشهور عن الرواية و لو كانت في كمال الصحة و الوثاقة يوجب الوهن فيها و الخروج عن الاعتبار و الحجية فالمقام ليس من قبيل الترجيح بالشهرة الفتوائية الذي هو أول المرجحات لعدم كون التعارض متحققا هنا بل من قبيل ما ذكرنا من كون الاعراض موجبا للخروج عن الحجية.

و على ما ذكرنا فلا محيص عن الأخذ بما هو المشهور و يؤيده انه لو كان القادر على المشي مستطيعا تجب عليه حجة الإسلام لكان اللازم

بلوغه إلى مرتبة الظهور و الوضوح و عدم بقائه تحت سترة الخفاء و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط الجهة الثالثة في اعتبار الراحلة في الاستطاعة بالإضافة إلى القريب من المكي و من يقارب مكة مقتضى إطلاق الأكثر منهم الشيخ في غير المبسوط و المحقق في النافع و العلامة في الإرشاد و التبصرة و التلخيص الاعتبار و قال في محكي كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها أيضا للمكي للمضى الى عرفات و ادنى الحل و العود و المحكي عن مبسوط الشيخ و العلامة في القواعد و التذكرة و المنتهى و التحرير و بعض آخر انه لا يشترط الراحلة للمكي و قال المحقق في الشرائع بعد اعتبار الزاد و الراحلة: و هما معتبران فيمن يفتقر الى قطع المسافة و ذكر في المسالك في شرحه:

احترز بالمفتقر الى قطع المسافة عن أهل مكة و ما قاربها ممن يمكنه السعي من غير راحلة بحيث لا يشق عليه عادة. و في الجواهر عقيب عبارة الشرائع: بل لا أجد فيه خلافا بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

و كيف كان فالدليل على اعتبار الراحلة مطلقا إطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة في الجهة الثانية فإن تفسير الاستطاعة في الآية بهما يدل على اعتبارهما كذلك مضافا الى ما عرفت في كلام كشف اللثام من حاجة المكي أيضا إليها للمضى الى عرفات مثلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

و لكن ربما يجاب عن المطلقات بانصرافها إلى صورة المسافة التي يتهيأ الزاد و الراحلة لها بحسب العادة فلا يشمل غيرها، و عن. دليل كاشف اللثام بان اعتبارهما للمضى الى عرفات لا دليل عليه لاختصاص الآية

الشريفة بالسفر الى البيت الشريف فالاستطاعة الشرعية معتبرة في ذلك و لا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات بل اللازم الرجوع فيه الى القواعد المقتضية للاعتبار مع الحاجة و عدمه مع عدمها.

و قد أورد على هذا الجواب بأنه لا ريب في ان البيت الشريف مقصود في جميع أقسام للحج و لا يختص بحج التمتع غاية الأمر انه قد يقصد متقدما كما في الحج المزبور و قد يقصد متأخرا كحج القران و الافراد و قد يقصد البيت خاصة كالعمرة المفردة.

أقول كون البيت مقصودا في جميع أقسام الحج أمر و الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج المدلول عليها بالاية الظاهرة بملاحظة رجوع الضمير فيها الى البيت أمر آخر لا ارتباط بينهما.

و الظاهر ان مفاد الآية هو استطاعة السبيل الى البيت و لذا لو كان للمتمتع راحلة الى البيت فقط و لم يكن له راحلة للمضى الى عرفات و العود هل يمكن الخدشة في استطاعته و وجوب الحج عليه فإذا لم يكن المضي الى عرفات ملحوظا في استطاعة النائي لعدم كون سفره الى البيت فكيف يكون ملحوظا في المكي نعم يمكن ان يقال بان هذا انما يتم في خصوص المكي و اما من قارب مكة فسفره الى البيت و ان كان في غاية القرب اليه و عليه فينحصر الجواب بمنع شمول الإطلاقات لمثله.

و مما ذكرنا يظهر ان المراد من القريب الخارج عن مكة هو المقدار الذي لا يعد له الراحلة عادة و يكون المشي الى البيت مقدورا نوعا و لا يكون فيه حد خاص من القصر عن مسافة القصر و غيره.

بقي الكلام في شي ء و هو انه لو شك في اعتبار الراحلة للمكي و نحوه فهل

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

المرجع فيه و في مثله مما يحتمل اعتباره في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية أصالة البراءة عن وجوب حجة الإسلام أو انه لا بد من الرجوع الى الآية الواردة في الحج و الحكم بوجوب الحج عليه وجهان بل قولان.

حكى القول الأول صاحب الجواهر- قدس سره- عن بعض مشايخه نظرا الى ان الاستطاعة التي يتوقف عليها وجوب الحج هي الاستطاعة الشرعية و هي أمر محل غير مبين بحدوده فكل ما يحتمل اعتباره فيها يرجع الشك فيه الى الشك في ثبوت المشروط و هو وجوب الحج و المرجع في الشك في التكليف هي أصالة البراءة عنه.

و لكن التحقيق يقتضي القول الثاني ضرورة انه ليس للاستطاعة حقيقة شرعية و لم يحك عن القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ العبادات القول بثبوتها في الاستطاعة بل الظاهر ان المراد بها هي الاستطاعة العرفية كسائر العناوين المأخوذة في أدلة الأحكام غاية الأمر ان الشارع اعتبر فيها زائدا على مقتضاها بحسب العرف مثل الحكم باعتبار الراحلة بالإضافة إلى البعيد و ان كان قادرا على المشي من غير مشقة بل كان المشي أسهل له من الركوب فان اعتباره يكون زائدا على المعنى العرفي و لازم ذلك الاقتصار على ما دل عليه الدليل و مع عدم الدليل يرجع الى الآية التي علق فيها وجوب الحج على الاستطاعة العرفية فكما ان قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ظاهر في ان البيع الذي أمضاه اللّٰه و حكم بصحته و نفوذه هو البيع المتعارف بين العقلاء غاية الأمر ان الشارع اعتبر بعض الأمور فيه مثل عدم كونه غرريا فمع الشك في اعتبار شي ء في الصحة كاعتبار اللفظ- مثلا-

يرجع الى الإطلاق و يحكم بالصحة كذلك الآية الواردة في الحج فمع الشك في اعتبار شي ء في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية يرجع فيه الى الآية و يحكم بالوجوب.

و لا ينافي ما ذكرنا ورود بعض الروايات في تفسير الآية الشريفة و ان المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 90

[مسألة 10- لا يشترط وجود الزاد و الراحلة عنده عيبا]

مسألة 10- لا يشترط وجود الزاد و الراحلة عنده عيبا بل يكفى وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال نقدا كان أو عروضا. (1)

______________________________

بالاستطاعة فيها هي الزاد و الراحلة- مثلا- فان مثل هذا التفسير يرجع الى تبيين المراد الجدي و هو لا ينافي كون المراد الاستعمالى ما ذكرنا فالجمع بين ذلك و بين ظهور الآية في الاستطاعة هو الجمع بين الخاص و العام كما قد حقق في محله من الأصول فراجع.

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الأعاظم- قده- من انه في مورد الشك لا يمكن التمسك بإطلاق أدلة وجوب الحج على المستطيع لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية لكن الأخبار المفسرة لها ليست مجملة فمهما شككنا في دخالة شي ء زائد في الاستطاعة يكون المرجع إطلاق نفس الاخبار المفسرة لها و لا تصل النوبة الى الأصل العملي المتأخر عن الأصل اللفظي.

وجه النظر ما عرفت من ان الاخبار المفسرة لا دلالة لها على ان الاستطاعة في الآية قد استعملت في الاستطاعة الشرعية بل مرجع التفسير الى ما ذكر من بيان المراد الجدي و تضيق دائرة المراد الجدي لا يستلزم ضيقا في ناحية الاستعمال و المرجع هو اللفظ بلحاظ الاستعمال و عليه فلو لم تكن الأخبار المفسرة ذات إطلاق أيضا لكان المرجع هي الآية الشريفة كما عرفت.

(1) مقتضى الجمود

على ظاهر اعتبار الزاد و الراحلة في وجوب الحج و ان كان هو وجود عينهما خصوصا بعد ورود بعض النصوص الواردة في هذا المجال في مقام تفسير الآية الّا ان الظاهر عدم اعتبار وجودهما عينا بحيث لم يجب تحصيلهما لانه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و ذلك مضافا الى عدم فهم العرف من ذلك الّا التمكن و القدرة عليهما سواء كانت بدون الواسطة أو معها للروايات الظاهرة في اعتبار المال أو وجود ما يحج به مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال اللّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 91

..........

______________________________

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذه لمن كان عنده مال و صحة إلى أخر الحديث. «1»

و صحيحته الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّٰه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ إلى آخر الحديث. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام الحديث «3» و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الّا التجارة أو الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج الى آخر الحديث. «4»

و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك و لا مجال لتوهم كون مقتضى الجمع بينها و بين ما ظاهره اعتبار خصوص الزاد و

الراحلة حمل المال عليهما بل الظاهر بنظر العرف حمل الطائفة الثانية على انه لا خصوصية لعين الزاد و الراحلة بل المناط التمكن منهما عينا أو بواسطة مال آخر نقدا كان أو عروضا كما لا يخفى.

ثم انه تعرض السيد في العروة في ذيل هذه المسألة لحكم حمل الزاد الشامل للطعام و الماء و علف الدابة و غيرها من الحوائج فقال: و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بمقدار الحاجة و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره و مع عدمه يسقط الوجوب. و لعل علة ترك التعرض في المتن ان العمدة في هذا البحث انما هو الماء و العلف للدابة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 3

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

و من المعلوم انها غير مبتلى بها في هذه الأزمنة مع انه يمكن فرض مثله في هذا الزمان بالإضافة إلى المادة المحركة للسيارة فإنه لو علم بعدم وجودها في الطريق هل يجب عليه حملها مع الإمكان و عدم المشقة أم لا و كيف كان ففي محكي التذكرة:

و ان كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله و ان لم يجده كذلك لزمه حمله و اما الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة فلا كلام و ان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده

و لا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام و نحوها لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به و لا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق و الطعام بخلاف ذلك.

و قال في محكي المنتهى: و اما الماء و علف البهائم فإن كانت توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها و الّا وجب مع المكنة و مع عدمها يسقط الفرض.

و الظاهر ان كلامه في التذكرة ناظر إلى انه لا يكون هناك قدرة نوعا كما يدل عليه التعبير بقوله: و لا يتمكن فلا ينافي ما في المنتهى من التفصيل بين صورة المكنة و عدمها.

و كيف كان فمبنى القول بعدم وجوب الحمل انه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب فلا يجب عليه الحج في هذا الحال.

و مبنى القول الثاني صدق الاستطاعة بإمكان الحمل و عدم استلزامه للحرج و العسر فان من يقدر على حمل ذلك من غير مشقة لا يكون خارجا عن الاستطاعة بوجه بمجرد عدم وجدانه في الطريق و هذا القول هو الأقوى كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 93

[مسألة 11- المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر]

مسألة 11- المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر بحسب حاله قوة و ضعفا و شرفا و ضعة و لا يكفى ما هو دون ذلك و كل ذلك موكول الى العرف، و لو تكلف بالحج مع عدم ذلك لا يكفى عن حجة الإسلام، كما انه لو كان كسوبا قادرا على تحصيلهما في الطريق لا يجب و لا يكفى عنها. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة أمران:

أحدهما المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر

من جهة الطعام و المأكول و المشروب و ما يتعلق به حتى الأوعية و الوسيلة التي بها يتحقق طي الطريق سواء كانت دابة كما هو المتداول في تلك الأزمنة أو سيارة و طيارة كما هو المتعارف في هذا الزمان أو سفينة أو غيرها مما يتحقق به ذلك و الظاهر انه لا يشترط ان يكون مالكا للراحلة و الوسيلة عينا أو قيمة بل يكفى ان يكون مالكا لأجرتها في صورة الاستيجار بحيث صار مالكا للمنفعة كما لعلّه سيأتي.

و يبقى في هذا الأمر جهتان:

الاولى انّه هل يكون اختلاف الحال من جهة القوة و الضعف موجبا لاختلاف الزاد و الراحلة نظرا الى ان اختلاف الحال يوجب اختلاف الحاجة فالقوى لا يحتاج إلى أزيد من السيارة لفرض قوته و عدم كون الحركة معها موجبة لوقوعه في الشدة و المشقة و الضعيف يحتاج إلى الطيارة لعدم اقتضاء حاله للركوب في السيارة أو لا يوجب و الظاهر انه لا خلاف بينهم في الإيجاب و قد استدل عليه بحكومة أدلة نفى العسر و الحرج على الإطلاقات.

و الظاهر انه لا حاجة الى هذا النحو من الاستدلال حتى يرد عليه ما أورد على الاستدلال بهذه الحكومة في الجهة الثانية بل يمكن ان يستدل عليه بحكم العرف بالفرق بينهما فإنه بعد ما كان المرجع في تشخيص الاستطاعة الواقعة في الآية هو العرف كما قويناه و كان المرجع في تشخيص معنى الزاد و الراحلة الواقعين تفسيرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 94

..........

______________________________

للاية في الروايات أيضا هو العرف فهو يقضى بالفرق بين الضعيف و القوى في الزاد و الراحلة كما لا يخفى.

الثانية هل يكون اختلاف الشأن من جهة الشرف و الضعة

موجبا للاختلاف في الزاد و الراحلة أم لا فيه وجهان بل قولان قال في الجواهر بعد قول المحقق و المراد من الراحلة راحلة مثله: «كما في القواعد و ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة و الضعف و الشرف و الضعة كما عن التذكرة التصريح به لكن في كشف اللثام الجزم بها في الأولين دون الأخيرين لعموم الآية و الاخبار و خصوص قول الصادق- عليه السّلام في صحيح أبي بصير من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع، و نحوه غيره و لأنهم- عليهم السّلام- ركبوا الحمير و الزوامل و اختاره في المدارك كذلك أيضا بل هو ظاهر الدروس قال: و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب فلا يكفى علو منصبه في اعتبار المحمل و الكنيسة فإن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و الأئمة- عليهم السّلام- حجوا على الزوامل الا ان الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في حقه إذ فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و حجهم- عليه السّلام- لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك».

و أجاب بعض الأعاظم- قده- عن الاستدلال للاختلاف بالعسر و الحرج بعد استدلاله لعدم الفرق بين الشرف و الضعة بالروايات الواردة في البذل الدالة على وجوب الحج و لو على حمار أجدع أبتر نظرا إلى انها و ان كانت واردة في مورد البذل لكن الظاهر انها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شي ء حصولها بان عمومات نفى العسر و الحرج مخصصة بهذه الأخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا الذي هو

صريح هذه الروايات.

و يرد عليه أولا ان هذه الاخبار كما مر البحث فيها في البعيد القادر على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

المشي يكون معرضا عنها عند المشهور و لأجله تكون فاقدة لشرط الاعتبار و الحجية و ثانيا ان دعوى صراحة هذه الاخبار أو كونها كالصريحة في ثبوت الحكم الحرجي ممنوعة جدا فان هذه الاخبار تكون مطلقة قد يتحقق في موردها الحرج و قد لا يتحقق و عليه فمقتضى حكومة دليل نفى الحرج تخصيصها بصورة عدم تحققه لا العكس.

و ثالثا ان الظاهر من لحن دليل الحرج كقوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ إبائه عن التخصيص و عدم ملاءمته معه أصلا و ثبوت حجة الإسلام و لو بنحو التسكع على من استقر عليه الحج بالاستطاعة المناسبة و عدم الإتيان بالحج لا يكون من باب التخصيص لدليل نفى الحرج بل هو حكم تعذيبى مسوق لإفادة العقوبة و من الواضح خروج الاحكام التعذيبية عن دائرة أدلة نفى الحرج و الا يلزم ان تكون الحدود و التعزيرات بل القصاص و أكثر الديات كلها مخصصة لأدلة نفى الحرج كما لا يخفى فالإنصاف عدم تمامية ما افاده هذا البعض.

نعم في الاستدلال لثبوت الفرق بدليل نفى العسر و الحرج كما في كلام صاحب الجواهر و تبعه السيد في العروة إشكال و هو ما ذكره في المستمسك من ان حكومة قاعدة نفى العسر و الحرج انما تقتضي نفى الوجوب و لا تقتضي نفى المشروعية و لازمة في المقام انه إذا أقدم المكلف على ما فيه العسر و الحرج يكون مقتضى الجمع بين دليل نفى الحرج و الإطلاقات الدالة على الوجوب هو الصحة و الاجزاء

عن حج الإسلام فعدم الاجزاء عن حج الإسلام- حينئذ- يحتاج الى دليل آخر.

و الجواب عن هذا الاشكال ان الحج كما عرفت ليس له حقيقة واحدة بل له حقائق متعددة و ان كانت الصورة واحدة كصلاتي الظهر و العصر فإنهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة لكنهما مختلفتين بالحقيقة و لذا لا تقع واحدة منهما مقام اخرى و على هذا المبنى في باب الحج إذا كان مقتضى الجمع بين الإطلاقات و دليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

نفى الحرج رفع اللزوم و الوجوب يكفى ذلك في عدم تحقق حجة الإسلام التي يكون قوامها بكونها واجبة و فريضة في أصل الشرع بل ليس الواجب في الشرع الا هو لان الحج الواجب بالنذر لا يكون متعلقا للوجوب بل الوجوب انما تعلق بعنوان الوفاء بالنذر غاية الأمر عدم تحقق الوفاء في الخارج الا بالحج و لكن ذلك لا يوجب سراية الحكم المتعلق بالوفاء الى الحج لانه لا يعقل أن يسري الحكم من متعلقه الى غيره كما ان الحج الواجب بسبب الاستيجار عليه لا يكون متعلقا للوجوب بل المتعلق له هو الوفاء بعقد الإجارة و هو لا يتحقق في الخارج الا بالحج.

و بالجملة فليس متعلق الوجوب في باب الحج إلا حجة الإسلام التي بنى عليها الإسلام فإذا فرض ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج لا تبقى حقيقة حجة الإسلام التي قوامها بالوجوب و بكونه فريضة و عليه فيظهر عدم اجزائه عن حجة الإسلام لمغايرة ماهية المأتي به مع ماهية حجة الإسلام الا ان يقوم دليل خاص على اجزائه و المفروض عدم ثبوت هذا الدليل.

ثم ان صاحب المستمسك بعد الاشكال المتقدم استدل على

الاجزاء بعد ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج بما دل على ان الاستطاعة السعة في المال أو اليسار في المال نظرا إلى انه لا يصدق مع العسر قال: ففي رواية أبي الربيع الشامي «فقيل له- أي لأبي عبد اللّٰه- ع- فما السبيل؟ قال السعة في المال» «1» و في رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّٰه- ع- الواردة في تفسير آية الحج قال- ع- «ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع؟ قال- ع- نعم». «2» و موثق أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه- ع- يقول من مات و هو.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّٰه عز و جل وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ ..» «1»

و نحوها غيرها.

أقول اما رواية أبي الربيع فالظاهر بقرينة قوله- ع- بعده: «إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله» ان المراد من السعة هو وجدان ما يبقى بعضه لقوت عياله و لا يبعد بقرينة هذه الرواية ان يكون المراد بالقوة في المال و اليسار و كونه موسرا في سائر الروايات أيضا هو ذلك و عليه فلا ارتباط لهذه الروايات بما هو بصدده من عدم صدقه مع العسر.

ثم على تقدير كون المراد بالسعة في المال هو نفس عنوانها و باليسار كذلك فارتباطه بمسألة العسر و الحرج الراجع الى نفس العمل غير واضح فان العسر في قاعدة الحرج يكون مرتبطا بالعمل و راجعا اليه و اليسار في الروايات راجع الى

المال و الشخص فهنا الشخص موسر و معسر و هناك العمل و متعلق التكليف بلحاظه كذلك و لم يظهر ارتباط بين الأمرين.

ثم على تقدير كون المراد باليسار في المال ما ذكره فمقتضى الروايات اعتباره في الاستطاعة مطلقا من غير فرق بين الشريف و الوضيع و دعوى كون معنى اليسار مختلفا بالنسبة إليهما بحيث كان معنى اليسار في حق الشريف غير معناه في حق الوضيع واضحة المنع.

الأمر الثاني ما إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و سائر حوائجه فهل يجب عليه الحج في هذه الصورة أم لا؟ فيه وجهان بل قولان و ليعلم ان محل الاختلاف ما إذا لم يكن له بالفعل زاد أصلا و اما ما هو المتداول في هذه الأزمنة من استخدام بعض الأشخاص للخدمة في سفر الحج لأجل الطبخ أو سائر الخدمات أو استخدام بعض الروحانيين للنظارة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

على أمر الحجاج من جهة مناسكهم و تجعل الأجرة زادا و راحلة أو مع اضافة فلا إشكال في تحقق الاستطاعة من حيث الزاد و الراحلة بالإضافة إليهما لوقوع الاستيجار قبل الشروع في سفر الحج و من المعلوم انه عند تمامية عقد الإجارة يملك المستأجر العمل على الأجير و الأجير الأجرة على المستأجر فالملكية ثابتة قبل الشروع في السفر نعم ربما يتحقق الإشكال في بعض الموارد كأكثر الروحانيين بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة- الذي سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى- و اما الاستطاعة من جهة الزاد و الراحلة فلا اشكال فيها

أصلا فالكلام في المقام انما هو في غير هذه الصورة و هو ما إذا لم يكن بالفعل مالكا للزاد أصلا بل الثابت بالفعل هي القدرة على تحصيله في الطريق و المحكي عن مستند النراقي الوجوب فيه حيث قال: «و لو لم يجد الزاد و لكن كان كسوبا يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه و ظن إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة وجب الحج لصدق الاستطاعة» و قال العلامة في التذكرة في هذه المسألة: «فان كان السفر طويلا لم يلزمه الحج لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقة العظيمة و لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدي إلى هلاك نفسه و ان كان السفر قصيرا فان كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج لانه قد ينقطع عن كسبه في أيام الحج فيتضرر، و ان كان كسبه في كل يوم يكفيه لأيامه لم يلزمه الحج أيضا للمشقة و لانه غير واجد لشرط الحج و هو أحد وجهي الشافعية و الثاني الوجوب و به قال مالك مطلقا» و مقتضى دليله الأخير و هو عدم كونه واجدا لشرط الحج عدم الوجوب مطلقا سواء كان في السفر الطويل أو في السفر القصير.

و كيف كان فالظاهر ما في المتن لظهور الاستطاعة- المأخوذة شرطا لوجوب الحج- في الاستطاعة الفعلية كسائر العناوين المأخوذة في الأدلة و من الواضح عدم تحققها في مثل المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 99

[مسألة 12- لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه]

مسألة 12- لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه فلو استطاع العراقي أو الإيراني و هو في الشام أو الحجاز وجب و ان لم

يستطع من وطئه، بل لو مشى الى قبل الميقات متسكعا أو لحاجة و كان هناك جامعا لشرائط الحج وجب و يكفى عن حجة الإسلام، بل لو أحرم متسكعا فاستطاع و كان امامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه و ان لا يخلو من اشكال. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة:

الأول ما لو استطاع الشخص في غير بلده و وطنه و لم يكن مستطيعا من وطنه و محل الكلام ما إذا لم تكن إقامته في البلد الثاني بنحو الدوام و قصد التوطن و ما إذا لم تكن إقامته فيه موجبا لانتقال الفرض كالمجاور بمكة بعد السنين بل كانت إقامته فيه موقتة قصيرة ففي هذه الصورة إذا استطاع من البلد الثاني كما إذا استطاع الإيراني و هو في الشام الواقع في وسط الطريق تقريبا، كما ان محل البحث ما إذا كان واجدا للزاد و الراحلة بعد العود الى وطنه لا الى محل الاستطاعة ففي هذه الصورة وقع البحث في انه مستطيع يجب عليه الحج أم لا؟ فالمحكي عن المدارك و المستند و الذخيرة و بعض المتأخرين القول بوجوب الحج و عن الشهيد الثاني العدم و عمدة ما يدل على الأول تحقق الاستطاعة الفعلية بالإضافة اليه و لا دليل على اعتبار حصولها من البلد بعد عدم وقوع التقييد به لا في الآية و لا في غيرها من الأدلة فالملاك هي فعلية الاستطاعة و هي متحققة على ما هو المفروض كما ان المفروض وجدانه للزاد و الراحلة بالإضافة إلى العود حتى الى وطنه نعم ربما يستدل على الوجوب- مضافا الى ما ذكر- بصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن أو غيرها

من البلدان و طريقة بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم «1»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 100

..........

______________________________

و قد استشكل في الاستدلال بها- تارة- بأن الظاهر منها كون جهة السؤال عدم قصد الحج من البلد لا عدم تحقق الاستطاعة منه- و اخرى- بأن الأجزاء أعم من كونه حجة الإسلام و الجواب عن الثاني واضح فإنك عرفت ان الحج له حقائق متعددة و ماهية حجة الإسلام مغايرة مع ماهية غيرها من الحج الاستحبابي و النيابي و غيرهما فالحكم بالاجزاء لا محالة ينطبق على حجة الإسلام و أجيب عن الأول بصلاحية الجواب للاستدلال بها من جهة ترك الاستفصال بين ما إذا كان مستطيعا من البلد و بين ما إذا لم يكن كذلك و لكن الظاهر انه لا مجال لهذا الجواب فإنه بعد ما فرض كون حيثية السؤال امرا لا يرتبط بمسألة الاستطاعة لا مجال- حينئذ- للاستدلال بترك الاستفصال في الجواب كما لا يخفى فالإنصاف تمامية الإشكال الأول لكن عرفت انه لا حاجة الى الاستدلال بالرواية أصلا فالحكم في هذا الفرع هو وجوب الحج كما أفيد في المتن.

الثاني ما لو مشى الى ما قبل الميقات متسكعا أو لحاجة ثم حصل له الاستطاعة هناك و الظاهر وجوب الحج عليه لما عرفت من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد الّا لمن أراد الحج منه بان كان مقيما فيه.

ثم انه يظهر من ذلك انه لو علم بحصول الاستطاعة عند الميقات و هو في البلد لا يجب عليه السفر الى الميقات لعدم لزوم

تحصيل الاستطاعة بوجه كما إذا علم الشخص بأنه لو اتجر تجارة فلانية يصير مستطيعا فإنه لا يجب عليه الاتجار المذكور لهذا الوجه و هذا بخلاف الفرع الذي ذكرنا في ذيل بعض المسائل السابقة و هو ما لو علم الصغير المستطيع بحصول البلوغ له قبل الميقات فإنه يلزم عليه عقلا السفر الى الميقات لوجود الاستطاعة الفعلية و حصول البلوغ قبل الشروع في الأعمال و الفرق إلزام العقل هناك و المفروض وجود الاستطاعة و لا مجال للإلزام هنا بعد كونه متسكعا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 101

..........

______________________________

الثالث ما لو أحرم متسكعا فاستطاع و في المتن- تبعا للعروة- إمكان القول بالوجوب إذا كان امامه ميقات آخر و ان ذكرا بعده انه لا يخلو من اشكال و ظاهر التقييد بما إذا كان امامه ميقات آخر هو تجديد الإحرام من ذلك الميقات و ان كان يحتمل ان يكون الوجه فيه هو العبور عن الميقات محرما و في هذا الفرع قولان آخران:

أحدهما ما افاده بعض الأعاظم- قده- في شرح العروة من عدم كون حجه حجة الإسلام لأن صيرورته كذلك تتوقف على تحقق الاستطاعة له من أول الأعمال إلى آخرها لعدم كون صرف الوجود من المال و لو في أثناء الاعمال موضوعا للوجوب كي يحكم بالاجزاء فيما إذا حصلت له الاستطاعة بعد إحرامه و لا فائدة في وجود ميقات آخر إمامه لأنه ليس له تجديد إحرامه في الميقات الثاني لأنه لا إحرام في إحرام نعم لو قلنا ان الإحرام شرط للحج لا جزء من أعماله أمكن القول بالاجزاء بلا فرق بينما إذا كان امامه ميقات آخر أولا.

ثانيهما ما افاده بعض الاعلام في شرحه على

العروة أيضا من ان مقتضى إطلاق الأدلة وجوب الحج عليه و الذي يمنع عن القول بالوجوب إحرامه لغير حجة الإسلام إذ ليس له إبطاله و الإحرام ثانيا لحج الإسلام و هو لا يمنع عنه لانه بعد فرض شمول إطلاق الأدلة المذكورة يكشف عن بطلان الإحرام الأول و انه لم يكن له أمر ندبي بالحج و انما هو مجرد تخيل و وهم فحصول الاستطاعة و لو بعد الميقات يكشف عن بطلان إحرامه الأول و لذا لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك فلم يجب عليه الّا حجة الإسلام و يجرى عليه احكام من تجاوز الميقات بغير إحرام من الرجوع اليه مع الإمكان و مع عدمه التفصيل الآتي في محله و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان امامه ميقات آخر أم لا.

أقول البحث مع هذا البعض في مراحل:

الاولى أنه هل يكون لأدلة الحج إطلاق يشمل المقام و هو ما لو حصلت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

الاستطاعة بعد الإحرام أو ان ظاهرها هو حصول الاستطاعة قبل الشروع في اعمال الحج كما افاده ذلك البعض لا يبعد ان يقال بالثاني فكما ان الدليل الدال على شرطية شي ء للمأمور به ظاهر في لزوم اقتران الشرط مع تمام أجزاء المأمور به من أوله الى آخره كذلك الدليل الدال على شرطية شي ء لتعلق التكليف بالمأمور به ظاهر في لزوم تحقق الشرط قبل أجزاء المأمور به و الشروع فيها.

الثانية انه لو فرض ثبوت الإطلاق لأدلة الحج و شمولها لما إذا حصلت الاستطاعة بعد الإحرام الذي هو أول جزء من المأمور به نقول ان في مقابل هذا الإطلاق إطلاقا آخر

و هي الأدلة الواردة فيمن أحرم من الميقات إحراما صحيحا و لو ندبا الدالة على انه ليس له رفع اليد عن الإحرام بل يجب عليه إتمام هذا العمل فان مقتضى إطلاقها الشمول لما إذا حصل شرط الوجوب بعد الإحرام و عليه فيجب إتمامه ندبا و لا مجال لدعوى عدم نهوض دليل الاستحباب في مقابل دليل الوجوب بعد كون مقتضى هذه الأدلة لزوم الإكمال بعنوان الاستحباب كصلاة الليل التي وقعت متعلقة للنذر فإنه يجب على الناذر الإتيان بصلاة الليل لكن بقصد الاستحباب دون الوجوب.

و بعد تعارض الإطلاقين لا مرجح لإطلاق أدلة وجوب الحج و إدخال مورد التعارض تحتها كما لا يخفى.

الثالثة انه لو فرض ثبوت المزية لإطلاق أدلة وجوب الحج و لزوم إدخال المورد تحتها فالحكم بأنه يكشف عن فساد الإحرام الأول لا سبيل اليه و الاستناد الى ما لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك غير تام فإنه في ذلك المورد يتبين له ان الشروع في الإحرام بعنوان الاستحباب لم يكن في محله لكونه مستطيعا في الواقع يجب عليه حجة الإسلام و اما المقام فالشروع بنية الندب كان في موضعه لعدم كونه مستطيعا في هذا الحال و لا دليل على بطلان هذا الإحرام و مقتضى إطلاق أدلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 103

..........

______________________________

الحج لزوم كون الأعمال الآتية بعنوان حجة الإسلام فكما انه صرح هذا البعض في العبد المنعتق قبل المشعر بان مقتضى أدلة إجزاء حجه عن حجة الإسلام هو الانقلاب القهري الشرعي من دون حاجة الى تجديد النية أيضا كذلك مقتضى شمول الإطلاق في المقام ذلك و يمكن ان يقال بلزوم تجديد النية أيضا

و اما الكشف عن الفساد و لزوم تجديد إحرام آخر فلم يظهر وجهه و (دعوى) ان لازم القول بتعدد الماهية في باب الحج ذلك (مدفوعة) بعدم كون لازمة ذلك بل اللازم هو العدول كما في صلاة العصر حيث يعدل عنها الى صلاة الظهر لو انكشف له في الأثناء انه لم يأت بها و كما في العدول في العبد المنعتق قبل المشعر لو لم نقل بالانقلاب القهري و (دعوى) كون العدول على خلاف القاعدة و الأصل و لا يؤخذ به الّا في موارد وجود الدليل و المفروض ثبوته في العبد المنعتق و عدم وجوده في المقام (مدفوعة) بأن التعبير في العبد و ان كان هو الاجزاء عن حجة الإسلام و في المقام هو الحكم بوجوب الحج الّا ان الظاهر انه لا فرق بينهما في الحقيقة لأن مرجع الاجزاء الى وجوب حجة الإسلام عليه في ذلك الحال غاية الأمر ان الوجوب في المقام ثبت بالإطلاق و هناك بالنص و هذا المقدار لا يوجب الفرق من جهة ما نحن فيه من العدول الى حجة الإسلام كما لا يخفى.

ان قلت لعل نظره في الحكم ببطلان الإحرام الى ان توجه الحكم بالوجوب اليه بعد الاستطاعة- لفرض الإطلاق- يقتضي البطلان من جهة ان الأمر انما تعلق بالحج و هي عبادة مركبة من عدة أجزاء منها الإحرام فكانّ الأمر تعلق إلى الإحرام و لا معنى لتعلقه إليه في حالة الإحرام إلّا بعد كون الإحرام الأول محكوما بالفساد لانه لا معنى للأمر بالإحرام في حالة كونه محرما بالإحرام الصحيح لانه من تحصيل الحاصل كما لا يخفى.

قلت نعم انما يتم ذلك لو كان الأمر متعلقا بخصوص الإحرام فإنه لا يجتمع

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

مع صحة الإحرام الأوّل و اما لو تعلق الأمر بمركب ذات أجزاء كثيرة يكون الإحرام جزء واحدا منها الا يكون معناه إلّا الإتيان بسائر الأجزاء غير الإحرام و لا دلالة له على بطلان الإحرام الأوّل بوجه.

فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يظهر وجه للحكم ببطلان الإحرام الأول هذا على تقدير ثبوت الإطلاق لأدلة وجوب الحج و شموله لما إذا استطاع بعد الشروع و تحقق الإحرام مع ان فيه مناقشة واضحة فإن ظاهر هذه الأدلة لزوم تحقق الشرط قبل الشروع في المأمور به فكما ان ظاهر أدلة اشتراط شي ء في المأمور به لزوم اقترانه مع جميع الاجزاء كما في قوله لا صلاة الا بطهور فكذلك ظاهر أدلة اشتراط الأمر بشي ء اقترانه مع جميع الاجزاء.

و مما ذكرنا يظهر انه لا مجال للاستدلال في المقام بما دل على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج لأن غاية مفاده هي الصحة و ان إدراك المشعر يوجب اتصاف الحج بالصحة و وقوعه كذلك و لكن ذلك لا يكفي في كونه حجة الإسلام التي هي واجبة بالشرع إلّا إذا ثبت الإطلاق لأدلة وجوبها و مع عدم ثبوته لا مجال للحكم بالوجوب و لذا ذكرنا في الصبي البالغ قبل الوقوف بالمشعر ان أدلة من أدرك إذا انضمت إلى الإطلاق المستفاد من قوله عليه السّلام الجارية عليها الحج إذا طمثت يستفاد منها كون حجه حجة الإسلام و بدون ثبوت الإطلاق لا مجال لهذه الاستفادة لأن غاية مفاد أدلة من أدرك لا تتجاوز عن الصحة.

فقد ظهر من جميع ذلك ان الظاهر ما افاده بعض الأعاظم- قده- من الحكم بلزوم إتمام الحج ندبا و عدم كون حجه

حجة الإسلام و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه كما انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين ما إذا كان امامه ميقات آخر و بين ما إذا لم يكن أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 105

[مسألة 13- لو وجد مركب كسيارة أو طيارة و لم يوجد شريك للركوب]

مسألة 13- لو وجد مركب كسيارة أو طيارة و لم يوجد شريك للركوب فان لم يتمكن من أجرته لم يجب عليه و الا وجب الا ان يكون حرجيا عليه، و كذا الحال في غلاء الأسعار في تلك السنة، أو عدم وجود الزاد و الراحلة إلا بالزيادة عن ثمن المثل، أو توقف السير على بيع أملاكه بأقل منه. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع أربعة مشتركة في الحكم من جهة الملاك و المستند و المهم فيها صورة تحقق الضرر المالى من دون ان يبلغ الى حد الحرج لانه مع البلوغ اليه لاخفاء في ارتفاع وجوب الحج لقاعدة نفى الحرج و اولى منه صورة عدم التمكن و القدرة بوجه فالمهم صورة وجود الضرر و قد توقف العلامة في الوجوب في الفرع الأول مستدلا بان بذل المال له خسران لا مقابل له و حكى عن الشيخ القول بعدم الوجوب في الفرع الثالث و هي الزيادة عن ثمن المثل و العمدة في هذا البحث قاعدة نفى الضرر و اللازم التكلم فيها على جميع المباني فنقول:

اما على ما اختاره شيخ الشريعة الأصفهاني- قده- في رسالته في هذه القاعدة من ان مرجعها إلى النهي عن الإضرار بالغير في شريعة الإسلام بحيث كانت الجملة إنشائية مسوقة لإفادة النهى كقوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ فلا ارتباط لها بمثل المقام لأنها أيضا حكم شرعي اوّلى كسائر الأحكام

الأولية مثل حرمة شرب الخمر و غيره غاية الأمر ان متعلقه الإضرار بالغير.

كما انه على ما اختاره سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- دام ظله الشريف- و رجحناه تبعا له في المباحث الأصولية من ان قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- لا ضرر و لا ضرار في الإسلام حكم صادر عن النبي ناش من مقام الحكومة و الولاية الثابتة له على المسلمين لا من مقام رسالته المرتبطة بالوحي فهو لا يرتبط بباب الفقه أصلا و لا يكون من الأحكام الشرعية الأولية و لا الثانوية بل يرتبط بمقام الحكومة و الزعامة و إدارة أمر المسلمين و شئونهم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

و اما على ما اختاره المشهور في معنى القاعدة من ان مفادها حكم ثانوي الهى ناظر إلى الأحكام الأولية و حاكم عليها بتضييق دائرتها بما إذا لم يجئ من ناحيتها الضرر بالتقريب المذكور في كلام الشيخ في الرسائل أو بالتقريب المذكور في كلام المحقق الخراساني- قده- في الكفاية فمقتضاه في بادى النظر و ان كان هو عدم الوجوب لان المفروض استلزامه لتحقق الضرر المالى و القاعدة حاكمة على الأدلة الأولية التي منها دليل وجوب الحج في المقام.

و لكنه ذكر في «المستمسك» ان أدلة الوجوب على المستطيع لما كانت متضمنة لصرف المال كانت أخص من أدلة نفى الضرر فتكون مخصصة لها و ما اشتهر و تحقق من ان أدلة نفى الضرر حاكمة على الأدلة فذلك يختص بالأدلة المطلقة التي لها فردان ضرري و غير ضرري فتحكم عليها و تخرج الفرد الضرري عنها و ليس من ذلك أدلة وجوب الحج على المستطيع.

و أورد عليه بعض الأعلام بأن الحج و ان كان ضرريا و

لكن المجعول من الضرر ما يقتضيه طبعه مما يحتاج اليه المسافر الى الحج و اما الزائد على ما يقتضيه طبع الحج فهو ضرر آخر أجنبي عن الضرر اللازم من طبع الحج و المرفوع بحديث لا ضرر انما هو الضرر الزائد عما يقتضيه طبع الواجب و الذي لا يرتفع بلا ضرر انما هو الضرر اللازم منه مما يقتضيه طبعه.

و الجواب عن هذا الإيراد- بعد تسليم المبنى و بعد تسليم عروض التخصيص لقاعدة نفى الضرر مع ان سياقها آب عن التخصيص خصوصا إذا كان المخصص كثيرا كالحكم بوجوب الزكاة في موارده و الحكم بوجوب الخمس في محله و الحكم بوجوب الحج كذلك و غير ذلك من الأحكام الضررية مع ان الظاهر لزوم الالتزام بان خروجها يكون بنحو التخصص لا التخصيص.

انه لو كانت أدلة الحج بالنسبة إلى الضرر الزائد الناشئ عن عدم وجود الشريك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 107

[مسألة 14- يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود الى وطنه]

مسألة 14- يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود الى وطنه ان اراده أو الى ما أراد التوقف فيه بشرط ان لا تكون نفقة العود إليه أزيد من العود الى وطنه إلا إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه. (1)

______________________________

للمركب أو عن مثله مطلقة لكان اللازم الأخذ بها في مقابل قاعدة نفى الضرر لأنه إذا كان لدليل المخصص إطلاق يجب الأخذ به في مقابل العام و لا مجال للأخذ بالعموم و كذا المطلق فإذا ورد قوله أعتق رقبة و ورد قوله لا تعتق الرقبة الكافرة و شككنا في ان عدم جواز عتق الرقبة الكافرة يختص بما إذا كان بأيدينا رقبة مؤمنة أو يشمل ما إذا لم يكن بأيدينا كذلك و لكن أمكننا تحصيلها

فإذا فرض ثبوت الإطلاق لدليل المقيد لا مجال للرجوع إلى الإطلاق و الحكم بجواز عتق الرقبة الكافرة إذا لم يكن بأيدينا كذلك و المقام من هذا القبيل و (دعوى) ان ثبوت الإطلاق ينافي ما مرّ من ان المراد من الاستطاعة في الآية في نفسها هي الاستطاعة العرفية لعدم كون المقام متحققا فيه الاستطاعة كذلك (مدفوعة) أولا بأن حمل الآية على الاستطاعة العرفية انما هو بلحاظ الآية في نفسها مع قلع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها و ثانيا بعدم كون الاستطاعة العرفية منافية للضرر المتحقق في المقام فإن الاستطاعة حاصلة و لو كان الضرر أيضا موجودا كما لا يخفى.

و قد انقدح مما ذكرنا انه لو اخترنا مبنى المشهور في مفاد القاعدة أيضا لكان اللازم الالتزام بالوجوب في هذه الفروع.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأول في أصل اعتبار وجود نفقة العود في وجوب الحج في الجملة قال في الشرائع: «و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب ذهابا و عودا» و من المعلوم انه لا خصوصية للزاد من هذه الجهة فإن الراحلة أيضا يكون كذلك و الذي يظهر من كلماتهم الاستدلال على ذلك بوجهين:

أحدهما ما استدل به العلامة في محكي التذكرة و المنتهى من ان في التكليف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة و حرجا عظيما فيكون منفيا.

ثانيهما ما افاده بعض الأعاظم- قده- في شرحه على العروة من ان نفس الاخبار الدالة على لزوم اعتبار الزاد و الراحلة في تحقق الاستطاعة تدل على لزوم اعتبار نفقة العود كان المتفاهم العرفي منها ذلك فإذا قال المولى لعبده اذهب الى السفر الكذائي ان

كان لك الزاد و الراحلة لا يكون المتفاهم منه الا وجدانه للزاد و الراحلة ذهابا و إيابا و عليه فالتعبير في آية الحج و ان كان هي الاستطاعة الى البيت لكن فهم العرف من نفس هذا التعبير أيضا ذلك اى الذهاب و الإياب.

نعم لو لم يرد الشخص الرجوع الى الوطن أو غيره بل أراد المجاورة بمكة المكرمة- مثلا- لا تعتبر نفقة العود بالإضافة إليه أصلا و الحاكم بالفرق هو العرف أيضا و تظهر ثمرة الوجهين فيمن يريد الرجوع الى الوطن- مثلا- على حسب ميله و رغبته الشخصية و لكن لا تكون الإقامة بمكة أيضا حرجية عليه بوجه لعدم ثبوت علاقة له في الوطن- مثلا- فمقتضى الدليل الأول عدم كون نفقة العود بالإضافة إليه معتبرة في وجوب الحج و مقتضى الدليل الثاني الاعتبار لفرض إرادته الرجوع و العود الى الوطن.

المقام الثاني في انه بعد اعتبار نفقة العود في وجوب الحج فان كان مراده هو الرجوع الى وطنه فلا شبهة في اعتبار نفقة العود اليه من دون فرق بين ما إذا كان له في البلد أهل و عشيرة و بين ما إذا لم يكن له ذلك و من دون فرق أيضا بين ما إذا كان له في الوطن مسكن مملوك و لو بالإجارة و بين ما إذا لم يكن و ان كان مراده هو العود الى محل آخر و التوقف فيه فان كانت نفقة العود إليه مساوية لنفقة العود الى الوطن أو أقل منه فالمعتبر هي تلك النفقة و ان كانت أزيد فلا دليل على اعتبار الزائد عن نفقة العود الى الوطن إلا إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه فالمعتبر نفقة العود الى ذلك المحل و قد

جعل السيد في العروة المعيار هي الابعدية مع ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 109

[مسألة 15- يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الإياب زائدا عما يحتاج إليه في ضروريات معاشه]

مسألة 15- يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الإياب زائدا عما يحتاج إليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا ثياب تجمله و لا أثاث بيته و لا آلات صناعته، و لا فرس ركوبه أو سيارة ركوبه، و لا سائر ما يحتاج اليه بحسب حاله و زيه و شرفه، بل و لا كتبه العلمية المحتاج إليها في تحصيله سواء كانت من العلوم الدينية أو من العلوم المباحة المحتاج إليها في معاشه و غيره، و لا يعتبر في شي ء منها الحاجة الفعلية، و لو فرض وجود المذكورات أو شي ء منها بيده من غير طريق الملك كالوقف

______________________________

الظاهر ان مراده منها هي الازيدية و التعبير بالأول انما هو للملازمة النوعية بين الأمرين و عليه فلا مجال للإشكال عليه كما في بعض الشروح و اما استثناء صورة الإلجاء فإن كان الإلجاء مرتبطا بنفس العود الى ذلك المحل كما إذا لم يتمكن من الرجوع الى وطنه لبعض الجهات فهو تام و امّا ان كان الإلجاء مرتبطا بنفس السكنى فيه و كان متمكنا من العود الى وطنه فاعتبار نفقة العود الى ذلك المحل محل اشكال كما لا يخفى ثم ان في اعتبار نفقة العود في تحقق الاستطاعة التي هي شرط لوجوب حجة الإسلام شبهة و هي انه لو فرض كون الشخص واجدا لهذه النفقة عند السير الى الحج و كانت باقية عند المناسك و الأعمال بأجمعها و لكن بعد التمامية ذهبت من يده بسرقة أو غيرها فصار فاقدا لنفقة العود بالمرة فاللازم ان يقال بعدم كون

حجه الذي اتى به بقصد حجة الإسلام كذلك مثل ما إذا علم من أول الأمر قبل المسير بأن نفقة عوده تسرق بعد الأعمال فإنه لا يجب عليه الحج في هذه الصورة فكذلك المقام و عليه فيجب عليه الإتيان بها بعدا لو تحقق له الاستطاعة له مع ان الالتزام به في غاية البعد لان لازمة ان السرقة كما ذهبت بماله كذلك ذهبت بحجه.

و يمكن ان يقال في دفع هذه الشبهة بأن الظاهر من النصوص الدالة على عدم أجزاء حج المتسكع عن حجة الإسلام غير مثل هذا الفرض و اللازم ملاحظتها كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 110

و نحوه وجب بيعها للحج بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه و لم يكن المذكورات في معرض الزوال. (1)

______________________________

(1) المشهور بين الفقهاء هو استثناء ما يحتاج اليه الشخص في ضروريات معاشه عن الزاد و الراحلة المحقق للاستطاعة بمعنى انه يعتبر ان يكون الزاد و الراحلة زائدا على ذلك و لا يجب عليه صرفه فيهما و يمكن الاستدلال عليه بأمور:

أحدها الإجماع المدعى في بعض الكتب كالمعتبر و المنتهى و التذكرة، و الاشكال على الاستدلال به واضح مما ذكرناه مرارا.

ثانيها استثناء هذه الأمور كلا أو جلا في دين المخلوقين الذي هو أعظم من دين الخالق الذي هو الحج. و يرد عليه ان الكلام في المقام في أصل ثبوت دين الخالق لان البحث في تحقق الاستطاعة الجائية من ناحيتها الفريضة و الدين الإلهي مع ان الظاهر انه في صورة استقرار الحج و ثبوت الدين الإلهي لا يكون جميع هذه الأمور مستثناة كما لا يخفى.

ثالثها فحوى رواية أبي الربيع الشامي الدالة على ان المراد

بالسبيل في الآية هي السعة في المال لكنه قد تقدم و سيأتي أيضا في بحث الرجوع الى الكفاية ان المراد بالسعة ما ذا؟.

رابعها و هو العمدة قاعدة نفى العسر و الحرج و لا مجال للإشكال على الاستدلال بهذه القاعدة الا ان اللازم بملاحظة كون الحرج المأخوذ فيها حرجا شخصيا لا نوعيا دوران الحكم مداره فإذا فرض عدم تحقق الحرج أصلا من بيع بعض المستثنيات و صرف ثمنه في الحج فاللازم القول بوجوب الحج عليه لفرض تحقق الاستطاعة و عدم لزوم الحرج بوجه.

و دعوى انه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه بل هو مستلزم لأمر حرجي و هو فقده لما يحتاج إليه في معيشته فالحرج لا يكون ثابتا في أصل حجة بل في لازمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 111

..........

______________________________

مدفوعة بأنه مع التوقف المذكور و فرض كون فقده لما يحتاج إليه في معيشته امرا حرجيا يصدق كون الحرج آتيا من قبل الحكم و هو إيجاب الحج و لا يلزم في قاعدة نفى الحرج ان يكون متحققا في نفس المأمور به و الّا لا مجال لاستفادة اعتبار نفقة العود من هذه القاعدة لعدم كون الحج مع عدمها حرجيا بوجه فالملاك هو كون الحكم موجبا لتحقق الحرج سواء كان في المأمور به أو في غيره مما يلازمه كما لا يخفى.

كما ان (دعوى) ان الاستناد بهذه القاعدة انما يجدي لنفى الإلزام و هو لا ينافي الاجزاء عن حجة الإسلام فلو تحمل الحرج و اتى بالحج يكون حجه صحيحا مجزيا (مدفوعة) بأنه على تقدير تسليم كون تحمل الحرج غير مناف للصحة لاحتمال البطلان كما رجحناه في البحث عن

القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهية نقول ان غايته هو الحكم بالصحة و اما الاجزاء عن حجة الإسلام فلا مجال له بعد تغاير الماهية في الحج و ثبوت حقيقة خاصة لحجة الإسلام التي تكون عمدة مشخصاتها هي الوجوب و كونها فريضة فإجراء القاعدة في المقام و مثله يكون ملازما لعدم الاجزاء.

إذا ظهر لك ذلك فنقول:

اما مسألة الثياب ففي محكي الدروس و التحرير انها لا تباع و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين ثياب المهنة- بالفتح و الكسر- اى ما يبتذله من الثياب لأن المهنة الخدمة و بين ثياب التجمل و في الشرائع: و لا تباع ثياب مهنة و في المتن: «و لا ثياب تجمله» و شموله لثياب المهنة انما هو بنحو الأولوية و لكن شمول مثل عبارة الشرائع لثياب التجمل محل اشكال.

و العمدة على ما عرفت هو دليل نفى العسر و الحرج و الظاهر شموله لثياب التجمل أيضا و كذلك أثاث البيت إذا كان لائقا بحاله و لم يكن زائدا على حاجته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

بحسب زيه و شرفه و زمانه و مكانه و سائر الخصوصيات الموجبة للفرق بين الأشخاص من جهة الحاجة.

و اما آلات صناعته فعن الدروس التوقف في استثناء ما يضطر اليه من أمتعة المنزل و السلاح و آلات الصنائع و هو محل نظر بعد فرض وجود الاحتياج إليه في معاشه و إدارة أموره.

و اما فرس الركوب أو السيارة في زماننا هذا فقد ناقش في استثنائه كاشف اللثام حيث قال في محكي كشفه: لا ارى له وجها فان فرسه ان صلح لركوبه الى الحج فهو من الراحلة و الّا فهو في مسيره إلى الحج لا

يفتقر اليه و انما يفتقر الى غيره و لا دليل على انه- ح- لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم الا بثمنه.

و قد عرفت ان الدليل هي قاعدة نفى العسر و الحرج المقتضية لعدم الوجوب مع الحاجة اليه و ان كان لا يحتاج إليه في مسيره إلى الحج بوجه.

و اما الكتب فالمحكي عن ابن سعيد انه قال: لا يعد في الاستطاعة لحج الإسلام و عمرته دار السكنى و الخادم و يعتبر ما عدا ذلك من ضياع و عقار و كتب و غير ذلك. و المحكي عن التحرير انه أطلق بيع ما عدا المسكن و الخادم و الثياب من ضياع أو غيرهما من الذخائر.

و المحكي عن المنتهى انه بعد دعوى إجماع العلماء على استثناء المسكن و الخادم الحق بذلك فرس الركوب و كتب العلم و أثاث البيت من فراش و بساط و آنية و نحو ذلك.

و الظاهر ما في المتن من تخصيص الاستثناء بالكتب المحتاج إليها سواء كان احتياجه إليها لأجل الضرورة الدينية التي هي أعظم من الدنيوية من دون فرق بين ان تكون لأجل التحصيل أو العمل و أخذ الحكم أو لأجل الضرورة الدنيوية كما إذا احتاج إليها لأجل معاشه أو لأجل التدريس و التأليف و مثلهما و لا وجه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 113

..........

______________________________

للتخصيص بالكتب العلمية الدينية- كما هو ظاهر السيد في العروة- لعموم الدليل و هي قاعدة نفى الحرج و الظاهر انه لا يعتبر في جريانها وجود الحاجة الفعلية بل يكفى كونها في معرض الحاجة و المراجعة.

و الظاهر ان حليّ المرأة بحسب حالها في زمانها و مكانها أيضا كذلك كما عن الشيخ و الشهيد إلحاقها

بالثياب و الاستشكال فيه بعدم الدليل- كما في الجواهر- مندفع بجريان القاعدة هنا أيضا و يشمله عموم المتن في قوله: و لا سائر ما يحتاج اليه بحسب حاله و زيّه و شرفه.

ثم انه لو فرض وجود دار موقوفة غير داره المملوكة و كان كل منهما لائقا بحاله مناسبا لشأنه حتى مع وصف الوقفية بمعنى عدم كون السكنى في الدار الموقوفة منافيا لشأنه أصلا و لم تكن في معرض الزوال أيضا بعروض الخراب أو الأخذ من يده أو غيرهما فهل يجب عليه بيع الدار المملوكة بشرط كون ثمنها وافيا بالحج أو متمما للاستطاعة و مكملا لها أم لا؟ في المسألة صورتان و قبل ذكرهما لا بد من التنبيه على أمر و هو انه ليس المراد من وجوب البيع المذكور في مثل هذه الموارد ان البيع يكون واجبا شرعا بل المراد هي صيرورة الشخص بذلك مستطيعا تجب عليه حجة الإسلام فلو لم يبع الدار مع كونه كذلك و حج متسكعا يكون حجة حجة الإسلام من دون ان تتحقق منه مخالفة فالمراد انه إذا انحصر طريق الحج بالبيع بحيث لم يمكنه ان يحج الا بالبيع فاللازم البيع لا انه يجب البيع مطلقا.

الصورة الأولى ما إذا كانت الدار الموقوفة بيده و تحت اختياره و لا مجال للإشكال في عدم استثناء داره المملوكة في هذه الصورة لعدم كون بيعها و صرف ثمنها في الحج موجبا لتحقق الحرج عليه أصلا على ما هو المفروض و الظاهر عدم شمول عبارة الجواهر لهذه الصورة حيث قال: «و ان كان الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالاوقاف العامة و شبهها بل في الدروس القطع بذلك».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 1، ص: 114

[مسألة 16- لو لم تكن المذكورات زائدة على شأنه عينا لا قيمة يجب تبديلها]

مسألة 16- لو لم تكن المذكورات زائدة على شأنه عينا لا قيمة يجب تبديلها و صرف قيمتها في مئونة الحج أو تتميمها بشرط عدم كونه حرجا و نقصا و مهانة عليه و كانت الزيادة بمقدار المئونة أو متممة لها و لو كانت قليلة. (1)

______________________________

فان إمكان الاعتياض ظاهر في الصورة الآتية فتدبر.

الصورة الثانية ما إذا لم تكن موجودة عنده و بيده بل امكنه تحصيلها و قد فرق بينهما السيد في العروة و يشعر إليه عبارة المتن نظرا الى عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الأولى قال: الا إذا حصلت بلا سعى منه أو حصلها مع عدم وجوبه فإنه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولا.

و أورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما حاصله تحقق الاستطاعة في الصورة الثانية أيضا لأن المفروض وجود ما يحج به عنده و لا مانع من صرفه في الحج الا العسر و الحرج و هو منتف بعد قدرته على تحصيل الدار الموقوفة بلا حرج و ليس هذا من قبيل تحصيل الاستطاعة الذي لا يكون واجبا قطعا لحصولها بالفعل لثبوت الزاد و الراحلة و لو قيمة و عدم استلزام وجوب الحج للحرج أصلا على ما هو المفروض فالحكم في الصورتين هو وجوب البيع للحج.

(1) لا إشكال في انه لو زادت المذكورات كالدار- مثلا- على شأنه بحسب العين يكون اللازم بيع الزيادة لو كانت بمقدار المئونة أو متممة لها و قد ادعى القطع بذلك صاحب الجواهر تبعا للدروس و غيرها و لو لم يمكن بيعها الا ببيع المجموع يجب أيضا كما هو ظاهر.

و اما لو كانت الزيادة لا بحسب العين بل بحسب القيمة ففي المسألة قولان: الأول ما اختاره

صاحب الجواهر تبعا للتذكرة و الدروس و المسالك و غيرها من وجوب التبديل و شراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها و صرف الباقي في الحج لان الدليل على استثناء المذكورات هي قاعدة الحرج و هي لا تجري في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 115

[مسألة 17- لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه و تكسبه]

مسألة 17- لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه و تكسبه و كان عنده من النقود و نحوها ما يمكن شراؤها يجوز صرفها في ذلك من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداء أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده بل لو صرفها في الحج ففي كفاية حجه عن حجة الإسلام إشكال بل منع. و لو كان عنده ما يكفيه للحج و نازعته نفسه للنكاح جاز صرفه فيه بشرط كونه ضروريا بالنسبة اليه اما لكون تركه مشقة عليه أو موجبا لضرر أو موجبا للخوف في وقوع الحرام أو كان تركه نقصا و مهانة عليه.

و لو كانت عنده زوجة و لا يحتاج إليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في الحج لا يجب و لا يستطيع. (1)

______________________________

الفرض بعد كون الأقل ثمنا لائقا بحاله غير مناف لشأنه و لا موجبا للمنقصة عليه.

الثاني ما عن الكركي من عدم وجوب الاستبدال و احتمله كاشف اللثام و العلامة في التذكرة نظرا الى عدم كون العين زائدة على الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل. و قد اختار في المتن القول الأول و أشار بقوله: «و لو كانت قليلة» إلى خلاف ما عليه السيد في العروة من استثناء صورة ما إذا كانت الزيادة قليلة جدّا بحيث لا يعتنى بها، و الوجه في المخالفة انه

لو فرض كون الزيادة مع فرض قلّتها متممة لمئونة الحج فأيّ دليل يدل على الاستثناء في المقام و لا ربط له بخيار الغبن أصلا.

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة: الأول: لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج اليه كالدار- مثلا- و لكن كان عنده من النقود ما يمكن شراؤها فهل يجوز الصرف في شراء الدار أم لا بل يكون مستطيعا؟

حكى في الجواهر عن الدروس و المسالك و غيرهما الأول و هو الظاهر و لا فرق فيه بين الصور المذكورة في المتن من كون النقد عنده ابتداء أو بالبيع بقصد التبديل أولا بقصد التبديل فان المعيار في الجميع هو العسر و الحرج المخرج لنفس العين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

عن الزاد و الراحلة ففي الحقيقة لا فرق بين نفس الدار التي يكون عدمها موجبا للحرج و بين الصور المذكورة أصلا لأنه كما يكون بيع الدار موجبا للحرج كذلك صرف النقود الموجودة أو الحاصلة من بيع الدار في الحج يكون كذلك سواء كان بقصد التبديل أولا بقصده و عدم قصده مع ثبوت الحرج لا ينافي جريان قاعدته و عليه فلو حج و الحال هذه و صرف مقدارا من النقود فيه لا يكون حجة حجة الإسلام.

و العجب من السيد في العروة حيث انه مع ذهابه الى ان الدليل على الاستثناء في المستثنيات هو قاعدة العسر و الحرج صرح بالتفصيل بين ما إذا كانت العين مثل الدار موجودة عنده فإنه لا يجب الا مع عدم الحاجة و كذا لو باعها بقصد التبديل بدار آخر فان حكم ثمنها حكم نفسها فلا يجب صرفه في الحج الا مع عدم الحاجة و بين ما

إذا كان عنده من النقود ابتداء فإنه لا يجوز شراء الدار بها و ترك الحج الا ان يكون عدمها موجبا للحرج عليه فالمدار فيه هو الحرج و عدمه و كذلك لو باعها لا بقصد التبديل فإنه يجب صرف ثمنها في الحج الا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها.

و بالجملة فقد جعل المدار في الصورتين الأولتين هو عدم الحاجة و في الصورتين الأخيرتين هو العسر و الحرج و لم يعلم وجه لهذا التفصيل الا ان يقال ان الوجه في استثناء الدار و الخادم و الثياب هو الإجماع و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ما إذا هناك ضرورة و ما إذا لم يكن نعم يخرج منه صورة عدم الحاجة قطعا و يبقى الباقي و عليه فلا يجب بيع الدار الموجودة في صورة الحاجة و ان لم يكن عسر و حرج لكنه يرد على هذا الوجه- مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت الأصالة في المقام للإجماع على تقدير كونه محصلا لاحتمال استناد المجمعين إلى قاعدة نفى الحرج فالمدار عليها لا عليه- انه على تقدير ثبوت الأصالة نقول ان معقده هي الدار الموجودة- مثلا- و اما إذا بيعت و لو بقصد التبديل فلا يشمل الإجماع ثمنها بوجه، مع انك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

عرفت انه- قده- اعتمد في الاستثناء على القاعدة من دون إشارة إلى الإجماع فالتفصيل المذكور في كلامه مما لا مجال له أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا ان المدار هي القاعدة و لا فرق فيها بين الصور الأربع أصلا نعم ذكر بعض الاعلام انه لو باع داره الموجودة المحتاج إليها للتحفظ على المال و ارادة الادخار و

البناء على عدم الصرف في الحوائج أصلا لا يكون إلزامه بالحج- حينئذ- حرجيا عليه لانه لا حرج عليه في صرفه في الحج بعد فرض انه عازم على عدم صرفه في حوائجه فإنه على تقدير صرف المال و عدمه يعيش عيشة حرجية نعم صرف المال مناف لعزمه و تصميمه بادخار المال و الا فلا حرج عليه من ناحية الحج.

و يمكن الإيراد عليه بان بناءه على تحمل الحرج لا يوجب خروج التكليف الشرعي عن الحرجية فإن الإلزام في هذا الفرض مثل الفروض المشابهة يجي ء منه الحرج و البناء على التحمل لا يوجب الخروج عن هذا الوصف مثل ما إذا كان الصوم حرجيا على شخص و لكنه على تقدير عدم الوجوب أيضا يتحمل الإمساك فهل يكون الصوم واجبا عليه فالظاهر عدم الوجوب في هذا الفرض أيضا.

الفرع الثاني: لو كان عنده ما يكفيه للحج و لكن نازعته نفسه للنكاح فهل يجب عليه الصرف في الحج أم لا؟ قال المحقق في الشرائع في هذا الفرض: «لم يجز صرفه في النكاح و ان شق تركه» و مثله ما عن المبسوط و الخلاف و القواعد و التحرير نظرا الى ان النكاح المستحب لا يعارض الحج الواجب.

و الظاهر ان مرادهم المشقة غير البالغة حد الحرج و الا إذا كان الترك موجبا لثبوت الحرج و الضرورة فالظاهر عدم وجوب الحج كسائر الموارد التي يتحقق الحرج.

ثم ان جعل صورة الخوف من الوقوع في الحرام من موارد الحرج و الضرورة- كما في المتن- محل إشكال لأن العلم بالوقوع في الحرام اختيارا فضلا عن الخوف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 118

[مسألة 18- لو لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو تتميمها يجب اقتضائه ان كان حالا]

مسألة 18- لو لم يكن عنده ما يحج به و

لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو تتميمها يجب اقتضائه ان كان حالا و لو بالرجوع الى حاكم الجور مع فقد حاكم الشرع أو عدم بسط يده نعم لو كان الاقتضاء حرجيا أو المديون معسرا لم يجب و كذا لو لم يكن إثبات الدين، و لو كان مؤجلا و المديون باذلا يجب أخذه و صرفه فيه، و لا يجب في هذه الصورة مطالبته و ان علم بأدائه لو طالبه.

و لو كان غير مستطيع و امكنه الاقتراض للحج و الأداء بعده بسهولة لم يجب و لا يكفى عن حجة الإسلام، و كذا لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا أو مال حاضر كذلك أو دين مؤجل لا يبذله المديون قبل اجله لا يجب الاستقراض و الصرف في الحج بل كفايته على فرضه عن حجة الإسلام مشكل بل ممنوع. (1)

______________________________

منه لا يكون مجوزا لترك الحج لعدم استناده الى الحج بل انما يرتكبه بسوء الاختيار و اللازم عليه تركه و لا يوجب ذلك سقوط الحج بوجه.

الفرع الثالث: ما إذا كانت عنده زوجة و لكن لا حاجة له إليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في الحج فإنه لا يجب عليه الطلاق و الإتيان بالحج فإنه من قبيل تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب كما مرّ مرارا.

(1) في هذه المسألة أيضا فروع: الأول: لو لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار أصل المئونة أو تتميمها فتارة يكون الدين حالا و اخرى يكون مؤجلا.

ففي الصورة الاولى ان كان المديون موسرا معترفا بثبوت الدين باذلا له إلى الدائن من دون مطالبة لا شبهة في تحقق الاستطاعة و وجوب

الحج و كذلك إذا توقف بذله على مجرد المطالبة فإنه يجب الاقتضاء- حينئذ- لأنه يصدق عليه انه يكون عنده

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 119

..........

______________________________

ما يحج به الذي هو شرط لوجوب الحج و ليست المطالبة بمنزلة تحصيل الاستطاعة الذي لا يكون واجبا بل هو مثل ما إذا كانت نقود مدخرة في البنك و كان الوصول إليها متوقفا على تحرير ما يقال له بالفارسية به (چك) و إمضائه فإن مثل هذا التوقف لا ينافي الاستطاعة الفعلية كما لا يخفى.

و كذلك إذا توقف الاقتضاء على الرجوع الى حاكم الشرع الذي يكون مبسوط اليد فان مجرد هذا التوقف لا يمنع عن فعلية الاستطاعة و اما إذا توقف على الرجوع الى حاكم الجور فقد قال في الجواهر: «و ان كان قد يقوى في النظر عدمها- يعنى الاستطاعة- مع التوقف على حاكم الجور للنهى عن الركون اليه و الاستعانة به و ان حملناه على الكراهة مع التوقف عليه ترجيحا لما دل على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدمة و غيره و مثله لا يتحقق به الاستطاعة بعد فرض ان الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع و ما دل على خلافه من المقدمة و غيرها».

و أورد عليه في المستمسك بقوله: «و ما ذكره غير ظاهر إلّا إذا لم نقل بجواز الرجوع الى الجائر إذ- حينئذ- يكون دليل المنع رافعا للاستطاعة فلا وجوب كي يزاحم حرمة الرجوع، اما إذا قلنا بالجواز اعتمادا على أدلة الجواز مع انحصار استنقاذ الحق به فح لا رافع للاستطاعة كي يرتفع الوجوب».

و الظاهر ان عبارة الجواهر محتملة لوجهين: الأول ان يكون المراد ترجيح دليل الوجوب

على دليل المنع بعد تحقق المعارضة و لا محالة يكون الوجه في الترجيح أهمية الحج في الإسلام و كونه مما بنى عليه الإسلام فعلى هذا الوجه لا مجال للشك في تحقق الاستطاعة و جواز الرجوع الى حاكم الجور لاقتضاء الدين.

الثاني ان يكون المراد انه بعد فرض المعارضة يكون الجمع بين الدليلين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 120

..........

______________________________

بحمل دليل المنع على الكراهة و دليل الوجوب على مجرد الجواز فعلى هذا الوجه و ان كان الرجوع الى حاكم الجور جائزا مكروها لكنه لا سبيل للحكم بوجوب الحج بعد التصرف في ظاهر دليله بالإضافة إلى مادة الاجتماع كما لا يخفى.

و لكن الذي يرد على صاحب الجواهر عدم كون الرجوع الى حاكم الجور لمجرد اقتضاء الدين ركونا الى الظالم فان مرجع الركون هو جعل الظالم ركنا له و ظهيرا و هذا لا يتحقق في الاقتضاء و اما الاستعانة به فلا دليل على حرمتها بنحو الإطلاق فإن الفقير الذي يرجع اليه لرفع فقره هل تكون استعانته به محرمة و نظير ذلك، نعم فيما إذا تحاكم الى حاكم الجور كما فيما إذا فرض ان إثبات دينه يتوقف على الرجوع اليه و حكمه يمكن ان يقال بان الدليل على المنع هي أدلة حرمة التحاكم اليه و التحقيق في محله.

ثم ان لصاحب المستمسك منهجا آخر في ان التوقف على الرجوع الى الحاكم مطلقا و لو كان حاكم الشرع يمنع عن فعلية الاستطاعة حيث قال ما ملخصه بتقديم و تأخير ان المعتبر في الوجوب أمران: الأول ان يملك الزاد و الراحلة الثاني ان يكون قادرا على ذلك قدرة فعلية فمع انتفاء الأول لا يكون مستطيعا و ان كان

قادرا عليه و كذلك مع انتفاء الثاني فإذا كان مالكا و لم يكن قادرا بالقدرة الفعلية لا يكون مستطيعا بل قادرا عليها و الوجه في ذلك انه و ان كان قد فسرت الاستطاعة في بعض النصوص بمثل ان يكون له زاد و راحلة الذي يكون مقتضى إطلاقه وجوب الحج بمجرد الملكية الا ان المستفاد من جملة أخرى اعتبار القدرة الفعلية على المال شرعية و عرفية ففي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال عليه السّلام هذه لمن كان عنده مال و صحة .. الى ان قال إذا هو يجد ما يحج به. «1» و في

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب السادس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

بعض الروايات: إذا قدر الرجل على ما يحج به و من ذلك يظهر انه مع مماطلة المديون لا قدرة فعلية بل له القدرة على تحصيل الاستطاعة و لا يجب معها الحج.

هذا و لكن الظاهر ما أفيد في المتن تبعا للعروة من تحقق الاستطاعة الفعلية في هذا الفرض فإنه يصدق عليه ان عنده ما يحج به و مجرد التوقف المذكور لا يمنع عن تحققه فهو- كما قيل- نظير ما إذا كان له مال مدفون في الأرض أو كان محرزا في صندوق و توقف التصرف فيه على حفر الأرض و فتح الصندوق بعلاج و نحوه فإنه لا ريب في الوجوب لأن القدرة التكوينية إذا كانت متوقفة على مقدمات لا يوجب ذلك سقوط الواجب بل يجب عقلا تحصيل المقدمات فالإنصاف وجوب الحج في هذا الفرض ثم

انه استثنى في المتن عن تحقق الاستطاعة في الدين الحال ما إذا كان الاقتضاء حرجيا أو كان المديون معسرا أو لم يمكن له إثبات الدين و لكن بعض الشارحين للعروة ذكر ان ذلك انما يتم في بعض الصور دون بعض نظرا الى ان الدين لو تمكن من بيعه نقدا بأقل منه كما هو المتعارف يجب عليه بيعه لصدق الاستطاعة و ان عنده ما يحج به هذا كله في الدين الحال.

و اما الصورة الثانية و هي الدين المؤجل ففيه فروض:

الأول: ما إذا كان المديون باذلا للدين من دون مطالبة و الظاهر تحقق الاستطاعة- ح- و وجوب الأخذ إذا لم يستلزم الحرج بوجه و لكن ظاهر صاحب الجواهر العدم حيث قال: «و لو كان مؤجلا و بذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام:

وجب الأخذ لأنه بثبوته في الذمة و بذل المديون له بمنزلة المأخوذ و صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة عرفا بذلك و فيه انه يمكن منع ذلك كله ..».

و الوجه في الوجوب ان مرجع تأجيل الدين ليس الى عدم كون الدين ملكا للدائن قبل حلول الأجل بل مرجعه الى الثبوت في الذمة غاية الأمر اشتراط التأجيل في التأدية و عليه فما يبذله المديون قبل الأجل انما يكون ماله و مضافا اليه فهو مالك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 122

..........

______________________________

للزاد و الراحلة و قادر عليهما بالبذل و عليه فيفترق المقام عن الهبة التي لا يكون فيها ملك الا بعد تحقق القبول و ان القبول تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب فالفرق حصول الاستطاعة في المقام و عدمه في الهبة.

هذا إذا كان شرط التأجيل بنفع المديون خاصة كما هو الغالب

و اما لو فرض كونه بنفع الدائن أيضا كما إذا كان هذا الاشتراط من ناحيته لغرض متعلق به فالظاهر عدم كونه مانعا عن تحقق الاستطاعة مع بذل المديون قبل الأجل لأن بذله يوجب تحقق القدرة الفعلية و ان كان مخالفا لغرضه كما لا يخفى.

الثاني: ما إذا توقف بذل المديون قبل حلول الأجل على مجرد المطالبة و يكون الدائن واثقا بذلك و انه على تقدير المطالبة يبذله فصريح المتن هو عدم وجوب المطالبة- ح- و عدم تحقق الاستطاعة و الظاهر ان الفرق بين هذه الصورة و بين الدين الحال الذي تجب مطالبته هو ثبوت حق المطالبة هناك دون هذه الصورة لا بمعنى ثبوت الفرق من جهة الحرمة و عدمها حتى يقال ان المانع الشرعي كالمانع العقلي و ان الاستطاعة لا تجتمع مع حرمة المطالبة بل بمعنى ثبوت نفس الحق و عدمه و الظاهر ان هذا الفرق و ان كان موجودا الا انه لا يوجب ان يكون فارقا من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة في كلتا الصورتين و لازمها وجوب من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة في كلتا الصورتين و لازمها وجوب المطالبة و لذا اختار جماعة كالسيد في العروة و بعض الشارحين تحقق الاستطاعة و انه لا فرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى.

الثالث: ما إذا شك الدائن في بذل المديون لو طالبه بالدين و الظاهر- كما هو مقتضى إطلاق المتن- عدم الوجوب لان مجرد ملكية الزاد و الراحلة- عينا أو قيمة- لا يوجب تحقق الاستطاعة ما لم يكن عنده و بيده و اختياره و المفروض الشك في ذلك لأجل الشك في بذل المديون على تقدير المطالبة و الشك في شرط

التكليف يوجب الشك في المشروط و هو مجرى أصالة البراءة و قد حققنا في الأصول ان حكم المشهور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

بأنه مع الشك في القدرة العقلية لا تجري أصالة البراءة لا يجتمع مع الحكم باشتراط القدرة في أصل ثبوت التكليف بل لا بد من ان يقال بان حكمهم بذلك و انه لا تجري أصالة البراءة مع الشك في القدرة يكشف عن عدم كون القدرة شرطا أصلا و الفرق بأن القدرة العقلية غير دخيلة في الملاك بخلاف القدرة الشرعية المأخوذة في الملاك لا يوجب الفرق من جهة جريان أصالة البراءة و عدمه فإن القدرة العقلية على هذا الفرض يكون التكليف مشروطا بها لا محالة و ان لم تكن دخيلة في الملاك و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط كذلك فاللازم ان يقال بعدم الشرطية و التحقيق في محله.

و كيف كان فلا شبهة في المقام في انه في صورة الشك تجري أصالة البراءة فلا مجال لوجوب المطالبة.

الرابع: ما إذا علم بأنه على تقدير المطالبة أيضا لا يبذل المديون الدين بل يؤخره إلى أجله و الحكم فيه واضح من جهة عدم تحقق الاستطاعة و عدم وجوب الحج الفرع الثاني: ما إذا كان غير مستطيع و امكنه الاقتراض للحج و الأداء بعده بسهولة و الظاهر فيه عدم الوجوب لان الاقتراض تحصيل للاستطاعة غير الموجودة قبل الاقتراض و تحصيلها غير واجب و لكن لو اقترض يجب عليه الحج و ان كان يصير مديونا بسبب الاقتراض الا انه سيأتي في المسألة الآتية ان الدين لا يكون مانعا عن وجوب الحج في بعض الموارد و الصور و منه يظهر ان حكم المتن

بعدم الكفاية هنا مطلقا مع حكمه في تلك المسألة بعدم كون الدين مانعا في الصورتين من الصور الأربعة المفروضة فيها لا يكاد يجتمع بل اللازم التفصيل كما هناك.

الفرع الثالث: ما إذا كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا أو مال حاضر كذلك أو دين مؤجل لا يبذله المديون قبل اجله و لو بالمطالبة و قد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الاستقراض و الصرف في الحج- كما في الفرع الثاني- خلافا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 124

..........

______________________________

للسيد في العروة حيث استظهر الوجوب في هذه الصورة نظرا الى صدق الاستطاعة عرفا إلا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة و قد تبع السيد في ذلك صاحبي الدروس و المدارك ففي محكي الأول: «و تجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله و كان وافيا بالقضاء». و في محكي الثاني: «و متى امتنع الاقتضاء إما لتأجيل الدين أو لكونه على جاحد و لم يكن له سواه لم يجب عليه الحج لأن الاستطاعة غير حاصلة و لا تجب الاستدانة و يحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به ..» بل المستفاد منه وضوح لزوم الاقتراض في مفروض المقام هذا و لكن اعترض أكثر الشارحين للعروة عليها بأنه لا فرق بين هذا الفرع و الفرع المتقدم في عدم لزوم الاقتراض و عدم تحقق الاستطاعة نظرا الى ان المستفاد من النصوص انه يعتبر في الاستطاعة أمور ثلاثة:

الملك للمال و كونه عنده و كونه مما يمكن الاستعانة به

على السفر و يظهر الأول من قوله- عليه السلام-: ان يكون له زاد و راحلة و الثاني من قوله- عليه السلام-:

إذا قدر على ما يحج به، أو كان عنده ما يحج به، أو وجد ما يحج به و الثالث من ذكر باء الاستعانة في قوله- ع-: ان يكون عنده ما يحج به فإذا لم يكن له ملك فليس بمستطيع و كذلك إذا كان له ذلك و لكن لم يكن عنده كالعبد الآبق و الدين المؤجل فإنه ليس بمستطيع و ان امكنه تبديله: و كذلك إذا كان عنده و لكن لم يمكن تبديله بنحو يستعين به في السفر و لو ببدله كالمال المرهون و المال الحاضر الذي لا يرغب أحد في شرائه فإنه ليس بمستطيع أيضا ثم انه على تقدير الاقتراض و صيرورته مديونا بسببه يجري في مانعية الدين عن الاستطاعة ما أفاده في المسألة الآتية من التفصيل فإطلاق منع الحكم بالكفاية عن حجة الإسلام في المتن في غير محله كما في الفرع المتقدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 125

[مسألة 19- لو كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين]

مسألة 19- لو كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين فان كان مؤجلا و كان مطمئنا بتمكنه من أدائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب بل لا يبعد وجوبه مع التعجيل و رضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بإمكان الأداء عند المطالبة، و في غير هاتين الصورتين لا يجب، و لا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة أو بعدها بان تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها و ان كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة فلا

يكون مستطيعا، و الدين المؤجل بأجل طويل جدا كخمسين سنة و ما هو مبنى على المسامحة و عدم الأخذ رأسا، و ما هو مبنى على الإبراء مع الاطمئنان بذلك لم يمنع عن الاستطاعة. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة مباحث: الأول انه إذا كان عنده مال يكفى للحج و يمكن صرفه فيه و لكن كان عليه دين بمقدار لو صرف المال فيه كلا أو بعضا لا يقدر على الحج فهل يمنع الدين عن تحقق الاستطاعة أم لا فيه أقوال و آراء مختلفة:

أحدها عدم المانعية مطلقا و الحكم بوجوب الحج في مفروض البحث و في «المستند» بعد ان حكى عن المحقق الأردبيلي الوجوب استظهر انه مذهب القدماء حيث لم يتعرضوا لاشتراط الخلو من الدين- مع كون المسألة مما تعم بها البلوى و لا يمكن ان تكون مغفولا عنها بوجه- ثم قال: و هو الحق.

ثانيها المانعية كذلك يظهر هذا القول من إطلاق عبارة الشرائع حيث قال:

«و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب الّا ان يفضل عن دينه ما يقوم بالحج» و قد صرح العلامة في محكي القواعد و المنتهى بعدم الفرق بين الحال و المؤجل و كذلك الشهيد في الدروس.

و مقتضى إطلاقهما انه لا فرق في الدين الحال بين المطالب به و غيره و كذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

لا فرق في الدين المؤجل بين ما إذا كان الأجل يسع للحج و العود و بين غيره و كذا بين ما إذا لم يكن مطمئنا بالتمكن من الأداء زمان الحلول و بين غيره و اختار هذا القول صاحب المستمسك مصرحا بالتعميم.

ثالثها ما نسب الى صاحب المدارك من مانعية خصوص

الدين الحال المطالب به و لكن عبارته تقضى بحكمه بالمانعية في بعض صور التأجيل أيضا حيث قال في رد استدلال المنتهى للمانعية مطلقا بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل: «و لمانع ان يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به و كان للمديون وجه للوفاء يعد الحج و متى انتفى الضرر و حصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب .. «فان الظاهر ان قوله:

و كان للمديون .. قيد للدين المؤجل أيضا و الا لكان اللازم المنع من توجه الضرر مطلقا حيث ان الاستدلال به انما هو في الدين المؤجل و عليه فيظهر انّه في الدين المؤجل إذا لم يكن للمديون وجه للوفاء بعد الحج يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة كما لا يخفى.

رابعها ما حكى عن كاشف اللثام من مانعية الدين مطلقا الّا المؤجل الذي وسع وقته للحج و العود.

خامسها ما يدل عليه صدر عبارة المستند من انه في صورة الحلول مع المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود يقع التزاحم بين دليل وجوب الحج و دليل وجوب أداء الدين و اللازم بعد عدم الترجيح الحكم بالتخيير بينهما، و في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك يقدم الحج.

و قد عرفت ان ذيل عبارته ظاهر في اختيار القول الأول و هو عدم المانعية مطلقا و لم يظهر لي وجه للجمع بين الصدر و الذيل و التوجيه بان الذيل ناظر إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

أصل

ثبوت الاستطاعة و وجوب الحج مع قطع النظر عن التزاحم لا يكاد ينطبق على أدلته الظاهر في تقديم الحج على الدين مطلقا كما لا يخفى.

سادسها ما اختاره في المتن- تبعا للعروة- من انه إذا كان الدين مؤجلا و يتمكن من الأداء بعد الحج عند حلول اجله لا يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة و وجوب الحج و كذا إذا كان حالا و رضى دائنه بالتأخير و كان واثقا بالتمكن من الأداء عند المطالبة و في غير هاتين الصورتين لا يجب الحج و يكون الدين مانعا.

إذا عرفت هذه الأقوال فالكلام يقع في بيان مستندها فنقول:

قد استدل لمانعية الدين و عدم وجوب الحج معه بأمور: الأول ما استدل به في المستمسك على المانعية في جميع فروض الدين و هو ان الظاهر من روايتي أبي الربيع و عبد الرحيم القصير- المتقدمتين- اعتبار السعة و اليسار في تحقق الاستطاعة و حصولها و هما غير حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج إليه في الحج على ما يقابل الدين من غير فرق بين المؤجل و الحال، مع المطالبة و بدونها، و مجرد القدرة بعد ذلك على الوفاء في المؤجل و في الحال مع الرضا بالتأخير غير كاف في صدق السعة و اليسار فعلا.

و يرد عليه أولا ان الظاهر- كما عرفت سابقا في معنى رواية أبي الربيع- ان المراد بالسعة هو الرجوع بالكفاية و القدرة على المعاش بعد المراجعة و لا ارتباط لها بمسألة الدين أصلا.

و ثانيا ان الظاهر ان الروايات الدالة على تفسير الاستطاعة بأن عنده ما يحج به و قد عرفت انها تدل على اعتبار أمور ثلاثة هي ملكية الزاد و الراحلة و كونه عنده و بيده و كونه

بحيث يمكن الاستعانة به في سفر الحج لا تكون مغايرة لما يدل على تفسيرها بالسعة و اليسار و القوة بل الظاهر ان المراد بالسعة و أمثالها هو ما يدل عليه تلك الروايات و لا دلالة لها على اعتبار أمر رابع في الاستطاعة زائد على الأمور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

الثلاثة كما لا يخفى.

و ثالثا على تقدير تسليم جميع ما ذكر نمنع جريان الدليل في جميع فروض الدين ففي الصورتين المذكورتين في القول السادس لا يكون الدين مانعا عن تحقق اليسار فان من كان له دين مؤجل و اجله بعد الحج و يطمئن بوجود مال له في ذلك الوقت كاف في مقام أداء الدين كيف لا يكون بالنظر الى هذا المال الموجود موسرا و له سعة الثاني ما اشتهر و ارتكز عند المتشرعة من أهمية حق الناس من حق اللّٰه تعالى فاللازم تقديم الدين على الحج لأن الأول حق الناس و الثاني حق اللّٰه و يرد عليه انه لم يقم دليل من آية أو رواية على ثبوت هذه الأهمية و ما ورد و نقله في المستمسك من ان الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر و ذنب لا يغفر، و ذنب لا يترك، فالذي يغفر ظلم الإنسان نفسه، و الذي لا يغفر ظلم الإنسان ربه- يعنى الشرك الذي ورد في الكتاب انه لظلم عظيم و إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ- و الذي لا يترك ظلم الإنسان غيره.

لا دلالة له على أهمية ظلم الإنسان غيره من ظلم الإنسان نفسه فان عدم الترك بلحاظ ارتباطه بالغير و عدم الغفران إلا بمراجعة صاحب الحق أمر و الأهمية أمر آخر لا ارتباط لأحدهما بالآخر

كما ان الغفران في ظلم الإنسان نفسه بلحاظ ارتباطه باللّه الغفار الرءوف الرحيم لا دلالة له على عدم الأهمية أصلا.

و بالجملة هذا الحكم و ان كان مرتكزا عند المتشرعة الا انه لم يبلغ الى حد يمكن التعويل عليه.

ثم انه استشهد السيد في العروة بعد منع أهمية حق الناس من حق اللّٰه بأنه لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدم دين الناس.

و حكى في المستمسك الاشكال من بعض الحواشي على ذلك بان الدين و الحج لما تعلقا بعد الموت بأعيان التركة لم يبق لرعاية الأهمية موقع.

و أورد عليه بأنه إذا كان الدين أهم كان اللازم ان لا يتعلق الحج بالتركة مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

المزاحمة بالدين كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية و هكذا فتعلق الحج و الدين معا مع المزاحمة يدل على عدم أهمية الدين من الحج.

و أورد بعض الاعلام على السيد أولا بأن مورد التوزيع هو حال الوفاة و ذلك لا يكشف عن عدم الأهمية للدين حال الحياة فإن الميت لا تكليف عليه و انما يكون ضامنا و مديونا و هذا بخلاف الحي فإنه مكلف بأداء الدين و الحج أيضا و لا يقاس الحكم التكليفي بالوضعى فأحد البابين أجنبي عن الأخر.

و ثانيا ان المصرح به في الروايات كون الحج دينا و انه يخرج من صلب المال فهما سيان من هذه الجهة غاية الأمر أحدهما دين اللّٰه و الأخر دين الناس فهو كأنه مدين لشخصين لا يفى المال إلا لأحدهما و يوزع المال بينهما قهرا فلا يكون التوزيع- ح- شاهدا على عدم أهمية دين الناس.

و ثالثا ان التوزيع المذكور لم يدل

عليه اىّ دليل و انما ذكره العلماء في كلماتهم بل يظهر من صحيح بريد العجلي الوارد فيمن مات قبل ان يحرم انه يصرف جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للدين ثم للورثة عدم التوزيع و تقديم الحج على الدين و لكن انما نلتزم بذلك في مورد الوفاة للنص و اين هذا من تكليف نفس الشخص حال حياته و كان عليه دين غير واثق بأدائه في وقته أو انه حال مطالب به.

و الجواب اما عن الوجه الأول فإن حكم الدين بالإضافة إلى الميت و ان كان وضعيا محضا الا انه لا شبهة في ترتب حكم تكليفي عليه غاية الأمر ان المكلف لا يكون نفس الميت بل الحاكم أو الوصي أو الوارث و الاختلاف لا يوجب الاختلاف في الحكم فإذا كان الحكم التكليفي بعد الوفاة متعلقا بالتوزيع كما هو المفروض فلا فرق بينه و بين حال الحياة الذي يكون الحكمان: التكليفي و الوضعي متوجهين الى شخص واحد كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

و اما عن الوجه الثاني فمضافا الى ان الآية تدل قبل الرواية على كون الحج دينا للّٰه كما هو ظاهر التعبير بكلمتي «اللام» و «على» في قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ان إثبات كون الحج دينا و كون الشخص مدينا لشخصين إنما يلائم التمهيد للتساوي و عدم الترجيح لأحدهما على الأخر و كونهما سيان من هذه الجهة فجعل النتيجة عدم كون التوزيع شاهدا على عدم أهمية دين الناس مما لم يظهر لنا أصلا.

و اما عن الوجه الثالث فبان استشهاده انما هو بالفتاوى المذكورة

في كلماتهم و التحقيق موكول الى محله و لا مجال للبحث عنها هنا.

الثالث ان تقديم الدين على الحج انما هو لكون الدين مشروطا بالقدرة العقلية و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و قد ثبت في محله ان الأول مقدم على الثاني و يرد عليه- مضافا الى انه لم يرد دليل على التقدم المذكور- ان القدرة الشرعية في المقام ليست إلا الاستطاعة المفسرة في الروايات بان يكون عنده ما يحج به و هي حاصلة و اللازم ثبوت المشروط و لا مجال لدعوى كون القدرة الشرعية المعتبرة في المقام زائدة على الاستطاعة المذكورة نعم يمكن دعوى منع تحقق الاستطاعة كما ادعاها السيد في بعض فروض الدين كالدين الحال المطالب به و لكن لا مجال لهذه الدعوى أصلا بعد كون المفروض كفاية ما عنده للحج و الإتيان بالمناسك و جميع ما يعتبر في الاستطاعة حتى نفقة العود و الكفاية عند الرجوع و في هذا الفرض لا وجه لمنع الاستطاعة كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية شي ء من أدلة تقديم الدين بنحو الإطلاق على الحج.

و اما ما استدل به على وجوب الحج و عدم مانعية الدين فوجوه أيضا:

منها ما في المستند بعد اختيار وجوب الحج مطلقا من قوله: «لصدق الاستطاعة عرفا و المستفيضة المصرحة بأن الاستطاعة ان يكون له مال يحج به الى ان قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 131

..........

______________________________

و لا شك ان من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا فيصدق عليه ان عنده مالا و له ما يحج به من المال للاتفاق على ان ما يقرض ملك للمديون و لذا جعلوا من إيجاب صيغة القرض «ملكتك»

و صرحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من أنحاء التصرف، و الاخبار المتضمنة لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق ..»

و يرد عليه ان ما افاده من تحقق الاستطاعة الشرعية المفسرة في المستفيضة بأن يكون له ما يحج به انما يتم لإثبات أصل وجوب الحج لتحقق شرطه و عدم كون الدين مانعا عن الاستطاعة فهو انما يجدي في مقابل السيد في العروة حيث منع صدقها في بعض فروض الدين كما مرت حكايته و اما كونه مجديا لتقدم الحج على الدين مع ثبوت التكليف بالأداء بالإضافة اليه و توجهه اليه فلا فان تحقق الاستطاعة أمر و تقدم الحج على الدين مع توجه التكليف الى المكلف بالنسبة إلى كلا الأمرين أمر آخر لا دلالة للكلام على إثباته نعم الأخبار التي أشير إليها لعلها تكون ظاهرة في التقدم و سيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها ان الحج أهم من الدين و يظهر ذلك من التعبيرات الواردة في ترك الحج كقوله تعالى في ذيل آية الحج وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ بناء على ان المراد هو الكفر الحاصل بسبب مجرد الترك و مثل ما في بعض الروايات من قوله- ص-:

يا علىّ من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّٰه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا «1» و كذا يظهر من الرواية الواردة فيما بنى عليه الإسلام من ان الحج يكون كذلك و غيرهما من التعبيرات.

و يرد عليه انك عرفت ان المراد بالكفر في الآية بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المتحقق بالإنكار لا بمجرد الترك و قد عرفت ان في الآية احتمالات متعددة فراجع أول الكتاب و اما الرواية فقد جعل

فيها ترك الحج في ضمن عشرة أمور موجبة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 132

..........

______________________________

للكفر مثل نكاح البهيمة و منع الزكاة و مثلهما، و كونه من جملة ما بنى عليه الإسلام لا يقتضي الأهمية في مقام المزاحمة و الا يلزم تقدمه على وجوب حفظ النفس و مثله لعدم كونه مما بنى عليه الإسلام.

و بالجملة هذه التعبيرات و ان كانت تكشف عن عظمة مقام الحج و علو مرتبته الا انها لا دلالة لها على التقدم في مقام المزاحمة كما لا يخفى.

و منها الروايات الظاهرة في ذلك و هي على طائفتين: إحديهما ما دل على تقدم الحج على الدين من دون ظهور في كون الحج هي حجة الإسلام أو الحج الواجب مثل صحيحة معاوية بن وهب عن غير واحد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- يكون علىّ الدين فتقع في يدي الدراهم، فان وزعتها بينهم لم يبق شي ء فأحج بها أو أوزعها بين الغرام فقال: تحج بها و ادع اللّٰه ان يقضى عنك دينك. «1» قال صاحب الوسائل بعد نقلها: و رواه الصدوق بإسناده عن ابن محبوب عن ابان عن الحسين بن زياد العطار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام و ذكر مثله. و يظهر من ذلك ان حسين بن زياد العطار من جملة غير واحد الذي روى عنه معاوية بن وهب في السند الأول و عليه فلا تعدد في الرواية أصلا.

و ذكر السيد في العروة في مقام الجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: و الاخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجة

الإسلام و مثله ما في بعض الشروح من أنها قضية في واقعة لم يعلم انه هل كان دين الراوي حالا أو مؤجلا، يرضى الدائن بالتأخير أولا، كان حجه استحبابيا أو وجوبيا.

و الظاهر انه لا مجال لإنكار كون الدين في مفروض السؤال حالا لظهوره في انه لو لم يصرف الدراهم في الحج لكان اللازم هو التوزيع بين الغرماء و احتمال كون التوزيع في الدين المؤجل قبل حلول أجله في غاية البعد و عليه فبعد كون السؤال ظاهرا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 133

..........

______________________________

في الدين الحال يظهر كون المراد من الحج هي حجة الإسلام لأنه في غيرها يدور الأمر بين رعاية حكم استحبابي و بين موافقة حكم وجوبي و لا مجال لترجيح الأول على الثاني و (دعوى) كون مورد السؤال هو مجرد المشروعية لا التقديم و الجواب ناظر إليها (مدفوعة) بأنه لا ينبغي الارتياب في ظهور الجواب في التحريض على الحج و الدعاء لقضاء الدين و لا وجه للتحريك إلى أمر استحبابي و ترك أمر وجوبي أصلا فالرواية لا بد من الحمل على الدين الحال و كون الحج حجة الإسلام.

ثانيتهما ما تدل بظاهرها على تقدم حجة الإسلام أو الحج الواجب على الدين كصحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل عليه دين عليه ان يحج؟ قال نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان أكثر من حج مع النبي- ص- مشاة إلى آخر الحديث. «1»

و الظاهر ان السؤال في نفسه ظاهر في مورد مزاحمة الدين مع الحج و هذا يتحقق

في بعض فروض الدين مثل ما إذا كان له مال لا يكفي إلا لأحد الأمرين و يمكن صرفه في كل منهما.

و اما صورة عدم المزاحمة فهي خارجة عن مورد السؤال و عليه فلو كان الجواب مشتملا على قوله عليه السّلام «نعم» فقط لكانت دلالة الرواية على تقدم الحج ظاهرة لكن قوله عليه السّلام بعده: ان حجة الإسلام واجبة .. الظاهر في وجوب حجة الإسلام على من يكون قادرا على المشي في طريق الحج و الوصول الى البيت لما عرفت من ان المراد من قوله «أطاق» مجرد القدرة و التمكن لا آخر مرتبة القدرة و نهايتها يوجب صرف الظهور إلى أمر آخر و هو انه حيث لا يكون وجوب الحج متوقفا على وجود الراحلة بل يكفى فيه مجرد القدرة على المشي فلا مانع من صرف المال الموجود في الدين و الإتيان بالحج ماشيا و عليه فتدل الرواية على تقدم الدين أو على انه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

لا مزاحمة بينه و بين الحج بعد إمكان صرف المال في الدين و صرف قدرة المشي في طريق الحج.

هذا و لكن عرفت فيما تقدم ان الرواية باعتبار دلالتها على عدم اعتبار الراحلة في وجوب الحج على البعيد تكون معرضا عنها عند المشهور و اللازم طرحها.

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- الحج واجب على الرجل و ان كان عليه دين. «1» و دلالتها ظاهرة و لكن المناقشة تجري في سندها.

ثم ان السيد في العروة حمل الروايتين بعد تسليم تمامية دلالتهما و سندهما على

الصورة التي حكم فيها بوجوب الحج و عدم مزاحمة الدين معه كما إذا كان الدين مؤجلا و اطمئن بالقدرة على أدائه عند حلول أجله أو على من استقر عليه الحج سابقا و ان استشكل في هذا الحمل و قال الاولى الحمل الأول.

و يرد عليه ان الحمل لا بد و ان يكون لأجل وجود دليل على الخلاف و بدونه لا مجال للحمل إذا كانت الرواية مطلقة من حيث الدلالة كما هو المفروض.

ان قلت حيث انه منع وجود الاستطاعة في غير الصورة المذكورة فاللازم ارتكاب الحمل المذكور و الا يلزم ان يكون الحج واجبا مع عدم الاستطاعة.

قلت لم لا تكون الرواية دليلا على وجود الاستطاعة و شاهدة على بطلان الدعوى المذكورة و كيف كان لا مجال للحمل بعد عدم ثبوت دليل على الخلاف.

ثم ان ما ذكره في المستمسك من طرح الروايتين لإعراض المشهور انما يتم في الرواية الاولى و اما الرواية الثانية فلا مجال لدعوى الاعراض بالإضافة إليها كما لا يخفى.

و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له: أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة أو

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 135

..........

______________________________

الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» فإنها ظاهرة في عدم كون الدين كالتجارة عذرا مجوزا لتسويف الحج و تأخيره فتدل على تقدم الحج على الدين.

هذا و لكن الظاهر ان توصيف الرجل بكونه ذا المال و صاحب الثروة مع وضوح ان

مجرد الاستطاعة لا يوجب تحقق هذا العنوان يدل على ان شغل التجارة و كذا الدين انما كان الشخص معتذرا بهما لأجل الفرار عن الحج من دون ان يكون هناك مزاحمة في البين.

و بالجملة لا دلالة للرواية على تقدم الحج على الدين في فرض الدوران و المزاحمة كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الروايات الظاهرة في تقدم الحج على الدين انها بين ما يكون معرضا عنها و ما يكون مشتملا على ضعف في السند و ما يكون غير ظاهرة في التقدم مع المزاحمة نعم ذكرنا ان الرواية الأولى ظاهرة في ذلك و لكن الإنصاف انه ليس ظهورا قويا يمكن الاعتماد عليه و الفتوى على طبقه فلم يثبت الى هنا تقدم الدين على الحج و لا تقدم الحج على الدين و اللازم بعد ذلك ملاحظة المسألة من باب التزاحم فنقول يقع البحث من هذه الجهة في مقامات ثلاثة: المقام الأول في أصل ثبوت التزاحم هنا في الجملة و الظاهر انه لا مجال لإنكاره كما في صدر كلام المستند المتقدم لانه توجه الى المكلف تكليفان أحدهما متعلق بالحج بلحاظ وجود شرطه و هي الاستطاعة و الآخر بأداء الدين بلحاظ القدرة عليه عقلا و لا يقدر المكلف على الجمع بين الأمرين و رعاية كلا التكليفين فيقع التزاحم في البين.

و ما ذكره السيد في العروة في مقام منع المزاحمة و الجواب عن المستند

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

من كون وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة و هي غير متحققة و التزاحم فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد و المفروض

ان وجوب أداء الدين مطلق و وجوب الحج مشروط بالاستطاعة الشرعية.

يرد عليه ما تقدم من وضوح تحقق الاستطاعة الشرعية في المقام لانه يصدق ان عنده ما يحج به و كذا ما تقدم من ان الواجب المشروط بعد تحقق شرطه و حصوله يكون في عرض الواجب المطلق و لا وجه لتقدمه على الواجب المشروط المفروض بوجه و عليه فإنكار أصل التزاحم في الجملة مما لا سبيل إليه أصلا.

المقام الثاني في ان التزاحم هل يكون متحققا في جميع فروض الدين أو يكون ثابتا في بعضها؟ الظاهر هو الثاني و ذلك لانه لو فرض كون الدين مؤجلا و كان المكلف مطمئنا بتمكنه من الأداء عند حلول اجله لا مجال لتوهم التزاحم لان المفروض قدرته على رعاية كلا التكليفين و الإتيان بكلا العملين كما انه لو كان الدين حالا و لكن كان الدائن راضيا بالتأخير و المديون مطمئنا بالتمكن من الأداء عند المطالبة لا يتحقق التزاحم.

نعم ذكر صاحب المستند في الدين المؤجل انه إذا كان اجله يسع للحج و العود لا يكون مزاحما مع الحج و ان لم يكن واثقا بالتمكن من الأداء عند حلوله مع ان الظاهر انه في صورة عدم الوثوق حيث يجب عليه حفظ القدرة المالية للصرف في أداء الدين في وقته و لا يجوز الصرف في مصرف آخر فالتزاحم يتحقق بين وجوب الحج و وجوب حفظ القدرة لأداء الدين و وفائه نعم مع الوثوق لا يبقى مجال لتوهم التزاحم.

المقام الثالث في انه بعد ثبوت التزاحم في بعض الفروض هل يكون هنا ما يوجب تقدم أحد المتزاحمين على الأخر؟ ربما يقال: نعم نظرا الى جريان احتمال الأهمية بالإضافة إلى الدين و قد ثبت في محله ان

احتمال الأهمية كالجزم بها يكون مرجحا لمحتملها فاللازم ترجيح الدين و الحكم بعدم وجوب الحج في صورة المزاحمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

معه و لعل هذا هو مستند المتن في ترجيح الدين و من البعيد ان يكون مستنده ما في العروة من عدم تحقق الاستطاعة في هذه الصورة فلا يجب الحج لأجله.

و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى جريان احتمال الأهمية في خصوص الدين بل يجرى هذا الاحتمال في الحج أيضا بلحاظ ما مرّ من الأدلة الدالة على تقدمه فان تلك الأدلة و ان لم تنهض لإثبات الأهمية لكن اقتضائها لثبوت الاحتمال لا مجال لنفيه و عليه فيجري احتمال الأهمية في الحج أيضا و مقتضى القاعدة في هذه الصورة التخيير لعدم المزية أصلا.

كما انه ربما يقال بتقدم الأسبق من حيث الزمان و عليه فلو كان الحج مستقرا عليه سابقا و بعده حصل الدين يحكم بتقدم الحج للأسبقية.

و لكن التحقيق- كما حقق في محله- عدم كون الأسبقية مرجحة في باب التزاحم بوجه و لذا اختار السيد في العروة التخيير في الدوران بين الحج المستقر الذي لا تعتبر فيه الاستطاعة و بين الدين نظرا الى ثبوت التزاحم في خصوص هذه الصورة و عدم كون الأسبقية موجبة للترجيح في باب المتزاحمين.

المبحث الثاني انه لا فرق في حكم الدين المتقدم في المبحث الأول بين ما إذا كان سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا حقا له كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين كما إذا أتلف مال الغير- مثلا- على وجه الضمان من دون تعمد قبل خروج الرفقة أو بعده قبل ان يخرج هو أو بعد خروجه قبل الشروع في

الأعمال- كما مثل به السيد في العروة- أو تلف مال الغير على وجه الضمان عنده- كما مثل به في المتن- و لعل مثال السيد اولى و ان كان لا فرق بينه و بين ما في المتن في الجهة الراجعة الى هذا المبحث بل الفرق بينهما في جهة أخرى تستفاد من تقييد الإتلاف بما إذا كان من دون تعمد و هو انه إذا كان الإتلاف للمال الذي هو بقدر الاستطاعة عمديا يترتب عليه استقرار الحج كما سيأتي البحث عنه فيما بعد إن شاء اللّٰه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 138

..........

______________________________

تعالى و عليه فتلف مال الغير على وجه الضمان ان كان شاملا لصورتي التعدي و التفريط كما هو مقتضى الإطلاق لكان اللازم الحكم بالاستقرار كالإتلاف العمدي و يمكن ان يقال بالاختصاص بمثل العارية المضمونة التي يكون فيها الضمان من دون تعمد و تفريط أيضا.

و كيف كان فالوجه في عدم الفرق بين ما إذا كان الدين سابقا على الاستطاعة أو لا حقا انه لا يكفي في تحقق الاستطاعة حدوثها بل اللازم بقائها لوضوح انه لو تحققت سرقة الاستطاعة قبل الشروع في الأعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب و عليه فإذا قلنا بعدم اجتماع الدين مع الاستطاعة فاللازم الحكم بذلك في البقاء أيضا فإن الدين العارض يمنع عن بقاء الاستطاعة و هو معتبر كما عرفت كما انه لو قلنا باعتبار اليسار و السعة و هو لا يجتمع مع الدين فاللازم الحكم به في البقاء أيضا كما انه لو قلنا بالمزاحمة على ما اخترناه يكون اللازم تحققها مع عروض الدين أيضا و قد عرفت ان الأسبقية من حيث الزمان لا تكون مرجحة في باب

التزاحم أصلا المبحث الثالث: فيما إذا كان عليه خمس أو زكاة بقدر الاستطاعة- مثلا- فتارة يكونان على ذمته و اخرى في عين ماله، اما على الأول كما إذا أتلف متعلق الخمس أو الزكاة حيث انه يوجب الانتقال إلى الذمة فيكون حالهما حال الدين المعجل المطالب به لان المستحقين لهما طالبون و لا فرق بين الدين الشخصي و الجهة أصلا فيجري في هذا الفرض حكم الدين المذكور و يظهر من تفريع المتن قوله: فلا يكون مستطيعا ان الوجه في الحكم بتقدم الدين هو عدم اجتماعه مع الاستطاعة كما عرفت تصريح السيد في العروة بذلك و ان كان يحتمل مع قطع النظر عن ذلك ان يكون الوجه عنده المزاحمة و تقدم الدين لأهميته أو احتمالها.

ثم ان الظاهر ان مراد من علل التقدم بعدم الاستطاعة ان نفس ثبوت الدين أو الخمس أو الزكاة مانعة عن تحققها سواء صرف المال فيها أم لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

يصرف و عليه فما في كلام بعض الاعلام من انه بالصرف تزول الاستطاعة لا وجه له ظاهرا.

و اما على الثاني فلا إشكال في تقديمهما على الحج و كذا على سائر الديون لعدم تحقق الاستطاعة- ح- من دون فرق بين ما إذا قلنا بان تعلقهما بالمال على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي في المعين أو على نحو تعلق الحق به كحق الرهانة فإنه لا يتحقق على شي ء من التقادير عنوان الاستطاعة غاية الأمر انه على بعض الأقوال تكون العلة عدم الملكية و على البعض الأخر عدم جواز التصرف فلا يصدق انه عنده ما يحج به.

ثم انه لا مجال لتوهم الإطلاق في عبارة المتن و الشمول

لكلتا الصورتين بعد كون التعبير فيه: و ان كان عليه خمس أو زكاة حيث ان ظاهره تعلقهما بالذمة كما يستفاد من كلمة «عليه» و عليه فالمتن متعرض لخصوص الصورة الاولى و لعل الوجه في عدم التعرض للصورة الثانية وضوح حكمها على ما عرفت.

المبحث الرابع: إذا كان الدين مؤجلا بأجل طويل جدا كخمسين سنة- مثلا- أو كان مبنيا على المسامحة و عدم الأخذ رأسا كمهور نساء أهل الهند على ما مثل به السيد في العروة حيث انهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة الف روبية أو خمسين الف لإظهار الجلالة و ليسوا مقيدين بالإعطاء و الأخذ، أو كان الدين مبنيا على الإبراء بان وعده الدائن به و كان مطمئنا بذلك ففي المتن انه لم يمنع شي ء من ذلك من الاستطاعة.

لكن الظاهر انه لو فرض العلم بأنه لا يقدر في الفرض الأول على أداء الدين عند حلول أجله الّا من طريق حفظ ما عنده مما يكون بقدر الاستطاعة فلا مجال لدعوى عدم كونه مانعا عن الاستطاعة لو كان الوجه في تقدم الدين هي المانعية عن الاستطاعة كما انه لو احتمل في الفرض الثاني مطالبة الزوجة و لو عند تحقق الطلاق أو مطالبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 140

[مسألة 20- لو شك في ان ماله وصل الى حد الاستطاعة أو علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج]

مسألة 20- لو شك في ان ماله وصل الى حد الاستطاعة أو علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج و انه يكفيه يجب عليه الفحص على الأحوط (1)

______________________________

ورثتها على تقدير الموت و لا يقدر على التأدية بوجه لا مجال للدعوى المذكورة كما انه على تقدير كون المبنى هي المزاحمة كما اخترناه تتحقق فيما ذكر و اما في الفرض الثالث

فحيث يكون الاطمئنان علما بحسب نظر العرف لا يكون الدين المذكور مانعا عن وجوب الحج بوجه أصلا كما لا يخفى:

(1) الشبهة في كلا الفرضين موضوعية و قد اشتهر انه لا يجب الفحص فيها بخلاف الشبهة الحكمية نظرا إلى إطلاق أدلة اعتبار الأصول و عدم ما يدل على اعتبار الفحص في جريانها و قد حققنا في الأصول ان جريان أصالة البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية- على تقديره كما هو الحق- مشروطة بالفحص مطلقا في مقابل من يقول بعدم اعتبار الفحص كذلك أو بالتفصيل- على قولين مذكورين هناك- و اما الأصول الشرعية فلا يجب الفحص فيها في الشبهات الموضوعية لأنه- مضافا الى ما ذكر من إطلاق أدلة اعتبار الأصول و عدم وجود مقيّد في البين- يدل عليه فقرة من صحيحة زرارة الثالثة المستدل بها في باب حجيّة الاستصحاب في الأصول و هي قول زرارة:

فهل على ان شككت في انه أصابه شي ء ان انظر فيه؟ قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. فان ظاهره عدم وجوب النظر في الثوب ليعلم انه هل اصابه شي ء أم لا مع ان النظر فيه أمر جزئي خفيف المئونة بل حكم بجريان الأصل المقتضي للطهارة.

هذا و لكن الظاهر ان المشهور اختاروا في باب الحج و كذا في باب الخمس و الزكاة إذا شك في زيادة الربح على المئونة أو في بلوغ النصاب وجوب الفحص و قد استدل لهم بوجوه ثلاثة:

الأول ان مثل المراجعة إلى دفتر الحساب لتعلم الاستطاعة و عدمها و النظر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

إلى الأفق لتبين الفجر و نحوهما لا يعد عرفا من الفحص حتى يقال بعدم

وجوبه و يرد عليه- مضافا الى ان مقتضاه وجوب النظر في مورد سؤال زرارة المتقدم لعدم كون مجرد النظر فيه لاستكشاف حاله فحصا- ان هذا الوجه إنما يلائم ما لو كان الدليل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية مثل الإجماع القائم على العدم مع كون مقتضى أدلة اعتبار الأصول الشرعية هو الوجوب فإنه- حينئذ- يناسب ان يقال ان معقد الإجماع هو الفحص و هذا لا يعد فحصا و اما لو قلنا بإطلاق أدلة اعتبار الأصول و عدم ما يدل على وجوب الفحص فالبحث في تحقق عنوان الفحص و عدمه لا مجال له أصلا بل اللازم البحث في تحقق الجهل الذي هو مجرى الأصول الشرعية و عدمه و الظاهر انه لا شبهة في تحقق عنوان الجهل قبل المراجعة إلى الدفتر في المثال المذكور و لذا يعد من لم يراجع إلى رسالة المجتهد الحاضر عنده جاهلا غاية الأمر توصيفه بكونه مقصرا و هذا التوصيف انما يكون مورده الشبهات الحكمية و لا يجري في الشبهات الموضوعية أصلا فلا مجال لإنكار تحقق الجهل و الا لكان اللازم ان يقال انه عالم نعم يمكن ان يقال بعدم صدق الجهل في بعض الموارد كما في مثال الفجر إذا توقف تبينه على مجرد فتح العين للرؤية ففي مثله لا يجري الأصل الشرعي.

ثانيها لزوم المخالفة القطعية الكثيرة لو قلنا بعدم وجوب الفحص و لا شبهة في كونها مبغوضة للشارع.

و أورد عليه أولا بالنقض بموارد الشك في الطهارة و النجاسة حيث انه يعلم بمخالفة الأصول الجارية فيهما للواقع كثيرا.

و ثانيا بالحل نظرا الى ان المكلف لا يعلم بالنسبة إلى نفسه بوقوعه في الخلاف و الا لكان من العلم الإجمالي الجاري في التدريجيات نعم

يعلم ذلك بالنسبة إلى سائر الناس بمعنى انه يعلم بأن الأصول التي يجريها الناس عند شكهم في الاستطاعة-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 142

..........

______________________________

مثلا- كثير منها مخالفة للواقع و لكن هذا العلم لا اثر له بالنسبة إلى نفسه لان تحقق المخالفة من سائر الناس لا ارتباط له إليه أصلا كما لا يخفى.

ثالثها رواية زيد الصائغ الواردة في الزكاة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- انى كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مساو ثلث رصاصا و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، قال: فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم فقلت أ رأيت ان حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب علىّ فيه الزكاة أزكيها قال: نعم انما هو مالك. قلت: فإن أخرجتها الى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها: قال ان كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة خالصة من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت و ان كنت لا اعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني اعلم ان فيها ما يجب فيه الزكاة قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكى ما خلص من الفضة لسنة واحدة. «1».

و أورد على الاستدلال بها- مضافا الى ضعف السند بزيد الصائغ- تارة بورود الرواية في باب الزكاة و لا دليل على التعدي عنه الى باب الخمس فضلا الى الحج و اخرى بأن موردها صورة العلم بوجوب الزكاة

و الشك في الزيادة و إيجاب الفحص في هذه الصورة لا يقتضي وجوبه في ما إذا كان أصل الوجوب مشكوكا كما إذا شك في أصل النصاب.

و ثالثة بما ذكره بعض الاعلام من انه لا موجب للتصفية و التمييز بين المس و الرصاص و الفضة إذ يمكن إعطاء الزكاة بنية المال الموجود فيخلص من الزكاة و لا حاجة الى تخليص الدراهم و علاجها و تصفيتها و عليه فالتخلص من الزكاة له طريقان أحدهما إخراج الزكاة من المال بالنسبة و ثانيهما تخليص الفضة و تصفيتها.

______________________________

(1) ئل أبواب زكاة الذهب و الفضة الباب السابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 143

..........

______________________________

و توضيح كلامه انه حيث كان المفروض تساوى الدراهم المغشوشة في مقدار الفضة غاية الأمر عدم كون مقدارها من حيث النسبة معلوما لانه لا يعلم انه الثلث أو أزيد أو انقص فإذا أدى الزكاة من نفس الدراهم المغشوشة يتحقق العلم بالتخلص من الزكاة و انه أخرجها بالمقدار الواقعي فإذا فرض ان الدراهم المغشوشة ألف درهم و فرض ان النصاب مائة مثقال فضة و هو لا يعلم باشتمال الالف على المائة غاية الأمر انه يحتمل اشتماله على مائتين أو ثلاثمائة فإذا أخرج الزكاة من نفس الدراهم المغشوشة كان اخرج ربع عشرها الذي هو خمس و عشرون درهما فهو يقطع بالتخلص من الزكاة على جميع التقادير سواء كانت نسبة الفضة في كل درهم هي الثلث أو الربع أو النصف أو غيرها لانه لو فرض كون النسبة هي النصف- مثلا- لكان إخراج خمس و عشرين درهما موجبا لإخراج اثنى عشر و نصف مثقالا من الفضة مع ان ربع العشر من خمسمائة التي هي النصاب على

هذا التقدير يكون المقدار المذكور و هكذا على التقادير و الاحتمالات الأخر و عليه فضعف دلالة الرواية انما هو من جهة ظهورها في انحصار التخلص بالتخليص و التصفية مع انك عرفت عدم الانحصار.

و يرد عليه ان إخراج الزكاة من نفس الدراهم المغشوشة بالنسبة كما افاده و ان كان موجبا للتخلص القطعي الا انه ربما يستلزم إخراج الزائد من الزكاة لأنه قد ثبت في محله من كتاب الزكاة ان التفاوت بين النصابين مغتفر و يجرى عليه حكم النصاب السابق و الإخراج بالنحو المذكور يوجب إخراج الزائد مما هو واجب عليه مع ان التخليص المفروض في الرواية لا يستلزم ذلك بوجه أصلا.

نعم يمكن الإيراد على الرواية بأنه لا حاجة الى تصفية الدراهم بأجمعها بل إذا سبك درهما واحدا يظهر له نسبة الفضة الموجودة فيه الى مجموع الدراهم فإذا ظهر انها ثلث يعطى من بقية الدراهم بمقدار الزكاة و لا مجال لدعوى كون الحكم بلزوم التصفية انما هو لأجل عدم كون الدراهم المغشوشة جائزة و رائجة في البلد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

الذي كان فيه السائل بالفعل و ذلك للحكم بلزوم إخراج الزكاة من نفس هذه الدراهم في ذلك البلد في الجواب السابق إذا كان نسبة الفضة معلومة و عليه فيقع الاشكال من جهة انه لا وجه لتخليص المجموع بعد كون تخليص واحد أو اثنين كافيا للعلم بمقدار الفضة الموجودة فيه أو فيهما و بالنتيجة للعلم بمقدارها في الدراهم الأخر.

و اما الإشكال بضعف السند فيمكن الجواب عنه بان الظاهر استناد المشهور إليها في باب الزكاة مع قولهم بعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية و استناد المشهور إلى رواية يوجب انجبار ضعفها

نعم الاشكال عليها من جهة عدم جواز التعدي عن موردها الذي هي الزكاة إلى غيرها من الخمس و الحج يكون باقيا بحاله و اما الإشكال بورودها في مورد العلم بوجوب الزكاة و الشك في الزيادة فالظاهر اندفاعه بعدم الفرق بين الصورتين أصلا بعد عدم كون الأقل و الأكثر في مثلها ارتباطيا و عليه فالشك في الزيادة شك في تكليف مستقل بل يمكن ان يقال بأولوية المقام من مورد الرواية لعدم تحقق مخالفة أصل التكليف فيه بخلاف ما نحن فيه الذي يكون اجراء البراءة من دون محض مستلزما لمخالفة التكليف بالكلية فتدبر.

ثم انه ظهر ان الرواية المذكورة و ان كانت لا تنهض لإثبات وجوب الفحص في موردها فضلا عن غيره الا انه إذا انضمت الرواية الى ما علم من الشرع من أهمية الزكاة و الخمس و الحج لأن الأولين من المسائل الاقتصادية التي اهتم الإسلام بشأنها و لذا نرى اقتران الزكاة بالصلاة في كثير من موارد الكتاب العزيز و الحج قد عرفت اهتمام الشرع به بحيث كان مما بنى عليه الإسلام و يصير التارك له الى آخر العمر مبعوثا يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا و قد وقع التعبير عن تركه بالكفر احتمالا في آية الحج يظهر انه لا مجال لتركها بمجرد احتمال عدم بلوغ النصاب و عدم زيادة الربح و عدم الاستطاعة إذا كان رفعه متوقفا على مجرد المراجعة إلى الدفتر و صرف ساعة من الوقت- مثلا- خصوصا مع ما عرفت من عدم حكم العقل بالبراءة في الشبهات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 145

[مسألة 21- لو كان ما بيده بمقدار الحج]

مسألة 21- لو كان ما بيده بمقدار الحج و له مال لو كان باقيا يكفيه في

رواج امره بعد العود و شك في بقائه فالظاهر وجوب الحج كان المال حاضرا عنده أو غائبا. (1).

______________________________

الموضوعية قبل الفحص فمثل ذلك يقتضي انه لو لم يجز الفتوى بوجوب الفحص فلا أقل من اقتضائه إيجابه احتياطا كما أفاده في المتن.

(1) هذه المسألة من فروعات مسألة شرطية الرجوع الى الكفاية في وجوب حجة الإسلام- التي سيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و وقع الخلاف و الكلام في اعتبارها- و كان المناسب ان يقع التعرض لها بعدها و كيف كان فعلى تقدير اعتبار الرجوع الى الكفاية لو كان له مال زائدا على الاستطاعة الكافية للحج لو كان باقيا يكفيه في رواج امره بعد العود و لكنه يشك في بقائه ففي المتن تبعا للعروة الحكم بوجوب الحج عليه غاية الأمر انه فرض المسألة في المال الغائب و لعله لكون الشك في البقاء انما يتحقق نوعا فيه كما لا يخفى و علله في العروة باستصحاب البقاء و عدم كونه معدودا من الأصول المثبتة.

و لكن جريان الاستصحاب مبنى على القول بجريانه في الأمور الاستقبالية أيضا إذا كان لبقاء المستصحب الى ذلك الزمان أثر شرعي فعلى كاستصحاب بقاء الدم الى ثلاثة أيام الذي يترتب عليه الحكم بالحيضية بالإضافة إلى الدم الموجود الذي يشك في بقائه إلى الثلاثة و كما في المقام لان البقاء بعد العود يترتب عليه الحكم بوجوب الحج فعلا لانه من شرائطه.

كما ان عدم كونه مثبتا مبنى على كون المأخوذ في لسان أدلة اعتبار هذا الشرط هو ان يكون للمكلف مال بعد العود من الحج فان الاستصحاب على هذا التقدير لا يكون مثبتا بوجه و اما لو كان المأخوذ فيه هو عنوان «الرجوع الى الكفاية» فاستصحاب بقاء المال

لا يثبت هذا العنوان الذي هو الموضوع للحكم بالشرطية الشرعية.

ثم انه يمكن ان يقال ان الدليل العمدة على اعتبار هذا الشرط هي قاعدة نفى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 146

[مسألة 22- لو كان عنده ما يكفيه للحج فان لم يتمكن من المسير]

مسألة 22- لو كان عنده ما يكفيه للحج فان لم يتمكن من المسير لأجل عدم الصحة في البدن أو عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، و ان كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول فضلا عن العلم به، و كذا لا يجوز له التصرف قبل مجي ء وقت الحج فلو تصرف استقر عليه لو فرض رفع العذر فيما بعد في الفرض الأول و بقاء الشرائط في الثاني، و الظاهر جواز التصرف لو لم يتمكن في هذا العام و ان علم بتمكنه في العام القابل فلا يجب إبقاء المال الى السنين القابلة. (1)

______________________________

الحرج التي اقتضت استثناء مثل الدار و الثياب و الخادم و أشباهها- على ما عرفت- و عليه ففي المقام يكون الشك في بقاء المال مرجعه الى الشك في ثبوت الحرج و عدمه و من المعلوم انه مع الشك في ثبوت الحرج لا مجال للأخذ بالقاعدة بل لا بد من إحرازه فلا دليل في مقابل دليل وجوب الحج في مثل المقام فاللازم- ح- الحكم بالوجوب و ان لم يجر الاستصحاب.

(1) يظهر من صاحب الجواهر و كثير ممن قبله من الفقهاء كالمدارك و كشف اللثام و الذخيرة و مجمع البرهان و الدروس و التذكرة و المنتهى ان المناط في المنع عن التصرف فيما عنده مما يكفيه للحج بما يخرجه عن الاستطاعة هو خروج الرفقة و سفر الوفد فلو كان التصرف

قبله يجوز التصرف المذكور و صريح السيد- قده- في العروة هو تعليق الجواز بما إذا كان قبل التمكن من المسير فيجوز قبله و لا يجوز بعده و ان كان قبل خروج الرفقة و فصل في المتن بين ما إذا كان عدم التمكن من المسير لأجل عدم الصحة في البدن أو عدم تخلية السرب فيجوز التصرف المذكور و بين ما إذا كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز.

و حكى في «المستمسك» عن بعض الأعاظم في حاشية العروة الحكم بعدم الجواز إذا دخل أشهر الحج و لو لم يتمكن من المسير بوجه و قبله إذا تمكن من المسير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

فالشرط في جواز التصرف المزبور أمران ينتفي الحكم بانتفاء أحدهما.

هذا و الظاهر ان مراد السيد- قده- من التمكن من المسير هي الصحة في البدن و تخلية السرب اللتان هما من الشرائط الوجوبية في باب الحج كالاستطاعة المالية و لذا يعبر عن الأولى بالاستطاعة البدنية و عن الثاني بالاستطاعة السربية و اما تهيؤ الأسباب و وجود الرفقة فلا مدخل لمثلهما في أصل الحكم و تحقق الوجوب بل من الشرائط و المقدمات الوجودية و عليه فالظاهر ما قاله السيد من الاختصاص بالأولين كما يظهر من المستمسك و العجب من بعض الاعلام حيث فسر التمكن من المسير في العروة بخصوص المقدمات الوجودية و لذا أورد عليه بعدم مدخليته في فعلية وجوب الحج أصلا لأن المعتبر فيه هي الاستطاعة المفسرة في الروايات بالزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب و لا مدخل للتمكن من المسير في ذلك مع انك عرفت ان مراده هي الاستطاعة من حيث البدن

و الاستطاعة من ناحية السرب.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه لا مجال للإشكال في جواز التصرف المذكور قبل اجتماع شروط الوجوب بأجمعها لأنه لم يتحقق الوجوب بعد على ما هو المفروض فكما انه لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية قبل تحققها فكذلك لا يجب إبقائها قبل حصول الشروط الأخرى لأنه لا موجب له أصلا.

و اما في صورة اجتماع الشروط كلها فالكلام يقع تارة فيما هو مقتضى الأدلة العامة الواردة في الحج من الآية و الرواية المفسرة للاستطاعة المذكورة فيها و اخرى فيما هو مقتضى الأدلة الخاصة على تقديرها.

اما من الجهة الأولى فبعد وضوح حكمين لا مجال للخدشة فيهما أحدهما عدم وجوب تحصيل الاستطاعة المالية بوجه و ثانيهما انه لو سرق الزاد و الراحلة ينتفى الوجوب و كذلك لو حدث مانع من السفر كالسيل أو العدو أو منع الحكومة و أمثالها نقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 148

..........

______________________________

انه ذكر بعض الاعلام في شرح العروة انه لا ينبغي الريب في عدم جواز تعجيز نفسه بعد وجوب الحج بشرائطه و حدوده و ان كان الواجب متأخرا لأن الميزان في عدم جواز تعجيز النفس عن إتيان الواجب هو تنجز الوجوب و فعليته و ان كان زمان الواجب متأخرا و مبدأ هذا الوجوب ليس خروج الرفقة و لا التمكن من المسير و لا دخول أشهر الحج بل مقتضى الآية و الروايات الواردة في تفسيرها تنجز الوجوب بحصول الزاد و الراحلة و ما يحج به و تخلية السرب و صحة البدن بحيث لا يكون الحج حرجيا و لا فرق في حصول ذلك بين أشهر الحج و خروج الرفقة و التمكن من المسير و أشهر الحج انما هي

ظرف الواجب لا انها ظرف الوجوب و هو غير محدّد بزمان خاص و عليه يظهر عدم جواز تعجيز نفسه في هذه السنة إذا تمكن من الحج في السنة الثانية و يجب عليه إبقاء المال الى المقبل.

و لم يقع في كلامه التعرض لان بقاء الاستطاعة هل يكون معتبرا في وجوب الحج أم لا و انه إذا لم يكن معتبرا فكيف لا يكون الوجوب ثابتا فيما إذا سرق الزاد و الراحلة و إذا كان معتبرا فكيف يجب تحصيله مع ان تحصيل أصل الاستطاعة و حدوثها لا يكون كذلك و هذه الجهة هي المشكلة الأصلية في هذه المسألة لا كون وجوب الحج تعليقيا.

و من أجل ما ذكرنا ذكر بعض الأعاظم في شرح العروة ان مقتضى القواعد الأولية جواز التصرف المخرج عن الاستطاعة و ان تمكن من المسير و اجتمعت الشرائط نظرا الى ان الزاد و الراحلة موضوع لوجوب الحج و لذلك لم يتوهم أحد وجوب تحصيلهما على من كان فاقدا لهما و الى أنهما كما يكونان موضوعا لوجوب الحج حدوثا كذلك يكون موضوعا بقاء و لذلك لا إشكال في انه إذا تلف ماله في أثناء الاعمال يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر و الى ان إذهاب الموضوع ليس حراما في حد نفسه ما لم يرد دليل خاص على حرمته و لذا لا يحرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 149

..........

______________________________

السفر- على مقتضى القاعدة- في شهر رمضان مع انه إذهاب لموضوع وجوب الصوم و هو الحضر فالتصرفات المخرجة في المقام لا تكون حراما و على فرض الحرمة لو عصى و أتلف الموضوع انتفى الحكم قهرا لان وجود الحكم حدوثا و بقاء

دائر مدار وجود موضوعه حدوثا و بقاء فالاتلاف على تقدير حرمته لا يقتضي بقاء وجوب الحج أصلا.

و ذكر سيد المستمسك ان المستفاد من الآية ان الاستطاعة آناً ما موجبة لتحقق الوجوب نظير قوله من أفطر وجب عليه الكفارة نعم لو كانت عبارة التشريع هكذا:

المستطيع يجب عليه الحج كانت ظاهرة في إناطة الحكم بالوصف حدوثا و بقاء كما إذا قيل المسافر يجب عليه القصر حيث يكون الحكم منوطا بالسفر حدوثا و بقاء و عليه فيكفي في إطلاق الوجوب حدوثا و بقاء تحقق الاستطاعة آناً ما غاية الأمر ان استطاعة السبيل الى البيت لا تحقق آناً ما إلا إذا كانت مقدمات الوجود حاصلة في الواقع كل منها في محله فإذا كان المكلف في علم اللّٰه يبقى ماله و راحلته و صحته الى ان يصل الى البيت الشريف و لا مانع يمنعه عن ذلك يكون مستطيعا من أول الأمر و يجب عليه الحج فإذا عجّز نفسه بإذهاب ماله مثلا كان مخالفا للوجوب المذكور.

قال: و من ذلك يظهر انه لا مجال لدعوى كون الاستطاعة شرطا للوجوب حدوثا و بقاء من جهة ان الزاد و الراحلة لو سرقا في الطريق انتفى الوجوب و كذا لو حدث مانع من السفر من سيل أو عدوّ أو مرض أو غيرها فان ذلك يوجب انتفاء الوجوب، وجه الاشكال عليها ان حدوث الأمور المذكورة كاشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر فلا وجوب حدوثا و لا بقاء بخلاف ما لو القى زاده في البحر أو قتل راحلته أو مرّض نفسه فان ذلك لا يكشف عن عدم الاستطاعة من أول الأمر بل هو مستطيع لكنه عجّز نفسه فإذا كان مستطيعا كان التكليف ثابتا في حقه فيكون

تعجيز نفسه مخالفة منه للتكليف الثابت عليه فيكون حراما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

هذا و قد عرفت انه يرد على بعض الاعلام انه لم يتعرض لحل المشكلة الأصلية في هذا الباب و هي انه لا يجتمع الحكم باعتبار بقاء الاستطاعة في الوجوب مع الحكم بلزوم الإبقاء و وجوب حفظ الاستطاعة و عدم إتلافه بل وقع التعرض لجهة الوجوب التعليقي الذي يرجع الى فعلية الوجوب و تنجزه و كون الواجب امرا استقباليا.

و يرد على بعض الأعاظم ان الحكم بعدم وجوب حفظ الاستطاعة و إبقائها و جواز الإتلاف و التصرف المخرج- مع انه يوجب تعطيل الحج و عدم القيام به الا من النادر الذي يأتي به طمعا في الثواب العظيم و الأجر الكثير المترتب عليه على ما تدل عليه الروايات و لا يقاس بالسفر في شهر رمضان حيث انه لا يوجب الا الفرار من الأداء و يبقى عليه وجوب القضاء- خلاف لما هو المرتكز في أذهان المتشرعة و الثابت عندهم بحيث يكون القبول ثقيلا عليهم جدا كما لا يخفى.

و يرد على المستمسك ان الحكم بكشف سرقة الزاد و الراحلة عن عدم حدوث الاستطاعة لم يعلم المراد به فان كان المراد به هو الكشف العقلي كما هو الظاهر من كلامه نقول انه لا مجال لهذا الكشف أصلا لأنه بعد حدوث الاستطاعة و بقائها مدة بحيث كان السفر الى البيت الشريف ممكنا له من جميع الجهات غاية الأمر أنه أخّره لسعة الوقت و عدم لزوم التعجيل ثم عرض لها السرقة كيف يمكن ان يقال بأن السرقة كاشفة عن عدم حدوث الاستطاعة و هل هذا الا تكذيب ما هو محسوس بالوجدان و مرئي بالعين

نعم لو لم تبق الاستطاعة في يده إلا مدة قليلة لم يتمكن من السفر الى البيت في تلك المدة كان بقيت في يده ساعات- مثلا- يمكن القول بالكشف المزبور.

و ان كان المراد به هو الكشف التعبدي الذي يرجع الى ان مقتضى الجمع بين ما يدل على انتفاء الوجوب بالسرقة و بين الآية الظاهرة- بمقتضى ما أفاده- في كون حدوث الاستطاعة شرطا للوجوب ان تجعل السرقة كاشفة عن عدم الحدوث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

تعبدا نقول ان الجمع لا ينحصر بذلك فلم لا يجعل الدليل المذكور دالا على عدم كون الحدوث بمجرده شرطا للوجوب بل الشرط هو حدوث الاستطاعة و بقائها.

و التحقيق ان مقتضى الجمع بين الأدلة ذلك غاية الأمر ان شرطية البقاء ليست كشرطية الحدوث بمعنى انه كما ان الحدوث يكون بنحو الإطلاق شرطا للوجوب لا يكون البقاء كذلك شرطا فان المستفاد من دليل انتفاء الوجوب بالسرقة ان الموجب للانتفاء اجتماع أمرين الأول عدم البقاء و الثاني كون عدم البقاء مستندا إلى أمر غير اختياري فيستفاد منه العموم بهذا النحو و هو ان عدم البقاء إذا كان مستندا الى كل أمر غير اختياري يوجب انتفاء الوجوب و اما إذا كان عدم البقاء مستندا إلى أمر اختياري كالإتلاف و التصرف المخرج كما في المقام فلا دليل على انتفاء الوجوب بسببه و عليه فاعتبار البقاء في الوجوب غير اعتبار الحدوث فيه فإذا لم يكن تحصيل الاستطاعة لازما فلا يستلزم ذلك جواز الإتلاف و عدم لزوم الحفظ ثم لا يخفى ان اعتبار الحدوث و كذا البقاء بالنحو المذكور انما هو في أصل وجوب الحج و حدوثه لا ان يكون الحدوث معتبرا

في الحدوث و البقاء في البقاء و عليه فما في كلام المستمسك من ذكر كلمة الحدوث و البقاء عقيب الوجوب لا وجه له.

كما ان اعتبار البقاء في أصل الوجوب مع عدم العلم به نوعا انما هو لأجل الاستصحاب الجاري الحاكم بالبقاء كما عرفت في استصحاب بقاء الدم إلى ثلاثة أيام الموجب لكون الدم من أول حدوثه متصفا بالحيضية هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

و اما الجهة الثانية فربما يقال ان مقتضى بعض الأدلة الخاصة أيضا عدم جواز الإتلاف مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» و رواية على بن حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّٰه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام. «2»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب السادس

(2) ئل أبواب وجوب الحج الباب السادس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

بناء على كون المراد بالدفع المذكور فيهما هو الإتلاف مع ان الظاهر ان المراد هو التأخير في العمل لا التصرف المخرج و يؤيده قوله «و ليس له شغل» و كذا قوله «جعل يدفع ذلك» فلا دلالة لهما.

بقي الكلام في هذه المسألة في أمور: الأول ان مقتضى ما ذكرنا من اعتبار البقاء بالنحو المذكور في أصل وجوب الحج انه لو تصرف فيما بيده مما يكفيه للحج بما يخرجه عن الاستطاعة لكان لازمة استقرار الحج عليه و عدم انتفاء وجوبه و اما حرمة التصرف المذكور

و عدم جوازه فلا مجال لثبوتها لان مقتضى وجود شرط الوجوب تحققه لا حرمة التصرف المخرج فلو حج معه متسكعا فقد اتى بما هو الواجب عليه من دون ان يكون مرتكبا لمحرم أصلا.

نعم لو توقف حجه على إبقاء الاستطاعة و حفظها بحيث كانت الاستطاعة مقدمة وجودية لتحققه يصير الحفظ واجبا بالوجوب الغيري المقدمي الشرعي أو العقلي و من المعلوم انه لا يترتب على مخالفة الأمر الغيري استحقاق العقوبة بوجه.

و مما ذكرنا يظهر انه لو كان التصرف المخرج بمثل المعاملة الناقلة كالهبة و أشباهها لا مجال لتوهم البطلان فيها اما في صورة إمكان الحج متسكعا و عدم توقف وجود الحج على بقاء الاستطاعة فلانه لا حرمة في البين أصلا حتى يبحث في اقتضائها للفساد عدمه، و اما في صورة توقف وجود الحج عليه فلان الأمر الغيري و كذا النفسي لا يستتبعان للحرمة بوجه لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن الضد مطلقا- كما قد حقق في محله- و على تقدير الاستتباع و الاقتضاء فالنهي الغيري لا يقتضي الفساد كما انه على تقدير كون النهى نفسيا لا دلالة فيه على الفساد على ما ثبت في محله.

الثاني ان مقتضى ما ذكرنا من لزوم حفظ الاستطاعة عدم جواز التصرف و ان علم بعدم تمكنه في هذا العام لعدم تعرض في الآية و الرواية لخصوص عام الاستطاعة فالحكم باختصاص عدم الجواز بخصوص عامها و انه لا يجب إبقاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 153

[مسألة 23- ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره]

مسألة 23- ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره و يمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا و الا فلا، فلو تلف في الصورة الأولى

بعد مضى الموسم، أو كان التلف بتقصير منه و لو قبل أو ان خروج الرفقة استقر عليه الحج على الأقوى، و كذا الحال لو مات مورثه و هو في بلد آخر. (1)

______________________________

الاستطاعة إلى السنين القابلة كما في المتن تبعا للعروة لعله يكون مستندا الى الفتاوى و الإجماع كما في المستمسك.

الثالث ان ما في المتن من قوله و كذا لا يجوز التصرف قبل مجي ء وقت الحج لم يعلم المراد منه فإنه ان كان المراد من وقت الحج هو أشهر الحج فاللازم بقرينة المقابلة ان يكون المراد من الفرضين المذكورين قبله ما إذا كان بعد أشهر الحج و عليه فيصير حكم قبل الأشهر أثقل مما بعده لثبوت التفصيل فيما بعد و إطلاق عدم الجواز قبله، و ان كان المراد من وقت الحج هو الوقت الخاص الذي يقع الحج فيه كعرفة و ما بعده من الأيام المعدودة فيرد عليه ان الفرضين المذكورين قبله واقعان قبل الوقت المذكور- كما هو ظاهر- الا ان يراد قبيل الوقت المذكور بعد السفر الى البيت و هو أيضا في غاية البعد و بالجملة لم يعلم المراد من هذا الفرض بوجه

(1) قد مر ان المعيار في حصول الاستطاعة ما إذا اجتمع أمور ثلاثة هي عبارة عن ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و إمكان صرفهما في الحج عبارة عن ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و إمكان صرفها في الحج و اما حضور المال و غيابه فهما أمران لا ارتباط لهما بالاستطاعة إثباتا و نفيا فإذا كان المال غائبا و تمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا كما انه إذا كان المال حاضرا و لم

يتمكن من التصرف فيه لأجل الغصب أو وجود مانع آخر لا يكون مستطيعا فالغياب و الحضور خارجان عن مسألة الاستطاعة و منه يظهر حال ما لو مات مورثه و هو في بلد آخر فان المعيار هو التمكن من التصرف في الإرث من دون فرق بين كونه في بلد أخر و غيره فإنه ربما يكون التمكن متوقفا على شي ء أو أشياء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 154

[مسألة 24- لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به أو غافلا]

مسألة 24- لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به أو غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد تلفه بتقصير منه و لو قبل أو ان خروج الرفقة، أو تلف و لو بلا تقصير منه بعد مضى الموسم استقر عليه الحج مع حصول سائر الشرائط حال وجوده. (2)

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 154

______________________________

مع الحضور أيضا كما هو المتعارف في هذه الأزمنة من إثبات النسب و انحصار الوراثة و مثلهما من المقدمات فالملاك ما ذكرنا كما هو ظاهر.

(2) في هذه المسألة أقوال ثلاثة: أحدها ما اختاره صاحب العروة و الماتن- دام ظله- من استقرار الحج نظرا الى وجود الاستطاعة بحسب الواقع و هي الشرط في ثبوت التكليف و العلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف و عدم التمكن من جهة الجهل أو الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي غاية الأمر أنه معذور في ترك ما وجب عليه و اما الاستقرار فهو تابع للوجوب الواقعي و عدم الإتيان بالحج فاللازم الحكم بثبوت الاستقرار في

الفرضين غاية الأمر انه إذا كان التلف بلا تقصير لا بد من فرض تحققه بعد مضى الموسم لان التلف قبله يكشف عن عدم الاستطاعة كما عرفت و إذا كان بتقصير لا بد من تعميمه لما إذا كان قبل خروج الرفقة أيضا كما ان المفروض فيهما ما إذا ارتفع الجهل و النسيان بعد ما لم يتمكن من الحج في عام الاستطاعة كما لا يخفى.

ثانيها ما حكى عن المحقق القمي- قده- في أجوبة مسائله من عدم الوجوب اى عدم الاستقرار نظرا إلى انه ما دام كونه جاهلا أو غافلا لا يكون التكليف متوجها اليه و بعد ارتفاعهما لا يكون عنده ما يكفيه للحج على ما هو المفروض فلم يستقر عليه و قال في «المستمسك»: و كان الوجه الذي دعا القمي إلى نفى الاستطاعة ما تضمن من النصوص من ان من ترك الحج و لم يكن له شغل يعذره اللّٰه به فقد ترك فريضة من فرائض الإسلام مما يدل على ان وجود العذر ناف للاستطاعة.

و أورد عليه بان المفهوم من النصوص العذر الواقعي الذي لا يشمل قصور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

المكلف من جهة غلطه و جهله و اشتباهه بل يختص بالأمر الواقعي الذي يكون معلوما تارة و مجهولا اخرى.

ثالثها ما اختاره بعض الاعلام- على ما في تقريراته في شرح العروة- من التفصيل في الغفلة بين ما إذا كانت مستندة الى تقصير منه كترك التعلم و بين ما إذا كانت غير مستندة إليه ككثرة الاشتغال و الابتلاء ففي الأول يستقر عليه الحج دون الثاني و كذا في الجاهل بين ما إذا كان جهله بسيطا فيستقر و بين ما إذا كان مركبا

فلا اما التفصيل في الغفلة فلان مقتضى حديث الرفع في غير «ما لا يعملون» هو الرفع الواقعي و مرجعه الى التخصيص في الأدلة الأولية و عدم ثبوت الحكم في حقه واقعا و عليه ففي فرض الغفلة لا يجب عليه الحج لعدم ثبوته في حقه و بعد رفعها لا مال له بالفعل حتى يجب عليه الحج غاية الأمر اختصاص الحديث بما إذا كانت الغفلة غير مستندة الى التقصير و اما مع استنادها اليه فلا مخصص في مقابل الأدلة الأولية فالحج واجب عليه و مستقر.

و اما التفصيل في الجاهل فلان الجاهل بالجهل البسيط و ان لم يجب عليه الحج بمقتضى حديث الرفع الا ان هذا الحكم حكم ظاهري لا ينافي وجوب الحج عليه واقعا فإذا انكشف الخلاف يجب عليه الإتيان بالحج لاستقراره عليه لان العلم بالاستطاعة لم يؤخذ في الموضوع و انما الموضوع وجود ما يحج به واقعا و الجاهل بالجهل البسيط يتمكن من إتيان الحج و لو احتياطا و اما الجاهل بالجهل المركب فلا يتوجه اليه التكليف واقعا لعدم تمكنه من الامتثال و لو على نحو الاحتياط، و الاحكام و ان كانت مشتركة بين العالم و الجاهل و لكن بالجهل البسيط الذي يتمكن من الامتثال لا الجهل المركب و الجزم بالعدم الذي لا يتمكن من الامتثال ابدا فهو كالغفلة.

أقول: قد حققنا في الأصول تبعا لسيدنا العلامة الأستاذ الماتن- دام ظله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 156

[مسألة 25- لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا]

مسألة 25- لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا فإن أمكن فيه الاشتباه في التطبيق صح و أجزأ عن حجة الإسلام، لكن حصوله مع العلم و الالتفات بالحكم و الموضوع مشكل، و ان قصد

الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنه و في صحة حجه تأمل، و كذا لو علم باستطاعته ثم غفل عنها، و لو تخيل عدم فوريته فقصد الندب لا يجزى و في صحته تأمل. (1)

______________________________

العالي- ان الخطابات العامة المتضمنة للتكاليف و الاحكام بنحو العموم لا تكاد تنحلّ الى خطابات متكثرة حسب تكثر افراد المكلفين و تعدد آحادهم بل انما هي خطاب واحد متضمن لحكم عام و تكليف كلى و مقتضاه ثبوت مقتضاه بالإضافة إلى الجميع غاية الأمر كون بعض الأمور عذرا بالنسبة إلى المخالفة و موجبا لعدم ترتب استحقاق العقوبة عليها كالعجز و الجهل و الغفلة في الجملة و لا ملازمة بين كونها عذرا و بين عدم ثبوت التكليف الذي يتضمنه الخطاب العام فقوله وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يدل على ثبوت هذا التكليف و تحقق هذا الدين في جميع موارد تحقق الاستطاعة الواقعية و عليه فالتكليف ثابت بنحو العموم فإذا انكشف للجاهل انه مستطيع و للغافل انه كان يجب عليه الحج و لم يؤت به بعد فاللازم الحكم بالاستقرار و لزوم الإتيان به و لو بنحو التسكع و لا فرق من هذه الجهة بين فرضي الغفلة و كذا فرضي الجهل و ان كان بينهما فرق أحيانا من جهة المعذورية و عدمها و عليه لا مجال لدعوى خروج الجاهل بالجهل المركب عن الأحكام المشتركة بين العالم و الجاهل و التفصيل المذكور مبتن على القول بالانحلال و اختصاص كل مكلف بخطاب خاص و قد انقدح مما ذكرنا ان الأقوى ما عليه المتن.

(1) وجه الاجزاء عن حجة الإسلام في صورة الاشتباه في التطبيق على تقدير إمكانه هو انه في هذه الصورة قصد

الأمر الواقعي المتعلق بالحج بالإضافة إليه غاية الأمر تخيله باعتبار اعتقاده عدم الاستطاعة انه هو الأمر الندبي فقصده و لو كان عالما بالاستطاعة لكان يقصد الأمر الوجوبي المتوجه إليه ففي الحقيقة كان قصده امتثال الأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 157

..........

______________________________

الواقعي أيّاما كان و لكنه يتخيل أنه الأمر الندبي فلا مجال للحكم بعدم الاجزاء في هذه الصورة و اما في صورة التقييد فتارة يقع البحث فيها عن الاجزاء عن حجة الإسلام و عدمه و اخرى بعد الفراغ عن عدم الاجزاء في صحته في نفسه فنقول:

اما الجهة الأولى ففي المتن و العروة الحكم بعدم الاجزاء نظرا إلى انه لم يقصد امتثال الأمر الواقعي أيّاما كان بل انما قصد امتثاله على تقدير كونه هو الأمر الندبي بحيث لو كان عالما بالاستطاعة لما كان يقصد امتثال الأمر الوجوبي بوجه فلم يتعلق قصده بإتيان حجة الإسلام أصلا بل انما تعلق بإتيان خصوص الحج الندبي و عليه فكيف يمكن الحكم بالاجزاء عنه مع ما عرفت من تعدد حقائق الحج و مغايرة حجة الإسلام لغيرها من حيث الماهية.

هذا و لكن ذكر بعض الاعلام- على ما في شرح العروة- ان الظاهر هو الاجزاء في هذه الصورة أيضا نظرا الى ان التقييد انما يتصور في الأمور الكلية التي لها سعة و قابلة للتقسيم إلى الأنواع و الأصناف و اما الأمر الخارجي الذي لا يقبل التقسيم فلا يتصور فيه التقييد نظير ما ذكروه من التفصيل في باب الايتمام الى زيد فبان انه عمرو فإنه غير قابل للتقييد لأن الائتمام قد تعلق بهذا الشخص المعين و هو لا يكون فيه سعة حتى يتصور فيه التقييد و في المقام يكون

الأمر بالحج المتوجه إليه في هذه السنة أمر شخصي ثابت في ذمته و ليس فيه سعة و المفروض ان الثابت في ذمته ليس إلا حجة الإسلام و قد اتى بها فان حج الإسلام ليس إلا الاعمال الصادرة من البالغ الحر المستطيع الواجد لجميع الشرائط و لا يعتبر قصد هذا العنوان في صحة الحج غاية الأمر تخيل جواز الترك و هو غير ضائر كما لو فرضنا انه صام في شهر رمضان ندبا بنية القربة و كان جاهلا بوجوب الصوم فيه فإنه لا ريب في الاكتفاء به بل لو فرضنا انه لو علم بالوجوب لم يأت به في هذه السنة نلتزم بالصحة أيضا لأنه من باب تخلف الداعي و ليس من التقييد بشي ء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 158

..........

______________________________

أقول يرد عليه أولا انه لا مجال للإشكال في ثبوت فرضين في هذا المقام و مثله لان المكلف تارة يكون بصدد امتثال الأمر الواقعي أيّاما كان و في مثال الاقتداء المذكور بصدد الايتمام بالإمام الحاضر أيّا من كان و اخرى بصدد امتثال الأمر الواقعي على تقدير كونه هو الندب و بصدد الايتمام بالإمام الحاضر على تقدير كونه زيدا بحيث لم يتعلق غرضه بامتثال الأمر الوجوبي و بالاقتداء بعمرو أصلا و ان كان معتقدا بعدالته و صحة الاقتداء به و التعبير عن الفرض الأول بالاشتباه في التطبيق و عن الفرض الثاني بالتقييد انما هو للإشارة إلى الفرضين و ليس البحث في نفس العنوانين حتى يقال باختصاص دائرة التقييد بما إذا كان هناك سعة و عموم قابل للتضييق و التقييد.

و ثانيا انه لا اختصاص للتقييد بما إذا كان في الأمور الكلية بل يجري في الأمور الجزئية

بنحو يكون وجودها متحققا مقيدا لا ما إذا عرض لها التقييد بعد وجودها نظير ما ذكروه في باب الواجب المشروط من ان رجوع القيد في مثل «أكرم زيدا ان جاءك» إلى الهيئة كما عليه المشهور في مقابل الشيخ- قده- مع كون مفاد الهيئة امرا جزئيا لانه كالحروف يكون من باب الوضع العام و الموضوع له الخاص لا مانع منه لأنه ينشأ الوجوب بنحو التقييد من أول الأمر لا انه ينشأ ثم يعرض له التقييد.

و ثالثا انه لو سلمنا اختصاص التقييد بما إذا كان في الأمور الكلية نقول بثبوت الأمر الكلي في المقام و مثله كالاقتداء في المثال المذكور ضرورة انه لا بد من ملاحظة الأمر قبل تحققه في الخارج لان التقييد انما يتحقق في هذه المرحلة و من المعلوم ان الائتمام الذي يتعلق به القصد يكون قبل التحقق كليا له سعة من حيث الزمان و المكان و من حيث من يقتدى به و إذا كان كذلك فله التقييد و التضييق و عليه فالتقييد بالمقتدى الخاص يكون قبل مرحلة الوجود و كذلك المقام فإنه قبل ان يشرع في الحج يتصف عمله بالسعة و الكلية و له التقييد من جهة الداعي بأمر خاص و كون الأمر المتعلق بالحج في هذه السنة أمرا خاصا لا يوجب عدم إمكان التقييد في الحج الذي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 159

..........

______________________________

يريد الشروع فيه.

و العجب منه انه مع التزامه بتعدد حقائق الحج و تكثر ماهياته كيف جعل الحج في صورة التقييد مجزيا عن حجة الإسلام مع انه لم يقصدها بوجه بل قصد غيرها لا لأجل الجهل بوجوبها عليه لاعتقاد عدم الاستطاعة بل لانه لا يريد الإتيان

بها على تقدير العلم أيضا كما هو المفروض و من هنا يمكن ان يقال بالفرق بين الحج و بين الصوم الذي أورده بعنوان التأييد نظرا الى احتمال ان لا يكون للصوم حقائق مختلفة و ماهيات متعددة بخلاف الحج.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الظاهر هو عدم الاجزاء عن حجة الإسلام في فرض التقييد.

و اما الجهة الثانية فقد حكم السيد في العروة بصحة ما اتى به من الحج في نفسه و ان لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام و تأمل فيها في المتن و الوجه فيه انه سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ان من كان عليه حجة الإسلام لا يجوز ان يأتي بالحج نيابة عن الغير أو تطوعا عن نفسه و لكنه لا يعلم انه هل يختص الحكم بما إذا كان عالما بثبوت حجة الإسلام عليه أو يعمّه و ما إذا كان جاهلا به أيضا كما في المقام فاللازم ملاحظة تلك المسألة.

بقي الكلام في الفرع الأخير الذي تعرض له في المتن و هو ما لو كان عالما بالاستطاعة و بوجوب الحج عليه لكنه تخيل عدم كون الوجوب فوريا فحج ندبا و قد حكم فيه بثبوت حكم التقييد عليه من عدم الاجزاء و التأمل في صحته في نفسه و الوجه فيه انه مع العلم بالوجوب و قصد الأمر الندبي لأجل تخيل عدم الفورية لا محيص عن كونه تقييدا لانه لا يريد امتثال الأمر الوجوبي بوجه فلا مجال للاجزاء و الوجه في التأمل في الصحة ما عرفت.

و لكن بعض الاعلام مع حكمه بالاجزاء في التقييد حكم بعدم الاجزاء في خصوص المقام نظرا الى ثبوت أمرين هنا أحدهما وجوبي و الأخر ندبي مترتب على

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 160

[مسألة 26- لا يكفي في وجوب الحج الملك المتزلزل]

مسألة 26- لا يكفي في وجوب الحج الملك المتزلزل كما لو صالحه شخص بشرط الخيار إلى مدة معينة إلا إذا كان واثقا بعدم فسخه لكن لو فرض فسخه يكشف عن عدم استطاعته. (1)

______________________________

الأول و في طوله و لا استحالة في الأمر بالضدين إذا كان بنحو الترتب لأن الأمر الثاني مترتب على عدم الإتيان بالأول و لو كان عن عصيان و عليه فما اتى به صحيح في نفسه الا انه لا يجزى عن حجة الإسلام لأن الأمر الفعلي لم يقصد و انما قصد الأمر الندبي المترتب على مخالفة الأمر الفعلي بخلاف التقييد الذي لا يكون فيه الا أمر واحد.

أقول لم يظهر لي الفرق بثبوت أمرين هنا دون التقييد الذي لا يكون فيه الا أمر واحد و لا محالة يكون هو الأمر المتعلق بحج الإسلام و ثبوت العلم في المقام بأصل الوجوب لا يكون فارقا فإنه على اى تقدير لم يقصد امتثال الأمر المتعلق بحج الإسلام و عليه فلو فرض ثبوت الفرق المذكور لا يكون فارقا من حيث الاجزاء و عدمه أصلا.

(1) قد استدل السيد- قده- في العروة لعدم كفاية الملك المتزلزل في وجوب الحج بأنها في معرض الزوال و يرد عليه أوّلا ان المعرضية للزوال شأن جميع الأموال الموجودة في الخارج فإنها بأجمعها مشتركة في المعرضية غاية الأمر اختلاف طرق الزوال من جهة الفسخ و الاحتراق و المرض و التلف و غيرها كالاختلاف من جهة قوة الاحتمال و ضعفه بحيث لا يبلغ مرحلة لا يعتنى به العقلاء.

و ثانيا على تقدير اختصاص المعرضية بمثل المقام لم يقم دليل على اعتبار عدمها في تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج

فإنها كما عرفت عبارة عن ان يكون عنده ما يحج به و قد عرفت انه يستفاد من الحكم بعدم وجوب الحج في مثل مورد السرقة اعتبار البقاء بنحو ينافيه عدمه غير الاختياري فيجب حفظ البقاء و لا يجوز التصرف المخرج له عن الاستطاعة و اما اعتبار عدم المعرضية للزوال زائدا على ما ذكر فلم يقم دليل عليه و بناء عليه فالظاهر تحقق الاستطاعة في المثال المذكور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 161

[ (مسألة 27- لو تلفت بعد تمام الاعمال مئونة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه]

(مسألة 27- لو تلفت بعد تمام الاعمال مئونة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه- بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة- لا يجزيه عن حجة الإسلام فضلا عما لو تلف قبل تمامها سيما إذا لم يكن له مئونة الإتمام. (1)

______________________________

في المتن غاية الأمر ان الفسخ يكون كالسرقة لأن الظاهر عدم كون الفسخ مؤثرا من حين العقد بحيث كان كاشفا عن عدم تحقق الملكية من رأس بل يكون مؤثرا من حينه و الّا لكان اللازم التعليل بعدم إحراز الملكية من الأول لا بكونها في معرض الزوال.

و على ما ذكرنا لا يعتبر الوثوق بعدم الفسخ بل يكفى مجرد احتماله لجريان استصحاب عدم الفسخ كجريان استصحاب عدم السرقة و مثلها نعم إذا اطمئن بالفسخ اطمينانا عرفيا يعامل معه معاملة العلم لا يكون مستطيعا- حينئذ- من جهة عدم تحقق البقاء بالمعنى المذكور الذي هو شرط الاستطاعة.

و العجب من بعض الاعلام حيث صرح بتحقق الاستطاعة و لو مع العلم بان المالك يفسخ و يسترجع المال نظرا إلى انه ان كان متمكنا من أدائه بلا حرج فلا كلام و ان استلزم أدائه الحرج يسقط وجوب الحج

لنفى الحرج.

فإنه مع وضوح ان مفروض البحث عدم التمكن من الأداء لانحصار ما عنده بمورد المصالحة و الا كان مستطيعا من جهة ذلك المال يرد عليه ان العلم بالفسخ يرجع الى العلم بعدم البقاء الذي يكون شرطا لتحقق الاستطاعة كما عرفت.

كما ان ما في المتن من جعل الفسخ كاشفا عن عدم الاستطاعة مرجعه الى ان الملاك هو الفسخ و عدمه لا مجرد المعرضية للزوال كما لا يخفى.

(1) في المسألة وجهان أحدهما الاجزاء و قد نفى عند البعد السيد في العروة تبعا لما عن المدارك من القطع به حيث قال: «فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا و الا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 162

..........

______________________________

الرجوع أو حصول المرض الذي يشق السفر معه و هو معلوم البطلان» لكن في الجواهر:

«قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب» و هو الوجه للوجه الثاني و هو عدم الاجزاء الذي هو مختار المتن فان مرجعه الى ان مقتضى القاعدة ذلك لأنه إذا كانت مئونة العود الى الوطن دخيلة في تحقق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب كمئونة الذهاب فاللازم ان يكون تلفها كاشفا عن عدم تحقق الاستطاعة من أول الأمر غاية الأمر عدم العلم به فهو كما إذا تلفت مئونة الذهاب قبل الشروع في الأعمال و عليه فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء الا ان يقوم دليل عليه.

و اما ما يمكن ان يكون وجها للاجزاء فهو أحد أمور: الأول: ارتكاز المتشرعة على صحة الحج في مفروض المسألة و مثله كما إذا مرض بعد الاعمال مرضا لو كان قبل الحركة لما

كان الحج واجبا عليه لفقد الاستطاعة البدنية فإن حصول المرض الكذائي بعد تمامية الأعمال و الفراغ عن الحج لا يكون عند المتشرعة قادحا في صحة الحج الذي اتى به بوجه و يؤيده سكوت الروايات عن التعرض لذلك مع عدم كون مثله قليل التحقق بل يكثر الابتلاء به فالارتكاز المذكور بضميمة عدم التعرض في النصوص يوجب الاطمئنان بالإضافة إلى صحة الحج.

الثاني ان الدليل على اعتبار مئونة العود و كذا اعتبار الرجوع الى الكفاية بناء على اعتباره هي قاعدة نفى الحرج و هي تجري في مورد الامتنان فإذا كان الشخص قبل الحركة فاقدا لمئونة العود- مثلا- يكون وجوب الحج بالإضافة إليه حرجيا و اللازم سقوطه و اما إذا صار بعد الاعمال فاقدا فإجراء القاعدة للحكم بعدم أجزاء ما اتى به عن حجة الإسلام مع كونها مقصودة خلاف الامتنان فلا مجال لجريانه- ح- و عليه فمقتضى دليل الاعتبار باللحاظ المذكور عدم اعتبار مئونة العود في مفروض المسألة فاللازم الحكم بالاجزاء كما لا يخفى.

ثالثها ما افاده السيد في العروة من انه يقرب الاجزاء ما ورد من ان من مات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 163

..........

______________________________

بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام وجه التقريب ان الموت المفروض في الرواية مستلزم لزوال الاستطاعة البدنية و الاستطاعة المالية أيضا اما الأول فواضح و اما الثاني فللانتقال إلى الورثة فإذا كان زوال الاستطاعتين غير قادح في الاجزاء فزوال خصوص الاستطاعة المالية بطريق اولى لا يكون قادحا فيه كما لا يخفى.

و يرد على الأخير مضافا الى ان مقتضاه انه لو زالت الاستطاعة المالية بعد الإحرام و دخول الحرم يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام و لا

يمكن الالتزام به انه لا يمكن التعدي عن مورد الرواية لاحتمال ان يكون للموت خصوصية من جهة عدم التمكن من الحج ابدا بخلاف مثل المقام فلا يجوز التعدي عنه بوجه مع ان الظاهر ان محط النظر في الرواية كفاية بعض الاعمال عن الكل و ان الإحرام و دخول الحرم يكفى عن تمام الاعمال و لا نظر فيها الى زوال الاستطاعة المالية بوجه و بالجملة لا مجال لاستفادة حكم المقام منها و التعبير بالتقريب لعله لما ذكر.

و يرد على الثاني انه لو كان الدليل لاعتبار مئونة العود الى الوطن قاعدة نفى الحرج لكان مقتضاه ما ذكر و لكن عرفت فيما تقدم ان الدليل عليه هو ان المتفاهم العرفي من اعتبار الزاد و الراحلة فيما يتوقف على السفر هو اعتبارهما ذهابا و إيابا لا خصوص الذهاب فقط فإنه لو قيل ان فلانا متمكن من السفر الى المشهد المقدس لزيارة قبر مولانا على بن موسى الرضا عليهما آلاف التحية و الثناء لا يتفاهم العرف منه الا التمكن منه ذهابا و إيابا و عليه فاعتبار مئونة الإياب انما هو كاعتبار مئونة الذهاب و مع التلف يستكشف عدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج.

و هكذا بالنسبة إلى اعتبار الرجوع الى الكفاية بناء على اعتباره فإنه لو كان الدليل عليه هي قاعدة نفى الحرج لكان مقتضاه ما ذكر و اما إذا كان الدليل هي الرواية فلا مجال لذلك و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و يرد على الأول ان المرتكز عند المتشرعة و ان كان ذلك الا ان الظاهر توسعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 164

[مسألة 28- لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحج]

مسألة 28- لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب

الحج، و لو اوصى له بما يكفيه له فلا يجب عليه بمجرد موت الموصى كما لا يجب عليه القبول (1)

______________________________

الارتكاز حتى بالإضافة إلى تلف الأموال في أثناء الأعمال و قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به و سكوت الروايات مع التعرض لأصل اعتبار الاستطاعة الظاهر بمقتضى ما ذكر في الذهاب و الإياب لا دلالة فيه على شي ء.

الا انه مع ذلك كله لا يمكن الالتزام بأنه لو مرض بعد الاعمال مرضا لو كان حادثا حين الحركة لما كان يجب عليه الحج يكشف ذلك عن عدم كون حجّه حجة الإسلام و هكذا تلف مئونة العود و الانصاف أن المسألة مشكلة و لا يكون شي ء من الوجهين ظاهرا.

(1) في هذه المسألة فرعان: الأول ما لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة فإنه وقع الإشكال في وجوب الحج عليه نظرا إلى انه هل يعتبر الملكية في حصول الاستطاعة أم لا، ظاهر المتن و السيد في العروة عدم الاعتبار و علله فيها بصدق الاستطاعة بالإباحة اللازمة.

و أورد عليه في المستمسك بأنه لا مجال للاستدلال به بعد ما ورد في تفسير الاستطاعة بأن يكون له زاد و راحلة مما ظاهره الملك قال: نعم في صحيح الحلبي إذا قدر الرجل على ما يحج به، و في صحيح معاوية: إذا كان عنده مال يحج به أو يجد ما يحج به، و هو أعم من الملك لكن الجمع بينه و بين غيره يقتضي تقييده بالملك و عدم الاجتزاء بمجرد الإباحة.

و أجاب عنه بعض الاعلام بما حاصله انه انما يحمل المطلق على المقيد لأجل التنافي بينهما كما في مثل أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة بعد إحراز وحدة المطلوب و اما إذا لم يكن هناك منافاة كما

في مثل الخمر نجس و المسكر نجس فلا مجال للحمل لعدم التنافي و المقام من هذا القبيل لان قوله- ع- له زاد و راحلة و ان كان ظاهرا في الملكية الا انه لا ينافي ثبوت الاستطاعة في غير مورد الملك أيضا كموارد جواز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

التصرف و الإباحة.

و يرد عليه ان وقوع الطائفتين في مقام تفسير الآية و تحديد الاستطاعة الواقعة فيها يوجب تحقق التنافي بينهما لوضوح ثبوت المنافاة بين كون المراد من الاستطاعة الواقعة في الآية خصوص الملكية و بين كون المراد منها أعم من الإباحة فاللازم حمل المطلق على المقيد.

و لكنه ذكر بعض الأعاظم في شرح العروة ان ظهور اللام في قوله زاد و راحلة في الملكية ممنوع بل هي ظاهرة في مطلق الاختصاص.

أقول يمكن ان يقال بان اللام في نفسها ظاهرة في الملكية و لكن الطائفة الأخرى قرينة على كون هذا الظهور مرادا بل المراد هو الاختصاص الشامل للإباحة و عليه فالجمع بين الطائفتين و ان كان يمكن بأحد وجهين الا انه لا يبعد ان يقال بأن الأرجح عند عند العقلاء هو ما ذكرنا و مقتضاه تحقق الاستطاعة بالإباحة اللازمة كالإباحة المشترطة في ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة لا شرط الفعل فتدبر.

ثم ان تقييد الإباحة باللازمة انما هو لإخراج الإباحة الجائزة التي يجوز للمالك الرجوع و هو يبتنى على ما تقدم من عدم كفاية الملك المتزلزل في وجوب الحج و قد عرفت المناقشة منّا في ذلك هذا في الإباحة الملكية.

و اما الإباحة الشرعية كالأنفال و المباحات الأصلية فالظاهر عدم كونها بمجردها موجبا لصدق الاستطاعة فإن مجرد إباحة الأسماك في البحر و الاحتطاب

في البرّ و المعادن و أشباهها لا يوجب تحقق الاستطاعة و ان عنده ما يحج به أو انه يجد ما يحج به نعم بعد تحقق الاصطياد و الاحتطاب و الاستخراج يتحقق موضوع الاستطاعة فالفارق بين الاباحتين هو العرف و عليه فلا يبقى مجال لما في المستمسك من انه لم يظهر الفرق بين الإباحة المالكية و الإباحة الشرعية.

الفرع الثاني ما إذا اوصى له بما يكفيه للحج من الزاد و الراحلة أو ثمنهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 166

..........

______________________________

و صريح المتن عدم تحقق الاستطاعة الموجبة للحج بمجرد الموت و عدم وجوب القبول عليه و الظاهر ان المنشأ لعدم وجوب القبول عليه هي كون الوصية التمليكية عقدا عنده مفتقرا الى القبول و عليه فالقبول يرجع الى تحصيل الاستطاعة و هو غير لازم لما عرفت غير مرة من عدم لزوم تحصيل الاستطاعة و عدم وجوبه و المتن مشعر بأنه لو قلنا بأن الوصية المذكورة إيقاعا غير مفتقر الى القبول غاية الأمر ثبوت حق الرد له بلحاظ ان سلطنة الغير على تمليك ماله اليه من دون اختياره و رضاه مناف للسلطنة الثابتة له لكان مقتضى القاعدة حصول الاستطاعة له و لازمة عدم جواز الرد له في هذا المورد لعدم جواز رفع الاستطاعة المحققة و إتلاف الاستطاعة الثابتة.

و لكن ظاهر السيد- في العروة- حصول الاستطاعة على كلا التقديرين حيث قال: لو اوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصى خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنه ليس له الرد- حينئذ- فإنه يظهر منه وجوب القبول على تقدير اعتباره و عدم جواز الرد

على تقدير عدم اعتباره.

و الظاهر عدم حصول الاستطاعة مطلقا اما على تقدير كون الوصية المذكورة عقدا فلما عرفت من عدم لزوم تحصيل الاستطاعة و اى فرق بين قبول الوصية و بين قبول الهبة حيث لا يجب قبولها الموجب للاستطاعة، و اما على تقدير كونها إيقاعا فلان الظاهر ان الرد يكشف عن عدم ثبوت الملكية من أول الأمر و ليس ذلك مثل إتلاف الاستطاعة المحققة غير الجائز على ما عرفت بل هو كاشف عن عدم كونه مستطيعا من الأول نعم لو قلنا بتأثير الرد في زوال الملكية من حين الرد لكان ذلك مثل الإتلاف المذكور و عليه فلا يجوز له الرد- حينئذ- و التحقيق في محله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 167

[مسألة 29- لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبد اللّٰه الحسين- عليه السلام- مثلا في كل عرفة فاستطاع]

مسألة 29- لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبد اللّٰه الحسين- عليه السلام- مثلا في كل عرفة فاستطاع يجب عليه الحج بلا اشكال و كذا الحال لو نذر أو عاهد- مثلا- بما يضاد الحج، و لو زاحم الحج واجب أو استلزمه فعل حرام يلاحظ الأهم عند الشارع الأقدس (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرض لنظير المسألة في كلمات الشهيدين و في محكي كتاب المدارك و الذخيرة و المستند و في كلام صاحب الجواهر- قده- و هو ما لو نذر حجا مقيدا بكونه غير حجة الإسلام و بكونه في هذه السنة- مثلا- ثم استطاع بعد النذر في تلك السنة و حكموا بتقديم النذر على حجة الإسلام.

و لها نظائر كثيرة مثل ما ذكره السيد- قده- في العروة من نذر إعطاء الفقير كذا مقدارا فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه و نذر مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية

أو نحو ذلك قبل حصول الاستطاعة.

و مثل ما لو نذر ان يصلى صلاة الليالي العشر الأول من ذي الحجة في مسجد محلته أو بلده و غيرها من الأمثلة الكثيرة التي يجمعها المضادة للحج و عدم إمكان الجمع بين الحج و بينها.

و الظاهر منهم تقدم الإجارة على الحج فيما إذا استؤجر على الحج في هذه السنة ثم استطاع و ان حكى عن بعض الأعاظم الفرق بين الإجارة و النذر و لعله يأتي التعرض لهذه الجهة.

و كيف كان فهذه المسألة من المسائل التي لها أهمية خاصة من ناحية العمل و الابتلاء و من ناحية البحث و الجهة العلمية اما من الجهة الاولى فلان القول بتقديم النذر كما اختاره السيد في العروة تبعا للفقهاء الذين أشرنا إليهم يوجب انفتاح طريق الفرار من الحج الى آخر العمر إذا نذر الزيارة- مثلا- في كل عرفة لمنع النذر المذكور بناء عليه عن وجوب الحج و اما من الناحية العلمية فلابتنائها على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 168

..........

______________________________

جهات مختلفة كما سيجي ء إن شاء اللّٰه تعالى.

إذا عرفت ذلك فنقول قد استدل للقول بتقديم النذر فيما إذا كان قبل حصول الاستطاعة بأمور:

أحدها: ما هو المذكور في أكثر كلماتهم من ان المانع الشرعي كالمانع العقلي و مرجعه إلى انه يعتبر في الاستطاعة زائدا على الأمور المذكورة من ان يكون عنده ما يحج به مضافا الى صحة البدن و تخلية السرب القدرة الشرعية و هي ان لا يكون الحج مزاحما لواجب آخر و مع تحقق المزاحمة ترتفع الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و ربما يستدل على اعتبارها بصحيحة الحلبي: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و

ليس له شغل يعذره اللّٰه تعالى فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» نظرا الى ظهورها في ان مطلق العذر رافع للفرض و لا ريب في ان الوفاء بالنذر عذر فيكون رافعا للفرض.

و أجيب عنه بأن الرواية لم تبين الصغرى و انما تعرضت لترك الحج بلا عذر و اما كون الشي ء الخاص عذرا فلا بد من إثباته من الخارج كما ثبت العذر في موارد الحرج و الضرر الزائدين على ما يقتضيه الحج و لم يثبت كون الوفاء بالنذر عذرا ثم انه ذكر بعض الاعلام انه لو قلنا باعتبار القدرة الشرعية أيضا كما هو المشهور لا مجال للحكم بتقديم النذر عليه و ملخص ما أفاده في وجهه من كلامه الطويل مع تقريب منا ان الوفاء بالنذر ليس واجبا ابتدائيا نظير الصلاة و الصوم و نحوهما من الواجبات الإلهية بل هو واجب إمضائي بمعنى ان وجوبه إلزام من اللّٰه تعالى بما التزم المكلف به على نفسه كالعقود فالحكم بوجوب الوفاء بالنذور و العقود نشأ من التزام المكلف على نفسه شيئا و اللّٰه تعالى الزمه بهذا الإلزام و عليه فلا بد من ملاحظة ما التزمه الناذر على نفسه بمقتضى صيغة النذر مثل للّٰه علىّ ان أفعل كذا و من الواضح

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 169

..........

______________________________

ان العمل الملتزم به لا بد و ان يكون بمقتضى كلمة اللام قابلا للإضافة الى اللّٰه و مرتبطا به و من هنا اعتبروا الرجحان في متعلق النذر لعدم كون غير الراجح حتى المباح قابلا للإضافة و الارتباط اليه و لا يكفى مجرد الرجحان في نفسه و

هو الرجحان الملحوظ بالإضافة إلى الترك بمعنى كون المقايسة بين الفعل و الترك من دون ملاحظة الأمور الأخر بل لا بد من ملاحظة سائر الملازمات و المستلزمات كان لا يكون العمل مستلزما لترك واجب أو إتيان محرم و الا فلا يكون قابلا للإضافة إليه سبحانه و ان كان في نفسه راجحا فزيارة الحسين- عليه السّلام- يوم عرفة و ان كانت في كمال الرجحان في نفسها الا انها إذا كانت ملازمة لترك واجب كالحج لا يمكن إضافتها الى اللّٰه سبحانه فان نذرها- حينئذ- يرجع الى نذر ترك الحج نظير قراءة القرآن من أول طلوع الفجر الى ما بعد طلوع الشمس بحيث تفوت عنه فريضة الصبح و عليه فلا بد ان يكون ما التزم به قابلا للاستناد الى اللّٰه تعالى و الا فلا ينعقد النذر و ينحل كما إذا نذر صوم يوم الذي يجي ء مسافرة فصادف يوم العيد حيث انه لا ريب في انحلال النذر في أمثال هذه الموارد و لازم ذلك عدم كون المقام من باب التزاحم الذي يكون مورده الواجبين الفعليين اللذين يشمل كل منهما على ملاك ملزم غاية الأمر عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال لان هذا انما يختص بما إذا كان الواجب ابتدائيا أصليا كالصلاة و الإزالة و اما إذا كان الواجب واجبا إمضائيا فلا يجرى فيه الترتب لان ما التزم به المكلف انما هو مطلق مستلزم لترك الحج و هذا غير قابل للإمضاء.

و اما المشروط يعنى المقيد بترك الحج فلم ينشأه و لم يلتزم به فما هو قابل للإمضاء و لم يلتزمه و لم ينشأه و ما التزم به غير قابل للإمضاء.

و المناقشة في أصل الكلام بان لازمة عدم

انعقاد النذر فيما إذا تعلق بما يستلزم تفويت ما هو أهم كما إذا نذر ان يصلى في مسجد محلته لانه يستلزم تفويت الصلاة في المسجد الجامع أو الحرم الشريف مدفوعة بأن الملاك في صحة انعقاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 170

..........

______________________________

النذر ان يكون الفعل المنذور قابلا للإضافة إليه تعالى و المستحب المستلزم لترك مستحب آخر أهم صالح للإضافة إليه تعالى نعم لو نذر ترك الراجح لا ينعقد النذر كما إذا نذر ترك زيارة الحسين عليه السّلام.

و يرد عليه مضافا الى وجود التهافت في كلامه فإنه يستفاد من صدر كلامه ان الخصوصية الموجودة في النذر و مثله من الواجبات الإمضائية هي كون ما التزم به المكلف على نفسه محدودا من أول الأمر ففي النذر يكون الملتزم به هو الفعل الذي يكون قابلا للإضافة الى اللّٰه تعالى زائدا على الرجحان المتحقق به و الإلزام تابع للالتزام فما التزم به من الأمر المحدود و الموصوف بالأمرين يكون مقتضى وجوب الوفاء بالنذر تعلق الإلزام من ناحية الشارع به و ظاهر كلامه في الأثناء و الأخر ان المحدودية الموجودة في النذر هي عدم كون فعل كل راجح قابلا للإمضاء و صالحا لتعلق الإلزام الشرعي به فبين الكلامين تهافت.

انه ان قلنا بعدم اعتبار القدرة الشرعية في وجوب الحج زائدة على الزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب فلا إشكال في عدم كون المنذور المستلزم لترك الحج قابلا للإضافة إليه تعالى كما في مثال نذر قراءة القرآن المستلزمة لترك فريضة الصلاة في وقتها فان قراءة القرآن مع هذا الوصف لا تكون قابلة للإضافة إليه بوجه أصلا.

و اما ان قلنا باعتبار القدرة الشرعية في وجوب

الحج كما هو العمدة في مفروض البحث في كلامه فكون المنذور المستلزم لترك الحج مع هذا الوصف و هو اعتبار القدرة الشرعية المنتفية مع فرض وجوب الوفاء بالنذر غير قابل للإضافة اليه أول الكلام لان عدم قابليته للإضافة اليه انما هو على تقدير تقدم الحج و رجحانه على النذر و من الواضح انه أول البحث و النزاع و من هنا يعلم الفرق بين الحج و بين الصلاة التي لا يشترط في وجوبها الا الوقت و المفروض دخوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 171

..........

______________________________

في مثال نذر قراءة القرآن فإنك عرفت ان القراءة المذكورة لا تكون قابلة للإضافة و اما الحج فلا دليل على عدم القابلية بعدم عدم قيام الدليل على التقدم فما افاده غير تام.

نعم سلك شيخه و أستاذه المحقق النائيني- قده- في مباحثه الأصولية في باب التزاحم على ما في تقريرات بحثه مسلكا آخر لعدم ثبوت مجال للنذر مع الاستطاعة و وجوب الحج لو أغمض النظر عن المناقشة في بعض مقدماته يكون مسلكا تامّا.

و ملخصه انه و ان كان النذر مشروطا بالقدرة الشرعية و الحج أيضا كذلك و لازم ذلك هو الحكم بتقدم ما كان زمان امتثاله متقدما و في فرض الاتحاد ما كان زمان خطابه كذلك الا ان النذر مشتمل على خصوصية توجب تأخره لأنه يعتبر فيه ان لا يكون موجبا لتحليل حرام أو تحريم حلال سواء كان نفس متعلقه حراما كما إذا نذر ما يحرم فعله لو لا النذر أو كان ملازما لذلك كما إذا نذر ما يوجب تفويت واجب لو لا النذر كما في المقام فان مقتضى القاعدة انحلال النذر و تعيين الحج عليه و ان

تقدم خطاب الوفاء بالنذر و كان كل من النذر و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و السر فيه هو ان النذر في المقام يوجب تفويت الحج الواجب لو لا النذر و تفويت الواجب كذلك يوجب انحلال النذر فانحلال النذر في مثل هذا ليس لمكان اعتبار الرجحان في متعلقه حال الفعل حتى يستشكل بأنه يكفي الرجحان حال النذر و زيارة الحسين عليه السّلام يوم عرفة كانت راجحة في حال النذر لعدم تحقق الاستطاعة بعد فلا موجب لانحلاله و لعله لذلك حكى انه كان عمل صاحب الجواهر (قده) على ذلك حيث انه كان ينذر قبل أشهر الحج زيارة الحسين عليه السّلام يوم عرفة لئلا يتوجه عليه خطاب الحج في أشهره بل لان انحلال النذر انما هو لمكان استلزامه تفويت واجب بالنذر.

و هذا الكلام و ان كان يمكن المناقشة فيه اما من جهة ورود الدليل الدال على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 172

..........

______________________________

اعتبار عدم كونه موجبا لتحليل حرام أو تحريم حلال في اليمين دون النذر و إلغاء الخصوصية غير معلوم خصوصا مع اختلافهما في بعض الأمور كعدم اعتبار الرجحان في متعلق اليمين دون النذر.

و امّا من جهة عدم ظهور التعبير فيما يشمل الاستلزام و احتمال الاختصاص بما إذا كان نفس المتعلق حراما دون ما إذا استلزم ذلك كما في المقام.

و امّا من جهة عدم كون ترك الواجب حراما لعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده العام أيضا فترك الواجب ليس بحرام كما ان ترك الحرام ليس بواجب.

الا انه بعد الإغماض عن المناقشات المذكورة يكون أصل الكلام تامّا لوضوح ان المراد من الحرام و الحلال اللذين لا بد ان لا يكون النذر موجبا

لخلافهما هو الحرام و الحلال مع قطع النظر عن النذر لا الحلال و الحرام حتى مع وصف تعلق النذر كما هو ظاهر و من المعلوم ان ترك الحج مع قطع النظر عن النذر يكون محرما لفرض الاستطاعة.

ثانيها ما أفاده في المستمسك فإنه بعد ان ذكر ان الأخذ بأحد الحكمين في المقام يكون رافعا لموضوع الآخر و ان المقام لا يكون من باب المتزاحمين الواجد كل منهما لملاكه و يكون تزاحمهما في مقام الامتثال بل من قبيل المتواردين اللذين يكون كل منهما رافعا لملاك الآخر و الترجيح بالأهم لا يتحقق فيه بل يتعين فيه الرجوع الى منشأ آخر للترجيح قال: «و لا ينبغي التأمل في ان الجمع العرفي يقتضي الأخذ بالسابق دون اللاحق تنزيلا للعلل الشرعية منزلة العلل العقلية فكما ان العلل العقلية يكون السابق منهما رافعا للاحق كذلك العلل الشرعية فيلغى احتمال كون اللاحق رافعا لموضوع السابق و ان كان احتمالا معقولا في العلل الشرعية لكنه لا يعتنى به في مقام الجمع بين الدليلين».

و يرد عليه أولا منع ما ذكره من عدم تحقق الاستطاعة مع قطع النظر عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 173

..........

______________________________

وجوب الحج لأنها عبارة عن الأمور المعروفة و القدرة الشرعية لا تعتبر فيها بوجه فلا يكون وجوب الوفاء بالنذر رافعا لموضوع الاستطاعة أصلا.

و ثانيا ان تنزيل العلل الشرعية منزلة العلل العقلية فاقد للدليل بعد كون الحكم في العلل العقلية مستندا الى العقل و دعوى ان الحاكم بالجمع بين الدليلين بالنحو المذكور انما هو العرف مدفوعة بعدم ثبوت حكم العرف بذلك كما لا يخفى.

ثالثها ثبوت التزاحم بين الحكمين و كون النذر أهم من الحج فهو ينحل الى

دعويين:

إحديهما مسألة التزاحم و كون المقام من باب المتزاحمين و قد صرح بذلك بعض الأعاظم في شرحه على العروة و مستنده ان كلا من الحج و النذر فيما نحن فيه واجب لتمامية موضوعه اما الحج فلعدم كون موضوع الحج على ما يستفاد من الاخبار الواردة في تفسير الاستطاعة الواقعة في الآية الا الزاد و الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب و كذلك سعة الوقت بحكم العقل و الفرض تحقق جميع هذه الشرائط في مفروض البحث و لم يشترط في وجوب الحج عدم مزاحمته لواجب آخر و عليه فالحج بعد تحقق جميع شرائطه واجب و لو كان مزاحما لواجب آخر.

و اما النذر فلانه لا يشترط في انعقاده الا رجحان متعلقه و المراد به هو الرجحان بالإضافة إلى الترك لا بالنسبة الى جميع الأضداد المتصورة له و من المعلوم تحققه في المقام و لم يدل دليل تعبدي على كون عدم الاستطاعة أو عدم تقدمها من شرائط انعقاده فلا مجال لإنكار انعقاد النذر.

ثانيتهما دعوى تقدم النذر على الحج و الوجه فيها ثبوت العقاب و الكفارة معا في مخالفة النذر بخلاف ترك الحج لثبوت العقاب فقط في تركه، و يمكن ان يقال في خصوص نذر زيارة عرفة بأنه أهم من الحج لما ورد من ان اللّٰه تعالى ينظر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 174

..........

______________________________

الى زوار الحسين عليه السّلام في يوم عرفة قبل ان ينظر الى الحجاج.

و يرد على استفادة الأهمية من ثبوت الكفارة منعها فان عدم ثبوت الكفارة قد يكون لأجل عظم المعصية و شدتها كما في مسألة تكرار الصيد في باب الإحرام حيث انه لا كفارة فيه و مع ذلك يقول

اللّٰه تعالى وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ فان مرجعه الى ان العود لا يصلح ان يخفف بالكفارة بل يترتب عليه انتقام اللّٰه تبارك و تعالى.

و على ما ورد في باب زيارة عرفة من كثرة الثواب ان كثرته لا تدل على الأهمية فرب مستحب يكون أكثر ثوابا من الواجب مع انه لا مجال لدعوى أهمية المستحب بالإضافة إلى الواجب كما في السلام و رده حيث ان الأول مستحب و ثوابه أكثر و الثاني واجب و ثوابه أقل.

ثم انه قد ظهر لك من جميع ما ذكرنا عدم تمامية شي ء من الأدلة الثلاثة للقائلين بتقدم النذر على الحج كما انه ظهر لك أدلة القائلين بتقدم الحج و ان ما افاده بعض الاعلام في هذا المجال غير تام و ما افاده المحقق النائيني- قده- مع قطع النظر عن بعض المناقشات قابل للاستدلال و لكن العمدة هو السلوك من طريق التزاحم بضميمة دعوى تقدم الحج على النذر لما يستفاد من الكتاب و السنة مما يدل على أهميته بالإضافة إلى النذر لارتباط تركه مع الكفر و كونه مما بنى عليه الإسلام و انه يوصف تاركه بأنه يموت يهوديا أو نصرانيا و غير ذلك من التعبيرات الواردة في الحج الدالة على أهميته.

و الظاهر ان الحكم في المتن بأنه يجب عليه الحج بلا إشكال انما يكون مستندا الى هذا الوجه كما يدل عليه ذيل العبارة و هو قوله و لو زاحم الحج واجب و التعبير بالواجب بالنحو العام انما هو لعدم اختصاص الحكم بالنذر ففي الحقيقة يكون الذيل راجعا الى فرض كون الاستطاعة متقدمة على النذر أو غيره من الواجبات و انه لا بد من ملاحظة ما هو الا هم عند الشارع

الأقدس و من الواضح عدم كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 175

[مسألة 30- لو لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: حج و على نفقتك و نفقة عيالك]

مسألة 30- لو لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: حج و على نفقتك و نفقة عيالك، أو قال: حج بهذا المال و كان كافيا لذهابه و إيابه و لعياله وجب عليه من غير فرق بين تمليكه للحج أو إباحته له، و لا بين بذل العين أو الثمن: و لا بين وجوب البذل و عدمه، و لا بين كون الباذل واحدا أو متعددا نعم يعتبر الوثوق بعدم رجوع الباذل، و لو كان عنده بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا، و لو لم يبذل تمام النفقة أو نفقة عياله لم يجب، و لا يمنع الدين من وجوبه. و لو كان حالا و الدائن مطالبا و هو متمكن من أدائه لو لم يحج ففي كونه مانعا وجهان، و لا يشترط الرجوع الى الكفاية فيه، نعم يعتبر ان لا يكون الحج موجبا لاختلال أمور معاشه فيما يأتي لأجل غيبته (1)

______________________________

النذر أهم و مع ذلك لا يكون المتن خاليا عن الخلل لفرض النذر قبل الاستطاعة في أول الكلام و عدم التعرض لخصوص الاستطاعة قبل النذر و على اىّ فالظاهر ان المتن ناظر الى باب التزاحم و تقدم الحج و في الختام يرد اشكال على السيد- قده- في العروة حيث انه بعد الحكم بتقدم النذر على الحج فيما كان النذر قبل حصول الاستطاعة حكم بتقدم الحج فيما لو كان النذر بعد حصول الاستطاعة لأجل التزاحم مع انه لا فرق في التزاحم بين الفرضين كما انه لا فرق في كون العذر الشرعي كالعذر العقلي بين الصورتين فان العذر الشرعي

الذي وجد في البقاء يكون عذرا مانعا عن وجوب الحج فدليل الفرض الأول يجري في الفرض الثاني و بالعكس فلا مجال للتفصيل المذكور أصلا.

(1) قد حكى الإجماع على وجوب الحج بالبذل في جملة من الكتب الفقهية و لم ينقل من أحد الخلاف في أصل المسألة و البحث تارة من جهة مفاد الآية في نفسها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها و اخرى مع ملاحظة الروايات المفسرة و ثالثة من جهة الروايات الخاصة الواردة في المسألة فنقول:

اما من الجهة الأولى فقد ذكرنا سابقا ان المراد من الاستطاعة الواردة في الآية هي الاستطاعة العرفية لأنها تكون كسائر العناوين المأخوذة في موضوعات أدلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 176

..........

______________________________

الأحكام فكما ان المرجع في تشخيص الدم في قوله كل دم نجس هو العرف و لا يعتد بالبرهان العقلي القائم على ان اللون الضعيف الباقي في الثوب بعد غسله كاملا هو الدم لعدم كونه عند العرف كذلك، كذلك الاستطاعة الواقعة في الآية فإن الحاكم في تشخيصها هو العرف و من الواضح حكم العرف بثبوت القدرة عند البذل خصوصا إذا قيل له حج بهذا المال و كان كافيا للحج و لنفقة عياله فالاية بنفسها تدل على الوجوب بالبذل كما لا يخفى.

و اما من الجهة الثانية فقد سبق انه قد ورد في تفسير الآية طائفتان من الروايات إحديهما ما تكون ظاهرة في ان الاستطاعة عبارة عن ملكية الزاد و الراحلة لظهور اللام في قوله: له زاد و راحلة في الملكية.

ثانيتهما ما تكون ظاهرة في الأعم من الملكية و الإباحة مثل قوله- عنده ما يحج أو يجد ما يحج به أو قدر الرجل على ما

يحج به و مثله من التعبيرات.

و مر أيضا ان بعض الاعلام حكم بأنه لا موجب لحمل المطلق على المقيد و تقييد إطلاق ما يحج به بالملكية لعدم التنافي بين حصول الاستطاعة بالملكية و حصولها بالإباحة و البذل و انما يحمل المطلق على المقيد فيما إذا كان بينهما التنافي كما إذا ورد في متعلقات الاحكام بعد إحراز وحدة المطلوب و تقدم أيضا الجواب عنه بان ورود الطائفتين في تفسير الآية الشريفة و تبيين المراد من الاستطاعة الواردة فيها يوجب تحقق المنافاة بينهما و بعبارة أخرى بعد كون الطائفتين واردتين لا في مقام بيان المصداق للاستطاعة بل في مقام بيان مفهومها الواقع في الآية لا مجال للحكم بعدم تحقق المنافاة بينهما أصلا.

كما انه قد تقدم أيضا ان الجمع بين الطائفتين يمكن بان تجعل الطائفة الثانية قرينة على عدم كون المراد من اللام في الطائفة الأولى هي الملكية و ان كانت ظاهرة فيها في نفسها و ان هذا الجمع هو الجمع المقبول عند العرف و العقلاء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

و يؤيده في المقام صحيحة العلاء على ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يكون له ما يحج به قلت فمن عرض عليه فاستحيى؟ قال هو ممن يستطيع. «1»

فان تفسير الاستطاعة بقوله له ما يحج به ثم الحكم بان من عرض عليه الحج مستطيع ظاهر في عدم كون المراد من اللام هي الملكية و الا لم يكن مصداقا للمستطيع الواقع في الآية المفسر في صدر الرواية.

الّا ان يقال بان

ظهور اللام في الملكية محفوظ و هو قرينة على ان المراد من الذيل هو كون العرض و البذل بنحو الملكية و لكن الظاهر هو الأول و لعله يجي ء الكلام على هذه الجهة في البحث في انه هل يختص البذل الموجب للحج بما إذا كان على نحو التمليك أو يعم صورة الإباحة أيضا.

و قد انقدح مما ذكرنا ان الآية مع ملاحظة الروايات المفسرة أيضا ظاهرة في الوجوب بالبذل و لو لم يكن على نحو التمليك.

و اما من الجهة الثالثة فالعمدة في مقام الاستدلال خصوص صحيحة العلاء المروية في كتاب التوحيد المتقدمة في الجهة الثانية لأنها تامة من حيث السند و الدلالة اما من الجهة الأولى فلكونها صحيحة و اما من جهة الدلالة فلظهورها في كون من عرض عليه الحج من مصاديق المستطيع الواقع في الآية المفسر في صدر الرواية بمن يكون له ما يحج به و من الواضح عدم الشمول لما يكون عرض الحج بنحو يوجب وقوعه في الحرج و المشقة و الضيق بل بنحو تكون الاستطاعة الملكية موجبة للحج لعدم الفرق بين الاستطاعتين من هذه الجهة و كون العنوان الجامع هو له ما يحج به فدلالة الرواية خالية عن المناقشة نعم هنا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 178

..........

______________________________

بعض الروايات التي استدل بها أيضا و لكنها غير واضحة مثل صحيحة محمد بن المسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام فان عرض عليه الحج فاستحيى قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا

فليفعل «1» فإنه يحتمل فيها أمران: أحدهما: ان يكون بصدد التوبيخ على الاستحياء في جميع فروض عرض الحج و لو على حمار أجدع أبتر و مقتضاها- حينئذ- كون الاستطاعة البذلية أوسع من الاستطاعة الملكية لاختصاص الثانية بصورة عدم الحرج و كونها موافقة للشئون و الشرف و شمول الاستطاعة البذلية لمثل عرض الحج و لو على حمار أجدع أبتر و من الواضح استلزامه للحرج و مخالفة الشأن في كثير من الموارد.

ثانيهما: ان يكون بصدد التوبيخ على الاستحياء فيما يوجب عرض الحج لزومه و وجوبه و هو فيما إذا كان غير حرجي و موافقا لشأنه و شرفه و انه إذا ترك الحج في هذه الصورة لمجرد الاستحياء يجب عليه الحج بعده و لو على حمار أجدع أبتر و مقتضاها- حينئذ- لزوم الحج عليه و لو بنحو التسكع كما في الاستطاعة الملكية إذا ترك الحج فزالت الاستطاعة فإنه يجب عليه الحج متسكعا و يجرى هذان الاحتمالان في قوله فان كان يستطيع ان يمشى .. أيضا و اما احتمال ان يكون التوبيخ على الاستحياء حكما اخلاقيا لا فقهيا ففي غاية البعد و لا ينبغي الاعتناء به أصلا.

و يؤيد الاحتمال الأول رواية أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «2» و يؤيد الاحتمال الثاني رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه الا ان يخرج و لو

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب

العاشر ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

على حمار أجدع أبتر. «1»

هذا و لكنك عرفت ان صحيحة العلاء كافية في إثبات الحكم مضافا الى كونها موافقة للفتوى و لا حاجة الى الروايات الأخر التي تجري فيها المناقشة و دعوى انه لا مانع من قيام الدليل على ثبوت حكم حرجي في مورد خاص كما قام على وجوب الحج بنحو التسكع مع ترك الحج في مورد الاستطاعة الملكية و زوالها مدفوعة- مضافا الى كونها مخالفة للفتوى في المقام لعدم ذهاب أحد إلى الوجوب في مورد عرض الحج إذا كان على حمار أجدع أبتر- بأن الوجوب في مورد التسكع ناش عن المكلف نفسه باعتبار ترك الحج و عصيان وجوبه مع وجود جميع الشرائط و في المقام لا مدخلية لإرادة المكلف فيه أصلا كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه يقع الكلام بعد الفراغ عن أصل الحكم و ثبوته في الجملة في جهات:

الجهة الاولى في انه هل يختص الحكم بوجوب الحج بسبب الاستطاعة البذلية بما إذا كان البذل بنحو التمليك أو يعم ما إذا كان بنحو الإباحة أيضا نسب الأول إلى الحلي في السرائر فإنه بعد الحكم بأنه يعتبر في البذل نفقة العائلة أيضا و انه مع عدم بذل النفقة يصح فيمن لا تجب عليه نفقة غيره قال: بشرط ان يملكه ما يبذله و يعرض عليه لا وعد بالقول دون الفعال. و ظاهره بملاحظة التعبير بالتمليك هو اعتبار كون البذل بهذا النحو و لكن عطف قوله و يعرض عليه و نفى الوعد بالقول دون الفعال يظهر منه انه ليس مراده التمليك في مقابل الإباحة بل البذل العملي الموجب للوثوق في مقابل القول

الخالي عن الوثوق نوعا ففي الحقيقة يرجع كلامه الى اعتبار الوثوق و سيجي ء البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فيمكن ان يستدل لهذا القول و ان لم يكن الحلّي قائلا به بصحيحة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

العلاء بن رزين المتقدمة التي هي الأصل في الحكم من جهة الرواية نظرا الى الجوابين المذكورين فيها فان الجواب عن سؤال المراد من الاستطاعة بقوله: له ما يحج به إذا انضم الى الجواب عن سؤال من عرض عليه الحج بقوله هو ممن يستطيع يظهر منه ان المراد من عرض الحج هو العرض بنحو التمليك لظهور اللام في الملكية.

و لكن قد عرفت ان الجمع بين الجوابين يقتضي أن يجعل الجواب الثاني قرينة على عدم كون المراد من اللام الملكية خصوصا مع ظهور كثير من الروايات الواردة في عرض الحج هو كون العرض بنحو الإباحة و لذا ربما يقال بان القدر المتيقن من الاخبار الواردة في هذا المجال هو كون العرض بنحو الإباحة فدعوى الاختصاص بالبذل بنحو التمليك واضحة البطلان.

ثم انهم بعد الحكم بوجوب الحج بالاستطاعة البذلية الشاملة للبذل التمليكي قطعا تعرضوا لمسألة اخرى و هي ما إذا وهبه ما يكفيه للحج و حكموا فيها بعدم وجوب القبول بنحو الإطلاق كما عن الشرائع أو بالتفصيل بين ما إذا وهبه لان يحج أو وهبه و خيره بين ان يحج به أو لا و بين ما إذا وهبه و لم يذكر الحج أصلا بالحكم بوجوب القبول في الأولين دون الأخير أو بوجوب القبول في خصوص الصورة الاولى و كيف كان فمسألة الهبة اختلافية مع

ان مسألة البذل وفاقية و- ح- يقع الكلام في الفرق بين الهبة المفيدة للملكية التي لا يجب قبولها مطلقا أو في الجملة و بين البذل التمليكي الذي يظهر منهم الاتفاق على وجوب القبول فيه و المستفاد من بعض الكلمات ان الفرق هو كون البذل من الإيقاعات و لا يعتبر فيه القبول و الهبة من العقود المفتقرة إلى القبول و لكن يرد عليه ان البذل التمليكي الإيقاعي مما لا نجد له في الفقه عينا و لا أثرا فإن البذل بنحو الإباحة كما في إطعام الضيف و غيره شائع و اما البذل بنحو التمليك فمما لم يعرف بوجه و سيجي ء التحقيق في مسألة الهبة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثانية في انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان هناك بذل عين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

الزاد و الراحلة أو يعم صورة بذل الثمن أيضا؟ اشترط الشهيد الثاني في محكي المسالك بذل العين قال: «نعم يشترط بذل عن الزاد و الراحلة فلو بذل له أثمانهما لم يجب عليه القبول» و استظهر ذلك من عبارة التذكرة أيضا معللا ذلك بثبوت المنة في بذل الثمن.

هذا و الظاهر ان العنوان المأخوذ في الدليل و هو عرض الحج يعم صورة بذل الثمن أيضا فكما ان الاستطاعة المالية لا تتوقف على ملكية عين الزاد و الراحلة كما عرفت بل تعم ملكية أثمانهما إذا أمكن الصرف فيهما كذلك الاستطاعة البذلية و ظاهر صحيحة العلاء المتقدمة عدم كون الحكم بالوجوب في الاستطاعة البذلية ثابتا على خلاف القاعدة حتى يقال بالاقتصار على القدر المتيقن و هو ما إذا كان هناك بذل عين الزاد و الراحلة فإن ثبوته فيها

في رديف ثبوته بالاستطاعة المالية من دون فرق كما يظهر من قوله- ع- هو ممن يستطيع، و اما التعليل بالمنة كما في كلام التذكرة فغير ظاهر لان التفكيك بين البذلين من هذه الجهة مما لم يعلم وجهه.

الجهة الثالثة في انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان البذل واجبا على الباذل بنذر أو شبهه أو يعم ما إذا لم يكن البذل واجبا بل مستحبا أو مباحا؟ حكى الأول عن العلامة في التذكرة حيث قال: «و ان قلنا بعدم وجوبه- اى البذل- ففي إيجاب الحج اشكال أقربه العدم لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب» و حكى ذلك عن جامع المقاصد أيضا.

هذا و الظاهر ان مقتضى إطلاق الأدلة هو الثاني لأن عرض الحج أعم و دعوى الاختصاص بصورة الوجوب ممنوعة خصوصا مع ملاحظة كون العرض الواجب نادرا بالإضافة إلى البذل غير الواجب.

و التعليل المذكور في كلام العلامة بظاهره مما يقطع بخلافه فإن الوجوب في الاستطاعة المالية من تعليق الواجب بغير الواجب ضرورة عدم لزوم تحصيل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

الاستطاعة فضلا عن مثل وجوب الإتمام عند قصد الإقامة و وجوب القصر عند السفر و كل واجب مشروط بفعل المكلف لعدم كون شرط الوجوب واجبا على ما قرر في مبحث مقدمة الواجب من مباحث الأصول.

هذا و يحتمل ان يكون مراد العلامة- قده- من الوجوب هو الوثوق و ذكر الوجوب انما هو باعتبار انّه أحد طرق تحقق الوثوق فيرجع الى الجهة الآتية.

الجهة الرابعة انه لا فرق بين كون الباذل واحدا أو متعددا و الوجه فيه إطلاق الدليل لان عرض الحج يشمل ما إذا كان العارض واحدا أو متعددا هذا و يدل

على صورة التعدد رواية معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله- ع- فان كان دعاه قوم ان يحجوه .. فان ظاهره كون الداعي متعددا فلا فرق بين الصورتين.

الجهة الخامسة انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان هناك وثوق و اطمينان بعدم رجوع الباذل و وفائه به صريح المتن الاعتبار و قد سبقه صاحب المدارك حيث قال في محكيه: «نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم و المشقة الزائدة فكان منفيا.

أقول لا إشكال في ثبوت الحكم بالوجوب فيما إذا كان هناك وثوق و طمأنينة كما انه لا إشكال في عدم ثبوت الحكم المذكور إذا كان هناك وثوق بالرجوع و عدم الوفاء لانه يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة العلم و حيث انه يعتبر في الاستطاعة مطلقا البقاء فالعلم أو الوثوق بعدمه يمنع عن تحقق الوجوب و ثبوته.

إنما الإشكال في صورة الشك فان كان فيها خوف على النفس كما أشير إليه في عبارة المدارك فلا شبهة في عدم وجوب الحج لكون السفر حراما فلا يكون مستطيعا بحسب الواقع و ان لم يكن فيها خوف على النفس فلا إشكال في الاستطاعة المالية في الوجوب نظرا الى جريان استصحاب البقاء كما مر سابقا و اما في الاستطاعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 183

..........

______________________________

البذلية فقد ذكر بعض الأعاظم- بعد الحكم بان الموضوع لوجوب الحج في المقام ليس هو قول الباذل و تعبيره بأنه حجّ و علىّ نفقتك بل الموضوع هو البذل الفعلي حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط فالموضوع هو البذل المستمر الى آخر الاعمال

و الى ان يرجع الى وطنه- انه مع الشك في البقاء لا يمكن إثبات الوجوب بالإطلاقات لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

أقول هذا انما يتم لو لم يجر الأصل في الشبهة الموضوعية و الا فمع جريان الأصل الحاكم بالبقاء يحرز تحقق عنوان العام فاستصحاب العالمية في زيد مع الشك فيها و وجود الحالة السابقة يحكم بأنه عالم فيترتب عليه حكم العام و وجوب الإكرام و كذا المقام.

و بالجملة لم يعرف وجه للفرق بين الحكم بجريان الاستصحاب في الاستطاعة المالية مع الشك في البقاء و عدم جريانه في الاستطاعة البذلية هذا لو قلنا باعتبار الوثوق بالإضافة إلى الحكم الظاهري و هو ثبوت الوجوب ظاهرا و اما بالإضافة إلى الحكم الواقعي فيدل على عدمه إطلاق النصوص المتقدمة الحاكم بثبوت الوجوب بمجرد البذل من دون ان تكون الوثاقة دخيلة فيه أصلا كما لا يخفى.

الجهة السادسة الظاهر انه يعتبر في الاستطاعة البذلية أيضا نفقة العود لعين ما ذكر في الاستطاعة المالية من الوجه و قد عرفت ان الوجه فيها اما الاستفادة العرفية من نفس الاستطاعة إلى السفر فان المتفاهم منها عندهم وجود نفقة الذهاب أيضا كنفقة الإياب فإن عرض الحج المفروض في روايات البذل معناه بذل نفقة السفر اليه المشتمل على الأمرين و اما لزوم الحرج المنفي في كلتا الصورتين نعم قد عرفت اختصاص اعتبار هذه النفقة بمن يريد الرجوع الى وطنه أو مثله و اما من كان مراده البقاء في مكة فلا تعتبر نفقة العود بالإضافة إليه أصلا.

الجهة السابعة إذا كان المبذول بعض النفقة و كان بعضها موجودا عنده بحيث كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

المجموع كافيا للحج فالمذكور

في كلمات جماعة مرسلين له إرسال المسلمات من دون تعرض لخلاف أو إشكال هو وجوب الحج فالاستطاعة المركبة تكون كإحدى الاستطاعتين: المالية و البذلية.

و قد استدل له في المدارك و الجواهر بالأولوية بالإضافة إلى الاستطاعة البذلية الكاملة و لكن الظاهر انه لا مجال لدعويها بعد عدم الإحاطة بملاكات الاحكام و ربما يستدل له بان ثبوت الحكم في الاستطاعتين يدل على ثبوته الجامع بين الأمرين.

و أورد عليه بأنه لم يثبت وجود الجامع مع التبعيض كما يتضح بملاحظة النظائر فإن ثبوت حكم لكر من حنطة و كر من شعير لا يدل على ثبوته لنصف كر من الحنطة و نصف كر من الشعير.

و الحق ان صحيحة العلاء التي هي الأصل في الحكم تدل على ثبوته في هذا الفرض أيضا فإن المعيار المستفاد منها هو ان يكون له ما يحج به بالمعنى الشامل للإباحة و هذا المعيار ينطبق على الاستطاعة المركبة في عرض انطباقها على الاستطاعتين بمعنى انه لا يستفاد حكم المقام من حكمهما بل بمعنى استفادة الجميع من نفس ذلك العنوان فله أنواع ثلاثة من دون ارتباط لأحدها بالآخر و عليه فمقتضى إطلاق الصحيحة وجوب الحج ببذل البقية.

الجهة الثامنة انه هل يعتبر في الاستطاعة البذلية نفقة العيال في مدة السفر ذهابا و إيابا إذا لم تكن النفقة موجودة عند المبذول له أو لم يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا كما إذا كان يعمل في كل يوم و يحصل نفقة العيال لذلك اليوم و في هذه الصورة يكون السفر الى الحج موجبا لان لا تكون له نفقة العيال فهل تعتبر- ح- في الاستطاعة البذلية أم لا؟ و الظاهر ان اعتبارها هو المشهور بل يظهر من بعض الكلمات الإجماع

عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 185

..........

______________________________

و الظاهر انه لا دلالة لشي ء من روايات البذل على اعتبار نفقة العيال فان عرض الحج لا يدل الّا على اعتبار نفقة الذهاب و الإياب و اما نفقة العيال فلا دلالة له عليه كما انه لا دلالة لدليل اعتبارها في الاستطاعة المالية على ما سيجي ء على اعتبارها في الاستطاعة البذلية كما في الرجوع الى الكفاية المعتبر فيها دونها.

فالحق ان يقال انه ان كانت النفقة واجبة على المنفق شرعا فان قلنا باعتبار القدرة الشرعية زائدة على الزاد و الراحلة و غيرهما في وجوب الحج فاللازم الحكم بعدم وجوب الحج في المقام مع عدم بذل النفقة لعدم تحقق القدرة الشرعية مع وجوب الإنفاق المتوقف على البقاء في الوطن و عدم السفر و ان لم نقل باعتبار القدرة الشرعية- كما هو الحق- فيتحقق التزاحم بين وجوب الإنفاق و وجوب الحج فان ثبت أهمية أحد الأمرين أو احتمل أهمية خصوص أحدهما فالترجيح معه و الا فالحكم هو التخيير كما في سائر موارد التزاحم.

و ان لم يكن الإنفاق واجبا عليه فتارة يكون تركه حرجيا عليه لملاحظة بعض الجهات و بعض ما يترتب على تركه من انهتاك الشأن و الحيثية و اخرى لا يكون كذلك ففي الصورة الثانية يجب الحج بلا اشكال مع عدم بذل النفقة و في الصورة الأولى الظاهر عدم الوجوب لاستلزام وجوب الحج للحرج و هو منفي كما في سائر موارد استلزام وجوبه للحرج.

الجهة التاسعة في عدم مانعية الدين من وجوب الحج بالاستطاعة البذلية و الوجه فيه ان رفع اليد من الحج و عدم قبول البذل لا يوجب التمكن من أداء الدين كما في الاستطاعة المالية حيث

يدور أمر المال بين الصرف في الحج و بين الصرف في أداء الدين و لا يمكن الجمع بين الأمرين فتتحقق مانعية الدين أو التزاحم بين الوجوبين كما مرّ البحث عنه مفصلا و اما في الاستطاعة البذلية فلا يكون في البين مال يدور امره بين الصرف في جهتين بل مال لا بد و ان يصرف في الحج فان صرف فيه و الا فلا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

للصرف في جهة أخرى فلا وجه للمانعية أو المزاحمة.

نعم يصح هذا في الاستطاعة البذلية الكاملة و اما الاستطاعة الملفقة و المركبة فبالاضافة الى المقدار الذي يكون له تتحقق المانعية أو المزاحمة لعين ما تقدم في ذلك البحث لانه لا فرق بين كون ماله بمقدار الاستطاعة أو بمقدار بعضها أصلا و من هنا يظهر ان إطلاق المتن انّ الدين لا يمنع من وجوبه في غير محله خصوصا مع التصريح قبله بأن الاستطاعة البذلية كما تتحقق ببذل تمام النفقة كذلك تتحقق ببذل البعض مع وجود البعض الأخر.

بقي الكلام في هذه الجهة فيما أفاده بصورة الاستدراك و الاستثناء و انه لو كان الدين حالا و الدائن مطالبا و هو يتمكن من أدائه لو لم يحج ففي كونه مانعا وجهان:

وجه عدم كونه مانعا إطلاق النصوص و الفتاوى اما إطلاق النصوص فلعدم التعرض فيها للدين و ان المعيار في وجوب الحج بالبذل هو مجرد عرض الحج عليه و تحقق البذل من دون فرق بين ما إذا كان هناك دين و ما إذا لم يكن، و اما إطلاق الفتاوى فلتصريح كثير من الكلمات و العبارات بعدم كون الدين مانعا في الاستطاعة البذلية من دون فرق بين فروضه

و صوره.

و وجه المانعية بعد ملاحظة وجوب السعي في أداء الدين و تحصيل القدرة عليه ان الملاك في مانعية الدين في الاستطاعة المالية متحقق هنا و كذلك المزاحمة على تقديرها كما اخترناه غاية الأمران منشأ التزاحم هناك عدم التمكن من صرف المال في الأمرين الحج و أداء الدين و اما منشأ التزاحم هنا فهو عدم التمكن من صرف الوقت- مثلا- في كليهما لانه على تقدير عدم الحج يكتسب كل يوم- مثلا- و يقدر بذلك على أداء الدين و بالأخرة لا يقدر على الجمع بين الأمرين و الظاهر من الوجهين هو الوجه الأخير لما عرفت في دليله.

الجهة العاشرة في انه لا يشترط الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج بالبذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

و ان قلنا باشتراطه في الوجوب بالاستطاعة المالية و الوجه فيه عدم جريان دليل الاشتراط هناك في المقام سواء كان الدليل هي قاعدة نفى الحرج أو كان الدليل هي الرواية امّا القاعدة فعدم جريانها في المقام واضح لانه ليس هناك مال لو لم يصرفه في الحج يتمكن من صرفه في مخارجه بعد الرجوع من سفر الحج بخلاف الاستطاعة المالية التي لو لم تصرف في الحج يستعين بها على نفقته و نفقة عياله بعد العود ففي المقام لا يكون الا مجرّد الضيافة، و الاستفادة منها و عدمها سيّان فيما يتعلق بحال الشخص من جهة النفقة و عليه فلا مجال للحكم بالاشتراط بعد كون الوجه فيه هي قاعدة نفى الحرج غير الجارية في المقام.

و اما الرواية فالعمدة هي رواية أبي الربيع الشامي على نقل المفيد- قده- قال سئل أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن قول اللّٰه- عز و

جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال ما يقول الناس قال فقلت له: الزاد و الراحلة قال فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- قد سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن هذا فقال هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا فقيل له فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضها لقوت عياله. «1»

و المناقشة في السند من جهة أبي الربيع مدفوعة اما من جهة وقوعه في أسانيد تفسير على بن إبراهيم و اما من جهة فتوى المشهور على طبق روايته الجابرة للضعف و اما الدلالة فموردها هي الاستطاعة المالية و لم يقم دليل على ان كل ما اعتبر فيها يكون معتبرا في الاستطاعة البذلية أيضا خصوصا مع إطلاق نصوصها.

بقي الكلام في الصورة التي استدركها في المتن و هو انه يعتبر ان لا يكون الحج موجبا لاختلال أمور معاشه فيما يأتي لأجل غيبته و ذلك كما لو فرض ان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 188

[مسألة 31- لو وهبه ما يكفيه للحج لان يحج وجب عليه القبول على الأقوى]

مسألة 31- لو وهبه ما يكفيه للحج لان يحج وجب عليه القبول على الأقوى، و كذا لو وهبه و خيره بين ان يحج أو لا، و اما لو لم يذكر الحج بوجه فالظاهر عدم وجوبه.

و لو وقف شخص لمن يحج أو اوصى أو نذر كذلك فبذل المتصدي الشرعي وجب، و كذا لو اوصى له بما يكفيه بشرط ان بحج

فيجب بعد موته و لو أعطاه خمسا أو زكاة و شرط عليه الحج لغا الشرط و لم يجب نعم لو أعطاه من سهم سبيل اللّٰه ليحج لا يجوز صرفه في غيره و لكن لا يجب عليه القبول، و لا يكون من الاستطاعة المالية و لا البذلية، و لو استطاع بعد ذلك وجب عليه الحج. (1)

______________________________

الشخص يكون عاملا للحكومة أو غيرها بحيث لو فرض انه ان صرف الوقت في الحج يضر ذلك بحاله و يوجب ان ينعزل من عمله و هو يقتضي اختلال أمور معاشه لعدم طريق آخر له لتأمين المعاش، و كما لو فرض ان له كسبا في أيام الحج يوجب تأمين معاشه في تمام السنة و إذا صرف هذه الأيام في الحج يستلزم الإخلال بمعاشه و الوجه في الاستدراك هو استلزام وجوب الحج في هذه الصورة لتحقق الحرج و مقتضى القاعدة نفيه فلا مجال للحكم بالوجوب فيها أصلا كما لا يخفى.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:

المقام الأول فيما إذا وهبه ما يكفيه للحج و قد فرض فيه فروض ثلاثة لأنه تارة يهبه ما يكفيه للحج لان يحج و اخرى يهبه ذلك و يخيره بين ان يحج أولا و ثالثة يهبه و لا يذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا.

و الأقوال في هذه الفروض مختلفة فمقتضى إطلاق المحقق في الشرائع عدم وجوب القبول في شي ء من الفروض حيث قال بعد مسألة البذل: «و لو وهب له مال لم يجب عليه قبوله» و كذا العلامة في محكي القواعد و قد صرح بهذا الإطلاق صاحب الجواهر- قده- تبعا لصاحب المسالك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 189

..........

______________________________

و في مقابل هذا القول،

القول بوجوب قبول الهبة مطلقا و في جميع فروضه الثلاثة و هو مختار صاحبي المدارك و المستند على ما حكى عنهما.

و القول الثالث هو التفصيل بين الفروض و فيه أيضا قولان:

أحدهما ما في المتن و في العروة من الحكم بوجوب القبول في الفرضين الأولين دون الثالث و قد اختاره بعض الأعاظم في شرحه على العروة.

و ثانيهما الحكم بوجوب القبول في خصوص الفرض الأول دون الأخيرين يظهر ذلك من المستمسك و من بعض الاعلام في الشرح فالأقوال في مسألة الهبة أربعة و إذا لو حظ ذلك مع ما تقدم من كون وجوب القبول في مسألة البذل اتفاقيّا و لم ينقل الخلاف فيه من أحد يظهر انه ان كان البذل بنحو الإباحة يكون الفرق بين المسألتين واضحا لأن الهبة عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول و يؤثر في حصول الملكية و البذل إيقاع يؤثر في الإباحة.

و اما إذا كان البذل بنحو التمليك فبعد اشتراكه مع الهبة في الأثر لا بد من الالتزام بكون البذل إيقاعا مؤثرا في الملكية و قد عرفت انه غير معهود و يظهر من صاحب الجواهر انه واضح المنع حيث قال في مقام الجواب عن توهم الفرق بين الهبة و بين البذل التمليكي بأنه يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة: «إذ هو كما ترى واضح المنع» و قد استظهر هو من نصوص البذل خصوص صورة إباحة أكل الزاد و ركوب الراحلة أو الإباحة المطلقة الشاملة للتملك ان اراده و ان كان هذا الاستظهار ممنوعا لا لوجود البذل التمليكي بل لعدم اختصاص النصوص بالبذل و شمولها للهبة أيضا.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب القبول في الفرض الأول لأن العنوان المأخوذ في النص الذي

هو الأصل في الحكم هو «من عرض عليه الحج» و هو كما يشمل البذل للحج كذلك يشمل الهبة لأن يحج أيضا لعدم الفرق بينهما من جهة صدق العنوان و ما استظهره صاحب الجواهر غير ظاهر بل الظاهر ما ذكرنا و ما في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 190

..........

______________________________

محكي المسالك من ان قبول الهبة نوع من الاكتساب و هو غير واجب للحج لان وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق يرد عليه انه مع شمول الرواية و حكمها بوجوب القبول لا يبقى مجال لهذا الاستدلال نعم يتم ذلك في مورد لا يشمله النص كالفرض الثالث الآتي.

و اما الفرض الثاني و هو فرض التخيير فربما يناقش في الحكم بوجوب القبول فيه تارة من جهة ظهور عرض الحج المذكور في النصوص في عرضه على التعيين لا على التخيير و اخرى من جهة ان التخيير يرجع الى ان بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة أخرى أو الإبقاء عنده و لا يجب على المبذول له تحصيل الشرط و بعبارة أخرى موضوع الوجوب هو البذل للحج و الهبة مع التخيير بذل للجامع و بذل الجامع لا يكون بذلا للحج بشخصه.

و يدفع المناقشة الأولى منع الظهور فيما ذكر فان عرض الحج عنوان عام كما يشمل العرض بنحو التعيين كذلك يشمل العرض بنحو التخيير.

و المناقشة الثانية بأن التخيير في المقام انما هو كالتخيير في الواجب التخييري فكما انه يتصف الطرفان أو الأطراف في الواجب التخييري بالوجوب و لا ينافي اتصاف بعض الأطراف بالوجوب اتصاف الآخر به أيضا فكذلك المقام فان كلا من الحج و زيارة الحسين عليه السّلام مثلا- يصدق عليه

انه معروض عليه و لا ينافي عرض الزيارة عليه عرض الحج أصلا و الملاك هو صدق عنوان الدليل فهل يمكن ان يقال بأنه مع تصريح الواهب بالحج و ذكره بالخصوص و لو على نحو التخيير انه لم يعرض عليه الحج فهذه المناقشة أشبه بالاجتهاد في مقابل النص.

و اما الفرض الثالث و هو الهبة المطلقة من دون تعرض للحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول لانه لا يصدق بمجرد الهبة كذلك انه عرض عليه الحج فمن وهب ماله لولده محبة منه اليه و تفضلا له عليه لا يصدق على عمله انه عرض الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

على ابنه و الملاك هو صدق هذا العنوان فالظاهر- ح- عدم وجوب القبول في خصوص هذا الفرض و قد ظهر مما ذكرنا ان الأقوى في مسألة الهبة ما في المتن و العروة من التفصيل.

المقام الثاني فيما إذا وقف شخص لمن يحج فبذل المتولي ما يكفيه له أو اوصى شخص كذلك فبذل الوصي ذلك أو نذر شخص كذلك فبذل الناذر ذلك أو اوصى شخص لخصوص زيد- مثلا- ما يكفيه بشرط ان يحج و الظاهر وجوب الحج في جميع هذه الفروض لتحقق الاستطاعة البذلية و صدق عرض الحج عليه في تمامها لعدم الفرق بمقتضى إطلاق العنوان بين كون الباذل العارض مالكا لما يبذله إباحة أو تمليكا و بين ان يكون غير مالك و لكن كان له البذل شرعا بمقتضى التولية أو الوصاية نعم لا مجال لتوهم الشمول لما إذا بذل مال الغير بنحو غير مشروع.

و اما مع المشروعية فلا وجه لتخيل عدم شمول الإطلاق مع انه يمكن ان يقال ان الباذل

الحقيقي هو الواقف أو الموصى و المتولي و الوصي هما بمنزلة الوكيل في البذل و كيف كان لا شبهة في الحكم أصلا نعم يرد على فرض النذر انه تكرار لما سبق في أول مبحث البذل من انه لا فرق في وجوب الحج بالبذل بين ما إذا كان البذل واجبا و بين غيره فان البذل الواجب هو البذل الواجب بالنذر و شبهه و يمكن ان يقال بان الفرق بين الموردين انما هو في ان المورد الأول ما إذا كان النذر متعلقا بالبذل الذي هو فعله و اما هذا المورد فالمراد منه ما إذا كان المنذور صيرورة من يحج مالكا بنحو النتيجة فتدبر.

المقام الثالث فيما لو أعطاه خمسا أو زكاة بمقدار ما يكفيه للحج و شرط عليه ان يحج و الكلام يقع تارة في صحة الشرط و عدمها و اخرى انه بعد عدم الصحة هل يجب عليه الحج أم لا و ثالثة في ثبوت الفرق في الزكاة بين ما إذا كانت من سهم الفقراء و بين ما إذا كانت من سهم سبيل اللّٰه و عدمه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

اما من الجهة الأولى فقد استظهر السيد- قده- في العروة صحة الشرط و صرح الماتن- أدام اللّٰه ظله الشريف- باللغوية و عدم الصحة.

و الوجه في العدم عدم ثبوت ولاية و سلطنة للدافع المعطى على تعيين المصرف غاية الأمر ثبوت الولاية له على تعيين المستحق في باب الزكاة بل و في باب الخمس- على خلاف- و لا ملازمة لهذه الولاية و الولاية على تعيين المصرف خصوصا على تقدير القول بالإشاعة الذي يرجع الى الاشتراك فإنه لا مجال لأحد الشريكين عند دفع سهم الشريك

الآخر اليه ان يعين له المصرف بل يكون سهمه امانة عنده يتحقق ردها بالدفع اليه كما انه يمكن ان يقال بان المقدار الذي يدفع بعنوان الخمس هي مئونة السنة و ان الحج خارج عنها فلا مجال- ح- لشرط الحج و قد صرح السيد- قد- في مسائل ختام الزكاة انه لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القربات و عليه فيتحقق التهافت بين كلامية.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام وجها آخر لعدم صحة الشرط و ملخصه ان التعليق و الاشتراط الذي مرجعه الى الالتزام المرتبط بالالتزام العقدي انما يجري في الأمور القابلة للتعليق كالأمور الاعتبارية و اما التكوينية فهي غير قابلة للتقييد لان التقييد انما يصح في مورد الإطلاق و السعة و الأمر الخارجي التكويني في نفسه مضيق و غير قابل لعروض التقييد عليه نظير الايتمام الخارجي بالإمام الحاضر فإن الايتمام قد حصل و تحقق خارجا سواء كان الامام زيدا أو عمرا و انما الدواعي تختلف باختلاف الموارد و بالجملة الأمور التكوينية الخارجية تتصف بالوجود و العدم و لا يجرى فيها التعليق و عليه فالواجب في المقام الذي وجب عليه الخمس أو الزكاة هو الإعطاء و الإيتاء و هو أمر خارجي غير قابل للتعليق و اما الملكية الشرعية فليست تحت يده و اختياره و انما هي بيد الشارع فما هو تحت يده لا يقبل التعليق و ما هو قابل له خارج عن يده و اختياره فلا مجال للتعليق في المقام أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

و يرد عليه- مضافا الى النقض بموارد كثيرة مثل الواجب المشروط بناء على مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري-

قده- من رجوع القيد إلى المادة و كون المجي ء في مثل أكرم زيدا ان جاءك قيدا لزيد الذي يجب إكرامه و معناه وجوب إكرام زيد الجائي بل و على مبنى المشهور من رجوع القيد إلى الهيئة التي وضعها كوضع العرف اى يكون وضعها عاما و الموضوع له خاصا.

و مثل العناوين القصدية التي يعتبر في تحققها القصد فان ضرب اليتيم إذا كان بقصد التأديب يترتب عليه هذا العنوان الراجح و إذا كان بقصد الظلم و الإيذاء ينطبق عليه عنوان الظلم مع انه في الخارج ليس الا شيئا واحدا.

و مثل مسألة الايتمام التي تقدمت نظرا الى ما مر من انه لا مجال لإنكار ثبوت صورتين فيها بحسب الواقع فإن الايتمام على كل تقدير سواء كان الامام زيدا أم عمروا يغاير الايتمام المقيد بكونه زيدا و قد انكشف خلافه.

- ان الموجود الخارجي إذا لو حظ مع وصف كونه صادرا بالإرادة و الاختيار لا بنحو الإطلاق الشامل للإكراه و الإجبار فلا بدّ في تحققه من الإرادة الناشئة عن مباديها فإذا كان من جملة مباديها التصديق بفائدة المراد و فرض ان الفائدة التي قد صدقها كانت منحصرة بصورة خاصة فلا بد من ان يقال ان الإرادة انما تعلقت بصدورها بهذه الكيفية و عليه فما هو الصادر في الخارج يكون من حين صدورها محدودا و مقيدا لعدم تعلق الإرادة بغير المحدود و المقيد أصلا و لعله تخيل ان مراد القائل بالتقييد في الأمر الخارجي هو تقييده بعد وجوده و تحققه في الخارج مع ان مراده هو التقييد في مرحلة قبل التحقق في الخارج بحيث كان الواقع مقيدا من أول الأمر ففي المقام إذا كان الإعطاء مشروطا بالحج فمعناه ان الإعطاء الإرادي

انما تحقق مقيدا لعدم التصديق بالفائدة في غيره فهو و ان كان امرا خارجيا الا انه صدر و تحقق مقيدا لا انه وجد ثم قيد كما لا يخفى و قد ظهر بما ذكرنا بطلان هذا الوجه و ان منشأ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 194

..........

______________________________

لغوية الشرط في المقام عدم ثبوت الولاية للمعطي بالإضافة إلى تعيين المصرف أصلا هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

و اما الجهة الثانية فإن قلنا بصحة الشرط فاللازم وجوب القبول و وجوب الحج لانه يصدق عليه انه عرض عليه الحج و لو من طريق الاشتراط المشروع نعم قد عرفت ان صحة الشرط تبتنى أيضا على ان يكون الحج معدودا من مئونة السنة في باب الخمس نظرا الى ان الزيارات كلها معدودات من المئونة و الا فلا يبقى مجال لهذا الاشتراط و لو قلنا بثبوت الولاية للمعطي على تعيين المصرف و بالجملة فعلى تقدير صحة الاشتراط يجب القبول و الحج.

و اما ان قلنا بلغوية الشرط فالظاهر كما في المتن من عدم وجوب الحج- حينئذ- لأنه بعد فرض اللغوية يكون وجود هذا الشرط كالعدم فلا يصدق عنوان عرض الحج معه خلافا لما في المستمسك من انه لو بنى على بطلان الشرط أمكن ان يدعى الوجوب بلحاظ صدق العرض فتشمله نصوص البذل فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة الشرط، مع انك عرفت ان مرجع اللغوية إلى كون وجوده كالعدم و لا مجال لصدق العرض- حينئذ- كما لا يخفى.

و اما الجهة الثالثة فالكلام فيها تارة من حيث وجوب القبول و عدمه و اخرى من حيث انه بعد عدم وجوب القبول إذا قبل ما حكمه؟ و قبل البحث من الحيثيتين

لا بد من التنبيه على أمر و هو انه لا إشكال في هذا الفرض في صحة الشرط و لم يناقش فيها أحد ممن تعرض و الوجه فيه ان اشتراط الحج في هذا الفرض لا يرجع الى تعيين المصرف كما في الفرض المتقدم بل الى تعيين مصداق من مصاديق سبيل اللّٰه فكما ان تعيين المستحق في ذلك الفرض كان بيده و له الولاية عليه كذلك تعيين شي ء من مصاديق سبيل اللّٰه و عليه لا مجال للمناقشة في صحة الشرط في هذا الفرض و نقول بعد ذلك:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 195

..........

______________________________

اما البحث من الحيثية الأولى فقد صرح بعض الاعلام- تبعا للسيد في العروة- بوجوب القبول بناء على عدم اختصاص سبيل اللّٰه بالمصالح العامة و شموله لمثل الحج من المصالح الفردية نظرا إلى انه يصير بذلك مستطيعا و الظاهر ان مراده صدق عنوان «عرض الحج» عليه لانه بعد ما كان الاشتراط في هذا الفرض جائزا و لا يكون وجوده كالعدم يتحقق هذا العنوان فيجب عليه القبول لتحقق الاستطاعة البذلية.

و عليه فلا بد للقائل بعدم وجوب القبول المنع من تحقق العنوان في المقام و الوجه فيه ان الظاهر من عرض الحج على شخص هو عرضه عليه لان يحج لنفسه مثل ما إذا كان مستطيعا بالاستطاعة المالية فالحج يضاف الى من عرض عليه و له جميع ما يترتب عليه من الثواب و الأجر و لذا لا يصدق هذا العنوان فيما إذا كان الحج المعروض حجا استيجاريا و نيابيا مع ان ظاهر العنوان الصدق في هذه الصورة أيضا فإذا فرض عدم الصدق فيها لوضوح عدم وجوب القبول في الحج الاستيجاري و لم يقل أحد

بالوجوب فيه فالظاهر عدم الصدق في المقام أيضا لأن الحج فيه بما انه مصداق من مصاديق سبيل اللّٰه يكون الإتيان به مسقطا للتكليف المتوجه الى المعطى فالإضافة في الحقيقة مرتبطة اليه و ان كان في البين ترتب الثواب بالنسبة إلى المعروض عليه أيضا لكن هذا الثواب ثابت في الحج النيابي أيضا.

و بالجملة فالظاهر بملاحظة ما ذكرنا من مدخلية الحج المزبور في سقوط التكليف عن المعطى عدم صدق العنوان المذكور فلا دليل على وجوب القبول و عليه فالحق ما في المتن.

و اما البحث من الحيثية الثانية فالظاهر انه بعد القبول و ان كان غير واجب يجب عليه الصرف في الحج و لا يجوز صرفه في غيره و لكن هذا الحج لا يكون حج المستطيع لا بالاستطاعة المالية و لا بالاستطاعة البذلية أما الأولى فواضحة و اما الثانية فلان المفروض عدم صدق العنوان المأخوذ في نصوص البذل و عليه فيكون هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 196

[مسألة 32- يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام]

مسألة 32- يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام و كذا بعده على الأقوى، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه، و لو رجع عنه في أثناء الطريق فلا يبعد ان يجب عليه نفقة عوده، و لو رجع بعد الإحرام فلا يبعد وجوب بذل نفقة إتمام الحج عليه (1)

______________________________

الحج كالحج الواجب بالنذر و شبهه و من المعلوم انه لا يجزى عن حجة الإسلام إذا استطاع بعدا هذا و في العبارة خلل و حقها ان يقال نعم لو أعطاه سهم من سهم سبيل اللّٰه ليحج لا يجب عليه القبول و لكنه إذا قبل لا يجوز صرفه في غيره و

لا يكون من الاستطاعة المالية .. فتأمل في الفرق بين العبارتين.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول الرجوع عن البذل قبل الدخول في الإحرام و الظاهر انه لا اشكال عندهم في الجواز و هو كذلك لو كان البذل بنحو الإباحة ضرورة ان مقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز الرجوع حتى فيما صرح ابتداء ببقاء الإباحة لكان التصريح بذلك لا يمنع عن الرجوع بالإضافة إلى البقاء فهو اى المال في كل حال باختياره و تحت سلطنته فيجوز لمن قدم طعاما الى غيره للأكل ان يرجع عن إباحته في وسط الأكل و قبل تمامه فلا إشكال في الجواز مطلقا فيما لو كان البذل بنحو الإباحة.

و اما لو كان بنحو التمليك فظاهر إطلاقهم جواز الرجوع في هذه الصورة أيضا مع ان الظاهر انه لم يقم دليل عليه لانه لا مجال لقاعدة السلطنة هنا بعد فرض خروجه عن ملكه و كما ان الأصل في العقود اللزوم كذلك الأصل في الإيقاعات كالعتق و نحوه و قد قام الدليل على جواز الرجوع في الطلاق بالإضافة الى أحد نوعيه و هو الطلاق الرجعي و بالجملة لا بد من اقامة الدليل على الجواز في هذه الصورة و لم يثبت ذلك و لعل إطلاقهم جواز الرجوع انما يكون لأجل أن المرتكز عندهم كون البذل الإيقاعي انما يكون بنحو الإباحة دون التمليك و ان صرح بالتعميم في أول مسألة البذل كما في المتن على ما تقدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

الثاني الرجوع عن البذل بعد الدخول في الإحرام و قد حكم في المتن بأن الأقوى هو الجواز خلافا للمحقق النائيني- قده- في رسالته في مناسك الحج حيث قال و اما

بعد إحرامه فالأقوى لزوم البذل و لغوية رجوعه نحو ما مر من لغوية رجوع مالك المكان عن اذنه في الصلاة فيه بعد الإحرام لها.

و يظهر من السيد- قده- في العروة التوقف حيث ذكر ان في المسألة وجهين من دون ان يرجح أحدهما على الأخر.

و كيف كان فمقتضى قاعدة السلطنة الجواز في هذه الصورة أيضا و لكن التشبيه الواقع في كلام المحقق النائيني- قده- إشارة إلى دليل على المنع و لذا لا بد من ملاحظته فنقول تارة يبحث فيه من جهة المشبه به و المقيس عليه و اخرى من جهة صحة التشبيه على تقدير تسليم ثبوت الحكم في المشبه به و عدمها.

اما من الجهة الأولى فربما يناقش في لغوية رجوع المالك عن اذنه في أثناء الصلاة تارة من جهة ان منشأ الحكم باللغوية هو وجوب إتمام الصلاة على المصلى و حرمة القطع مع ان الدليل على حرمة القطع هو الإجماع و القدر المتيقن منه غير المقام فإنه لم يحرز ثبوت الإجماع مع تصريح المالك بعدم رضاه بان يتم صلوته في منزله فلا دليل على حرمة القطع حتى تكون منشأ لعدم جواز الرجوع و لغويته كما لا يخفى.

و اخرى من جهة ان لزوم الإتمام انما هو فيما إذا كان الإتمام صالحا لان يقع صحيحا و قابلا للاتصاف بالصحة ضرورة انه لا مجال للحكم بوجوب الإتمام فيما إذا خرج منه الحدث غير الاختياري لعدم صلاحية الأجزاء الباقية للاتصاف بالصحة أصلا و المقام أيضا من هذا القبيل ضرورة انه مع رجوع المالك يصير التصرف في داره محرما و عليه فالاجزاء الباقية من الصلاة يكون إيقاعها فيه موردا لاجتماع الأمر و النهى فان قلنا بالامتناع و تقديم جانب النهي أو

بالاجتماع و ان لازمة ليس هي صحة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

الصلاة بل بطلانها كما اختاره سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- و احتمله سيدنا المحقق الأستاذ الماتن- دام ظله- فلا يبقى مجال للحكم بوجوب الإتمام و حرمة القطع أصلا لعدم إمكان اتصاف الأجزاء الباقية بالصحة بناء على ما ذكر.

و اما من الجهة الثانية فلانه على تقدير تسليم الحكم في المقيس عليه نمنع ثبوت الحكم في المقام: اما لأجل عدم وجوب الإتمام في المقام لان الحج الذي يجب إتمامه ما كان الشروع فيه بعنوان الندب أو ما كان الشروع فيه بعنوان الوجوب مع بقاء الاستطاعة و عدم زوالها و اما ما شرع فيه عن استطاعة ثم زالت الاستطاعة قبل الإتمام بالسرقة و غيرها فالظاهر انه لا يجب إتمامه و المقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية من هذه الجهة و بالجملة بعد ما كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع بعد الإحرام أيضا لم ينهض دليل في مقابلها حتى يمنع عن جريانها لان المانع هو وجوب الإتمام و لم يدل عليه دليل في المقام.

و اما لان الإتمام على تقدير وجوبه لا يتوقف على لغوية الرجوع و عدم تأثيره مطلقا لانه يمكن الإتمام من طريق آخر كالاستدانة و الاستيهاب و العمل للغير و الخدمة له بالأجرة و غيرها من الطرق نعم يتوقف عليها في بعض الصور و هو ما لم يكن له طريق إلى الإتمام غير ما بذل له.

و اما لأجل انه على تقدير ثبوت التوقف دائما لا مطابقة بين الدليل و المدعى لان المدعي هي لغوية الرجوع التي مرجعها الى لزوم ان يكون الزاد

و الراحلة المبذولتان عنده الى آخر اعمال الحج و الدليل يقتضي ضمان الباذل لمصاريف الإتمام بلحاظ ان الاذن في الحج اذن في الإتمام و هو يتوقف على مصاريف و اللازم على الباذل بصورة الضمان بذل تلك المصاريف و من الواضح ان الضمان أمر و لغوية الرجوع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 199

..........

______________________________

أمر آخر و ربما يترتب ثمرة عملية كما إذا كانت المصاريف أقل مما ينقسم على الإتمام من المبذول كما إذا كان المبذول زائدا على مصرف الحج بضعفين أو أكثر و عليه فالدليل لا ينطبق على المدعى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الدليل الذي اعتمد عليه المحقق النائيني- قده.

و ربما يستشهد على عدم جواز الرجوع في مثل المقام بما وقع التسالم عليه من عدم جواز رجوع المالك الاذن في رهن ملكه عن الرهن بعد تحققه و لكن يرد عليه- مضافا الى انه يكون في المقامات المختلفة موارد جوزوا- للمالك فيها الرجوع و لم يقم دليل على ان المقام هل يكون من قبيل الموارد الجائزة أو يكون من قبيل الموارد غير الجائزة- وضوح الفرق بين المقام و بين الرهن فإنه هناك يكون حدوث الرهن موجبا لتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة و مقتضى قاعدة السلطنة الثابتة له عدم جواز التصرف في العين المرهونة بما ينافي كونها رهنا و لذا يتوقف بيع العين المرهونة من الراهن على اجازة المرتهن كما ثبت في محله و بالجملة تصير العين بعد الرهن متعلقة لحق الغير و اما في المقام فلم يتعلق حق من المبذول له بعد تحقق البذل فالمقايسة في غير محلها.

ثم انه ربما يستظهر ان الوجه في توقف السيد- قده-

في العروة في الحكم بجواز الرجوع في المقام مع انه أفتى بجواز الرجوع في مسألة الصلاة المذكورة في كلام المحقق النائيني- قده- هو التمسك بقاعدة الغرور المعروفة المدلول عليها بقوله- ص- المغرور يرجع الى من غره و هذا الحديث و ان لم يوجد- على ما قاله بعض المتتبعين في الأحاديث- في شي ء من كتب الأحاديث العامة و الخاصة و ان أسنده إلى النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- بعض الأعاظم من الفقهاء كالمحقق الكركي و صاحب الجواهر الا ان الدليل عليها لا ينحصر بالرواية النبوية بل يدل عليها الإجماع و تسالم الأصحاب و السيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

العقلائية و الروايات الواردة في تدليس الزوجة من جهة إراءتها حرة مع كونها امة و من جهة العيوب المختلفة و قد وقع في بعضها التعليل بقوله عليه السّلام: كما غر الرجل و خدعه و بالجملة لا مجال للإشكال في حجية القاعدة و كونها من القواعد الفقهية المسلمة و قد تعرضنا لها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية الا أن الاشكال في صحة الاستدلال بها للمقام.

تارة من جهة عدم تحقق عنوان الغرور هنا لان تحققه انما هو في مثل ما إذا قدم طعام الغير المغصوب الى ضيفه الجاهل بالحال مع ان معنى الضيافة و ظاهرها كون الطعام لنفسه و اما في المقام فلم يتحقق من المالك الا مجرد الإباحة و هي لا تنافي الرجوع حتى فيما لو صرح ببقائها بل الإباحة موضوع لجواز الرجوع كما ان الطلاق الرجعي موضوع لجواز الرجوع و لا دلالة لإيقاعه على انه لا يرجع و لا يتحقق فيه الرجوع بل هو إنشاء الفراق بنحو قابل للرجوع

و في المقام تكون خصوصية الإباحة في مقابل التمليك هي جواز الرجوع بمقتضى قاعدة السلطنة غير الجارية في صورة التمليك و عليه فلا مجال لان يقال ان إنشاء الإباحة ظاهر في عدم الرجوع و تغرير للمباح له و إيقاع له في خلاف ما هو الظاهر منه.

نعم ربما يقترن التصريح بعدم الرجوع في الإباحة بإنشائها و يكون مقتضى التصريح- حينئذ- الوعد بالعدم و انه لا يخلف في وعده و- حينئذ- يتحقق التعزير لأجل هذا التصريح لا لأجل أصل إنشاء الإباحة كما لا يخفى.

و اخرى من جهة ان صدق الغرور يتوقف على علم الغار و جهل المغرور و ربما يقال بأنه يعتبر فيه زائدا على العلم قصد إيقاع المغرور في خلاف الواقع لان الغرور من العناوين القصدية المتقومة بالقصد فإذا لم يكن الغار قاصدا للإيقاع في خلاف الواقع لا يتحقق الغرور و ان ناقشنا في اعتبار القصد فيه في كتابنا في القواعد الفقهية و كيف كان فلا شبهة في اعتبار علم الغار مع ان فرضه في المقام الذي يتحقق منه البذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 201

[مسألة 33- الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل]

مسألة 33- الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل، و اما الكفارات فليست على الباذل و ان اتى بموجبها اضطرارا أو جهلا أو نسيانا بل على نفسه (1)

______________________________

للحج باختياره في غاية الندرة.

و ثالثة من جهة ما أشرنا إليه من ان مقتضى قاعدة الغرور ضمان الغار و الكلام في المقام ليس في الضمان و عدمه بل في جواز الرجوع و لغويته و هما أمر ان غير مرتبطان فلا يكون الدليل على الضمان دليلا على لغوية الرجوع التي هي محل البحث و الكلام.

و قد انقدح من جميع

ما ذكرنا ان الأقوى ما في المتن من جواز الرجوع بعد الإحرام أيضا غاية الأمر انه إذا كان الرجوع قبل الإحرام يجب عليه نفقة عوده الى وطنه و ان كان بعد الإحرام فالمذكور في المتن وجوب نفقة الإتمام أيضا و هو يبتنى على وجوب الإتمام على المبذول له و قد مرت المناقشة فيه هذا كله في البذل و اما الهبة الموجبة للملكية فجواز الرجوع فيها و عدمه انما هو مثل جواز الرجوع و عدمه في الهبات الأخرى لأن المقام مصداق من مصاديقها غاية الأمر وجوب القبول هنا دون سائر المقامات و لكنه لا يوجب تغير حكم الهبة فيجوز الرجوع هنا في موارد الجواز هناك و لا يجوز في موارد عدم الجواز كما هو ظاهر.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين: الأول: ثمن الهدى و قد استظهر في المتن ثبوته على الباذل و لا بد أوّلا من ملاحظة ان ثمن الهدى هل يكون جزء من الاستطاعة المالية بحيث لا تتحقق الاستطاعة بدونه فلا يجب الحج أو لا يكون جزء منها فيجب الحج بدونه ربما يتوهم الثاني بل يظهر من بعض العبارات و لعل منشأه ثبوت البدل للهدي و هو الصوم الذي تكون ثلاثة في الحج و سبعة بعد الرجوع فمع ثبوت البدل له تتحقق الاستطاعة بدونه و لكن الظاهر هو الأول لأن البدل حيث يكون بدلا اضطراريا و ليس في عرض الهدى بل في طوله فمقتضى القاعدة- حينئذ- مدخليته في الاستطاعة و بعد ذلك يقع الكلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 202

..........

______________________________

في الاستطاعة البذلية فان كان المبذول غير مشتمل على ثمن الهدى و لكن كان المبذول له واجدا له

زائدا على مصارفه فلا إشكال- حينئذ- في تحقق الاستطاعة الملفقة و المركبة نظرا الى ما تقدم في أوائل مبحث الاستطاعة البذلية من ثبوت الملفقة أيضا.

و ان لم يكن المبذول له واجدا له فهو المورد لما في المتن من ثبوته على الباذل و لكن التعبير بكلمة «على» تبعا للسيد في العروة الظاهرة في الحكم اللزومي ربما لا ينطبق على ما تقدم من جواز الرجوع للباذل مطلقا سواء كان قبل الإحرام أو بعده الى آخر الأعمال فإن الإلزام لا يجتمع مع جواز الرجوع و لعله لأجل ذلك حمل بعض الشرّاح عبارة السيد- قده- على ما إذا كان البذل واجبا بنذر أو شبهه أو على القول بعدم جواز الرجوع في البذل نظرا الى مثل قاعدة الغرور.

و لكن يرد عليه ان حمل العبارة على مورد وجوب البذل مع عدم الإشارة إليه في غاية البعد كما ان ابتناء ذلك على القول بعدم جواز الرجوع بعيد جدا خصوصا بملاحظة حكم المتن و العروة بالجواز قبلا مع انه على تقديره ينحصر مورده بما بعد الإحرام و الكلام مطلق و الذي ظهر لي في وجه التعبير بكلمة «على» أحد أمرين اما ان يكون الوجه فيه ان التعبير الذي هو القدر المتيقن في البذل في الاستطاعة البذلية هو قول الباذل: «حج و علىّ نفقتك» فإنه لو عبر الباذل بهذه العبارة و لم يرجع في بذله يصح ان يقال بثبوت ثمن الهدى عليه على نحو اللزوم.

و اما ان يكون الوجه فيه ان المراد منه هو الضمان الذي هو حكم وضعي نظرا الى ما تقدم من المتن من الحكم بلزوم نفقة الإتمام على تقدير الرجوع بعد الإحرام و عليه فالمقصود هو ضمان ثمن الهدى.

و كيف كان

فمقتضى ما ذكرنا في الاستطاعة المالية انه لو كان المبذول غير مشتمل على ثمن الهدى لا يجب القبول على المبذول له- حينئذ- لعدم كفاية المبذول لجميع مصارف الحج التي منها ثمن الهدى كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 203

[مسألة 34- الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام]

مسألة 34- الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام سواء بذل تمام النفقة أو متممها، و لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان متمكنا من الحج من ماله وجب عليه و يجزيه عن حجة الإسلام ان كان واجدا لسائر الشرائط قبل إحرامه و الا فاجزائه محل إشكال. (1)

______________________________

الأمر الثاني الكفارات و هي على قسمين: الأول الكفارات التي تترتب على موجباتها إذا صدرت عن عمد و اختيار كأكثر الكفارات الثابتة في الحج و لا شبهة في ثبوتها على المبذول له الذي اتى بموجبها عمدا و اختيارا ضرورة انه لا مجال لتوهم ثبوت هذا القسم على الباذل أصلا.

الثاني الكفارات المترتبة على موجباتها مطلقا من دون فرق بين ما إذا صدرت عمدا أو جهلا أو نسيانا و كذا بين ما إذا صدرت اختيارا أو اضطرارا كالصيد على الظاهر.

و في هذا القسم تارة يتحقق من المبذول له عمدا اختيارا و الظاهر انه لا ينبغي الإشكال في عدم ثبوتها على الباذل في هذه الصورة و اخرى يتحقق منه اضطرارا أو نسيانا أو جهلا و قد توقف السيد في العروة في ثبوتها على الباذل و لكن صريح المتن عدم ثبوتها عليه و الوجه فيه انه لا تكون الكفارة معدودة من مصارف الحج و دخيلة في الاستطاعة المالية فإذا اتى المستطيع المالى بموجب الكفارة جهلا- مثلا- و لم يكن قادرا على أدائها لا

يكون ذلك كاشفا عن عدم كونه مستطيعا و عن عدم كون حجه حجة الإسلام و عليه فالظاهر عدم ثبوته على الباذل و لا مجال للتوقف في المسألة كما صنعه السيد- في العروة.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: الأول في أجزاء الحج البذلي عن حجة الإسلام و عدمه و الكلام فيه تارة من جهة الفتاوى و الآراء و اخرى من جهة مقتضى الأدلة العامة الواردة في الاستطاعة البذلية و ثالثة من جهة الروايات الخاصة الواردة في خصوص هذه المسألة فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

اما من الجهة الأولى فالمشهور و المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا الاجزاء و انه لا يجب على المبذول له الحج ثانيا إذا استطاع بالاستطاعة المالية خلافا للشيخ في محكي الإستبصار حيث أوجبه ثانيا إذا أيسر بعد ذلك نظرا الى بعض الروايات الآتية الظاهرة في ذلك و حمل ما يدل على الاجزاء على ما لا ينافيه كما سيأتي ثم قال ان الوجوب إذا أيسر مطابق للأصول الصحيحة التي تدل عليها الدلائل و الاخبار.

و قد قواه بعض الأعاظم من المعاصرين في ابتداء كلامه و ان جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي في أثنائه و مقتضى الاحتياط الاستحبابي في آخره.

و اما من الجهة الثانية فقد مر ان العمدة في مسألة الاستطاعة البذلية هي صحيحة علاء بن رزين المتقدمة و ظاهرها ان من عرض عليه الحج فاستحيى فهو ممن يستطيع و ظاهره بقرينة الصدر الذي وقع تفسيرا لآية الحج ان الحج البذلي مصداق من الحج الواجب في الآية الذي يكون فرضا في الإسلام و عليه فالحج البذلي مصداق لحجة الإسلام بعد كون المراد بها ما هو الواجب في الشرع

مرة واحدة طول العمر فالتعبير بكونه مجزيا عن حجة الإسلام كما في المتن و غيره لا يخلو عن مسامحة و عناية و بالجملة مقتضى الدليل الذي هو الأساس في بحث الاستطاعة البذلية هو الاجزاء و ما في كلام الشيخ- قده- المتقدم من ان الوجوب إذا أيسر مطابق للأصول الصحيحة لم يعرف له وجه لأن الأصل الصحيح الذي يمكن ان يعول عليه في الحكم بالوجوب إذا أيسر هو الاستصحاب نظرا إلى انه قبل البذل كان يجب عليه الحج إذا استطاع فبعده و الإتيان بالحج و الاستطاعة المالية بعده يكون الوجوب باقيا بحاله فاللازم الإتيان به ثانيا.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا مجال للاستصحاب مع وجود الأمارة المعتبرة كما في المقام على ما عرفت من دلالة صحيحة علاء على الاجزاء و الى ان جريان الاستصحاب التعليقي محل خلاف و اشكال- ان مورد الاستصحاب التعليقي و مجراه على تقدير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

جريانه ما إذا كان التعليق واقعا في لسان الدليل الشرعي و اما إذا كان التعليق غير واقع كذلك بل ارجع الدليل اليه كما في المقام فإنه ليس في آية الحج تعليق لان قوله تعالى «مَنِ اسْتَطٰاعَ» بيان للناس الواقع في صدر الآية فلا مجال لجريان الاستصحاب التعليقي بعد عدم وجود التعليق في لسان الدليل كما قرر في محله من الأصول.

و اما من الجهة الثالثة فقد وردت في المقام طائفتان:

إحديهما ما تدل على الاجزاء مثل صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه أ يجزيه ذلك عنه عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال: بل

هي حجة تامة. «1» و جعل الاجزاء و النقص في السؤال متقابلين قرينة واضحة على ان المراد بالتمامية في الجواب هو الاجزاء كما لا يخفى.

و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال يجزى عنهما جميعا. «2» قال في الوسائل بعد نقل الحديث: «أقول يحتمل كون الاجزاء حقيقة بالنسبة الى من حج عنه مجازا بالنسبة إلى النائب، و يحتمل عود الضمير في قوله:

عنهما الى الرجلين المنوب عنهما دون النائب، و يحتمل الحمل على الإنكار و اللّٰه اعلم».

و ذكر بعض الاعلام: انه يحتمل عود الضمير في قوله: عنهما الى ما اتى به من الحج و الى ما لم يأت به بمعنى ان ما حجة يجزى و يكون صحيحا و يجزى أيضا عن الحج إذا استطاع و أيسر أي لا يجب عليه الحج ثانيا إذا أيسر و يحتمل عوده و إرجاعه إلى الشخصين اى النائب و المبذول له و لكن في مورد النائب نلتزم بالحج عليه إذا أيسر لأجل دليل آخر دال على عدم سقوطه عنه.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 21

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 206

..........

______________________________

أقول مع وجود الإجمال في الجواب من جهة مرجع ضمير التثنية لا مجال للإشكال في دلالتها على الاجزاء في المقام و انه لا يجب على المبذول له الحج ثانيا كما هو ظاهر.

الثانية ما تدل بظاهرها على عدم الاجزاء مثل معتبرة فضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه- عليه

السّلام- قال سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال نعم فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج قلت هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بناقصة و ان أيسر فليحج الحديث. «1»

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لو ان رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج الحديث. «2» هذا و قد جمع بين الطائفتين بوجوه:

الأول ما ذكره الشيخ- قده- في محكي الاستبصار من ان صحيح معاوية الدال على الصحة و انها حجة تامة لا ينافي صحيح الفضل الدال على الوجوب إذا أيسر و استطاع لان صحيح معاوية أخبر ان ما حجه بالبذل صحيح و يستحق بفعلها الثواب و هذا مما لا كلام و لا خلاف فيه.

و يرد عليه ما عرفت من ان كلمة التمامية قد استعملت في صحيحة معاوية بمعنى الاجزاء و النقص بمعنى عدم الاجزاء فلا مجال لحمل التمامية على مجرد الصحة و استحقاق الثواب حتى لا ينافي الوجوب إذا أيسر و استطاع.

الثاني ما ذكره بعض الأعاظم من المعاصرين من ان الطائفة الثانية مفسرة للطائفة الأولى لأن الظاهر من الاولى ان حجه حجة الإسلام إلى آخر عمره أي

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 207

..........

______________________________

من دون قيد و شرط و لازمة عدم وجوب الحج عليه ثانيا و ان استطاع

و مقتضى الطائفة الثانية ان حجه حجة الإسلام بشرط ان لا يتحقق له الاستطاعة بعده فان مات قبل حصول ذلك كان حجه حجة الإسلام و الا كان عليه الحج ثانيا فاختلافهما بالإطلاق و الاشتراط قال و هذا نظير ما ورد في حق الصبي و المملوك من ان الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق. «1»

و يرد عليه عدم وضوح كون هذا النحو من الجمع جمعا مقبولا عند العقلاء في المقام و ان كان حمل المطلق على المقيد أمرا شائعا مقبولا عندهم كما لا يخفى و استعمال حجة الإسلام في الرواية على سبيل المسامحة بعد دلالة الأدلة الكثيرة على اعتبار البلوغ و الحرية في الوجوب الذي هو قوام حجة الإسلام.

الثالث ما يظهر من المشهور و قد صرح به الشيخ- قده- في التهذيب من حمل الطائفة الثانية الدالة على وجوب الحج ثانيا على الاستحباب جمعا بينها و بين الطائفة الأولى الظاهرة في الاجزاء و عدم الوجوب.

و يرد عليه مضافا الى ان حمل الأمر على الاستحباب و ان كان غير بعيد الا ان حمل قوله- عليه السلام- عليه ان يحج أو عليه الحج كما في صدر رواية الفضل و أبي بصير على الاستحباب في غاية البعد ان ظاهر هذه الطائفة كون الحكم الثابت بعد اليسار مختصا بمن حج عن استطاعة بذلية و انه هو الذي يأتي بالحج ثانيا مع انه لو كان المراد هو الحج الاستحبابي لما كان ذلك مختصا به لان استحباب الحج ثابت بالإضافة إلى الجميع فتدبر.

الرابع ما ذكره صاحب الوسائل بعد نقل رواية الفضل بن عبد الملك و بعد نقل حمل

الشيخ- قده- إياها على الندب و حكمه بأنه جيد من قوله: و يمكن الحمل على الوجوب الكفائي كما مر في الحج الثاني، و على كون الحج الأول على وجه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 208

..........

______________________________

النيابة عن الغير كما يأتي.

و مراده من الوجوب الكفائي هو الوجوب الثابت بمقتضى ما دل على انه لا يجوز تعطيل الكعبة و لا يجوز ان لا يشترك أحد في مراسم الحج و الإتيان بمناسكه و من الواضح كون هذين الحملين أيضا في غاية الاستبعاد.

الخامس ما أفاده في المستمسك من قوله: و العمدة وهن الخبرين بالاعراض و الهجر.

و يرد عليه ان اعراض المشهور عن الخبر و ان كان موجبا لسقوطه عن الاعتبار و ان كان من حيث هو في غاية الصحة الا انه لا بد من إحراز الاعراض و تحقق الهجر و هو غير ثابت في المقام لانه يحتمل ان يكون الخبر ان محمولين عند المشهور على الاستحباب بل هو الظاهر على ما ذكرنا تبعا للشيخ في كتاب التهذيب و مع هذا الاحتمال لا يكون الاعراض بمحرز أصلا.

هذه هي وجوه الجمع و قد عرفت المناقشة في الجميع و لكن الحمل على الاستحباب اولى من الجميع و ان لم نقل به فالظاهر تحقق المعارضة و الترجيح- حينئذ- مع روايات الإجزاء لأنها الموافقة للشهرة الفتوائية التي هي أول المرجحات في باب المتعارضين على ما ثبت في محله فالنتيجة- حينئذ- هو القول بالاجزاء كما في المتن هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني فيما لو رجع الباذل في الأثناء و الظاهر ان مراد المتن من كلمة «الأثناء» ليس

هو أثناء مناسك الحج و اعماله حتى يختص فرض المسألة بخصوص هذا الفرض بل أعم منه و من الرجوع قبل الإحرام لأنه أيضا رجوع في الأثناء أي بعد الشروع الذي يتحقق بالسفر من وطنه إلى مدينة- مثلا- و يؤيده قوله: متمكنا من الحج مع انه لو كان المراد هو أثناء الأعمال لكان المناسب ان يقول: متمكنا من إتمام الحج كما لا يخفى و كيف كان ففي مسألة الرجوع فرضان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

الأول الرجوع في المدينة- مثلا- قبل ان يحرم و يأخذ في الأعمال و في هذا الفرض تارة لا يكون للمبذول له مال يتمكن به من الحج و اخرى يكون له مال كذلك.

ففي الصورة الاولى لا يجب عليه الحج قطعا لانه بالرجوع ينكشف عدم كونه مستطيعا بالاستطاعة البذلية و المفروض عدم ثبوت الاستطاعة المالية فلا مجال للزوم الحج عليه أصلا و قد عرفت انه يجب على الباذل الراجع نفقة عوده الى وطنه.

و في الصورة الثانية الظاهر وجوب الحج عليه لتمكنه من الحج و الإتيان بمناسكه لكن الوجوب هل يكون لأجل الاستطاعة البذلية الملفقة أو لأجل الاستطاعة المالية؟

و تظهر الثمرة في الشرائط لاختلاف الاستطاعتين فيها كالرجوع إلى الكفاية و كاستثناء الدار و أثاث البيت و أشباههما حيث لا يكون ذلك معتبرا في الاستطاعة البذلية بخلاف الاستطاعة المالية.

و يظهر من المتن- بناء على عمومه لفرض الرجوع قبل الإحرام كما استظهرنا منه- ان هذه الصورة من قبيل الاستطاعة المالية التي يعتبر فيها الشرائط قبل الإحرام و لكنه يمكن ان يقال بأنه من قبيل الاستطاعة المركبة لأنه لا فرق فيها بين ان يكون المبذول بعض النفقة بمقدار يمكن معه الذهاب إلى

المدينة و العود منها و كان البعض الأخر ملكا للمبذول له و بين ان يكون المبذول تمام النفقة و لكنه قد رجع عن بذله في المدينة- مثلا- فان هذا الفرض أيضا كالفرض الأول تكون الاستطاعة فيه مركبة و عليه لا يعتبر فيها الشرائط قبل الإحرام كما لا يخفى.

و بالجملة ظاهر من عمّم الاستطاعة البذلية للاستطاعة الملفقة عدم اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة و المركبة و هي تشمل المقام لانه نوع منها على ما ذكرنا و لكنه لا ينبغي الالتزام بعدم اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة أصلا سواء كانت ببذل البعض ابتداء أو ببذل التمام ثم الرجوع كما في المقام لان عمدة الدليل في اعتبار تلك الشرائط هي قاعدة نفى الحرج على ما تقدم في استثناء مثل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 210

[مسألة 35- لو عين مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها]

مسألة 35- لو عين مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها فالظاهر عدم وجوب الإتمام عليه سواء جاز الرجوع له أم لا، و لو بذل ما لا ليحج به فبان بعد الحج انه كان مغصوبا فالأقوى عدم كفايته عن حجة الإسلام و كذا لو قال: «حج و على نفقتك» فبذل مغصوبا (1).

______________________________

الدار و على ما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى في اعتبار الرجوع الى الكفاية و من الواضح جريان القاعدة فيما إذا كان المبذول له واجدا لبعض النفقة أيضا فتدبر.

الثاني الرجوع في أثناء أعمال الحج و بعد الإحرام و الفرض مبنى على القول بجواز الرجوع و تأثيره و عدم لغويته كما اختاره الماتن- دام ظله الشريف- في بحث الرجوع سابقا و على هذا المبنى تارة يقال بلزوم إتمام الحج عليه و ان لم يكن

له من الأموال الشخصية ما يتمكن به من الإتمام كما اختاره الماتن أيضا نظرا الى كون الباذل ضامنا لنفقة الإتمام لقاعدة الغرور أو غيرها و اخرى يقال بعدم لزوم إتمام الحج عليه إذا لم يكن له مال يفى بذلك.

فعلى الأول يجب عليه الإتمام و الظاهر اجزائه عن حجة الإسلام لعدم خروجه عن الحج البذلي بالرجوع بعد ثبوت ضمانه لنفقة الإتمام كما لا يخفى.

و على الثاني إذا كان له مال يفي بالإتمام يصير المفروض من الاستطاعة الملفقة و المركبة و يجرى فيه ما تقدم في الفرض الأول من انه هل يعتبر فيها شرائط الاستطاعة المالية أم لا و قد عرفت ان الظاهر اعتبارها و يظهر من المتن انه لا بد من ملاحظة تحقق الشرائط قبل الإحرام و قبل الشروع في الأعمال و لكنه يمكن ان يقال بملاحظة ما تقدم في حج الصبي من كفاية البلوغ قبل المشعر عدم لزوم تحقق الشرائط قبل الإحرام فتأمل جيدا.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول لو عين الباذل مقدارا ليحج المبذول له بذلك المقدار و اعتقد الباذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 211

..........

______________________________

كفايته فبان له عدم الكفاية فهل يجب على الباذل إتمام ذلك المقدار بما يكفى للحج أم لا يجب عليه الإتمام؟ اختار في المتن عدم الوجوب مطلقا سواء كان الرجوع في البذل جائزا للباذل أم لا و قال السيد في العروة في هذا الفرع: «وجب عليه الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع إلا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير كفايته» و مقتضاه وجوب الإتمام على الباذل بشرطين.

أحدهما كون تبين عدم الكفاية في الحال» التي لا يجوز فيها الرجوع كما إذا كان في أثناء

المناسك و قلنا بعدم جواز الرجوع في هذه الحالة.

ثانيهما عدم كون بذل المقدار الذي تبين عدم كفايته مقيدا بفرض الكفاية و تقديرها فإنه مع هذا التقييد الذي مرجعه الى اشتراط البذل بصورة الكفاية فلا بذل مع عدمها كما هو المتبين لا يجب عليه الإتمام لفرض عدم تحقق شرطه و تبين عدم الكفاية كما ان اعتبار الشرط الأول انما هو بلحاظ انه مع جواز الرجوع و استرداد ما بذل لا مجال للحكم بوجوب الإتمام و اما مع عدم الجواز فالدليل على وجوب الإتمام هو الدليل على عدم جواز الرجوع فإذا لم يجز له الرجوع لأجل لزوم إتمام المناسك بعد الشروع فيها- مثلا- فاللازم الإتمام في هذه الصورة.

و اما وجه عدم وجوب الإتمام عليه مطلقا كما في المتن فهو ان اعتقاد الكفاية الذي هو الفرق بين ما نحن فيه و بين سائر موارد البذل التي لا يجب فيها الإتمام لا يكون فارقا و موجبا لثبوت وجوب الإتمام و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك فان عدم جواز الرجوع فيما بذله لأجل لزوم إتمام المناسك على المبذول له- مثلا- لا يستلزم وجوب إتمام ما بذله الباذل و الا لكان اللازم الحكم بوجوب الإتمام و لو مع اعتقاد عدم الكفاية من أول الأمر فتدبر.

الفرع الثاني ما إذا بذل له ما لا ليحج به كما إذا قال له: حج بهذا المال فبان بعد الحج انه كان مغصوبا فقد اختار في المتن عدم اجزائه عن حجة الإسلام و ذكر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 212

..........

______________________________

السيد في العروة ان في الاجزاء وجهين و ان أقربهما العدم.

و حكى الوجه الأول و هو الاجزاء عن

بعض نظرا الى جواز التصرف في المال المغصوب لفرض جهله بالغصب فلا يكون التصرف بمحرم هذا و الظاهر انه ليس البحث في جواز التصرف و عدمه حتى يقال بثبوت الجواز مع الجهل بل البحث انما هو في ان الحج الذي يكون مجزيا عن حجة الإسلام لا بد و ان يكون عن استطاعة سواء كانت هي الاستطاعة المالية أو الاستطاعة البذلية و المفروض عدم تحقق الاولى في المقام و اما الثانية فتتوقف على شمول الأدلة الواردة في الاستطاعة البذلية لما إذا كان المبذول مال الغير و لم يكن الباذل مجازا في التصرف فيه بوجه و من الواضح عدم الشمول فهل يمكن ان يتوهم أحد انّ قوله- عليه السلام- في بعض تلك الروايات: من عرض عليه الحج فاستحيى .. شامل لما إذا كان العرض عليه من غير مال العارض بحيث كان العارض غاصبا و لو كان جاهلا و كذا قوله- عليه السلام- في البعض الأخر: دعاه قوم ان يحجوه فإنه لا مجال لاحتمال الشمول لما إذا كان مراد القوم ان يحجوه من مال غيرهم الذي لا يجوز لهم التصرف فيه بوجه و بالجملة أدلة الاستطاعة البذلية قاصرة عن الشمول للمقام فالحج الواقع فاقد لكلتا الاستطاعتين فلا مجال لاجزائه عن حجة الإسلام و كفايته عنه و قد ظهر انه ليس الكلام في تحقق الحج مع المال المغصوب بل الكلام انما هو في تحقق الاستطاعة و عدمه و لا فرق في هذه الجهة بين صورتي العلم و الجهل.

الفرع الثالث ما إذا قال له حج و على نفقتك فبذل له مالا مغصوبا و اختار في المتن عدم الاجزاء فيه أيضا و لكن استظهر السيد- قده- في العروة الصحة و الاجزاء

عن حجة الإسلام معللا بأنه استطاع بالبذل.

و لعل نظره ان الإعطاء و البذل من المال المغصوب لا يوجب عدم تحقق الاستطاعة البذلية الحاصلة بقوله: حج و على نفقتك نظير بيع الكلي و أداء المال المغصوب بعنوان المبيع فكما أن الأداء المذكور هناك لا يقدح في صحة البيع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 213

[مسألة 36- لو قال اقترض و حج و على دينك ففي وجوبه عليه نظر]

مسألة 36- لو قال اقترض و حج و على دينك ففي وجوبه عليه نظر، و لو قال اقترض لي و حج به وجب مع وجود المقرض كذلك. (1)

______________________________

و اشتغال ذمة البائع بالمبيع الكلي فكذلك المقام.

و الجواب عنه وضوح الفرق بين المقامين فإنه هناك قد تمت المعاملة بعقد البيع و صار التمليك و التملك متحققا بنفس العقد و الأداء أمر آخر خارج عن المعاملة غاية الأمر وجوبه و لزومه على البائع و اما هنا فمجرد الإنشاء لا يكفي في تحقق البذل الموجب للحج لانه مجرد قول و وعد بل الموجب هو البذل و الإعطاء الخارجي و الا فاللازم الوجوب بمجرد ذلك القول و عليه فإذا كان المبذول مالا مغصوبا لا تتحقق الاستطاعة البذلية كما في الفرع المتقدم فلا فرق بين الصورتين هذا بالنظر الى وجوب الحج و اما بلحاظ الضمان فالظاهر تحققه بالإضافة إلى كليهما لاستيلاء كل منهما على مال الغير بغير اذن منه و لا من الشارع فللمالك الرجوع الى كل واحد منهما غاية الأمران قرار الضمان انما هو على الباذل لقاعدة الغرور كمن قدم طعاما مغصوبا الى ضيفه الجاهل فان مقتضى تلك القاعدة كون القرار على المقدم.

(1) في هذه المسألة فرعان: الأول ما لو قال اقترض- اى لنفسك- و حج و على دينك الثابت بسبب

الاقتراض و قد تنظر في المتن و في العروة في وجوب الاقتراض و الحج عليه و استدل عليه فيها بعدم صدق الاستطاعة عرفا و الوجه فيه- بعد كون المفروض فيه عدم تحقق الاستطاعة المالية- عدم معلومية صدق العناوين المأخوذة في أدلة الاستطاعة البذلية في المقام فلا يصدق عنوان «من عرض عليه الحج» بمجرد طلب الاقتراض و تضمين دين المقترض و الشك في الصدق أيضا لا يترتب عليه الا عدم الوجوب للزوم إحراز العنوان في ثبوته و تحققه كما لا يخفى.

الثاني ما لو قال اقترض لي و حج به و فرض وجود مقرض كذلك و في المتن تبعا للعروة الحكم بوجوب الاقتراض و الحج في هذا الفرض و لكنه استشكل بعض الشراح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 214

[مسألة 37- لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج]

مسألة 37- لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج، و لو طلب منه اجارة نفسه للخدمة بما يصير مستطيعا لا يجب عليه القبول، و لو آجر نفسه للنيابة عن الغير فصار مستطيعا بمال الإجارة قدم الحج النيابي ان كان الاستيجار للسنة الأولى فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه الحج لنفسه، و لو حج بالإجارة أو عن نفسه أو غيره تبرعا مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام. (1)

______________________________

فيه نظرا إلى انه لم يظهر وجه الفرق بين الصورتين لان الاقتراض من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و لا يصدق العرض و البذل على الأمر بالاقتراض و إيجاد مقدمة البذل بالاقتراض غير واجب كتحصيل المال و الاستطاعة نعم لو اقترض يجب الحج- ح- لحصول الاستطاعة كما إذا اكتسب و حصل الاستطاعة.

أقول الظاهر

صدق العرض و البذل في هذا الفرض فان طلب الاقتراض للمطالب و وجود المقرض كذلك يكفى عرفا في صدق عنوان العرض و هذا كما إذا لم يكن عند الباذل مال لكنه أحال المبذول له الى مديون للباذل بمقدار مصرف الحج فهل يمكن ان يقال ان الحوالة تمنع عن صدق عنوان العرض و البذل و كما إذا سلم اليه ما يعبر عنه في الفارسية «به چك» ليذهب به الى البنك و يسلمه إليه فيأخذ المال فإنه لا مجال للتشكيك في صدق عنوان العرض في مثله و المقام من هذا القبيل.

(1) في هذه المسألة فروع متعددة: الأول ما لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا و قد حكم بوجوب الحج عليه و المراد من طريق الحج ليس خصوص الطريق المنتهى الى الحج بل أعم منه و مما هو المتداول في هذه الأزمنة من استخدام افراد للخدمة في المدينة و مكة و الموقفين بالطبخ أو غيره كما ان المراد من الخدمة ما لا يكون منافيا للإتيان بالأعمال و المناسك و في هذه الصورة تكون الأجرة التي قد ملكها بالإيجار موجبة لتحقق الاستطاعة المالية التي يترتب عليها وجوب الحج و لذا لو كان مستطيعا قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 215

..........

______________________________

الإجارة جاز له اجارة نفسه للخدمة في الطريق كما انه لو آجر نفسه للنيابة عن الغير يجوز له اجارة نفسه للخدمة لعدم المنافاة.

و ذكر السيد- في العروة- بعد ذلك قوله: «بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا و لا يضر بحجه نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له

ان يوجر نفسه لنفس المشي كاجارته لزيارة بلدية أيضا اما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس و ان كان مشيه للمستأجر الأول فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة».

أقول الظاهر انه لا إشكال في الوجوب في أصل المسألة و هو ما لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج و وجوب قطع الطريق عليه للغير لا ينافي الوجوب لان الواجب انما هو نفس الاعمال لا المقدمات فالمستأجر عليه غير الواجب و الواجب لم يقع عليه عقد الإجارة.

و لكن ربما يقال بان ظاهر الآية الشريفة وجوب السفر و طي الطريق وجوبا نفسيا فإنه المراد من «حِجُّ الْبَيْتِ» المأمور به فيها لأنه عبارة عن الذهاب اليه و السعي نحوه و عليه فوجوبه نفسي فلا يجوز أخذ الأجرة عليه.

و يدفعه انه لا مجال لتوهم كون الواجب بالاية هو طي الطريق و السفر و الذهاب و لا وجه لدعوى كون المراد من «حِجُّ الْبَيْتِ» ذلك فإنه يدفعها- مضافا الى استبعاد دعوى دلالة الآية على مجرد ذلك من دون دلالة لها على وجوب الأعمال- ان حمل «حِجُّ الْبَيْتِ» على ذلك لا يجتمع مع قوله تعالى «مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» فان ذكر السبيل عليه يصير لغوا لا فائدة فيه أصلا و عليه فالمراد منه هي الأعمال و المناسك التي لها اضافة الى البيت و هو المحور و الأساس لها.

هذا مع ان النصوص و الفتاوى متطابقة على عدم كون السفر و طي الطريق واجبا بالوجوب النفسي فإنه لو فرض ان مستطيعا قد اختطف من بلده و أطلق في الميقات لا يقدح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 216

..........

______________________________

ذلك في صحة حجه أصلا كما

انه لو سافر من بلده الى محل آخر لغرض ثم أراد منه الذهاب الى الحج لا يضر ذلك بحجة أصلا.

و اما الروايات فمثل صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق- عليه السّلام- عن الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد ا يجزيه ذلك عن حجة الإسلام قال: نعم. «1»

و صحيحته الأخرى قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الرجل يخرج في تجارة إلى مكة أو يكون له إبل فيكريها حجته ناقصة أم تامة؟ قال لا بل حجته تامة. «2» و رواية الفضل بن عبد الملك عنه- عليه السلام- قال و سئل عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها فيحج و هو كرى تغنى عنه حجته أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة أو لا يكون حتى يذهب به الى الحج و لا ينوى غيره أو يكون ينويهما جميعا أ يقضي ذلك حجته قال نعم حجته تامة. «3»

ثم انه في «المستمسك» بعد ما اختار دلالة الآية على كون وجوب السفر وجوبا نفسيا و انه إذا أجمل مبدأ السير يكون القدر المتيقن هو السير من الميقات و بعد حكاية استدلال الجواهر بالنصوص المذكورة على عدم كون السفر واجبا داخلا في اعمال الحج قال ما ملخصه: «ان النصوص المذكورة لا تصلح للخروج بها عن ظاهر الآية الشريفة فإن الصحيح الأول ظاهر في ان خروجه الى المشاهد لم يكن بقصد غاية أخرى و انما كان لمحض الحج و الصحيح الثاني يدل على ان حجه و هو كرى أو يحمل التجارة إلى مكة

صحيح و هو لا يقتضي خروج السير من الميقات عن الحج و عدم لزوم التعبد و التقرب به لان وقوع العمل عبادة يتوقف على صدوره عن داعي القربة على نحو

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 4

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثاني و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 217

..........

______________________________

يكون ذلك الداعي صالحا للاستقلال في الداعوية و هو لا ينافي وجود داع آخر كذلك نعم إطلاقه يقتضي الصحة و ان كان داعي القربة تبعيا لكن هذا الإطلاق ليس بحد يصلح للخروج بها عن ظاهر الآية لقرب حمل الكلام على انه في مقام نفى مانعية الضميمة و اما الخبر الثالث فحمله على ذلك أقرب فإن قول السائل و لا ينوى غيره ظاهر في ذلك جدّا مضافا الى ضعف سنده بالإرسال».

و يرد عليه- مضافا الى ما عرفت من عدم دلالة الآية على وجوب السفر و السعي الى البيت بوجه لما عرفت- انه لا مجال لإنكار ظهور الروايات في عدم مدخلية للسفر و لو من الميقات في اعمال الحج و مناسكه و ان ما يعتبر فيه قصد القربة هي الاعمال فقط دون السير فما هو الواجب في الميقات انما هو الإحرام و اما السير منه الى البيت فلا يكون واجبا نفسيا بل انما يجب مقدمة لتحقق الطواف و السعي و مثلهما فلو اختطف في الميقات بعد الإحرام ثم أطلق في مكة لا يقدح ذلك في صحة حجه و لا يجب عليه العود الى الميقات ليتحقق منه السير الذي هو واجب

تعبدي على ما أفاده فالإنصاف انه لا مجال لدعوى الوجوب التعبدي بالإضافة إلى السير و لو من الميقات مع انه لا وجه لدعوى الإجمال ثم الحمل على السير من الميقات فإنه بعد كون التكليف بالحج ثابتا على كل مستطيع من الناس فإذا كان المراد من حج البيت هو السعي اليه و الحركة نحوه فلا محالة يكون المراد هي حركة كل مكلف من محله و ما هو موضع تعيشه و محل عائلته و لا مجال للحمل على السير من الميقات و التفكيك بينه و بين السير من وطنه و بلده هذا مع انه قد تقرر في محله عدم منافاة أخذ الأجرة للواجب النفسي التعبدي فضلا عن التوصلي و قد حققنا ذلك في كتابنا في القواعد الفقهية و في بحث الإجارة من هذا الكتاب.

الفرع الثاني ما لو طلب منه اجارة نفسه للخدمة في طريق الحج بما يصير به مستطيعا و قد حكم في المتن- تبعا للعروة أيضا- بعدم وجوب القبول و الوجه في عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 218

..........

______________________________

الوجوب عدم تحقق شي ء من الاستطاعتين قبل القبول و عدم لزوم تحصيل الاستطاعة بوجه من دون فرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية.

اما عدم تحقق الأولى فلأنه قبل الإجارة لا يكون مستطيعا على ما هو المفروض و اما عدم تحقق الثانية فلانه لا يصدق انه عرض عليه الحج أو دعي أن يحجوه لان المطلوب منه هي إجارة نفسه للخدمة كالطبخ و نحوه فلا يصدق عليه انه عرض عليه الحج و مثله كما لا يخفى.

و لكنه ربما يقال بالوجوب إذا لم يكن حرجا عليه كما قال به صاحب المستند و استند في ذلك

أولا إلى صدق الاستطاعة و ثانيا إلى انه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته و كانت كافية في استطاعته.

و أجاب عن الأول السيد في العروة بالمنع من صدق الاستطاعة بذلك و الظاهر ان مراده منع صدق الاستطاعة العرفية مع انه لو كان المراد هي الاستطاعة العرفية لا مجال لدعوى منعها و لذا لو كان الدليل منحصرا بالاية الظاهرة في الاستطاعة العرفية كما مر البحث فيه سابقا لكان اللازم الحكم بالوجوب في المقام لكنه حيث لا يكون الدليل منحصرا بها بل كان هناك روايات واردة في تفسير الآية و مقتضاها ان المراد بالاستطاعة هو وجود الزاد و الراحلة عينا أو بدلا و المفروض عدم تحققهما في المقام فاللازم هو الحكم بعدم الوجوب.

و اما الدليل الثاني فيدفعه ان الحرّ لا يكون مالكا لمنافعه بل لعله لا مجال له أصلا لأنه لا يعتبر كون الإنسان مالكا لنفسه و لو كانت هي منافعه و لا ينافي ذلك جواز اجارة نفسه المستلزمة لتمليك منفعته إلى المستأجر لعدم الملازمة بين صحة التمليك و تحقق الملكية قبله كما ان تحقق وصف الغنى المانع من جواز أخذ الزكاة- مثلا- بسبب القدرة على مثل الخياطة لا يوجب تحقق الملكية للمنفعة فإن الغني لا يتوقف على ثبوتها كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 219

..........

______________________________

و يدل على عدم الملكية انه لو قلنا بها لكان اللازم ان يمهد مقدمات الطلب و يتصدى لذلك و يجعل نفسه معرضا للإيجار من دون ان يكون الوجوب متوقفا على الطلب كما هو المدعى مع انه من الواضح عدم الوجوب.

الفرع الثالث ما لو آجر نفسه للنيابة عن

الغير فصار مستطيعا بمال الإجارة ففي المتن و العروة لزوم تقديم الحج النيابي ان كان الاستيجار للسنة الاولى.

و يستفاد من العبارة عدم كونه في حال الإيجار مستطيعا و قد صرح به السيد في العروة و ظاهرهما انه إذا كان في حال الإيجار مستطيعا لا يجوز ان يوجر نفسه للنيابة مع انه لا يتم على إطلاقه فإنه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص السنة الاولى و لم يكن هناك انصراف إليها بل كان الاستيجار بنحو الإطلاق أو مع التصريح بعدم الاختصاص بالسنة الاولى لا مجال للمناقشة في الجواز لعدم المانع- ح- بوجه فإنه لا تزاحم بين الأمرين أصلا.

نعم فيما إذا كان الاستيجار لخصوص السنة الأولى- تصريحا أو انصرافا- لا وجه لجواز النيابة و ان قلنا بجواز أخذ الأجرة على الواجب النفسي التعبدي- كما هو الحق- و ذلك لان مورد تلك المسألة ما إذا اتى الأجير الواجب المذكور لنفسه غاية الأمر تعلق غرض عقلائي للمستأجر بذلك حتى تصح الإجارة و بذل الأجرة و اما هنا فالمفروض ان العمل المستأجر عليه هو الحج النيابي الذي مرجعه الى لزوم الإتيان به نيابة عن الغير و الأجرة انما تقع في مقابل هذا فما هو الواجب عليه لا تقع في مقابله الأجرة و ما تقع في مقابله الأجرة غير واجب عليه و من المعلوم انه لا يمكن الجمع بين الأمرين لعدم صلاحية حج واحد لان يقع عن نفسه و عن غيره فالمقام لا يرتبط بتلك المسألة أصلا هذا إذا كان الأجير مستطيعا و اما إذا لم يكن مستطيعا بل صار كذلك بمال الإجارة فقد عرفت انه حكم فيه بتقديم الحج النيابي و قد علله بعض الاعلام في الشرح بأنه يجب عليه تسليم

العمل المستأجر عليه الى من يستحقه كما لو أجر نفسه لسائر الأعمال من البناء و الخياطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 220

..........

______________________________

فإن وجوب تسليم ما عليه من الأعمال ينافي وجوب الحج و يزاحمه.

و يرد عليه ان لزوم تسليم العمل المستأجر عليه الى من يستحقه و ان كان لا مجال للإشكال فيه الا ان المفروض انه يكون هنا وجوب أخر و هو وجوب حجة الإسلام المشروط بالاستطاعة الحاصلة بمال الإجارة فهنا وجوبان تحقق أحدهما بالإجارة و الأخر بالاستطاعة و لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال و الكلام انما هو في وجه تقدم الحج النيابي على الحج عن نفسه و من المعلوم ان لزوم تسليم العمل في باب الإجارة لا يصلح لان يكون وجها للتقدم فهذا التعليل عليل.

و قد ذكر في «المستمسك» في مقام بيان وجه التقديم ان وجوب حج النيابة عليه في هذه السنة المحقق بالإجارة يكون مانعا عن الاستطاعة السربية التي هي شرط وجوب حج الإسلام و ان كانت الاستطاعة المالية حاصلة.

و يرد عليه انه ان كان المراد من الاستطاعة السربية التي يكون وجوب حج النيابة مانعا عنها هي تخلية السرب و انفتاح الطريق و عدم وجود مانع فمن الواضح ان وجوب حج النيابة لا يكون مانعا عنها نعم صارت الاستنابة موجبة لتحقق الاستطاعة المالية فقط نعم يمكن فرض ذلك فيما إذا كان انفتاح الطريق بيد المستأجر بحيث لو لا قبول النيابة و تحقق الاستيجار لكان الطريق غير منفتح و اما كون نفس الاستيجار مانعا عنه مطلقا فلم يعلم وجهه.

و ان كان المراد منها كون منفعة طي الطريق في السنة الاولى و منفعة الإتيان بالأعمال و المناسك مملوكة

للمستأجر و مع المملوكية له لا يقدر الأجير على الإتيان بالحج لنفسه و ذلك كما إذا ملك منفعة نفسه في زمان خاص للمستأجر فإنه لا يجوز له ان يصرفها و لو في نفسه و مصالحه فنقول ان عدم القدرة و لو في المثال ممنوع و عدم الجواز فيه انما هو لأجل انه لا يكون في مقابل الاستيجار الذي يجب الوفاء به وجوب آخر و اما في المقام ففي مقابل وجوب الوفاء بعقد الإجارة وجوب الحج عن نفسه لتحقق شرطه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 221

..........

______________________________

و هي الاستطاعة المالية و لو بسبب الإجارة.

ثم انه على فرض وجوب التقديم ففي المتن ان هذا التقديم انما هو فيما إذا كان الاستيجار للسنة الاولى و مفهومه انه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص هذه السنة لا بد من تقديم حجة الإسلام مع انه في هذا الفرض لا يجب التقديم مطلقا لأنه إذا علم بأنه إذا صرف الاستطاعة في حجة الإسلام لا يكون قادرا على الحج النيابي في السنين الآتية لا يبقى مجال للتقديم في هذه الصورة بل لا بد من الإتيان بالحج النيابي كما لا يخفى الفرع الرابع ما لو حج مع عدم كونه مستطيعا فإنه لا يجزى عن حجة الإسلام بل يجب عليه الحج بعد ما صار مستطيعا و فيه فرضان: الأول ما إذا حج لنفسه تسكعا بعنوان الاستحباب و الثاني ما إذا حج لغيره نيابة سواء كان تبرعا أو بمال الإجارة و المشهور المعروف في كلا الفرضين عدم الاجزاء بل في الجواهر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

و يدل على عدم الاجزاء في كلا الفرضين إطلاق

مثل الآية الشريفة فإن مقتضاه انه مع حدوث الاستطاعة و تحققها يجب الحج من دون فرق بين من حج قبلا مع عدم الاستطاعة و من لم يتحقق منه الحج بعد و ليس في مقابل الإطلاق ما يوجب التقييد خصوصا في الفرض الأول الذي لم يرد فيه رواية أصلا نعم يمكن استفادة حكمه من بعض الروايات الدالة على الاجزاء كما يأتي.

و اما الفرض الثاني فقد ورد فيه طائفتان من الاخبار: الأولى ما تدل على عدم الاجزاء مثل رواية آدم بن على عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال من حج عن إنسان و لم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه اللّٰه ما يحج به و يجب عليه الحج. «1» و في المستمسك بدل آدم «مرازم» لكن في الوسائل و التهذيب الذي رواها صاحب الوسائل عنه هو آدم و هو مجهول و كذا الراوي عنه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 222

..........

______________________________

و هو محمد بن سهل لم تثبت وثاقته و جبر الضعف بالاشتهار انما هو فيما إذا علم استناد المشهور إلى الرواية الضعيفة و موافقة المشهور لا دلالة لها على الاستناد بوجه لاحتمال ان يكون مستندهم في المقام هو إطلاق مثل الآية الشريفة.

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لو ان رجلا معسرا ا حجّه رجل كانت له حجته فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. «1» بناء على ان يكون المراد من قوله: أحجه رجل هي استنابة الرجل إياه كما يظهر من صاحب الوسائل حيث انه أورد الرواية في باب من حج نائبا

عن غيره و ان كان يبعده قوله: كانت له حجته فان ظاهره وقوع الحج لنفسه.

الثانية ما تدل على الاجزاء مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: حج الصرورة يجزى عنه و عمن حج عنه. «2» و صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال:

نعم. «3» بناء على ان يكون الضمير في «يجزيه» راجعا إلى النائب كما هو الظاهر لا المنوب عنه.

و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزى عنهما جميعا. «4» و لو حمل قوله: أو أحجه غيره على استيجاره للنيابة عن الغير كما عرفت في رواية أبي بصير فالفرق- ح- بينه و بين قوله: حج عن رجل مع اشتراكهما في وقوع الحج نيابة هو كون النيابة في الأول تبرعية و في الثاني بالاستيجار و مال الإجارة و عليه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 223

..........

______________________________

فمرجع الضمير في قوله يجزى عنهما هو النائب و المنوب عنه و هذا بخلاف ما لو كان المراد من قوله أحجه غيره هو إحجاج الباذل إياه ببذل مقدار الاستطاعة فإنه يشكل المراد من ضمير التثنية- حينئذ- و اما

احتمال كون مرجع ضمير التثنية على التقدير الأول- هما الرجلان المنوب عنهما ففي غاية البعد.

و كيف كان فربما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين بأن روايات الاجزاء صريحة في الاجزاء و عدم وجوب الحج ثانيا و اما روايات عدم الإجزاء فهي ظاهرة فيه و مقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب.

و يدفع هذا القول- مضافا الى انه لم يقع في روايات عدم الاجزاء التعبير بصيغة الأمر حتى يحمل على الاستحباب بل التعبير الواقع هو الوجوب أو ان عليه الحج و دعوى انه لا مانع من حمل التعبيرين أيضا على الاستحباب لان الواجب اللغوي الذي هو بمعنى الثبوت أعم من الاستحباب و كذا قوله، عليه الحج فإنه أيضا لا ينافي الاستحباب.

مدفوعة بأنه في البين قرينة لا مجال معها الا للحمل على الوجوب و جعلها نصا فيه و هو تعليق الوجوب و نحوه على اليسار و الاستطاعة في الروايتين ضرورة ان الاستحباب لا يدور مدار الاستطاعة أصلا بل الحج مستحب في كل سنة بالإضافة إلى المتسكع كما لا يخفى فالروايتان صريحتان في الوجوب و لا وجه لحملهما على الاستحباب كما لا يخفى.

و العمدة ان الطائفة الثانية معرض عنها عند الأصحاب لم يذهب إليها أحد منهم بل تسالموا على خلافها و لو كانت الطائفة الأولى معتبرة من حيث السند لأمكن ان يقال بوقوع التعارض بين الطائفتين و كون الترجيح مع الاولى لموافقتها للشهرة الفتوائية و على اىّ حال لا محيص عن الحكم بالعدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 224

[مسألة 38- يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتى يرجع]

مسألة 38- يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتى يرجع و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و ان لم يكن واجب

النفقة شرعا (1)

______________________________

(1) يقع البحث في هذه المسألة في مقامين.

الأول في أصل اعتبار الشرط فنقول الظاهر اتفاق الفتاوى عليه و في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه و لكن الظاهر انه لا مجال لجعل الإجماع دليلا بعد احتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية التي:

منها انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فان قوله عليه السّلام في تفسيرها ان يكون عنده ما يحج به أو إذا قدر على ما يحج به لا يكون المتفاهم منه عرفا الا كون ذلك زائدا على نفقة عياله و ان كان مقتضى الجمود خلاف ذلك.

و منها- و هو العمدة- دليل نفى الحرج فإنه إذا كان مقتضى هذا الدليل عدم وجوب الحج إذا كان حرجيا من جهة فقدان الدار و الأثاث و الكتب و نحوها ففي المقام يتحقق الحرج بطريق أولى ضرورة ان إيجاب الحج عليه مع عدم الاتفاق و احتياجهم عليه يكون حرجيا بلا اشكال.

و منها ان حفظ نفس العيال واجب و وجوبه أهم من وجوب الحج بلا شبهة فيتقدم عليه.

و يرد عليه ان هذا الوجه أخص من المدعى لاختصاصه بما إذا كان ترك الإنفاق موجبا لتحقق الهلاك و تلف النفس و المدعى أعم من ذلك.

و منها ان الإنفاق واجب شرعا و مع تزاحم هذا الوجوب لوجوب الحج يكون هذا الوجوب متقدما لاشتراط وجوب الحج بالقدرة الشرعية المنتفية مع وجود واجب آخر مزاحم.

و قد تقدم في مسألة تزاحم الدين و الحج بطلان هذا المبنى و ان وجوب الحج لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية و انه عند التزاحم لا بد من ملاحظة ما هو الأهم و مع عدمه فالتخيير مع ان هذا الدليل- على تقدير تماميته- يختص بما

إذا كان العيال واجب النفقة شرعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 225

..........

______________________________

و منها رواية أبي الربيع الشامي قال سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن قول اللّٰه عز و جل:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال ما يقول الناس؟ قال فقلت له:

الزاد و الراحلة قال فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا فقال هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا فقيل له فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك مأتي درهم. «1».

و المناقشة في السند باعتبار أبي الربيع الشامي حيث انه لم يوثق في كتب الرجال مدفوعة بأنه يكفي في وثاقته وقوعه في بعض أسانيد كتاب التفسير لعليّ بن إبراهيم القمي المشتمل على توثيق جميع رواته بنحو عامّ خصوصا مع رواية ابن محبوب عنه بواسطة خالد و هو من أصحاب الإجماع و ان ناقشنا في ذلك في بعض المقامات.

و المراد بقوله- عليه السلام- لقد هلكوا إذا هل هي الهلاكة بمعنى تلف النفس أو وقوعهم في مشقة شديدة و حرج شديد و كيف كان فلا إشكال في دلالة الرواية على اعتبار نفقة العيال زائدا على نفقة الحج المقام الثاني في المراد من العيال الذي يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به إياه و انه هل هو خصوص من تجب نفقته على المستطيع أو الأعم منه و ممن تلزم

نفقته عليه باللزوم العرفي كالأخ الصغير أو الكبير الذي لا يقدر على التكسب و ادارة معاشه؟ لاخفاء في ان مقتضى بعض الوجوه المتقدمة في المقام الأول هو الاختصاص و لكن مقتضى بعضها الأخر العدم و ذلك كقاعدة نفى الحرج حيث انها لا تختص بذلك بل تجري في مثل المثالين و كذلك الرواية فإن العيال المأخوذ فيها يكون المراد

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 226

[مسألة 39- الأقوى اعتبار الرجوع الى الكفاية]

مسألة 39- الأقوى اعتبار الرجوع الى الكفاية من تجارة أو زراعة أو صنعة أو منفعة ملك كبستان و دكان و نحوهما بحيث لا يحتاج الى التكفف و لا يقع في الشدة و الحرج، و يكفى كونه قادرا على التكسب اللائق بحاله، أو التجارة باعتباره و وجاهته و لا يكفى ان يمضي أمره بمثل الزكاة و الخمس و كذا من الاستعطاء كالفقير الذي من عادته ذلك و لم يقدر على التكسب، و كذا من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده على الأقوى، فإذا كان لهم مئونة الذهاب و الإياب و مئونة عيالهم لم يكونوا مستطيعين و لم يجز حجهم عن حجة الإسلام (1)

______________________________

منه ما هو المتفاهم عند العرف و لا يكون مقيدا بمن تجب نفقته شرعا لعدم الدليل على التقييد و ما ذكرنا من اختصاص بعض الوجوه المتقدمة مرجعه الى عدم دلالته على أزيد من ذلك لا انه يدل على العدم في غيره كما لا يخفى.

و عليه فالمراد بالعيال كما في المتن ما يشمل العيال العرفي الذي تلزم نفقته عليه لزوما عرفيا و لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان الشخص مراعيا للزوم العرفي و

منفقا على عياله كذلك خارجا و اما إذا لم يكن كذلك بل كان في البين مجرد اللزوم العرفي من دون ان يكون هناك إنفاق في الخارج فلا مجال لاعتبار وجود نفقته أصلا و لعل التعبير بوجود ما يمون به عياله ظاهر في تحقق الإنفاق العرفي كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة أيضا في مقامين: المقام الأول في أصل اعتبار الرجوع الى الكفاية و انه مع عدمه لا يجب الحج فالمنسوب الى أكثر القدماء هو الاعتبار قال الشيخ- قده- في المبسوط: «و الزاد و الراحلة شرط في الوجوب و المراعى في ذلك نفقته ذاهبا و جائيا، و ما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته على قدر كفايتهم، و يفضل معه ما يرجع اليه يستعين به على أمره أو صناعة يلتجئ إليها فإن كان ضياع أو عقار أو مسكن يمكنه ان يرجع إليها و يكون قدر كفايته لزمه ..» و نسب ذلك الى ظاهر الصدوق و الشيخ المفيد و الحلبي و القاضي و بنى زهرة و حمزة و سعيد، بل عن الخلاف و الغنية إجماع الإمامية عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

و لكنه قال المحقق- قده- في محكي المعتبر: «الرجوع الى الكفاية ليس شرطا و به قال أكثر الأصحاب» و اختاره العلامة في القواعد و شارحها في جامع المقاصد و من المتأخرين صاحب الحدائق و بعض آخر و كيف كان فالمسئلة خلافية و لأجله لا مجال للتمسك فيها بالإجماع أصلا مع انه على تقديره و عدم وجود الخلاف لما كان للإجماع أصالة بعد الظن بان مستند المجمعين انما هو بعض الوجوه الآتية التي استدل بها على الاعتبار و هي:

1-

عدم صدق الاستطاعة المفسرة بمثل ان عنده ما يحج به بدون قدر الكفاية بعد الرجوع كعدم صدقها بدون نفقة العيال في المسألة المتقدمة فهل التاجر الذي يكون رأس ماله بمقدار مصاريف الحج و إذا حج و رجع لا يقدر على التجارة بوجه بل يضطر الى ان يستعطى من الغير و يمد يده الى الناس يصدق عليه ان عنده ما يحج به و هو رأس المال الذي لا يقدر بدونه على التجارة و التعيش من طريق التكسب الظاهر عدم الصدق.

2- قاعدة نفى العسر و الحرج فإنه لا شبهة في تحقق الحرج في المثال المتقدم إذا وجب عليه صرف رأس المال في الحج و الرجوع مع فقدان رأس المال و توقف اعاشته و تجارته عليه كما هو ظاهر فهذه القاعدة نافية للوجوب مع الرجوع لا إلى كفاية.

3- الروايات الدالة على ذلك و هي كثيرة:

منها رواية أبي الربيع الشامي المتقدمة في المسألة السابقة بناء على دعوى كون ذيلها و هو قوله: و يبقى بعضا لقوت عياله لا يختص بقوته في خصوص مدة غيبة المعيل و طول سفره في الحج بل أعم منه و من القوت بعد الرجوع من الحج و هو لا ينطبق الا على اعتبار الرجوع الى الكفاية كاعتبار النفقة في مدة الغيبة.

و لو نوقش في ظهور الذيل في الأعم نظرا الى دعوى ظهوره في خصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 228

..........

______________________________

النفقة في مدة الغيبة خصوصا مع عدم التعرض لقوت نفسه و لو كان المراد هو الأعم لكان اللازم التصريح به أيضا أو عدم ظهوره في الأعم و ان لم يكن ظاهرا في الخصوص أيضا نقول ان الرواية قد رواها المفيد-

قده- في المقنعة بنحو آخر يكون مقتضاه اعتبار الرجوع الى الكفاية و توضيحه ان صاحب الوسائل بعد ان روى الرواية بالنحو المتقدم عن الكليني- قده- قال: «و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب، و رواه الصدوق بإسناده عن أبي الربيع الشامي، و رواه في العلل عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري عن احمد بن محمد عن الحسن ابن محبوب مثله، و رواه المفيد في المقنعة عن أبي الربيع مثله الا انه زاد بعد قوله: و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا ثم ذكر تمام الحديث و قال فيه يقوت به نفسه و عياله».

و يستفاد منه ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة مسندة بالنحو الأول و ان المفيد- قده- قد تفرد بنقل الحديث عن أبي الربيع بالنحو الثاني و ظاهره النقل عنه بنحو الإرسال لخلو العبارة عن ذكر كلمة «الاسناد» و نحوها كما ان الظاهر عدم كون ما نقله المفيد زيادة على النحو الأول بل القول المذكور انما هو بدل قوله ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا لا انه زيادة واقعة بينه و بين قوله: و يستغنى به عن الناس لعدم المناسبة بين الزّيادة و بين قوله بعدها ينطلق إليهم .. أصلا فلا بد ان يكون المراد من الزيادة هي البدلية و وقوعه مقامه كما ان قوله: يقوت به نفسه و عياله بدل لقوله:

لقوت عياله، في ذيل الرواية.

و كيف كان فلا إشكال في دلالة الرواية على- نقل المفيد- على اعتبار الرجوع الى الكفاية و انه لا مجال لوجوب الحج مع سؤال الناس بكفه إذا رجع و قد

عرفت عدم دلالتها على نقل المشايخ الثلاثة على الاعتبار و- ح- فهل هذا الاختلاف يرجع الى تعدد الرواية و يقتضي ان يقال بان في المقام روايتين و لا بد من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 229

..........

______________________________

الجمع الدلالي بينهما على فرض إمكان الجمع و مساعدة العرف و العقلاء و معاملة قواعد باب التعارض على تقدير عدم إمكان الجمع أو ان الاختلاف المذكور لا يستلزم التعدد بوجه بل يوجب الترديد فيما هو الصادر من الامام عليه السّلام و ان الصادر هل يكون مطابقا لما رواه المشايخ أو لما رواه المفيد؟ الظاهر هو الثاني بل لا مجال للاحتمال الأول بعد كون الراوي واحدا و هو أبو الربيع الشامي.

و عليه فان قيل بعدم اعتبار نقل المفيد- قده- لكونه بنحو الإرسال و ليس من قبيل المرسلات المعتبرة عندنا و هي ما لو كانت الرواية مسندة الى الامام و منسوبة إليه كما إذا قال المرسل: قال الامام- عليه السلام- كذا فان مثله كاشف عن توثيق الوسائط و الا لا وجه للإسناد المذكور كما لا يخفى فاللازم الأخذ بالرواية على نقل المشايخ فقط.

و اما ان قلنا باعتبار نقل المفيد- قده- نظرا الى ان الظاهر كون نقله ناظرا الى نقل المشايخ و انه انما حذف الاسناد المذكور في كلامهم لا انه نقل مستقل بنحو الإرسال فربما يقال بان مقتضى ترجيح أصالة عدم النقيصة الجاري في مثل المقام هو ترجيح نقل المفيد المشتمل على الزيادة و الحكم باعتبار الرجوع الى الكفاية الا ان الظاهر انه لا مجال له في المقام- و ان سلمنا الترجيح المذكور في مورده- و ذلك لان مورده ما إذا دار الأمر بين الزيادة و

النقيصة كما إذا اشتمل أحد النقلين على زيادة دالة على حكم زائد و كان الأخر فاقدا لتلك الزيادة و اما في المقام فلا يكون الأمر دائرا بينهما لما عرفت من ان تعبير صاحب الوسائل بالزيادة في نقل المفيد في غير محله لان نقل المشايخ مشتمل على جملات بعد قوله عليه السّلام: و يستغنى به عن الناس و نقل المفيد مشتمل على جملات آخر مكان تلك الجملات فلا يكون الأمر دائرا بين الزيادة و النقيصة.

و دعوى عدم كون الجملات المذكورة في نقل المشايخ مشتملا على حكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

زائد بخلاف الجملات المذكورة في نقل المفيد فإنها تشتمل على حكم زائد و هو اعتبار الرجوع الى الكفاية.

مدفوعة بان الأمر و ان كان كذلك الا ان الملاك في ترجيح أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ليست هذه الزيادة بل زيادة العبارة و الجملة و الكلام و الكلمة بشرط ان لا يكون مجرد العبارة فقط بل دالا على أمر زائد فلا مجال للترجيح في المقام.

فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة الاعتبار من الرواية و ان قلنا بوثاقة أبي الربيع و اعتبار نقل المفيد و ترجيح أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.

و منها ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- في حديث شرائع الدين قال: و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و ان يكون للإنسان ما يخلفه على عياله، و ما يرجع اليه بعد حجه. «1».

و دلالتها على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة الموجبة للحج واضحة و

لكنها ضعيفة من حيث السند.

و منها رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سأله حفص الأعور و انا اسمع عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم الحديث. «2»

و مثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن قوله تعالى

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: الصحة في البدن و القدرة في ماله «1» و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار ان عناوين القوة في المال و القدرة فيه و اليسار لا تكاد تتحقق بدون الرجوع المذكور.

و لكن الظاهر- كما أفيد- ان هذه العناوين ذات مراتب و لا ظهور فيها في المرتبة التي تكون زائدة على الزاد و الراحلة المفسرة بهما الاستطاعة في جملة من الروايات المفسرة بحيث يتحقق التعارض و الاختلاف بينهما كما لا يخفى.

و منها صحيحة ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا. «2»

و أورد على الاستدلال بها بأن الإجحاف أمر مشكك ذو مراتب و ما ورد من تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة مفسر لهذا العنوان فيعلم منها ان المراد من عدم

حصول الإجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدي آخر على اعتبار وجدانه زائدا على ذلك.

و الجواب عن هذا الإيراد أن وجدانه للزاد و الراحلة مأخوذ في موضوع المسألة ضرورة ان المراد من قوله من مات و لم يحج حجة الإسلام ليس مطلق من لم يحج بل خصوص المستطيع و هو الواجد للزاد و الراحلة لا محالة و بعبارة أخرى ظاهر مفروض السؤال ثبوت المقتضى للوجوب و تحقق المانع عن العمل بداهة ان غير المستطيع لا يكون له مانع عن الحج بل عدم صدور الحج عنه لعدم تحقق المقتضي.

فإذا كان وجود الزاد و الراحلة مفروضا في أصل الموضوع فلا محالة يكون المراد من الحاجة المجحفة مثل نفقة العيال في مدة الغيبة و نفقة نفسه و عياله بعد

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 12

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

الرجوع فالإنصاف صحة الاستدلال بهذه الرواية لتماميتها من حيث السند و الدلالة.

و منها ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا من قوله: المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) انه الزاد و الراحلة و نفقة من تلزمه نفقته و الرجوع الى كفاية اما من مال أو ضياع أو حرفة مع الصحة في النفس و تخلية الدرب (السرب) من الموانع و إمكان المسير. «1».

و الظاهر عدم كونها رواية و لو مرسلة بل انما هو استنباط له من ملاحظة الروايات الواردة في الباب فلا يصح للاستناد اليه بوجه.

و منها صحيحة هارون بن حمزة الغنوي عن

أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم أحق بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «2».

و مثلها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قدر حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «3».

و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار الحكم بعدم وجوب الحج على الورثة إذا كانت التركة بمقدار نفقة الحج فيعلم من ذلك انه يعتبر في الوجوب على المورث أمر زائد على ذلك و هو الرجوع الى الكفاية.

و لكن ورد في هذا المجال رواية أخرى و هي صحيحة ضريس الكناسي قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجنّ به

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 233

..........

______________________________

رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر قال: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا

لنذره و قد وفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه «1» و ظاهرها تعين وجوب الحج في الفرض المذكور في الروايتين الذي حكم فيه بعدم الوجوب و تخيير الورثة بين فعل الحج و تركه.

و لكن الظاهر ان مورد هذه الرواية بقرينة قوله: عليه حجة الإسلام صورة استقرار الحج على الرجل و عليه فمقتضى الجمع بين هذه الرواية و الروايتين حملهما على صورة عدم الاستقرار و عليه فتدلان على اعتبار الرجوع الى الكفاية لأنه لو لا ذلك لكان اللازم على الورثة الحج مع عدم كون المتروك الا بمقدار خصوص نفقة الحج الا ان يقال ان عدم الوجوب في الفرض المذكور ليس لأجل عدم تحقق الرجوع الى الكفاية بل لأجل عروض الموت للمورث الكاشف عن عدم وجوب حجة الإسلام فإن المستطيع لو مات في سنة الاستطاعة قبل ان يحج لا يجب عليه حجة الإسلام و لو كان شرط الرجوع الى الكفاية متحققا بالإضافة إليه فعدم الوجوب في مورد الرواية لعله كان لأجل الموت لا لفقدان الرجوع إليها كما لا يخفى.

هذا و لكن الظاهر عدم اختصاص موردهما بما إذا عرض الموت في سنة الاستطاعة بل مقتضى الإطلاق الشمول لما إذا عرض بعدها غاية الأمر خلو الاستطاعة الحاصلة عن الرجوع الى الكفاية و عليه فالفرق بين الموردين اختصاص مورد صحيحة ضريس بما إذا استقر عليه حجة الإسلام و من الممكن اعتبار الرجوع الى الكفاية في تحقق الاستقرار فتدبر.

هذا و لكن ربما يناقش في أصل دلالة الروايتين بأن غاية مفادهما ان وجدانه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج

و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

لنفقة الحج فقط لا يكفي في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه زائدا على ذلك و اما اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية فلا دلالة لهما عليه فلعله يكفى كونه واجدا لنفقة العيال الى زمان عوده الى وطنه زائدا على نفقة حجه فتدبر.

المقام الثاني في انه بعد اعتبار الرجوع الى الكفاية في الجملة هل يجب الحج على الفقير الذي يعيش من الزكاة أو على طالب العلم الذي يعيش من سهم الامام (ع) أو على السيد الذي يستحق سهم السادة و يعيش به و أمثالهم و طرح البحث فيهم يمكن ان يكون على سبيل البحث الكبروي بأن كان البحث في انه هل يعتبر فيهم الرجوع الى الكفاية أيضا أو لا يعتبر فيهم كما في الاستطاعة البذلية حيث عرفت انه لا يعتبر فيها الرجوع الى الكفاية و يمكن ان يكون على نحو البحث الصغروي بأن كان البحث في انه بعد اعتبار الرجوع الى الكفاية مطلقا هل يتحقق الرجوع إليها بالإضافة إليهم أم لا، يستفاد من السيد في العروة الأول كما ان ظاهر المتن هو الثاني.

و كيف كان فاللازم ملاحظة الأدلة فنقول: ان قلنا بان الدليل على أصل اعتبار الرجوع الى الكفاية هي قاعدة نفى العسر و الحرج فاللازم ان يقال بعدم اعتباره في الموارد المذكورة و مثلها لعدم كون وجوب الحج في مثله مستلزما للعسر و الحرج فإذا فرض ان طالبا من طلاب العلم مع كون اعاشته من طريق الرواتب التي هي من الخمس نوعا صار مستطيعا بسبب الإرث بمقدار نفقة الحج و العيال في مدة الغيبة فقط لا

يكون إيجاب الحج عليه مستلزما للعسر و الحرج بعد كون اعاشته من الرواتب الثابتة بعد الحج أيضا.

و ان قلنا بان الدليل على أصل الاعتبار هو كون الرجوع الى الكفاية مأخوذا في معنى الاستطاعة بحسب نظر العرف و انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فاللازم الحكم بعدم الوجوب في الموارد المذكورة لعدم تحقق الرجوع الى الكفاية و لزوم كونه مالكا لما يستعين به على الاعاشة بعد الرجوع و يستغنى به كما هو المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 235

..........

______________________________

و ان قلنا بان الدليل هي الروايات الواردة في الباب فمقتضى رواية أبي الربيع الشامي المتقدمة على نقل المفيد- قده- أيضا عدم الوجوب لصراحتها في ان المراد بالاستطاعة هي السعة في المال بنحو يبقى بعضا يقوت به نفسه و عياله و ظاهرها باعتبار ذكر النفس هو القوت بعد الرجوع و من المعلوم عدم تحقق السعة بهذا المعنى في مثل الموارد المذكورة كما لا يخفى و لكن قد عرفت عدم ثبوت هذا النقل كما ان مقتضى ما ورد مما يدل على ان المراد من الاستطاعة هي القوة في المال أو القدرة فيه أو اليسار أو مثلها من التعبيرات هو عدم الوجوب بناء على عدم تحقق هذه العناوين في مثل الموارد المذكورة لكنك عرفت انه محل تأمل و اشكال لتفسير السعة بالزاد و الراحلة و نفقة العيال فقط في رواية أبي الربيع على نقل المشايخ الثلاثة على ما مرّ.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 235

هذا و قد عرفت

ان العمدة في الروايات هي صحيحة ذريح المحاربي المتقدمة المشتملة على قوله لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به و من الظاهر انه مع وجود ما يستغنى به من مثل الزكاة و الخمس لا يكون في البين حاجة تجحف به لارتفاع حاجته به و على ما ذكرنا فالظاهر وجوب الحج في الموارد المذكورة و مثلها كالفقير الذي يعيش بالصدقة المستحبة بالاستعطاء و الأخذ و الاعتياد بهما كما ان الظاهر عدم محدودية ذلك بالعمر أو السنة أو مثلهما بل الملاك عدم وجود الحاجة المجحفة و لو فرض تحقق الحاجة الكذائية على خلاف العادة بعد الرجوع من الحج لا يكشف ذلك عن عدم وجوب حجه و عدم كونه حجة الإسلام كما لا يخفى.

و قد صادف هذا الزمان مع فاجعة عظيمة و حادثة مولمة ينبغي ان يسيل لأجلها بدل الدموع الدّم و هي المصيبة الكبرى التي ابتلى بها المسلمون في جميع أقطار العالم بل غير المسلمين من المستضعفين و هي ارتحال سيدنا الأستاذ الأعظم الامام الخمينى الماتن- قدس سره الشريف- بعد دورة قليلة من المرض و الكسالة الذي اضطر فيه الى العمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

الجراحي و كان ذلك ليلة الأحد آخر شوال المكرم من سنة 1409 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية و بعد ان اطلع الناس على هذه الفاجعة من طريق الإذاعة صبيحة يوم الأحد صاروا حيارى سكارى و كأنهم قد أخذ منهم ما هو أحب الأشياء إليهم أو قد فقدوا من له حق الحياة و الهداية عليهم و هو كذلك فإنه وضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم و انقذهم من الضلالة و

ارجع إليهم الإسلام و نظامه و قد أسس الحكومة الإسلامية الحقيقية على مكتب التشيع الذي هو حقيقة الإسلام و بالطبع قد خرجوا من الضلال الذي كان محيطا بهم من جميع الجوانب و أعطاهم الحرية و الاستقلال و رفع يد الاستكبار و الكفار عن هذه المملكة التي صارت مستعمرة للكفر في تمام ابعادها و كان يعامل معها الكفار و في رأسهم الشيطان الكبير (امريكا) معاملة ملك أنفسهم و مع الناس معاملة العبيد و الإماء و كان سعيهم المخالفة مع الإسلام و هدم أساسه و رفع مظاهرة حتى ابدلوا التاريخ الإسلامي الذي مبدئه الهجرة النبوية إلى تاريخ السلطنة القومية لئلا يكون من الإسلام أثر و لا يبقى منه رائحة أصلا و كان الامام الخمينى- قده- هو الذي قابل الكفر و عارضه حتى أسقط حكومة الشاة العميل و الأجير الخبيث و أسس مكانه الحكومة الإسلامية المبتنية على قوانين الإسلام و قد تحمل في هذا الطريق مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و أنواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل في هذا الطريق مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و أنواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل العلم و الدين و يرتزق بسببهما و لم يستشم في الحقيقة رائحتهما خصوصا الدين منهما.

و بالجملة بعد اطلاع الناس على هذه الحادثة غير المترقبة عطلوا دكاكينهم و رفعوا اليد عن مشاغلهم و في ثلاثة أيام التي وقع فيها التوديع و التشييع و التدفين اجتمع ما يزيد على عشرة ملايين من العاصمة و البلاد المختلفة الداخلية و الخارجية و كل يوم منها و من الأيام التي بعدها و الان خامس الأيام كأنه يوم العاشور الذي وقع فيه قتل جده الحسين و أولاده و أنصاره- عليه

و عليهم السلام- فمن محافل اجتمعوا فيه لإقامة العزاء و اجتماعات سيارة مشتملة على الضرب على الرءوس و الصدور و البكاء و الضجّة و من العجائب الذي ليس له في التاريخ نظير أنه لأجل شدة الازدحام و تكاثر الأنام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 237

[مسألة 40- لا يجوز لكل من الولد و الوالد أن يأخذ من مال الأخر و يحج به]

مسألة 40- لا يجوز لكل من الولد و الوالد أن يأخذ من مال الأخر و يحج به، و لا يجب على واحد منهما البذل له، و لا يجب عليه الحج و ان كان فقيرا و كانت نفقته على الأخر و لم تكن نفقة السفر أزيد من الحضر على الأقوى. (1)

______________________________

لم يتمكن من تدفين الإمام إلا بعد ساعات كثيرة بعد تدابير مخصوصة و الاستفادة من القوى الانتظامية و الان بعد مضى خمسة أيام يكون قبره محاطا بالناس و لا يزال يكون مجتمعا عنده ما يزيد على مائة ألف في كل آن و كانّ الناس قد نسوا أهلهم و عيالهم و حتى أنفسهم و لا يتفكرون إلّا في فقدان امامهم و لا يرون الّا ذهاب جميع ما يتعلق بهم من الدين و الدنيا و انا اسلّى هذه المصيبة إلى صاحبها بقية اللّٰه الأعظم روحي و أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء و أرجو من كريم لطفه و فضله و عنايته الشاملة أن ينظر الى القلوب المجروحة و الابصار الدامعة نظرة عناية و رأفة و تحنن و الى هذا النظام و الثورة نظرة تحكيم و تسديد و السلام عليه و على آبائه الطاهرين.

(1) لا خلاف في انه لا يجوز للولد الأخذ من مال الوالد ليحج به و لا يجب على الوالد البذل له و تدل عليه القاعدة و

كذا الروايات التي يأتي بعضها.

انما الخلاف و الاشكال في العكس و هو أخذ الوالد من مال الولد للحج و وجوب إعطاء الولد له و عدم جواز الامتناع عنه فالأشهر بل المشهور- كما في الجواهر- عدم الجواز خلافا للمحكي عن النهاية و الخلاف و التهذيب و المهذب و ان كان بينها اختلاف من جهة التصريح بوجوب الحج على الوالد في الأولين و بالجواز في الأخير و في التهذيب التعبير بأنه يأخذ من مال الولد و هو محتمل للوجوب و الجواز.

و العمدة فيها عبارة الشيخ في الخلاف قال فيه في كتاب الحج في المسألة الثامنة: «إذا كان لولده مال روى أصحابنا انه يجب عليه الحج و يأخذ منه قدر كفايته و يحج به و ليس للابن الامتناع منه و خالف جميع الفقهاء في ذلك دليلنا الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة و قد ذكرناها في الكتاب الكبير و ليس فيها ما يخالفها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

فدل على إجماعهم على ذلك و أيضا قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- أنت و مالك لأبيك فحكم ان ملك الابن مال الأب و إذا كان له فقد وجد الاستطاعة فوجب عليه الحج».

و الرواية التي رواها في كتابه الكبير هي صحيحة سعيد بن يسار الآتية و التعبير بالجمع امّا لما في محكي كشف اللثام من ان الرواية و ان كانت واحدة الّا انه رواها في التهذيب بطريق ثلاثة طريقين في الحج و هما طريق موسى بن القاسم و طريق احمد بن محمد بن عيسى و طريق في المكاسب و هو طريق الحسين بن سعيد و اما لإرادته النصوص الموافقة معها المشتملة على

خصوصيتين إحديهما عدم التعرض فيها للحج و الثانية عدم الاشتمال على قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- أنت و مالك لأبيك اما الأول فلعدم التعرض في شي ء من الروايات لمسألة الحج غير رواية سعيد بن يسار و اما الثاني فلجعل الرواية المشتملة على القول المزبور دليلا آخر على مدعاه كما في العبارة المتقدمة.

و أورد على دعواه الإجماع صاحب الجواهر بأنه لم نعرف من وافقه على ذلك غير المفيد و كيف كان فالرواية ما رواه سعيد: قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير قال نعم يحج منه حجة الإسلام، قلت و ينفق منه قال نعم، ثم قال ان مال الولد لوالده ان رجلا اختصم هو و والده إلى النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- فقضى ان المال و الولد للوالد. «1»

و أورد بعض الاعلام على استدلال الشيخ- قده- بهذه الرواية بوجهين:

أحدهما ان المذكور في الرواية الولد الصغير و من المعلوم جواز تصرف الولي في مال الصغير إذا كان بالمعروف و ثانيهما ان السؤال في الرواية عن الجواز و عدمه لا الوجوب فهي لا تفيد الشيخ- قده- و الجواب عن الإيراد الأول وضوح عدم ارتباط السؤال بمسألة الولاية الثابتة للأب على الصغير فإن الولاية لا ترتبط بحج الولي لنفسه أصلا و عن الإيراد الثاني

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

ان محط السؤال و ان كان هو الجواز و عدمه الا ان توصيف حجه بكونه حجة الإسلام لا يكاد ينطبق الا على الوجوب لان الوجوب مأخوذ في معناها بل قد عرفت ان

الحج الواجب في الشريعة ليس إلا حجة الإسلام فالرواية ظاهرة الدلالة على مرام الشيخ- قده- و تؤيد الرواية المذكورة روايات: منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال في كتاب على- عليه السّلام- ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال لرجل أنت و مالك لأبيك. «1» و لا يخفى ان تقييد الأكل بعدم الإسراف في صدر الرواية ثم إيراد ما في كتاب على- عليه السّلام- و نقل ما قاله رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يشعر بعدم كون المراد منهما الإطلاق و ان مال الابن مال الوالد مطلقا يفعل به ما يشاء.

و منها صحيحة على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: سألته عن الرجل يكون لولده الجارية أ يطأها قال ان أحبّ، و ان كان لولده مال و أحب ان يأخذ منه فليأخذ، و ان كانت الأم حية فلا أحب ان تأخذ منه شيئا إلا قرضا «2» و منها رواية محمد بن سنان ان الرضا- ع- كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله- عز و جل- يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ، مع انه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب

اليه و المدعو له لقوله- عز و جل- ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ، و لقول النبي- ص- أنت و مالك لأبيك و ليس للوالدة مثل ذلك لا تأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه أو اذن الأب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ

______________________________

(1) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 1

(2) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

المرأة بنفقة ولدها. «1»

و في مقابل هذه الروايات روايات اخرى:

مثل صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر- عليه السّلام- ان رسول اللّٰه- ص- قال لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر- ع- ما أحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه ان اللّٰه لا يجب الفساد. «2» و ما في الذيل من قول أبي جعفر- ع- اما إيماء الى عدم صحة ما اشتهر نقله من رسول اللّٰه- كما في الجواهر- و اما إشارة الى عدم كون ذلك حكما فقهيا كليا جاريا في جميع الموارد بل حكما في واقعة خاصة ناشيا عن الجهات الأدبية و الأخلاقية كما يظهر من بعض الروايات الآتية.

و صحيحة ابن سنان قال سألته- يعني أبا عبد اللّٰه- ع- ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال اما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا، و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال: و يعلن ذلك قال و سألته عن الوالد أ يرزأ [1] من مال ولده

شيئا قال نعم و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا إلا بإذنه، فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يقتضيها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ان شاء وطأ و ان شاء باع. «4».

و منها صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال قوته (قوت خ ل) بغير سرف إذا اضطر اليه قال فقلت له: فقول رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: أنت و مالك لأبيك فقال انما

______________________________

[1] رزأه ماله كجعله و علمه رزءا بالضم أصاب منه شيئا كارتزأ ماله و رزأه رزءا و مرزئة أصاب منه خيرا.

______________________________

(1) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 9

(2) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 2

(4) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 241

..........

______________________________

جاء بأبيه إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله فقال يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله هذا ابى و قد ظلمني ميراثي عن أمي فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه و على نفسه و قال أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يحبس الأب للابن. «1» و هذه هي الرواية التي أشرنا إليها و قلنا بدلالتها على عدم كون حكم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و قوله حكما كليا فقهيا بل حكما ادبيا اخلاقيا واقعا في واقعة خاصة و يؤيده انه لا

معنى لكون الابن بنفسه ملكا للأب بحيث يعامل معه معاملة العبد المملوك يبيعه و يتصرف فيه بما يتصرف فيه فهو يدل على عدم كون اضافة ماله إليه إضافة ملكية كأموال نفس الأب.

و منها رواية على بن جعفر عليه السّلام عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال لا الّا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولدان يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذن والده. «2»

و منها صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الوالد يحل له من مال ولده إذا احتاج اليه قال: نعم و ان كان له جارية فأراد أن ينكحها قومها على نفسه و يعلن ذلك قال و ان كان للرجل جارية فأبوه أملك بها ان يقع عليها ما لم يمسها الابن. «3»

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة ان قول الشيخ ضعيف و ان كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار و استدل عليه بإعراض الأصحاب عنه قال مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه، أو على ما إذا كان فقيرا و كانت نفقته على ولده و لم يكن نفقة السفر الى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب- ح- أقول: اما الاعراض فلا مجال لإثباته بل لا مجال لدعويه بعد ذهاب الشيخين

______________________________

(1) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 8

(2) ئل أبواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح- 6

(3) ئل أبواب ما يكتسب به الباب التاسع و السبعون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 242

..........

______________________________

الى مفاده و

الفتوى على طبقه خصوصا مع ادعاء الشيخ الإجماع على وفقه كما عرفت في عبارته المتقدمة و فتوى المشهور على الخلاف لا دلالة لها على الاعراض فإنه يمكن ان يكون وجهها ترجيح الطائفة المعارضة و تقديمها عليه لا الاعراض و اما إمكان الحمل الأول المحكي عن الاستبصار و بعض كتب العلامة فلا يكفى بمجرده بعد عدم اقتضاء الجمع العرفي له و كذا إمكان الحمل الثاني المحكي عن كاشف اللثام فإنه أيضا بمجرده لا يكفي إلا إذا كان مقتضى الجمع العرفي.

و التحقيق في المقام ان يقال ان ما استدل به الشيخ لمرامه في كتاب الخلاف أمران أحدهما: الحديث النبوي و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله أنت و مالك لأبيك الثاني: صحيح سعيد بن يسار.

اما الحديث النبوي فظاهره و ان كان ثبوت الملكية للوالد بالإضافة الى مال الولد مطلقا لكنه قد ورد في تفسيره و بيان المراد منه طائفتان من الروايات من الأئمة الأطهار- عليهم الصلاة و السلام- و من الظاهر ثبوت المعارضة بين الطائفتين و عدم إمكان الجمع بين التفسيرين فإنه كيف يجتمع ثبوت الملكية المطلقة التي مقتضاها التصرف فيه ما شاء و بأيّ نحو أراد مع كون المراد هو القوت مع الاضطرار اليه بدون ان يتحقق الإسراف و بعد تحقق التعارض لا محيص عن الرجوع الى المرجحات و قد ذكرنا مرارا ان أول المرجحات على ما يستفاد من المقبولة هي موافقة الشهرة الفتوائية و من المعلوم موافقتها مع الروايات الحاكمة بالتحديد و لزوم الاقتصار على القوت المذكور.

نعم بعض الروايات المتقدمة خالية عن التعرض للنبوي و التفسير له و تدل على جواز وطي جارية الابن ان أحبّ الأب و لكنها قابلة للحمل على ما إذا قومها

على نفسها بشهادة الروايات الأخر المتعددة الدالة على ذلك و مقتضى الجمع مع ذلك انّه حكم ارفاقى بالإضافة إلى الوالد على خلاف القاعدة لدلالته على جواز التقويم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 243

[مسألة 41- لو حصلت الاستطاعة لا يجب ان يحج من ماله]

مسألة 41- لو حصلت الاستطاعة لا يجب ان يحج من ماله، فلو حج متسكعا أو من مال غيره و لو غصبا صح و أجزأه نعم الأحوط عدم صحة صلاة الطواف مع غصبية ثوبه، و لو شراه بالذمة أو شرى الهدى كذلك فان كان بناؤه الأداء من الغصب ففيه اشكال و الا فلا إشكال في الصحة، و في بطلانه مع غصبية ثوب الإحرام و السعي إشكال و الأحوط الاجتناب (1)

______________________________

و لو من غير اذن الابن أو رضاه و الظاهر انه لا فرق فيه بين ما إذا كان الابن صغيرا أو كبيرا للتعبير عن الولد بالرجل في بعض الروايات المتقدمة.

و اما صحيحة سعيد بن يسار فلو كانت خالية من الذيل المشتمل على التعليل بالنبوي و التفسير له بما يوافق إحدى الطائفتين المتقدمتين لكان من الممكن القول بوجوب الحج على الوالد من مال الولد لعدم المخالف له في هذه الجهة و عدم منافاته مع التفسير بالقوت بغير سرف كعدم منافاة تقويم الجارية لنفسه على ما عرفت الا ان اشتمالها على التعليل المزبور المبتني على أحد التفسيرين و رجحان التفسير الأخر عليه يوجب ضعف الرواية و عدم إمكان الالتزام بمفادها فالحق- ح- ما عليه المشهور من عدم الوجوب بل عدم الجواز مطلقا حتى في الفرض الذي استظهر السيد- قده- الوجوب فيه كما لا يخفى.

(1) الاستطاعة الحاصلة شرط لوجوب الحج و ثبوته على المكلف و اما صرفها في الحج فلا دليل

على وجوبه الا فيما إذا توقف الإتيان بالحج عليه و في غير هذه الصورة لا مجال لتوهم الوجوب و عليه فلو حج المستطيع متسكعا و مضيقا على نفسه في المركب و المسكن و غيرهما لا يقدح ذلك في صحة حجه و تمامية عمله بوجه كما انه لو حج من مال غيره مثل ما إذا بذل له الغير مصارف الحج ليحج لنفسه فقبل و صرف المال المبذول لا يضر ذلك بعمله أصلا و لا يوجب عدم اتصاف حجه بكونه حجة الإسلام الواجبة بسبب الاستطاعة المالية بل لو كان مال الغير الذي صرفه في الحج قد صرفه بغير اذنه و رضاه فإنه لا يوجب البطلان نعم الكلام يقع في موارد خاصة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

منها الطواف فإنه حكم جماعة و منهم السيد- قده- في العروة باعتبار الستر في الطواف كاعتباره في الصلاة و لذا افتى السيد- قده- في المقام بعدم الصحة إذا كان ثوب الطواف غصبا و يظهر من الماتن- قدس سره الشريف- عدم الاعتبار لتعرضه لحكم صلاة الطواف مع غصبية الثوب دون نفس الطواف و قد احتاط وجوبا في كتاب الصلاة في مسألة اعتبار الستر في الصلاة باعتباره في الطواف أيضا و قد اخترنا هناك عدم الاعتبار.

و كيف كان فالظاهر عندنا عدم البطلان سواء قلنا باعتباره في أصل الطواف أو باعتباره في خصوص صلوته لان البطلان مبنى على القول بالامتناع و تقديم جانب النهي في مسألة اجتماع الأمر و النهى المعروفة أو على القول بالاجتماع و دعوى عدم إمكان كون المبعد مقربا في الخارج كما اختاره سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قده- و اما على تقدير القول بالاجتماع و إمكان

اجتماع المقرب و المبعد في عمل واحد خارجي لأجل العنوانين و انطباق المفهومين فاللازم هو القول بالصحة و يظهر من الماتن- قده- الترديد في ذلك لجعل عدم الصحة مقتضى الاحتياط الوجوبي و كان- قده- في مجلس الدرس أيضا مرددا في هذه الجهة.

و منها الهدى فإنه لو اشتراه بثمن معين مغصوب فالمعاملة باطلة و لازمها عدم انتقال الهدى الى ملكه و عليه يكون الحج باطلا و لو اشتراه بثمن كلي في الذمة فمقتضى إطلاق بعض الكلمات الصحة و لو ادى الثمن من المال المغصوب فإن الأداء المذكور لا يوجب بطلان المعاملة بل غايته ثبوت الثمن في ذمته بعد صحة المعاملة هذا و لكن يظهر من الماتن- قده- انه في هذه الصورة إذا كان بناؤه حال المعاملة على الأداء من المال المغصوب ففي صحة المعاملة إشكال و هو يستلزم الإشكال في صحة الحج و الوجه فيه انه مع هذا البناء ربما يمكن ان يقال بتحقق أكل المال بالباطل المنهي عنه نعم مع عدم هذا البناء لا مجال للإشكال في الصحة سواء كان بناؤه على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 245

[مسألة 42- يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية]

مسألة 42- يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية فلا يجب على مريض لا يقدر على الركوب أو كان حرجا عليه و لو على المحمل و السيارة و الطيارة، و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية فلا يجب لو كان الوقت ضيقا لا يمكن الوصول الى الحج أو أمكن بمشقة شديدة، و الاستطاعة السربية بان لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول الى الميقات أو الى تمام الاعمال و الا لم يجب، و كذا لو كان خائفا على نفسه أو بدنه أو

عرضه أو ماله و كان الطريق منحصرا فيه أو كان جميع الطرق كذلك، و لو كان طريق الا بعد مأمونا يجب الذهاب منه، و لو كان الجمع مخوفا لكن يمكنه الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه لا يجب على الأقوى. (1)

______________________________

الأداء من مال نفسه أو لم يكن له بناء على الأداء من اىّ مال.

و منها ثوب الإحرام و قد حكم السيد- قده- في العروة بعدم الصحة مع غصبيته مع انه حكم في مباحث الإحرام بعدم مدخلية لبس الثوبين في ماهية الإحرام و حقيقته بل هو واجب تعبدي آخر و لا يكون من الأركان و عليه فلا يكون غصبيته موجبة لبطلان الحج أصلا.

نعم لو كان دخيلا و شرطا في الإحرام لكان اللازم الحكم بالبطلان بناء على مبناهم و اما على ما اخترنا فلا مجال للحكم بالبطلان و لو على هذا التقدير كما لا يخفى.

و منها ثوب السعي و الظاهر انه لا مجال للحكم بالبطلان مع كونه مغصوبا أصلا لأنه لا يعتبر فيه الستر و يصح حتى في صورة عدم وجوده و كونه عاريا و لكنه ذكر السيد- قده- في العروة انه لا يصح الحج في هذا المورد أيضا.

(1) تشتمل هذه المسألة على اعتبار ثلاث استطاعات في وجوب الحج:

الاولى الاستطاعة البدنية و الكلام فيها يقع في مراحل:

المرحلة الأولى أصل اعتبارها في الوجوب في الجملة و يدل عليه- مضافا الى ما في الجواهر: من قوله بلا خلاف أجده فيه بل عن المنتهى كأنه إجماعي بل عن المعتبر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 246

..........

______________________________

اتفاق العلماء عليه. بل في المستند دعوى الإجماع صريحا- الروايات المستفيضة الظاهرة في ذلك بل

في بعضها تفسير الاستطاعة الواردة في الآية الشريفة بما يشتمل عليها منها صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي قال سئل حفص الكناسي أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- و انا عنده عن قول اللّٰه عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. ما يعنى بذلك؟ قال من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي: فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى، له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟

قال: نعم. «1».

و منها خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السّلام- في كتابه إلى المأمون قال و حج البيت فريضة على من اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة «2» و منها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في قوله- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه، له زاد و راحلة. «3»

و منها رواية الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في قوله: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة فهو مستطيع للحج. «4»

و منها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن قوله:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال الصحة في بدنه و القدرة في ماله «5»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 4

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح-

6

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 7

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 10

(5) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 12

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

و منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوّفه للتجارة فلا يسعه و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به الحديث. [1]

و منها صحيحة ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا. و فيما رواه الشيخ قال: ان شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا. «2».

و لكن ربما يتوهم انه تعارض هذه الروايات ما رواه السكوني عن أبي عبد الهّٰ - عليه السّلام- قال سأله رجل من أهل القدر فقال يا ابن رسول اللّٰه أخبرني عن قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أ ليس قد جعل اللّٰه لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن الحديث. «3».

و يدفع التوهم المذكور- مضافا الى عدم تمامية الرواية من حيث السند- ان ظاهر الجواب باعتبار كونه جوابا عن سؤال كون المراد بالاستطاعة في الآية خصوص الاستطاعة البدنية المتحققة في غالب الناس انه ليس المراد خصوص ذلك بل ما

يشمل الزاد و الراحلة اللذين يحتاجان الى التحصيل نوعا و على تقدير الإجمال في الجواب تكون الروايات السابقة مبنية للمراد منه و مفسرة لما أريد و انه ليس المراد نفى مدخلية الاستطاعة البدنية رأسا بل المراد عدم كونها بخصوصها مرادة من الاستطاعة

______________________________

[1] ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح- 1 و في الوسائل بدل سوفه: سوقه و الظاهر عدم صحته

______________________________

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 248

..........

______________________________

القرآنية كما انه لو فرض ثبوت التعارض يكون الترجيح مع تلك الروايات لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة على ما عرفت فلا مجال للإشكال في أصل اعتبار الاستطاعة البدنية في الجملة.

المرحلة الثانية في المراد من الاستطاعة البدنية قد ظهر مما تقدم ان العنوان المأخوذ في أكثر الروايات المتقدمة الصحة في البدن و في صحيحة ذريح جعل المانع المرض الذي لا يطيق فيه الحج و الظاهر ان هذا هو الملاك باعتبار تناسب الحكم و الموضوع و كون المراد من الطاقة هي الطاقة العرفية لا العقلية كما هو واضح فالمرض الذي لا يكون الحج معه مقدورا عرفا يمنع عن تحقق الوجوب و عليه فمثل الأعمى و الأصم و الأخرس و الأعرج و بعض الأمراض المنافي لصحة البدن غير المنافي للحج بوجه لا يكون خارجا بالاستطاعة البدنية و كذلك السفيه و لو فرض كون السفه شعبة من الجنون لا يكون خارجا عن دائرة الحكم بالوجوب.

و يظهر مما ذكرنا ان الملاك كون المرض لا يطيق فيه الحج فلا يختص بعدم القدرة على الركوب فقط كما يستشم من كلمات

الفقهاء حيث انهم فرعوا على اعتبار الاستطاعة البدنية عدم القدرة على الركوب و عليه فلو كان منشأ عدم القدرة شيئا آخر غير مسألة الركوب كالاستيحاش الذي لا يتحمل من جهة رؤية تلك الجمعية الكثيرة المجتمعة في مكة و كذلك بعض الجهات الأخر يكون ذلك مانعا عن الوجوب.

المرحلة الثالثة في الفرعين اللذين ألحقهما السيد- قده- في العروة بعدم القدرة على الركوب و حكم فيهما بعدم الوجوب قال: و كذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته، و كذا لو احتاج الى خادم و لكن عنده مئونته و موردهما ما إذا كانت الاستطاعة المالية المناسبة لشأنه متحققة و لكن المرض صار مانعا عن الجري على طبقها فكان شأنه الركوب على الدابة و لكنه لا يقدر عليه بل على الركوب على المحمل و مثله في هذه الأزمنة ما إذا كان شأنه الركوب على السيارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 249

..........

______________________________

و لكنه لا يقدر لأجل المرض الأعلى الركوب على الطيارة و في مثال الخادم كانت الاستطاعة المناسبة لشأنه حاصلة بدون الخادم أيضا و لكن المرض اقتضى استصحابه و المفروض في المثالين عدم القدرة المالية على المحمل و على الخادم.

ثم ان وجه الحكم بعدم الوجوب في الفرعين واضح لان ما يقدر عليه لا يكون عنده مئونته و ما لا يقدر عليه لا يجب عليه لذلك فالحكم هو عدم الوجوب و لكنه وقع الكلام في ان سقوط وجوب الحج فيهما هل هو لأجل فقدان الاستطاعة المالية و عدم التمكن المالى أو انه لأجل وجود المرض و فقد الاستطاعة البدنية فعلى الأول لا يجب الحج بالمرة فلا تجب الاستنابة كما لا تجب

المباشرة و على الثاني تجب الاستنابة لما سيأتي من وجوب الاستنابة على المريض لدلالة النصوص عليه.

و الظاهر من إلحاق العروة هو الثاني و هو الحق لأن المفروض ان الاستطاعة المالية المناسبة لشأنه حاصلة لا نقص فيها أصلا غاية الأمر ان المرض صار مانعا عن الجري على طبقها و الركوب على الدابة و الحج بدون استصحاب الخادم و عليه فيجري فيهما حكم المريض من وجوب الاستنابة كما سيأتي بيان حكم المريض.

هذا و يظهر من عبارة المتن بلحاظ جعل المثال عدم القدرة على الركوب و لو على المحمل أو السيارة أو الطيارة ان صورة القدرة على الركوب على المحمل أو مثله خارج عن مثال المرض فاللازم ان يكون الوجه للسقوط هو فقد الاستطاعة المالية.

و هذا المعنى و ان كان يستفاد من العبارة الّا ان الظاهر عدم كونه مرادا للماتن- قدس سره الشريف- و يؤيده بل يدل عليه خلو هذين الفرعين المذكورين في العروة عن موارد تعليقته عليها و هو يدل على موافقته معها في هذه الجهة كما لا يخفى الثانية الاستطاعة الزمانية و قد نسب اعتبارها في الوجوب العلامة في التذكرة إلى علمائنا و في كشف اللثام انه إجماع و قال النراقي- قده- في المستند: للإجماع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 250

..........

______________________________

و فقد الاستطاعة و لزوم الحرج و العسر و كونه مما يعذره اللّٰه تعالى فيه كما صرح به في بعض الاخبار.

و يدل على اعتبارها و ان كانت الروايات الواردة في الاستطاعة و بيان المراد منها خالية عن التعرض لها انه لو كان الوقت ضيقا بحيث لا يقدر و لا يمكنه الوصول الى الحج تكون العلة لعدم الوجوب هو عدم القدرة

العقلية المعتبرة في ثبوت التكليف و إذا أمكنه لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة يكون الوجه لعدم الوجوب هو دليل نفى الحرج الحاكم بعدم ثبوته معه كما لا يخفى.

ثم انه فرع السيد- قده- في العروة على عدم وجوب الحج فيما إذا كان الوقت ضيقا قوله: و- حينئذ- فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب و الا فلا و يظهر من أكثر محشى العروة و منهم الامام الماتن- قدس سره الشريف- الموافقة معه في هذه الجهة.

و لكنه أورد عليه بعض الاعلام في شرح العروة بأن الصحيح وجوب إبقاء الاستطاعة و عدم جواز تفويتها اختيارا لان وجوب الحج غير مقيد بزمان و انما الواجب مقيد بزمان خاص فالوجوب حالي و الواجب استقبالي كما هو شأن الواجب المعلق و لذا لو توقف الحج على قطع المسافة أزيد من سنة واحدة كما كان يتفق ذلك أحيانا في الأزمنة السابقة وجب الذهاب، و الاستطاعة الموجبة للحج غير مقيدة بحصولها في أشهر الحج أو بخروج الرفقة بل متى حصلت وجب الحج و يجب عليه التحفظ على الاستطاعة فلو استطاع في الخامس من شهر ذي الحجة و لم يتمكن من السفر الى الحج في هذه السنة يجب عليه إبقاء المال إلى السنة الآتية ليحج به.

و الجواب عن هذا الإيراد يظهر بعد ملاحظة أمرين: الأول ان الواجب المشروط الذي يتوقف وجوبه على تحقق الشرط و ثبوته إذا كان مشروطا بشرائط متعددة بحيث كان اجتماعها و تحقق مجموعها دخيلا في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

ثبوت الوجوب لا يتحقق وجوب الا بعد اجتماعها و يكون نقصان واحد منها كافيا في عدم تحقق الوجوب لان المفروض شرطية الاجتماع.

الثاني ان

ارتباط الزمان و إضافته إلى الحج يكون على نحوين فان الملحوظ ان كان نفس الزمان الذي يقع فيه اعمال الحج و مناسكه تكون مدخليته في الحج بنحو الواجب المعلق الذي أفاده المورد بمعنى كونه قيدا و دخيلا في الواجب دون الوجوب و ان كان الملحوظ الاستطاعة الزمانية التي هي وصف المكلف لان المراد به هي قدرته على ان يأتي بالحج في زمانه من دون ان يكون هناك حرج و مشقة فاعتبارها انما هو في الوجوب كاعتبار الاستطاعة المالية و الاستطاعة البدنية و لا يتحقق الوجوب بدونها لأن القدرة العقلية شرط لأصل ثبوت التكليف و دليل نفى الحرج رافع لأصل الحكم في مورد ثبوت الحرج.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان مقتضى الأمرين عدم وجوب الحج مع انتفاء الاستطاعة الزمانية كعدم وجوبه مع انتفاء الاستطاعة المالية أو البدنية و مع عدم وجوب الحج لا مجال للحكم بوجوب إبقاء الاستطاعة و التحفظ عليها الى العام القابل و الا فاللازم وجوب إبقاء الاستطاعة البدنية أيضا إذا كانت الاستطاعة المالية منتفية و لكنه يعلم بتحققها في العام القابل لأن دخالة الاستطاعتين في الوجوب على نحو واحد خصوصا مع التصريح في كثير من الروايات المتقدمة الواردة في تفسير الاستطاعة باعتبار كلا الأمرين كما ان اللازم فيما إذا كانت الاستطاعة المالية متحققة دون البدنية الحكم بلزوم إبقائها خصوصا في صورة العلم بتحقق الاستطاعة البدنية في العام القابل و الظاهر عدم التزامه به.

و لا مجال لدعوى ان المراد بالاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج هي الاستطاعة و لو بعد خمسين عاما بحيث لو علم بتحقق الاستطاعة الزمانية بعد الخمسين يجب عليه الحج فعلا و يجب عليه حفظ الاستطاعة المالية و إبقائها في مدة

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

الخمسين فالظاهر- حينئذ- ما افاده السيد- قده- في العروة و العجب انه لم يعلق المورد على هذا المورد في تعليقاته على العروة كأكثر المحشين على ما عرفت.

الثالثة الاستطاعة السربية و اعتبارها في وجوب الحج هو المشهور بين الفقهاء بل ادعى عليه الإجماع كما ذكره النراقي في المستند و يدل عليه الآية الشريفة المتضمنة لقوله تعالى مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا نظرا الى ان استطاعة السبيل هي الاستطاعة السربية و لا أقل من شموله لهذه الاستطاعة كما يدل عليه جملة من الروايات المتقدمة الدالة على ان تخلية السرب مأخوذة في الاستطاعة في رديف صحة البدن و الزاد و الراحلة و السرب بفتح السين المهملة و قد تكسر بمعنى الطريق فلا إشكال في اعتبارها و عليه فلو كان في الطريق مانع من الوصول الى الميقات أو الى مواضع الأعمال الأخر كمكة و عرفات و منى و نحوها لا يجب الحج من أول الأمر نعم لو عرض المانع في الأثناء فهو من المصدود الذي يأتي حكمه بعدا.

و الحق في المتن بذلك في عدم الوجوب ما لو كان خائفا على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله و كان الطريق منحصرا به أو كان جميع الطرق كذلك و الظاهر ان ملاك الإلحاق ليس هو شمول عدم تخلية السرب لصورة الخوف المذكور و عدم الا من فإنه مضافا الى ان التخلية و عدمها أمران واقعيان و الاستطاعة السربية تكون كسائر الاستطاعات من جهة الواقعية و لا ترتبط بالاحتمال الذي مورده النفس تكون تخلية السرب امرا لأنه عبارة عن عدم ثبوت المانع من الوصول الى الميقات أو الى تمام الاعمال و الخطر

خصوصا إذا لم يكن على النفس امرا آخر.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان خوف الضرر بنفسه كما قد يستفاد من بعض الروايات طريق عقلائي إلى الضرر و لا يلزم ان يكون الضرر معلوما جزما بل جرت سيرة العقلاء على الاجتناب عن محتمل الضرر فالحكم في مورد خوف الضرر مرفوع واقعا حتى لو انكشف الخلاف و تبين عدم وجود المانع في الطريق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

و قد ذكر في المستمسك: «ان الحكم هنا ظاهري فإن موضوع الحكم الواقعي بعدم الوجوب لعدم الاستطاعة هو عدم تخلية السرب واقعا فمع الشك لا يحرز الحكم الواقعي بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا نعم مع احتمال تلف النفس لما كان يحرم السفر يكون الحكم الظاهري بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعي بانتفاء الاستطاعة و انتفاء وجوب الحج لكن لا لأجل تخلية السرب بل للحرمة الظاهرية المانعة عن القدرة على السفر اما مع احتمال تلف المال أو غيره مما لا يكون الاقدام معه حراما فالأصول و القواعد العقلائية المرخصة في ترك السفر تكون من قيل الحجة على انتفاء تخلية السرب و لأجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر وجود الحجة على عدم وجوبه من أصل عقلائي أو امارة كذلك تقتضي الترخيص في تركه و عليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه مستطيعا واقعا انتهى موضوع الحاجة من كلامه زيد في علو شأنه و مقامه.

و يرد عليه ان ما أفاده في صورة الخوف على النفس مبنى على اعتبار القدرة الشرعية غير المتحققة مع ثبوت الحرمة في الحج و وجوبه و قد مر و يأتي عدم اعتبارها في الوجوب أصلا و

ان الاستطاعة المعتبرة في الوجوب تجتمع مع توقف الحج على الإتيان بالمحرم لكنه تتحقق المزاحمة حينئذ و الترجيح مع ما هو أهم كما سيأتي و ان التفصيل بين هذه الصورة و بين صورة الخوف على غير النفس من جهة انتفاء تخلية السرب في الأخيرة و عدم انتفائها في الأولى مما لا يقبله الذوق الفقهي أصلا.

و اما ما افاده بعض الاعلام مما تقدم فيرد عليه ان وجوب دفع الضرر المحتمل ان كان في مورد العقاب المحتمل فهو و ان كان مسلما الا انه يرجع الى الاحتياط اللازم في مورد احتمال العقاب و يكون من الأصول العملية و الأحكام الظاهرية و ان كان في مورد الضرر غير العقاب فهو مع انه محل اشكال و مناقشة لعدم الدليل على الوجوب و لو عند العقلاء لا يكون على تقديره إلّا أصلا عقلائيا و لا مجال لدعوى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 254

..........

______________________________

كون احتمال الضرر و ان كان احتمالا عقلائيا طريقا لثبوت الضرر الواقعي المرفوع بقاعدة نفى الضرر ضرورة ان موضوع القاعدة هو ما إذا كان الضرر محققا ثابتا مع انه قد ذكرنا مرارا ان قاعدة لا ضرر أجنبية عن الأحكام الفقهية بل هو حكم حكومتى صادر من النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بما انه حاكم على المسلمين و التحقيق في محله.

و كيف كان فظاهر إطلاق المتن انه لا فرق في المال الذي يخاف عليه بين القليل و الكثير كما ربما ظهر من معقد الإجماع المحكي عن التذكرة و نفى الخلاف في محكي الحدائق و لكنه ذكر صاحب الجواهر انه لو كان المال قليلا غير مضر و غير مجحف اتجه الوجوب- حينئذ و

كان ذلك كزيادة أثمان الآلات على الأقوى بل حكى فيه عن كشف اللثام عدم السقوط و ان خاف على كل ما يملكه سواء قيل باشتراط الرجوع الى الكفاية أو قيل بعدمها لأنه بالاستطاعة قد دخل في العمومات و خوف التلف غير التلف و غاية ما يلزمه ان يؤخذ ماله فيرجع.

هذا و لكن التفصيل الذي ذكره صاحب الجواهر وجيه.

بقي في هذه المسألة فرعان: أحدهما ما لو كان طريق الأبعد مأمونا و قد حكم في المتن بوجوب الذهاب منه و الوجه فيه ان أقربية الطريق لا دخالة لها في وجوب الحج نعم لا بد من فرض المسألة فيما إذا كانت الاستطاعة بقدر الطريق الا بعد ضرورة انه لو لم تكن بهذا المقدار لا يجب عليه الذهاب منه.

ثانيهما ما لو كان الجميع مخوفا لكن يمكنه الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه و قد حكم فيه أيضا بعدم الوجوب و هذا الفرع بالنحو المفروض في المتن لا يرد على الحكم بعدم الوجوب فيه شي ء و اما بالنحو المذكور في العروة الخالي عن قيد: لا تعد طريقا اليه فيرد عليه اشكال بعض الشروح فإنه لو لم يكن البلاد البعيدة بحيث لا تعد طريقا اليه لا وجه للحكم بعدم وجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 255

[ (مسألة 43- لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به]

(مسألة 43- لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه لم يجب، و لو استلزم ترك واجب أهم منه أو فعل حرام كذلك يقدم الأهم لكن إذا خالف و حج صح و أجزأه عن حجة الإسلام و لو كان في الطريق ظالم لا يندفع الا بالمال فان

كان مانعا عن العبور و لم يكن السرب مخلى عرفا و لكن يمكن تخليته بالمال لا يجب، و ان لم يكن كذلك لكن يأخذ من كل عابر شيئا يجب إلا إذا كان دفعه حرجيا (1)

______________________________

الحج حينئذ و الاستدلال له بعدم صدق تخلية السرب كما في العروة غير صحيح لان المفروض عدم وجود المانع في العبور بهذا النحو و الدوران في بلاد بعيدة و مجرد البعد لا يقتضي انتفاء تخلية السرب كما لا يخفى و اما مع القيد المذكور في المتن فلا موقع للإشكال أصلا لأن المفروض انه ليس في البين طريق عرفا حتى يكون مخلى أم لا فالحكم مع هذا القيد ظاهر.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول ما لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه و الحكم فيه عدم الوجوب كما في جميع الموارد التي يستلزم الحج الحرج فان وجوبه منفي بقاعدة نفى الحرج هذا على مبنى الماتن- قده- من ان دليل نفى الضرر غير مرتبط بالحكم الفقهي بل هو حكم مولوي ناش عن مقام حكومة النبي- ص- و اما على مبنى المشهور من ان الدليل المذكور رافع للأحكام الضررية في رديف دليل نفى الحرج فلا يحتاج الى القيد الأخير و هو كون تحمله حرجا عليه بل يكفى كون المال معتدا به يكون تلفه مضرا بحاله و ان لم يكن حرجا كما عنونه في العروة كذلك و ان أورد عليه بان الحج من الأحكام الضررية التي لا يجرى فيها دليل نفى الضرر لانه من التكاليف المبنية على الضرر كالزكاة و الخمس و الجهاد و نحوها تكون أدلتها مخصصة لدليل نفى الضرر.

و لكنه أجيب عن الإيراد المذكور بان

الحج و ان كان حكما ضرريا في نفسه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 256

..........

______________________________

لكن بالنسبة إلى المقدار اللازم مما يقتضيه طبع الحج و اما الضرر الزائد عن ذلك الذي ليس من شئون الحج و لا من مقتضيات طبعه فلا مخصص له و لا مانع من شمول دليل نفى الضرر له.

الثاني ما لو استلزم الحج ترك واجب أو فعل حرام و قد مر ان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج هي الاستطاعة الجامعة لا الاستطاعات الأربعة المتقدمة التي هي أمور واقعية و ليست الاستطاعة الشرعية معتبرة فيه زائدة على الاستطاعة الجامعة المذكورة و- ح- فمع تحقق هذه الاستطاعة يتنجز التكليف بالحج فان كان الحج مستلزما لترك واجب أو فعل حرام فاللازم اجراء قواعد باب التزاحم بينهما من ترجيح ما هو الأهم قطعا أو محتمل الأهمية و التخيير في غير الصورتين فإذا استلزم الحج لتلف نفس محترمة فلا إشكال في تقدم وجوب حفظ النفس على وجوب الحج و إذا استلزم ترك صلة الرحم- مثلا- فلا شبهة في تقدم وجوب الحج على وجوبها و هكذا لا بد من ملاحظة ما هو الأهم و ترجيحه على غيره و التخيير في صورة التساوي المطلق.

ثم انه قد حقق في الأصول انه لو خالف الأمر بالأهم و اشتغل بالمهم و كان عبادة كما في المثال المعروف و هي الصلاة و الإزالة تكون العبادة صحيحة إما لوجود ملاك الأمر فيها و اما لأجل صحة الترتب و إمكانه المقتضي لصحة العبادة و لو على القول بافتقارها الى الأمر الفعلي أو بنحو ثالث حققه الماتن- قده- في علم الأصول.

و كيف كان فمع المخالفة و الاشتغال بالحج لا موقع للإشكال في

صحته بل يصح و يجزى عن حجة الإسلام كما لا يخفى.

الثالث ما إذا كان في الطريق ظالم لا يندفع الا بالمال و قد فرض فيه فرضين:

أحدهما ما إذا كان غرض الظالم و هدفه مجرد المنع عن العبور و عليه فلا يكون السرب مخلى لوجود الظالم المانع من العبور و لكن يمكن تخليته بالمال و الحكم فيه عدم دفع المال لتحقق التخلية لأن تحصيل التخلية كتحصيل الاستطاعة المالية و مثلها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 257

[مسألة 44- لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان خلافه]

مسألة 44- لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان خلافه لم يجز عن حجة الإسلام، و كذا لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف، و لو اعتقد عدم الضرر أو الحرج فبان الخلاف فان كان الضرر نفسيا أو ماليا بلغ حد الحرج أو كان الحج حرجيا ففي كفايته اشكال بل عدمها لا يخلو من وجه، و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج فغير مانع عن وجوب الحج، نعم لو تحمل الضرر و الحرج حتى بلغ الميقات فارتفع الضرر و الحرج و صار مستطيعا فالأقوى كفايته. و لو اعتقد عدم المزاحم الشرعي الأهم فحج فبان الخلاف صح، و لو اعتقد كونه غير بالغ فحج ندبا فبان خلافه ففيه تفصيل مر نظيره و لو تركه مع بقاء الشرائط إلى تمام الاعمال استقر عليه و يحتمل اشتراط بقائها إلى زمان إمكان العود الى محله على اشكال. و ان اعتقد عدم كفاية ماله عن حجة الإسلام فتركها فبان الخلاف استقر عليه مع وجود سائر الشرائط، و ان اعتقد المانع من العدو أو الحرج أو الضرر المستلزم له فترك فبان الخلاف فالظاهر استقراره عليه سيما في الحرج، و

ان اعتقد وجود مزاحم شرعي أهم فترك فبان الخلاف استقر عليه. (1)

______________________________

لا يكون واجبا لانه لا يجب تحصيل شرط التكليف.

ثانيهما ما إذا كان السرب مخلى و لكن غرض الظالم و هدفه أخذ المال من دون ان يكون المنع عن العبور مقصودا فيأخذ من كل عابر شيئا و الحكم فيه وجوب دفع المال فيما إذا لم يكن حرجا و موجبا لوقوعه في المشقة و العسر.

و الفرق بين الفرضين واضح فان الغرض في الأول عبارة عن المنع عن العبور و في الثاني عبارة عن أخذ المال و لذا لو لم يدفع اليه مال و رجع العابر عن الطريق يتحقق الغرض في الأول دون الثاني فلا مجال لتوهم انه لا فرق بين الفرضين لتوقف العبور على دفع المال في كليهما.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفروع كثيرة تجمعها احدى الضابطتين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 258

..........

______________________________

اعتقاد وجود بعض الشرائط مع كونه مفقودا في الواقع و الانكشاف بعد الحج، و اعتقاد فقد بعض الشرائط مع كونه موجودا في الواقع كذلك.

الأول: ما لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان الخلاف و الحكم فيه عدم كونه مجزيا عن حجة الإسلام لأن المفروض ان ما اتى به لم يكن واجدا لشرائطها لعدم وقوعه في حال البلوغ فلا محالة يقع ندبا- بناء على مشروعية عبادات الصبي كما هو مقتضى التحقيق- و الحج الندبي لا يجزى عن حجة الإسلام التي هي حج واجب بأصل الشرع و بعبارة أخرى بعد ما صار بالغا و كان سائر الشرائط موجودا يكون مقتضى إطلاق الكتاب و السنة وجوب الحج عليه و ليس في مقابله ما يدل على العدم فاللازم حينئذ الحكم بعدم

الإجزاء.

الثاني: ما لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف و قد سوى الماتن- قده- بينه و بين الفرع الأول في الحكم بعدم الاجزاء و لكن السيد- قده- في العروة بعد الحكم في الفرع الأول بأن الظاهر بل المقطوع عدم اجزائه عن حجة الإسلام ذكر في هذا الفرع ان في اجزائه عن حجة الإسلام و عدمه وجهين: من فقد الشرائط واقعا و من ان القدر المسلم من عدم أجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة.

و كأنه- قده- تخيل ان الحكم بعدم الاجزاء حكم مخالف للقاعدة يقتصر فيه على المقدار الذي دل الدليل عليه و حيث ان الدليل في المقام هو الإجماع و هو دليل لبى يقتصر فيه على القدر المسلم و هو ما إذا كان الحج المأتي به متصفا بعنوان الاستحباب واقعا و اعتقادا و اما المقام الذي يكون الاعتقاد على خلاف الواقع فلا يعلم بشمول الإجماع له فيحكم بالاجزاء على وفق القاعدة.

مع انك عرفت ان الحكم بعدم الاجزاء حكم موافق للقاعدة و منشأه إطلاق الكتاب و السنة الحاكم بلزوم الحج على المستطيع و ان تحقق منه الحج قبل الاستطاعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 259

..........

______________________________

فالحكم بالاجزاء يحتاج الى دليل في مقابل القاعدة و المفروض انتفائه في المقام فاللازم هو الحكم بالعدم كما في المتن.

الثالث: ما لو اعتقد عدم الضرر أو الحرج فبان الخلاف و الكلام في هذا الفرع تارة في الحرج سواء كان من جهة المال أو من جهة غيره و اخرى في الضرر اما من جهة الحرج فإذا كان الحج مستلزما للحرج واقعا و ان كان اعتقاده على خلافه فقد رجح في المتن عدم الكفاية

بعد الاستشكال فيها و الوجه فيه ان دليل نفى الحرج هل يكون رافعا لمجرد الوجوب و الإلزام مع بقاء الفعل على أصل المحبوبية و الرجحان أو انه يرفع المجعول الشرعي الذي هو أمر بسيط لا تركيب فيه و يدل على عدم كون الوجوب مجعولا أصلا فإذا ارتفع بلسان عدم الجعل لا دليل على ثبوت الرجحان و المحبوبية أصلا؟ فإن قلنا بالأول كما هو المشهور بينهم من ان دليل نفى الحرج رخصة لا عزيمة فالظاهر هو الحكم بالاجزاء عن حجة الإسلام كما استظهره السيد- قده- في العروة و ان قلنا بالثاني كما هو مختار الماتن- قده- ظاهرا و قد اخترناه في كتابنا في القواعد الفقهية فالظاهر هو الحكم بعدم الاجزاء.

ثم ان بعض الاعلام بعد ان استشكل على العروة بناء على المبنى الثاني اختار الاجزاء و الكفاية نظرا الى عدم شمول مثل دليل نفى الضرر للمقام لانه امتنانى و لا امتنان في الحكم بالبطلان بعد العمل قال: فما ذكره- قده- من الاجزاء صحيح لا لأجل ان دليل نفى الضرر لا ينفى المحبوبية بل لأجل عدم جريان دليل نفى الضرر لكونه امتنانيا لا يشمل مثل الحكم بالبطلان و لا يعم ما إذا انكشف الخلاف بعد العمل و يرد عليه- مضافا الى ان الجمع بين كون دليل نفى الحرج و كذا دليل نفى الضرر رافعا لأصل المحبوبية و كون النفي فيهما بنحو العزيمة لا الرخصة و بين كونهما في مقام الامتنان مما لا يتم فان الامتنان انما يناسب رفع الإلزام و الوجوب و لا يلائم رفع المحبوبية من رأس- أولا ان البطلان لا يكون مفاد القاعدة بنحو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 260

..........

______________________________

المطابقة

حتى ينافي الامتنان بل مفاده عدم جعل الحكم اللزومي على الناس و هو بنفسه أمر امتنانى لا ترديد فيه و اما كون لازمة بناء على المبنى الثاني هو البطلان فلا ينافي دلالة القاعدة عليه بوجه كما لا يخفى و ثانيا و هو المهم ان غاية الأمر عدم دلالة القاعدة على البطلان و كون لازم الامتنان هي الصحة المناسبة معه لكن الكلام في المقام في الأمر الزائد على الصحة و هو الاجزاء فمجرد عدم دلالتها على البطلان بل اقتضائها الصحة لا يستلزم الاجزاء لعدم الملازمة بينهما فان الحج الندبي يكون صحيحا و لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام و هذا بخلاف الوضوء الضرري و الحرجي فإن صحته تستلزم جواز الاكتفاء به في الصلاة و مثلها.

و بالجملة المدعى هو الاجزاء و الدليل لا يثبت إلّا الصحة و لا ملازمة بينهما أصلا و قد عرفت ان القاعدة تقتضي عدم الاجزاء و الاجزاء يحتاج الى الدليل و مع فقده لا مجال للالتزام به أصلا هذا كله فيما يتعلق بالحرج.

و اما من جهة الضرر فالكلام فيه مثل الحرج على مبنى المشهور و اما بناء على مختار الماتن- قده- في قاعدة نفى الضرر على ما عرفت فيرد عليه ان المراد من الضرر النفسي في المتن ما ذا بعد انه لا شبهة في اختصاص قيد الحرج بالضرر المالى كما يدل عليه قوله بعده و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج فان كان المراد به ما يشمل الضرر البدني أيضا من جرح أو قطع عضو أو نحوهما كما يؤيده عطف الضرر المالى عليه فيرد عليه انه ما الدليل على عدم وجوب الحج مع وجود هذا الضرر إذا لم يكن حرجيا كما هو

مقتضى الإطلاق فيصير ذلك مثل الضرر المالى غير البالغ حد الحرج غير مانع عن وجوب الحج و اعتقاد خلافه غير قادح في الوجوب.

و ان كان المراد به ما يختص بتلف النفس و ان كان يبعده ظهور الخلاف بعد الحج المفروض في صورة المسألة فإنه لا يجتمع مع مثله كما هو ظاهر فلزوم ترك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 261

..........

______________________________

الحج معه انما هو لأجل التزاحم على ما عرفت و قد حكم في المتن بعد ذلك بان الحكم فيه مع اعتقاد الخلاف هي الصحة التي يكون المقصود بها الإجزاء أيضا فلا مجال للإشكال في الكفاية بل ترجيح عدمها كما لا يخفى.

بقي في هذا الفرع ما لو ارتفع الضرر أو الحرج قبل الميقات و صار مستطيعا و الظاهر فيه كما في المتن صحة الحج و الاجزاء لان ارتفاع الأمرين قبل الميقات و صيرورته مستطيعا قبله تكفي في وجوب الحج فهو كمن حدثت له الاستطاعة قبل الميقات بعد ما كان فاقدا لها و قد سلك الطريق اختيارا لغير حجة الإسلام أو قهرا و عدوانا فإن حجه حجة الإسلام من دون اشكال.

الفرع الرابع: ما لو اعتقد عدم المزاحم الشرعي الأهم فبان الخلاف بعد الحج و الحكم فيه الصحة و الاجزاء كما في المتن و الوجه فيه أولا الأولوية بالإضافة إلى صورة وجود المزاحم و اعتقاده ثبوته فإنه قد مر فيه الحكم بالصحة لأحد أمور تقدمت الإشارة إليها فإذا كان الحكم في هذه الصورة هي الصحة ففي صورة اعتقاد الخلاف يكون بطريق اولى.

و ثانيا انه لو قلنا بالبطلان في الصورة المتقدمة فلا ملازمة بينه و بين الحكم بالبطلان في المقام لان اتصاف المزاحم الأهم بالمزاحمة

انما هو في صورة فعلية التكليف و تنجزه ضرورة انه لا مجال لتوهم التزاحم مع عدم فعلية أحد التكليفين و عدم اتصافه بالتنجز فإذا كان في المثال المعروف جاهلا بوجوب الإزالة عن المسجد جهلا يعذر فيه أو جاهلا بأصل تنجس المسجد لا يبقى مجال حينئذ للحكم بتأخر الصلاة عن الإزالة لأجل المزاحمة و المقام من هذا القبيل فإنه بعد الاعتقاد بعدم المزاحم الشرعي الأهم لا يكون التكليف حينئذ فعليا فلا تتحقق المزاحمة بوجه بعد كونها مرتبطة بمقام الامتثال و راجعة الى عدم قدرة المكلف على الجمع بين الواجبين فاللازم ان تكون العبادة مع كونها غير أهم صحيحة جامعة لجميع الخصوصيات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

مجزية عن حجة الإسلام في المقام.

الفرع الخامس: ما لو اعتقد كونه غير بالغ فحج ندبا فبان خلافه و انه كان بالغا حين الحج و في المتن: فيه تفصيل مر نظيره أقول بل مر نفس هذا الفرع في بعض المسائل السابقة فراجع.

الفرع السادس: هذا الفرض أي صورة اعتقاد كونه غير بالغ غاية الأمر ترك الحج لأجل الاعتقاد المذكور فبان الخلاف و انه كان بالغا و في المتن استقرار الحج عليه مع بقاء الشرائط إلى تمام الاعمال و احتمل على اشكال اشتراط بقائها إلى زمان إمكان العود الى محله و العمدة في البحث في هذا الفرع الحكم بالاستقرار مع كون ترك الحج مستندا الى اعتقاد الخلاف و هو عدم كونه بالغا و اما البحث في انه ما ذا يعتبر في الاستقرار من ناحية بقاء الشرائط فيأتي تفصيله في المسألة الرابعة و الخمسين الآتية و انه قد اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال فالمشهور مضى زمان

يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة و قيل باعتبار مضى زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط فيكفي بقائها إلى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة و قد قوى الماتن- قده- تبعا للسيد- قده- اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائها إلى آخر الاعمال و العجب من السيد- قده- حيث انه مع اختياره القول الأخير اعتبر في موضعين من المسألة الخامسة و الستين بقاء الشرائط إلى ذي الحجة و الظاهر انه سهو من القلم بقرينة تصريحه بالقول الذي ذكرنا في المسألة الواحدة و الثمانين و كيف كان فالبحث في انه بما ذا يتحقق الاستقرار يأتي في محله إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 263

..........

______________________________

و اما البحث في أصل الاستقرار فنقول لا إشكال في ثبوته فيما إذا ترك الحج مع وجود الشرائط متعمدا و مع التوجه و الالتفات و خاليا عن العذر انما الكلام في مثل المقام مما إذا كان ترك الحج مسببا عن اعتقاد عدم وجوبه لأجل فقد بعض شرائط الوجوب و قد حكى عن الجواهر انه نفى الخلاف و الاشكال من حيث النص و الفتوى في استقرار الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط مع ان الموجود فيها ذلك في صورة الإهمال الذي هو أعم من

مطلق الترك فلا دلالة له على حكم المقام.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان الظاهر عدم الاستقرار قال ما ملخصه: «أما أولا فلان موضوع وجوب الحج هو المستطيع و متى تحقق عنوان الاستطاعة صار الحكم بوجوب الحج فعليا لفعلية الحكم بفعلية موضوعه و إذا زالت الاستطاعة و ارتفع الموضوع يرتفع وجوب الحج لارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه حتى بالإتلاف و العصيان نظير القصر و التمام بالإضافة إلى الحاضر و المسافر و لو لم تكن الأدلة الواردة في مورد التسويف الدالة على ذمّه و انه تضييع شريعة من شرائع الإسلام لقلنا بعدم وجوبه و عدم الاستقرار في مورد الترك عن عمد أيضا لعدم دلالة الأدلة الأولية الا على الوجوب ما دامت الاستطاعة باقية و من المعلوم ان ما ورد في التسويف لا يشمل المقام لعدم صدق عنوان التسويف على المعتقد بالخلاف و انه غير بالغ لا يجب عليه الحج.

و اما ثانيا فلان الاحكام و ان كانت تشمل الجاهل و لكن لا تشمل المعتقد بالخلاف لانه غير قابل لتوجه الخطاب اليه فهو غير مأمور بالحكم واقعا فلا يكون وجوب في البين حتى يستقر عليه ففي زمان الاعتقاد بالخلاف لا يكون مكلفا و بعد الانكشاف لا يكون مستطيعا على الفرض.

و اما ثالثا فلان الاستقرار انما هو فيما إذا كان الترك لا عن عذر و مع الاستناد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

الى العذر كما في المقام لا موجب له و عليه فالظاهر في المقام العدم».

أقول: عمدة ما يرد عليه أمران:

أحدهما انا قد حققنا في الأصول تبعا لسيدنا الأستاذ الماتن- رضوان اللّٰه تعالى عليه و حشره مع أجداده الطاهرين سلام

اللّٰه عليهم أجمعين- ان الخطابات العامة لا تكاد تنحل الى خطابات متعددة حسب تعدد المكلفين و تكثر افرادهم حتى يلاحظ حال المكلف و انه يمكن ان يتوجه اليه خطاب أم لا بل الملحوظ فيها حال الغالب و انه صالح لتوجه التكليف و الخطاب إليه أم لا و عليه فكما يكون الجاهل مشمولا للخطابات كذلك يكون المعتقد بالخلاف أيضا مكلفا واقعا و التكليف ثابت عليه غاية الأمر انه يكون معذورا في المخالفة غير مستحق للعقوبة عليها و عليه فلا مجال لدعوى عدم ثبوت التكليف بالإضافة الى من اعتقد عدم كونه بالغا.

ثانيهما انه لا بد من ملاحظة ان الاستقرار في موارد ثبوته هل يكون على وفق القاعدة و ثابتا بمقتضى الأدلة الأولية الدالة على وجوب الحج على المستطيع أو انه يكون على خلافها و ان تلك الأدلة لا تدل على ثبوته بل يحتاج الى مثل الروايات الواردة في التسويف بحيث لو لا تلك الروايات لما كان دليل على الاستقرار أصلا.

و الظاهر هو الوجه الأول فإن موضوع وجوب الحج و ان كان هو عنوان المستطيع الا انه لا دليل على كونه مثل عنواني المسافر و الحاضر من العناوين التي لها دخل في ترتب الحكم حدوثا و بقاء بل الظاهر كونه من العناوين التي لها دخل في ترتب الحكم حدوثا فقط و عليه فحدوث الاستطاعة يكفي في بقاء التكليف و ثبوته بعد زوال الاستطاعة غاية الأمر انه ليس المراد بالحدوث مجرده بل ما به يتحقق الاستقرار من الاحتمالات التي أشرنا إليها في أول هذا الفرع.

و الدليل على ذلك اى كون عنوان المستطيع من قبيل هذه العناوين- مضافا الى انه لا يبعد الاستظهار مطلقا في جميع العناوين المأخوذة إلا ما

قام الدليل فيه على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

الخلاف- ما هو المرتكز بين المتشرعة و المتفاهم عندهم من آية الحج و غيرها من أدلة وجوب الحج و عليه فيكون الاستقرار على وفق القاعدة فالحكم في المقام ما في المتن من الاستقرار.

الفرع السابع ما لو اعتقد عدم كفاية ماله عن حجة الإسلام فترك الحج ثم بان الخلاف و انه كان مستطيعا مالا و المفروض وجود باقي الشرائط أيضا و الحكم فيه ما تقدم في الفرع السادس من دون فرق أصلا و قد مرّ ان الأقوى هو الاستقرار.

الفرع الثامن ما لو اعتقد المانع من العدو أو الحرج أو الضرر المستلزم له فترك الحج فبان الخلاف و قد استظهر الماتن- قده- الاستقرار في هذا الفرع أيضا و لكن السيد- قده- في العروة بعد ان ذكر ان فيه وجهين قد قوى عدم الاستقرار قال لان المناط من الضرر الخوف و هو حاصل إلا إذا كان اعتقاده على خلاف روية العقلاء و بدون الفحص و التفتيش.

و عليه فالفرق بين هذا الفرع و الفرعين السابقين- بنظر السيد- يرجع الى ان الاعتقاد بالخلاف كان محققا فيهما دونه لان الشرط ليس هو عدم الضرر واقعا و عدم العدو كذلك بل الشرط هو عدم خوف الضرر و المفروض تحققه بمجرد الاعتقاد و عليه فلا يكون ترك الحج مستندا الا الى عدم تحقق شرط الوجوب واقعا لا الى الاعتقاد بالخلاف مع وجوده كذلك.

و لذا أورد عليه بعض الأعلام بأنه لا يتم على مسلكه من شرطية هذه الأمور واقعا فان الخوف بوجود العدو أو الضرر و ان كان طريقا عقلائيا إلى وجوده و لكن الحكم بعدم الوجوب في ظرف

الجهل بتحقق الشرط حكم ظاهري لا واقعي فيكون المقام نظير ما إذا اعتقد عدم المال و ترك الحج ثم بان الخلاف.

أقول قد مر في المسألة الثانية و الأربعين ما يتعلق ببحث الخوف فراجع.

الفرع التاسع ما لو اعتقد وجود مزاحم شرعي أهم فترك الحج لأجله فبان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 266

[مسألة 45- لو ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا استقر عليه]

مسألة 45- لو ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا استقر عليه مع بقائها إلى تمام الاعمال و لو حج مع فقد بعضها فان كان البلوغ فلا يجزيه الا إذا بلغ قبل أحد الموقفين فإنه مجز على الأقوى، و كذا لو حج مع فقد الاستطاعة المالية، و ان حج مع عدم أمن الطريق أو عدم صحة البدن و حصول الحرج فان صار قبل الإحرام مستطيعا و ارتفع العذر صح و أجزأ، بخلاف ما لو فقد شرط في حال الإحرام إلى تمام الاعمال، فلو كان نفس الحج و لو ببعض اجزائه حرجيا أو ضرريا على النفس فالظاهر عدم الاجزاء. (1)

______________________________

الخلاف بعد الحج و الحكم فيه ما في الفرعين المتقدمين- السادس و السابع- من دون فرق و عليه فالحكم فيه هو الاستقرار أيضا.

(1) في هذه المسألة أيضا فروع يكون الجامع لغير الفرع الأول الحج مع فقد بعض الشرائط فنقول:

الأول: لو كانت الشرائط المعتبرة في وجوب الحج متحققة بأجمعها و المكلف عالم بها و بوجوب الحج عليه و مع ذلك تركه عامدا اختيارا فهذا هو القدر المسلم من مورد استقرار الحج عليه و لزوم الإتيان به في القابل و لو متسكعا مع بقاء الشرائط إلى تمام الأعمال الذي يمكن تحققه في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة و قد مر ان البحث

فيما به يتحقق الاستقرار من جهة بقاء الشرائط يأتي في بعض المسائل الآتية و اما أصل الاستقرار و ثبوته في المقام فلا مجال للإشكال فيه و هذا هو المورد الذي نفى الاشكال فيه نصا و فتوى في عبارته المتقدمة لأن الإهمال فيها بمعنى ترك الحج متعمدا و متساهلا و لا فرق فيه بين القول بكون أصل الاستقرار على وفق القاعدة أو على خلافها غاية الأمر انه على التقدير الثاني يدل عليه الروايات الكثيرة الواردة في التسويف الذامة له الدالة على انه تضييع شريعة من شرائع الإسلام و انه يوجب ان يموت يهوديا أو نصرانيا و لا فرق في مفادها بين كون التسويف الى العام القابل أو الى الأعوام المتعددة بل الى آخر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 267

..........

______________________________

العمر فاصل الاستقرار لا مجال للمناقشة فيه.

الثاني: لو حج مع فقد البلوغ فان وقع تمام الحج معه فالحج و ان كان صحيحا بناء على مشروعية عبادات الصبي و رجحانها و استحبابها كما هو مقتضى التحقيق الا انه لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام لدلالة الروايات المتعددة عليه و في بعضها انه لو حج عشر حجج لا يجزيه عن حجة الإسلام.

و ان وقع بعضه معه فقد اختار الماتن- قدس سره الشريف- انه لو بلغ قبل أحد الموقفين فهو يجزى عن حجة الإسلام و الوجه فيه إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في العبد الذي انعتق قبل أحد الموقفين الدالة على أجزاء حجه عن حجة الإسلام و قد مرّ تفصيل البحث في ذلك في شرح المسألة السادسة من كتاب الحج فراجع الثالث: لو حج مع فقد الاستطاعة المالية فتارة يقع تمام الحج معه و اخرى

يرتفع ذلك قبل أحد الموقفين و مقتضى المتن الاجزاء في الفرض الثاني و منشأه أيضا إلغاء الخصوصية من روايات العبد كما في الصغير و عليه يكون المستفاد منه ان ما جعله السيد في العروة مادة النقض بالإضافة إلى إلغاء الخصوصية و هو ان مقتضاه الالتزام به في الاستطاعة إذا حصلت قبل أحد الموقفين و انهم لا يقولون به قد التزم به الماتن- قده- لعدم الدليل على عدم الاجزاء في هذه الصورة و كيف كان فمقتضى إلغاء الخصوصية الحكم بالاجزاء في هذا الفرض.

و اما الفرض الأول الذي هو عبارة عن وقوع الحج بأجمعه أو الموقفين معا مع فقد الاستطاعة المالية فمقتضى المتن فيه عدم الاجزاء و قال السيد- قده- في العروة:

«و ان حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الاجزاء و لا دليل عليه الا الإجماع و الّا فالظاهر ان حجة الإسلام هو الحج الأول و إذا اتى به كفى و لو كان ندبا كما إذا اتى الصبي صلاة الظهر مستحبا- بناء على شرعية عباداته- فبلغ في أثناء الوقت فإن الأقوى عدم وجوب إعادتها، و دعوى ان المستحب لا يجزى عن الواجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

ممنوعة بعد اتحاد ماهية الواجب و المستحب نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع تم ما ذكر لا لعدم أجزاء المستحب عن الواجب».

و يظهر منه الترديد في تعدد ماهية الحج بالإضافة إلى المتسكع و المستطيع بل الميل الى العدم اما الكبرى و هو عدم الاجزاء على فرض التعدد فلا ريب فيه هنا و شبهه كصلاتي الظهر و العصر فإنهما ماهيتان متغايرتان ضرورة أن عنواني الظهر و العصر من العناوين القصدية

التي يتقوم تحقق المأمور به بهما فان صلاة الظهر ليست مجرد اربع ركعات يؤتى بها بعد الزوال بل ما كانت مقرونة بقصد الظهرية و عليه فمن اتى بصلاة العصر قبل صلاة الظهر باعتقاد انه اتى بها أولا ثم انكشف الخلاف بعد الصلاة لا مجال لدعوى وقوع ما اتى به ظهرا و الإتيان بالعصر بعدها نعم اختار ذلك السيد- قده- في العروة في مباحث النية استنادا إلى رواية صحيحة دالة على قيام الأربع مكان الأربع و اعترض عليه أكثر المحشين و الشارحين بأن الرواية غير معمول بها فلا بد من المشي على طبق القاعدة و هي تقتضي عدم الاجزاء و كيف كان فلا مناقشة في الكبرى و اما الصغرى فالدليل على تعدد ماهية الحج بالإضافة إلى الفاقد لشرائط الوجوب و الواجد لها اما في مورد الصغير فما عرفت من ورود روايات متعددة دالة على ان الصبي لو حج عشر حجج لا يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام فيظهر منها ثبوت الاختلاف بين الصلاة و الحج الصادرين من الصبي و ان اشتركا في المشروعية و الصحة و اما في المقام فالدليل على التغاير و التعدد إطلاق أدلة وجوب الحج على المستطيع من الآية و الرواية فإن مقتضاه وجوبه على المستطيع و ان حج قبله في حال عدم الاستطاعة و لازمة عدم الاجزاء و هو يدل على تعدد الماهية و بالجملة إطلاق مثل الآية يقتضي حدوث الوجوب على المستطيع و ان حج سابقا ندبا و هذا الإطلاق و ان كان قابلا للتقييد الّا انه مع عدم نهوض دليل عليه لا بد من الأخذ به و الحكم بعدم الاجزاء و عليه فالحكم الاجماعى موافق للقاعدة و- ح- لا يبقى

للإجماع أصالة بل يكون مستندا إليها- قطعا أو احتمالا-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

لا يقال ان مثل ذلك يجري في صلاة الصبي في المثال المفروض في كلام السيد- قده- لان الوجوب انما يتحقق بالبلوغ فكيف يحكم فيه بالأجزاء لأنا نقول ليس الأمر كذلك فان مثل أقيموا الصلاة مطلق شامل للصبي و لا يكون مقيدا بالبالغين و لو لم يكن في البين مثل حديث رفع القلم عن الصبي لقلنا بلزوم الإتيان بالصلاة على الصبي أيضا و من المعلوم ان الحديث لا يرفع الا قلم التكليف و الإلزام و ما يتبعه من استحقاق العقاب و المؤاخذة و عليه فالمقدار الخارج عن أقيموا الصلاة هو اللزوم على الصبي و اما الخطاب و أصل الحكم فهما باقيان ضرورة ان الصبي إنما يتمثل أقيموا الصلاة لا شيئا آخر و بعد امتثاله في أول الوقت لا يبقى مجال لامتثاله ثانيا بعد تحقق البلوغ و صيرورته مكلفا.

و هذا بخلاف من يحج ندبا فإنه لا يتمثل الآية و مثلها من الأدلة الدالة على الوجوب على المستطيع بل يتمثل الأمر الاستحبابي المتوجه اليه المتعلق بعمله و بعد صيرورته مستطيعا يتوجه إليه الآية لتحقق عنوان المستطيع فاللازم امتثاله و الإتيان بالحج ثانيا و بالجملة الفرق انما هو في مدخلية عنوان المستطيع في الدليل الدال على وجوب الحج و أخذه فيه و عدم مدخلية البلوغ بحيث كان المفاد ايها البالغون أقيموا الصلاة فعمل الصبي موجب لامتثال «أقيموا» و حج المتسكع لا يكون امتثالا للاية و شبهها و عليه فعدم الاجزاء في باب الحج ثابت على طبق القاعدة.

الرابع: لو حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحة البدن و حصول

الحرج فهل يكفي حجه عن حجة الإسلام أم لا فالمحكي عن المشهور عدم الاجزاء عن الواجب و ذهب الشهيد في الدروس الى الاجزاء حيث انه بعد ذكر الشروط الثمانية لوجوب الحج و جعل السادس الصحة من المرض و العضب و السابع تخلية السرب و الثامن التمكن من المسير بسعة الوقت قال: «و لو حج فاقد هذه الشرائط لم يجزه و عندي لو تكلف المريض و المعضوب و الممنوع بالعدو و تضيق الوقت أجزأه لأن ذلك من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 270

..........

______________________________

باب تحصيل الشرط فإنه لا يجب و لو حصله وجب و أجزأ نعم لو ادى ذلك الى إضرار بالنفس يحرم إنزاله و لو قارن بعض المناسك احتمل عدم الاجزاء» ثم تعرض لبيان ما لم يعتبر من الشروط عندنا و عدّه أربعة: الإسلام و البصر و المحرم في النساء من دون حاجة و اذن الزوج ثم قال في نتيجة البحث: «فانقسمت الشرائط إلى أربعة أقسام:

أولها ما يشترط في الصحة خاصة و هو الإسلام.

الثاني ما يشترط في المباشرة و هو الإسلام و التمييز.

الثالث ما يشترط في الوجوب و هو ما عدا الإسلام.

الرابع ما هو شرط في الاجزاء و هو ما عدا الثلاثة الأخيرة و في ظاهر الفتاوى:

كل شرط في الوجوب و الصحة شرط في الاجزاء».

فقد فرق في الاستطاعة بين الاستطاعة المالية و بين الاستطاعات الثلاثة الأخر من الاستطاعة السربية و الاستطاعة البدنية و الاستطاعة الزمانية و ان الحج مع فقد الاولى لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام بخلاف الحج مع فقد احدى الاستطاعات الثلاثة الأخر فإنه يجزى عن حجة الإسلام و استدل عليه بان تحصيل شرط الوجوب و ان لم

يكن واجبا بخلاف شرط الواجب الّا انه مع التحصيل يصير واجبا لتحقق شرطه و ان لم يكن لازم التحصيل.

و يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدعى فان تحصيل شرط الوجوب و ان كان موجبا لتحققه مع انه لا يكون واجبا الا انه في المقام لا يكون تكلف الحج مع فقد شي ء من الاستطاعات الثلاثة موجبا لتحققه و حصول الاستطاعة فإن المفروض كون الطريق غير مأمون و عدم صحة البدن و تضيق الوقت و عدم سعته و التكلف لا يرفع شيئا من ذلك و ليس مثل الاستطاعة المالية غير لازمة التحصيل المتحققة بعده فإنها لم تكن و بالتحصيل قد تحققت و اما في المقام فلم تتحقق الاستطاعة المنتفية أصلا فالمدعى الحج مع عدم الاستطاعة و الدليل يقتضي وقوعه معها كما لا يخفى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

و عليه فكيف يصير الحج بسبب التكلف واجبا مع عدم تحقق شرط الوجوب نعم لو كان فقد شي ء من الاستطاعات مرتبطا بالمشي إلى الميقات الذي هو مقدمة لتحقق الأعمال التي يكون شروعها بالإحرام من الميقات لا مجال للإشكال في الاجزاء و لا قائل بعدمه كما انه في الاستطاعة المالية يكون الأمر كذلك فإنه لو استطاع المكلف في الميقات قبل الشروع في الأعمال يكون حجة مجزيا عن حجة الإسلام إنما الكلام و الاشكال فيما لو كان الفقد مقرونا بالأعمال و انه هل يكون مجزيا أم لا و الدليل لا يقتضي الإجزاء نعم ذكر انه لو ادى ذلك الى إضرار بالنفس يحرم و يحتمل عدم الاجزاء في هذا الفرض الذي كان مقارنا لبعض المناسك.

و قد وجه في «المستمسك» كلام الشهيد- قده- بان عدم الحرج و

الضرر المأخوذ شرطا في الاستطاعة يراد به عدم الحرج و الضرر الآتيين من قبل الشارع لا مطلقا فإذا تكلف المكلف الحرج و الضرر لا بداعي أمر الشارع بل بداع آخر فعدم الحرج و الضرر الآتيين من قبل الشارع حاصل لان المفروض ان الحرج و الضرر الحاصلين كانا بإقدام منه و بداع نفساني لإبداع الأمر الشرعي فتكون الاستطاعة حينئذ حاصلة بتمام شروطها فيكون الحج حجة الإسلام ثم دفع توهم ان لازم ذلك البطلان فيما إذا كان المكلف جاهلا و أقدم على الحج بداعي اللزوم الشرعي مع ان مقتضى إطلاق كلام الشهيد الصحة في هذا الفرض أيضا بأن الحرج أو الضرر في الفرض المذكور لا يكون آتيا من قبل الشارع بل يكون ناشيا من جهله بالحكم و اعتقاده اللزوم اشتباها و قال في آخر كلامه ما ملخصه ان هذا التوجيه انما هو لرفع استبشاع التفصيل المذكور لا لرفع الاشكال عنه بالمرة لأن دليل نفى الحرج أو الضرر لا يصلح لرفع الملاك في حال الحرج أو الضرر فلا يدل على اشتراط عدمهما في الاستطاعة.

و التحقيق في المقام ان يقال ان محل البحث- كما في الدروس- هو انتفاء واحدة من الاستطاعات الثلاثة: السربية و البدنية و الزمانية و عليه لا مجال لتقييد عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 272

..........

______________________________

صحة البدن بصورة حصول الحرج كما في المتن تبعا للعروة حيث قيده به بكلمة «مع» و كذلك قيد ضيق الوقت به بكلمة «كذلك» و يجري في المتن احتمال كون «أو» محل «واو» و ان كان يبعده قوله بعده فان صار قبل الإحرام مستطيعا لعدم مدخلية عدم الحرج في موضوع الاستطاعة فإن دليل نفى الحرج و

ان كان حاكما على الأدلة الأولية الدالة على الاحكام اللزومية من الوجوب و التحريم و مدلوله رفع اللزوم و التكليف الّا ان تقدمه عليها ليس بنحو يرجع الى التقييد أو التخصيص في الأدلة الأولية بحيث كان مرجعه الى تقييدها بعدم لزوم الحرج كتقييد دليل وجوب الحج بالاستطاعة و عليه لا يقع الحج الحرجي المحكوم بعدم الوجوب في رديف الحج الفاقد للاستطاعة المعتبرة في الوجوب و عليه فقوله في المتن: «فان صار قبل الإحرام مستطيعا» يدل على عدم كون المراد بالحرج هو الحرج المأخوذ في قاعدة نفيه فلا يبقى مجال- حينئذ- لتقييد عدم صحة البدن بحصول الحرج نعم يمكن ان يقال بان الروايات الواردة في الاستطاعة البدنية وقع التعبير في أكثرها بصحة البدن أو قوته و في بعضها بان المانع هو المرض الذي لا يطيق فيه الحج و قد مر ان المراد من الطاقة هي الطاقة العرفية لا العقلية و- حينئذ- يمكن ان يقال بان المراد من هذا التعبير كون المرض موجبا لصيرورة الحج حرجيا و عليه يتم التقييد المذكور في المتن.

و يرد عليه- مضافا الى عدم معلومية مساواة التعبير المذكور لكون الحج حرجيا بسبب المرض- انه على تقدير المساواة لا بد من المعاملة معه معاملة سائر الشرائط المأخوذة في وجوب الحج فإنه يكون مثلها في الأخذ بعنوان الشرطية و يكون فقده موجبا لفقد الشرط و هو يوجب عدم الاجزاء.

و ما أوردناه على المتن يرد على العروة أيضا على ما عرفت خصوصا مع ملاحظة انه في مقام الاستدلال جعل الملحوظ قاعدتي نفى الحرج و الضرر و اختار في الذيل ما اختاره في الدروس لكن لا لما ذكره من الدليل بل لان الضرر و الحرج إذا لم

يصلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 273

..........

______________________________

الى حدّ الحرمة إنما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب فإذا تحملهما و اتى بالمأمور به كفى.

و بالجملة لم يظهر لي وجه تقييد صورة المسألة بما ذكر و لا الاتكال في مقام الاستدلال على مفاد القاعدتين مع ان مقتضى ما ذكرنا وقوع الحج مع فقد الاستطاعة و كون الحج معه مغايرا حقيقة و ماهية مع الحج الواجد للاستطاعة و لا مجال- حينئذ- للاجزاء فلا بد من الحكم بعدمه كما عليه المشهور و قد عرفت عدم انطباق دليل الشهيد- قده- على مدعاه فالحكم في أصل محل البحث هو عدم لاجزاء.

نعم يقع الكلام بعد ذلك فيما إذا كان الحج و لو ببعض مناسكه حرجيا مع كونه واجدا للاستطاعة بتمام أنواعها كما إذا كان الوقوف بعرفات حرجيا عليه أو الوقوف بالمشعر كذلك و مع ذلك تحمل الحرج و اتى بالحج مع عدم كونه واجبا عليه لأجل ارتفاع الوجوب بالحرج بمقتضى قاعدته و هو الذي تعرض له في المتن في ذيل المسألة بقوله فلو كان نفس الحج و لو ببعض اجزائه حرجيا و ان كان يرد على التفريع بالفاء أيضا ما ذكرنا من عدم كون المسألة الأصلية المفروضة مرتبطة بالحرج أصلا و كيف كان فقد استظهر فيه و فيما إذا كان موجبا للإضرار بالنفس عدم الاجزاء و نقول: اما في مورد الحرج فالكلام فيه تارة في أصل الصحة و اخرى بعد الفراغ عن الصحة في الاجزاء عن حجة الإسلام.

اما البحث في أصل الصحة فقد مر غير مرة ان العبادة الحرجية لا تكاد تقع صحيحة بمقتضى قاعدة نفى الحرج لان مقتضاها انما هو السقوط بنحو العزيمة لا

الرخصة و لكنه ورد في خصوص الحج روايات كثيرة دالة على استحباب الحج و رجحانه في كل حال من دون فرق بين صورة الحرج و غيرها و من المعلوم ان دليل نفى الحرج لا يكون حاكما الا على الأدلة الدالة على الاحكام اللزومية من الوجوبية أو التحريمية فاستحباب الحج ثابت على كل حال و عليه فالحج الحرجي يقع صحيحا لا محالة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 274

[مسألة 46- لو توقف تخلية السرب على قتال العدو لا يجب]

مسألة 46- لو توقف تخلية السرب على قتال العدو لا يجب و لو مع العلم بالغلبة، و لو تخلى لكن يمنعه عدو عن الخروج للحج فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم بالسلامة و الغلبة، أو الاطمئنان و الوثوق بهما، و لا تخلو المسألة عن اشكال. (1).

______________________________

كالحج الواقع مع فقد الاستطاعة.

و اما الكلام في الاجزاء فهو عين الكلام في الاجزاء بالإضافة إلى حج المتسكّع و قد عرفت ان لازم تعدد الماهية الثابت في الحج هو عدم الاجزاء.

نعم يرد على المتن ان عطف الضرر على النفس على الحرج لا يكاد يتم على مبناه في قاعدة نفى الضرر و هو كونه حكما مولويا صادرا عن مقام حكومة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا كونه حكما إلهيا مرتبطا بمقام رسالته و وساطته و ذلك لان المراد بالضرر على النفس ما كان واجدا لجهتين الاولى عدم كونه موجبا لتلفه لعدم محل للبحث في الاجزاء عن حجة الإسلام بعد فرض التلف و الهلاك فالمراد هو الضرر النفسي غير البالغ حد التلف و الثانية عدم كونه حرجيا لانه مقتضى العطف على الحرج.

و عليه فالجمع بين كون المراد بالضرر هو ما كان واجدا للجهتين المزبورتين و بين كون

المراد من حديث «لا ضرر» ما ذكر لا ما هو المشهور من كونه قاعدة فقهية و حكما ثانويا ناظرا إلى الأدلة الأولوية و حاكما عليها يقتضي كون الحج الضرري هو بنفسه حجة الإسلام لأن المفروض تحقق جميع شروط الوجوب و ثبوت الحكم اللزومي و عدم وجود دليل حاكم عليه مقتض لنفى الوجوب و رفع اللزوم فالحج الكذائي لا يكون غير حجة الإسلام و لا يكون مستحبا مغايرا من حيث الماهية مع الحج الواجب كما لا يخفى.

(1) قد وقع فرض المسألة في كلام السيد- في العروة- و من قبله بعنوان واحد و هو ما لو توقف الحج على قتال العدو قال العلامة في القواعد: «و لو افتقر في السير الى القتال فالأقرب السقوط مع ظن السلامة» و في محكي الإيضاح: «ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

المراد بالظن هنا العلم العادي الذي لا يعد العقلاء نقيضه من المخوفات كإمكان سقوط جدار سليم قعد تحته لانه مع الظن بالمعنى المصطلح عليه يسقط إجماعا و بالسلامة هنا السلامة من القتل و الجرح و المرض و الشين لانه مع ظن أحدها بالمعنى المصطلح عليه في لسان أهل الشرع و الأصول يسقط بإجماع المسلمين».

و قال في محكي كشف اللثام: «الأقرب وفاقا للمبسوط و الشرائع سقوط الحج ان علم الافتقار الى القتال مع ظن السلامة- أي العلم العادي بها- و عدمه كان العدو مسلمين أو كفارا للأصل و صدق عدم تخلية السرب، و عدم وجوب قتال الكفار الّا للدفع أو للدعاء إلى الإسلام بإذن الإمام الى ان قال: و قطع في التحرير و المنتهى بعدم السقوط إذا لم يلحقه ضرر و لا خوف و احتمله

في التذكرة و كأنه لصدق الاستطاعة و منع عدم تخلية السرب حينئذ مع تضمن المسير امرا بمعروف و نهيا عن المنكر و اقامة لركن من أركان الإسلام».

هذا و لكنه قد فرض في المتن للمسألة صورتين يختلف حكمهما على طبق القواعد:

الاولى: ما لو توقف تخلية السرب على قتال العدو و الحكم فيها عدم وجوب القتال و لو مع العلم بالغلبة لأنه قد عرفت انه لا يجب تحصيل شرط الوجوب فكما انه لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية التي هي شرط الوجوب كذلك لا يجب تحصيل تخلية السرب المتحققة بقتال العدو و لو كان مقرونا بالعلم بالغلبة و السلامة فلا ينبغي الإشكال في هذه الصورة في عدم وجوب القتال و عدم وجوب الحج نعم لو قاتل و صار غالبا يصير الحج واجبا.

الثانية: ما لو كان السرب مخلى لكن يمنعه العدو عن الخروج للحج و قد نفى البعد في المتن عن وجوب القتال في هذه الصورة بشرط العلم أو الاطمئنان بالسلامة و الغلبة ثم نفى خلو المسألة عن الاشكال و الوجه فيه انها ذات وجهين:

من كونه مانعا عن تحقق الحج مع فعلية وجوبه و تحقق جميع شروطه كما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 276

[مسألة 47- لو انحصر الطريق في البحر أو الجو وجب الذهاب]

مسألة 47- لو انحصر الطريق في البحر أو الجو وجب الذهاب الا مع خوف الغرق أو السقوط أو المرض خوفا عقلائيا، أو استلزم الإخلال بأصل صلاته لا بتبديل بعض حالاتها و اما لو استلزم أكل النجس و شربه فلا يبعد وجوبه مع الاحتراز عن النجس حتى الإمكان و الاقتصار على مقدار الضرورة، و لو لم يحترز كذلك صح حجه و ان أثم كما لو ركب المغصوب الى الميقات بل

إلى مكة و منى و عرفات فإنه اثم و صح حجه، و كذا لو استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة فإنه يجب أدائها فلو مشى الى الحج مع ذلك اثم و صح حجه نعم لو كانت الحقوق في عين ماله فحكمه حكم الغصب و قد مر. (1)

______________________________

هو المفروض فيجب دفعه بأي نحو أمكن ليتحقق المأمور به في الخارج كما لو كان مانعا عن الصلاة و توقف إيجادها على قتاله و دفعه مع انه مرتبة من مراتب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فيجب إيجادها.

و من كون المفروض ان العدو غير واجب القتل مع قطع النظر عن المانعية سواء كان مسلما أو كافرا و المانعية لا تقتضي بنفسها الجواز بعد تقدم حفظ النفس على الحج و كونه مزاحما أهم و ان كان بينه و بين ما إذا كان الحج مستلزما لترك حفظ النفس الواجب فرق الّا انه لا يقتضي الوجوب في المقام.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام: الاولى: ان انحصار طريق الحج في البحر أو الجو الموجب للركوب على السفينة أو الطيارة لا يوجب سقوط وجوب الحج بعد عدم اختصاصه بطريق خاص ضرورة انه مع تحقق شرائط وجوبه يجب الإتيان به من كل طريق أمكن من دون فرق بين الطرق أصلا.

الثانية: يستثنى من وجوب الذهاب من طريق البحر أو الجو ما إذا كان هناك خوف عقلائي بالإضافة إلى الغرق أو السقوط أو المرض فإذا كان كذلك يسقط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

وجوب الحج لما مر في الاستطاعة السربية من ان الخوف كذلك مانع عن تحققها و الخوف العقلائي ان كان

متحققا بالنسبة إلى النوع و الغالب فلا إشكال في عدم الوجوب معه و ان لم يكن كذلك بل كان الخوف بالإضافة إلى شخص المكلف من جهة تخوفه على خلاف الغالب فان كان موجبا للحرج فالظاهر عدم الوجوب لان الملحوظ في قاعدة نفى الحرج هو الحرج الشخصي لا النوعي فهذا الفرض و ان لم يصدق عليه الخوف العقلائي كما هو الظاهر يدل على عدم وجوب الحج فيه القاعدة المذكورة.

الثالثة: يستثنى أيضا من الوجوب المذكور ما إذا استلزم الذهاب من طريق البحر أو الجو الإخلال بأصل الصلاة و موجبا لتركها فإنه لا شبهة حينئذ في عدم الوجوب لاهمية الصلاة بالإضافة إلى الحج عند ثبوت المزاحمة و اما إذا استلزم تبديل بعض حالات الصلاة كتبديل القيام الى القعود- مثلا- و تبديل الطهارة المائية بالطهارة الترابية و تبديل الركوع و السجود بالإيماء ففي المتن انه لا يرتفع الوجوب بالتبديل و الوجه فيه ظهور كون الحج الذي هو من أهم الفرائض الإلهية و يموت تاركه يهوديا أو نصرانيا أهم من التبديل و ترك الصلاة قائما مع الإتيان بها جالسا فلا بد من ترجيحه هذا بناء على ما اخترناه في معنى الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج من ان المراد بها هي الاستطاعة العرفية و لا يعتبر فيها سوى ما فسرت به في الروايات الدالة على بيانها من ان المراد هي الاستطاعات الأربعة: المالية و السربية و البدنية و الزمانية فمع تحققها يصير وجوب الحج فعليا و لو كان فعله مستلزما لترك واجب أو فعل حرام فلا بد من رعاية قواعد التزاحم و ترجيح الأهم- قطعا أو احتمالا- و التخيير مع عدمه كذلك.

و اما إذا قلنا بمدخلية عدم الاستلزام المذكور في معنى

الاستطاعة و ان المراد بها هي الاستطاعة الشرعية غير المتحققة مع الاستلزام لترك الواجب أو فعل الحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 278

..........

______________________________

فان قلنا في موارد التبديل المذكورة بجواز تعجيز الإنسان نفسه عن القيام و عن الطهارة المائية- مثلا- مع الاختيار فاللازم الإتيان بالحج لتحقق الاستطاعة بهذا المعنى أيضا لأن المفروض عدم استلزامه لذلك بعد فرض جواز التعجيز.

و اما إذا قلنا بحرمة التعجيز المذكور فيشكل الأمر و في «المستمسك» بعد ان استظهر من الفتاوى عدم الفرق في مزاحمته لوجوب الحج و منافاته لتحقق الاستطاعة بين كونه أهم من الحج و عدمه بل استظهر انه لا اشكال فيه عندهم قال: «و الذي ينبغي ان يقال انه لا عموم في النصوص التي اعتمد عليها في مانعية ما ذكر عن الاستطاعة لكل واجب بل يختص بالواجب الذي له نوع من الأهمية بحيث يصح ان يعتذر به في ترك الحج فإذا علم المكلف انه إذا حج يفوته رد السلام على من سلم عليه أو الإنفاق يوما ما على من تجب نفقته عليه أو نحو ذلك من الواجبات التي ليس لها تلك الأهمية لا يجوز له ترك الحج فرارا عن تركها فإنه لا يصح له الاعتذار بذلك».

و أنت خبير بان رفع اليد عن المبنى المذكور اولى من التوجيه بهذا النحو فإن صحة الاعتذار به في ترك الحج ان كان المقصود هي الصحة عند الشارع فلا طريق إلى إثباتها و ان كان هي الصحة عند المتشرعة- كما صرح به في ذيل كلامه- فلا تكون كاشفة عن الصحة عند الشارع فإنهم لا يرون جواز ترك الحج بمجرد استلزامه لترك صلاة واحدة خصوصا إذا لم تكن أزيد

من ركعتين مع انك عرفت ترجيحها على الحج بلا كلام و بالجملة فهذا التوجيه لا يرجع الى محصل.

الرابعة: ما إذا استلزم الحج المذكور أكل النجس أو شربه و قد نفى البعد عن وجوب الحج في هذه الصورة و الوجه فيه ما ذكرنا من أهمية وجوب الحج بالإضافة إلى وجوب الاجتناب عن النجس فتلزم مراعاة وجوب الحج نعم لا بد من الاقتصار على مقدار الضرورة و الاحتراز عن الزائد عليه جمعا بين التكليفين و لو لم يحترز كذلك فلا يضر بصحة حجه بعد كون ذلك مرتبطا بالمقدمة و بالسفر في البحر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 279

..........

______________________________

أو الجو غاية الأمر تحقق الإثم و العصيان كما في ركوب الدابة المغصوبة و يجري في هذه الجهة ما ذكرنا في الجهة الثالثة بناء على مبنى الاستطاعة الشرعية.

الخامسة: ما لو استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة و في المتن انه يجب عليه أدائها و لكن لو مشى الى الحج بدون الأداء اثم و صح حجه.

و قد تقدم في مسألة مزاحمة الحج لأداء الدين في عام الاستطاعة و قبل استقرار الحج ما يتعلق باهمية الحج أو أهمية أداء الدين و مثله أو التخيير بينهما من التفصيل في بيان الأدلة و ما هو المختار فراجع.

نعم لا إشكال في صحة الحج و لو كان أداء الحقوق أهم بالإضافة إليه لعدم كون المزاحمة موجبة لبطلان المزاحم غير الأهم إذا كان عبادة كما في الصلاة و الإزالة و ان كانت الآراء في وجه الصحة مختلفة و النظرات متعددة.

لكن في المقام إذا قلنا بان تعلق الخمس و الزكاة بالمال انما هو بنحو

الإشاعة و الشركة لكان اللازم عدم كون ثوب الإحرام المشتري بالمال المذكور بنحو الثمن المعين أو الثمن الكلي لكن مع البناء حين المعاملة على الأداء من ذلك المال منتقلا اليه و كذا ثمن الهدى.

و اما إذا قلنا بكون تعلقهما انما هو بنحو الكلي في المعين فالمعاملة صحيحة إذا بقي عنده من المال مقدارهما.

و قد مر أيضا ان غصبية ثوبي الإحرام لا تكاد تضر بالإحرام لعدم مدخليتهما في حقيقته نعم غصبية الثوب حال الطواف و صلوته قادحة في صحتهما كما ان الإخلال بالهدي و كونه غصبا يقدح في صحة الحج و يمنع عن وقوع الاعمال المترتبة عليه صحيحة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 280

[مسألة- 48 يجب على المستطيع الحج مباشرة]

مسألة- 48 يجب على المستطيع الحج مباشرة فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة، نعم لو استقر عليه و لم يتمكن منها لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجا عليه وجبت الاستنابة عليه، و لو لم يستقر عليه لكن لا يمكنه المباشرة لشي ء من المذكورات ففي وجوبها و عدمه قولان لا يخلو الثاني عن قوة و الأحوط فورية وجوبها.

و يجزيه حج النائب مع بقاء العذر الى ان مات بل مع ارتفاعه بعد العمل بخلاف أثنائه فضلا عن قبله و الظاهر بطلان الإجارة و لو لم يتمكن من الاستنابة سقط الوجوب و قضى عنه، و لو استناب مع رجاء الزوال لم يجز عنه فيجب بعد زواله و لو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية، و الظاهر عدم كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة و في كفاية الاستنابة من الميقات اشكال و ان كان الأقرب عدم الكفاية.

(1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع متعددة: الأول: انه إذا كان المستطيع قادرا على مباشرة الحج يجب عليه الحج مباشرة و لا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة و الوجه فيه- مضافا الى تسلمه و ثبوت الإجماع القطعي عليه- كون جواز النيابة و الاستنابة أمرا مخالفا للقاعدة مفتقرا الى قيام الدليل و لم يقم دليل عليه مع فرض قدرة المستطيع على مباشرة الحج.

الثاني: من استقر عليه الحج و لم يتمكن بعد الاستقرار من المباشرة لشي ء من الأمور المذكورة في المتن ففي وجوب الاستنابة عليه و عدمه قولان فالمشهور بل المدعى عليه الإجماع في جمع من الكتب كالروضة و المسالك و المفاتيح و شرحها و بعض آخر هو الوجوب و جزم صاحب المستند بعدم الوجوب و استظهره من الذخيرة بل من الشرائع و النافع و الإرشاد لترددهم في مسألة استنابة المعذور من غير تفصيل بين الاستقرار و عدمه، و قد قواه صاحب الجواهر و حكى التردد من بعضهم في الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 281

..........

______________________________

و مستند الاختلاف الروايات الكثيرة الواردة في المسألة و هي على طوائف:

الطائفة الأولى ما ظاهره الوجوب من غير تقييد للنائب بعنوان مخصوص و هي:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان عليا- عليه السّلام- رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه. «1»

و لا يخفى ظهور قوله: فأمره في وجوب التجهيز و الاستنابة لظهور مادة الأمر في ذلك بل ظهورها في الوجوب أقوى من ظهور هيئة افعل فيه كما قرر في محله الا ان إطلاق السؤال و شموله لغير المستطيع لعدم التعرض

فيه لوصف الاستطاعة أصلا لا يجتمع مع وجوب الاستنابة أصلا فهل الترجيح- ح- مع ظهور مادة الأمر في الوجوب و لازمة تقييد المورد بقيد الاستطاعة أو مع إطلاق المورد و لازمة حمل الأمر على الاستحباب لانه لا مجال لإيجاب الاستنابة مع عدم الاستطاعة أصلا- لا سابقا و لا في الحال؟ لا يبعد ان يقال بالثاني لأنه- مضافا الى أقووية ظهور الأمر في الوجوب و الى كون المستفاد عرفا من عدم وقوع الحج منه قط و عدم طاقته منه فعلا لأجل الكبر هو الحج الذي هي فريضة إلهية و كان الواجب عليه الإتيان به كما لا يخفى- يكون تقييد المورد بالقيدين مع كون الامام- عليه السّلام- في مقام بيان الحكم بصورة نقل الواقعة في زمن المولى أمير المؤمنين- عليه السّلام- لا بيان نقل خصوصيات الواقعة و لو لم تكن دخيلة في الحكم كبياض لحيته و رأسه- مثلا- دليلا على كون المراد من الأمر هو الوجوب لعدم مدخلية شي ء من القيدين في استحباب الاستنابة أصلا فالإنصاف انه لا مجال للمناقشة في دلالة الرواية على الوجوب.

و مثلها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال ان أمير المؤمنين- صلوات اللّٰه عليه- أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره ان يجهز رجلا يحج عنه. «2».

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 282

..........

______________________________

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال كان على- عليه السّلام- يقول لو ان رجلا أراد الحج فعرض

له مرض أو خالطه سقم فلم يستطيع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه. «1» و الظاهر و لو بقرينة ظهور قوله: فليجهز في الوجوب ان المراد من الحج الذي أراده هو الحج الواجب و هي حجة الإسلام الواجبة بأصل الشرع مضافا الى ان إطلاق الحج ظاهر فيه لعدم افتقاره الى التقييد بخلاف الحج الاستحبابي فتدبر.

ثم ان هذه الروايات مشتركة في كون من يجهزه و يستنيبه متصفا بالرجولية و الظاهر ان العرف يلغى هذه الخصوصية كإلغائه في مثل رجل شك بين الثلاث و الأربع و لو نوقش في إلغاء الخصوصية يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في المقام و ان كان في دلالته على أصل الوجوب مناقشة من حيث السند و الدلالة و هي ما رواه المفيد في «المقنعة» عن الفضل بن العباس قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّٰه- ص- فقالت ان أبي أدركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع ان يلبث على دابته فقال لها رسول- ص- فحجي عن أبيك. «2» و رواه الشيخ في الخلاف في المسألة السادسة من كتاب الحج عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس بهذه الصورة:

ان امرأة من خثعم سألت رسول اللّٰه- ص- فقالت: ان فريضة اللّٰه في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على راحلة فهل ترى ان أحج عنه فقال- ص- نعم قال و في رواية عمرو بن دينار عن الزهري مثله و زاد: فقالت يا رسول اللّٰه فهل ينفعه ذلك فقال: نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه.

و لا دلالة في قوله- ص- فحجي في رواية المفيد على الوجوب لعدم

وجوب النيابة على الغير بل الكلام في وجوب الاستنابة على المستطيع التارك و لا دلالة في الرواية على

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 283

..........

______________________________

هذا الوجوب نعم التشبيه بالدين يشعر بالوجوب لوجوب أدائه من كل طريق أمكن و لو بالطلب من الغير كما لا يخفى الطائفة الثانية ما ظاهره الاستنابة في صورة المشية و هي روايتان:

إحديهما رواية سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان رجلا اتى عليا- عليه السلام- و لم يحج قط فقال انى كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبرت سني فقال: فتستطيع الحج؟ فقال لا فقال له على- عليه السّلام- ان شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك. «1».

ثانيتهما رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن أبي جعفر عن أبيه- عليهما السلام-- ان عليا- عليه السّلام- قال لرجل كبير لم يحج قط إن شئت ان تجهز رجلا ثم ابعثه بحج عنك. «2».

و ربما يقال ان التعليق على المشية قرينة على عدم الوجوب لانه يجب الإتيان بالواجب مطلقا شاء أم لم يشأ فلا يقال ان شئت صل صلاة الظهر بخلاف صلاة الليل مثلا و عليه فتصير هذه الطائفة قرينة على عدم كون المراد بالطائفة الاولى هو الوجوب.

و لكن يرد عليه- مضافا الى ضعف سند هذه الطائفة لأن سلمة أبا حفص لا يكون مذكورا في الكتب الرجالية بل لا يكون له الّا روايات قليلة جمعها في كتاب جامع الرواة و الراوي عنه في الجميع هو ابان بن عثمان و رواية

عبد اللّٰه بن ميمون ضعيفة بسهل بن زياد و عدم ثبوت كون جعفر بن محمد هو الجعفر الواقع في اسناد كامل الزيارات مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد بقوله عليه السّلام ان شئت ان تأتي بما هو الواجب عليك و ان تفرغ ذمتك مما اشتغلت به كما في الوسائل.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

و بالجملة إذا دار الأمر بين جعل التعليق على المشية قرينة على التصرف في الطائفة الاولى و بين العكس فلا خفاء في ان الترجيح مع الثاني و حمل قوله عليه السّلام: «ان شئت» على ما ذكرنا.

الطائفة الثالثة ما تدل على اعتبار اشتمال النائب على بعض الخصوصيات مع عدم مدخليته فيه و هي:

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّٰه فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له. «1»

و رواية على بن أبي حمزة قال سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه فيه فقال عليه ان يحج من ماله صرورة لا مال له. «2»

و ربما يقال بان اعتبار قيد الصرورة في النائب مع وضوح عدم لزومه بضميمة عدم جواز التفكيك بين القيد و المقيد دليل على عدم وجوب الاستنابة مضافا الى ما في الجواهر من انه يقوى كون المراد الإحجاج في مثل هذا الشخص بدل تركه الحج لأنه نائب عنه.

و يرد

عليه- مضافا الى ما ربما يقال من إمكان الأخذ بالقيد و الالتزام باعتباره في النائب- ان التفكيك مع قيام الدليل عليه لا مانع منه أصلا فإنه- حينئذ- يشبه إلغاء الخصوصية المتقدم في قيد الرجولية على ما عرفت و اما ما في الجواهر ففي غاية البعد خصوصا في رواية الحلبي المشتملة على كلمة «عنه» الظاهرة في النيابة مضافا الى عدم المناسبة بين ثبوت الوجوب على المستطيع و بين وقوع الحج للنائب كما لا يخفى.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 285

..........

______________________________

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الأقوى في مسألة الاستنابة ما عليه المشهور من اللزوم و الوجوب.

ثم انه ذكر في «المستمسك» ان المذكور في كلام الأصحاب الهرم و المرض و الضعف و نحو ذلك مما يرجع الى قصور الاستطاعة البدنية قال: «و لم أقف عاجلا على من تعرض لغير ذلك من الموانع من حبس أو صد أو نحوهما مما يوجب فقد الاستطاعة السربية مع ان المذكور في مصحح الحلبي ان موضوع الاستنابة مطلق العذر و نحوه خبر على بن أبي حمزة فالتعميم أوفق بالنصوص لو لا ما عرفت من ظهور كون المشهور خلافه».

أقول: قد تعرض في الشرائع عطفا على المرض للعدوّ و عليه فلا اشعار بالاختصاص بما يوجب فقد الاستطاعة البدنية بل يعم الاستطاعة السربية أيضا.

ثم انه قيد في المتن- تبعا للعروة و الجواهر- المرض بما لم يرج زواله قال في الجواهر: «و قد صرح غير واحد بان الوجوب على تقدير القول به انما هو فيما

لم يرج زواله، اما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه بل عن المنتهى الإجماع عليه، و ربما يشهد له التتبع بل في المدارك لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة لأن ما فعله أو لا لم يكن واجبا فلا يجزى عن الواجب».

و قد ذكر بعض الأعاظم- قده- ان الأقوى في النظر هو الحكم بوجوب الاستنابة مطلقا من دون فرق بين ما إذا كان المرض مرجو الزوال و غيره و ذلك لإطلاق بعض ما مر من الاخبار الواردة في المقام قال بل نقول ان حملها على صورة ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال حمل على الفرد النادر فان المرض غالبا يكون مرجو الزوال نعم الأخبار الواردة في استنابة الشيخ الكبير ليس لها إطلاق و ذلك لان الشيخوخة ليست مما يرجى زواله فتلك الأخبار مختصة بالمرض غير مرجو الزوال لكن هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

كما ترى لا يصلح مقيدا للاخبار المطلقة الدالة على وجوب الاستنابة مطلقا لكونهما مثبتين و لا تنافي بينهما.

أقول ان كان مراده بالرواية المطلقة صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله: و حال بينه و بين الحج مرض .. فيرد عليه انه من الواضح كون المراد بالمرض المذكور فيها هو المرض الذي لا يرجى زواله لان ظاهرها حيلولة المرض بينه و بين طبيعة الحج غير المقيدة بسنة خاصة أو سنوات كذلك و من الظاهر ان الحيلولة المذكورة لا تتحقق إلا في المرض المذكور فان المرض الحائل بينه و بين الحج في بعض السنوات لا يكون متصفا بالحيلولة بينه و بين الطبيعة فلا مجال لدعوى الإطلاق في هذه الرواية أصلا.

و ان كان مراده بالرواية

المطلقة هي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطيع الخروج نظرا الى ظهورها في كون المرض العارض مانعا عن استطاعة الخروج من دون فرق بين كونه مرجو الزوال و غيره بل لعل ظاهره هو الأول كما لا يخفى.

فيرد عليه ان دعوى اختصاصها بالحج التطوعى و الإرادي الخارج عن بحث المقام كما ذكره بعض الاعلام و ان كانت ممنوعة الّا ان ظهور الروايات المتقدمة في كون المرض و مثله غير مرجو الزوال و بما يصير قرينة على حمل الرواية على الحج غير الواجب أو على كون المراد من المرض فيه ما لا يكون مرجو الزوال و ان كان خلاف الإطلاق أو خلاف ظاهرها فتدبر.

و بالجملة لم يثبت وجوب الاستنابة في المرض الذي يعلم بزواله بعد سنة أو أزيد.

نعم ذكر بعض الاعلام انه لم يرد في شي ء من الروايات اليأس أو رجاء الزوال بل المذكور فيها عدم التمكن و عدم الطاقة و الحيلولة بينه و بين الحج بمرض و نحوه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

و الظاهر ان المأخوذ في الحكم بلزوم الاستنابة عدم الطاقة واقعا و عدم الطاقة واقعا و عدم الاستطاعة كذلك و اما اليأس من زوال العذر فهو طريق عقلائي لعدم التمكن من إتيانه واقعا كما انه تجوز له الاستنابة في فرض رجاء الزوال لاستصحاب بقاء العذر و لكن ذلك حكم ظاهري قال و بالجملة موضوع وجوب الاستنابة هو عدم الطاقة و عدم القدرة واقعا و لكن اليأس عن زوال العذر أو استصحاب بقاء العذر أو الاطمئنان ببقاء ذلك كل ذلك طرق الى الواقع.

و

لازم ذلك انه لا مدخلية لليأس في الحكم بلزوم الاستنابة بل مجرد احتمال البقاء كاف في ذلك لجريان الاستصحاب هذا تمام الكلام في الفرع الثاني.

الفرع الثالث لو لم يستقر عليه الحج لكن لا يمكنه المباشرة لشي ء من المذكورات في الفرع الثاني من المرض و الحصر و الهرم ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان حكى الأول عن الإسكافي و الشيخ و أبي الصلاح و ابن البراج و العلامة في التحرير و حكى عن الخلاف الإجماع عليه و ما في المستمسك من قوله: و حكى عن الخلاف الإجماع على عدم وجوبها عليه لكني لم أجده فيه فالظاهر انه اشتباه.

و حكى الثاني عن ظاهر المفيد- قده- و ابن إدريس و ابن سعيد و العلامة في القواعد و المختلف و عن كاشف اللثام و نفى خلوه عن القوة في المتن كما ان السيد- قده- في العروة نفى خلو الأول عن القوة.

هذا و الظاهر انه لا مجال للمناقشة في شمول الإطلاق في بعض الروايات المتقدمة لصورة عدم الاستقرار مثل صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام- و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج .. فان هذا القول يشمل من كان موسرا و مستطيعا في سنة الحج الذي حال بينه و بينه المرض و لم يكن كذلك قبلا بان لم يستقر عليه الحج و- حينئذ- فمقتضى إطلاقها وجوب الاستنابة عليه أيضا و كذلك رواية على بن أبي حمزة المتقدمة المشتملة على قوله: و سألته عن رجل مسلم حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 288

..........

______________________________

بينه و بين الحج مرض .. فإن إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب يدل على عدم اختصاص

الحكم بمن استقر عليه الحج و شموله لغيره أيضا.

و بالجملة لا إشكال في ثبوت الإطلاق في المقام الا ان ثبوته بمجرده لا يكفي في إثبات الحكم هنا و ليس كالفرع الثاني الذي يتوقف على مجرد قيام الدليل على الوجوب و ذلك لأنه في مقابل الإطلاق هنا الروايات الواردة في الاستطاعة الدالة على تفسيرها بعد الاستطاعة المالية بالاستطاعة البدنية و السربية أيضا و ظاهرها ان مدخلية الاستطاعتين في الحج عين مدخلية الاستطاعة المالية فكما ان لها الشرطية في أصل وجوب الحج و ثبوت هذا التكليف و مرجعه الى ان فقد الاستطاعة المالية يوجب عدم ثبوت الوجوب رأسا لا سقوط قيد المباشرة و الإتيان بالحج من طريق النيابة كذلك ظاهر الروايات ان للاستطاعتين مدخلية في أصل الوجوب و انه مع انتفاء شي ء منها لا يكون هناك تكليف بالحج رأسا لا انه يسقط قيد المباشرة و يقوم مقامه الاستنابة و الإتيان من طريق النيابة.

فلو كان في مقابل هذه الروايات رواية معتبرة واردة في خصوص من لم يستقر عليه الحج دالة على لزوم الاستنابة عليه مع المرض أو الحصر أو الهرم- مثلا- لكان اللازم الجمع بين الأمرين بحمل روايات تفسير الاستطاعة على كون المراد مدخليتها- بأنواعها- في لزوم المباشرة و ان انتفاء شي ء من الاستطاعتين لا يوجب انتفاء التكليف رأسا بل اللازم الاستنابة و الإتيان من طريق النيابة.

الا انه مع ثبوت الإطلاق في مقابلها لا بد من ملاحظة ان الترجيح مع الإطلاق فيتصرف في تلك الروايات مثل ما إذا كان في البين رواية خاصة أو ان الترجيح مع ظهور تلك الروايات في كون مدخلية الاستطاعتين كمدخلية الاستطاعة المالية في أصل الوجوب و ثبوت التكليف لا في اعتبار المباشرة.

و الظاهر

ان الترجيح مع تلك الروايات لكون ظهورها مستندا الى الوضع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 289

..........

______________________________

و أقوى بالإضافة إلى الظهور المستند إلى الإطلاق فالترجيح مع القول بعدم الوجوب الفرع الرابع في ان وجوب الاستنابة في مورده و هو خصوص من استقر عليه الحج أو أعم منه و ممن لم يستقر فوري أم لا استظهر السيد- قده- في العروة الفورية و جعلها في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي و الدليل عليها هو الدليل المتقدم في أوائل كتاب الحج الدال على فورية وجوب الحج و لا فرق فيه بين المستقر و غيره فإذا كان أصل التكليف ثابتا بنحو الفورية و أدلة لزوم الاستنابة غايتها التوسعة في مقام الأداء و انه لا يختص بالإتيان به مباشرة بل اللازم إيجاد الحج في الخارج و لو من طريق التسبيب و الاستنابة فالتغيير الحاصل بسبب أدلة النيابة هو هذا المقدار الراجع الى عدم مدخلية قيد المباشرة و اما أصل الوجوب و وصفه و هي الفورية فهما باقيان بحاله من دون تغيير.

و اما الترديد الذي يشعر به الاحتياط اللزومي فلعلّ منشأه عدم دلالة شي ء من اخبار الاستنابة و لزومها على فوريتها مع ان الوجه فيه ما عرفت من كون الغرض منها افادة إلغاء اعتبار قيد المباشرة فقط من دون نظر الى شي ء آخر هذا مضافا الى ظهور بعضها في الفورية كما لا يخفى.

الفرع الخامس إذا استناب و صار النائب في مقام الإتيان بالحج و تحقق منه فإن بقي العذر و استمرّ الى ان مات المنوب عنه فلا شبهة في أجزاء حج النائب و مرجعه الى عدم وجوب الإتيان به ثانيا نيابة عنه بعد الموت و ذلك لظهور

أدلة الاستنابة في ان الحج الذي يأتي به النائب هو الحج الواجب على المنوب عنه و انه يأتي به مكانه فحجّه حجّه فلا مجال للزوم الإتيان به ثانيا كما إذا اتى به مباشرة حيث لا يبقى موقع للزوم التكرار و اما إذا لم يبق العذر كذلك ففيه صور ثلاثة:

الأولى: ما إذا ارتفع العذر بعد فراغ النائب عن العمل و الإتيان بالحج فالمنسوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 290

..........

______________________________

الى المشهور بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه عدم الاجزاء و انه يجب عليه الإتيان بالحج بعد ذلك مباشرة و لكن صاحب الجواهر- قده- استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم الاستنابة و لكن صاحب الجواهر- قده- استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم الاستنابة و انهم غير قائلين بالوجوب نظرا إلى انه على تقدير الوجوب لكان مقتضى القاعدة الاجزاء كما هو المقرر في الأصول.

و بالجملة فمختار المتن- تبعا للسيد في العروة- الاجزاء لما ذكرنا من ان ظاهر الاخبار ان ما يأتي به النائب من الحج هو الذي كان واجبا على المنوب عنه فإذا اتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه و لا دليل على وجوبه مرة أخرى.

نعم يمكن المناقشة في ذلك بان العذر المسوّغ للاستنابة هو العذر الباقي غير الزائل و مع ارتفاعه بعد عمل النائب يستكشف انه لم يكن مجال للاستنابة و لكن يدفعها ما ثبت في الأصول من اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء و ان استصحاب بقاء العذر يكفي في صحة عمل النائب و وقوعه عن المنوب عنه.

الثانية و الثالثة ما إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب أي بعد الإحرام أو في أثناء الطريق قبل الشروع في الحج و قد

اختار السيد- قده- فيهما الاجزاء أيضا نظرا الى وقوع الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصا إذا لم يمكن إبلاغ النائب الموجر ذلك و لا مجال لدعوى كون جواز النيابة ماداميا.

و لكن مختار المتن هو عدم الاجزاء نظرا الى ان ارتفاع العذر في الصورتين كاشف عن عدم مشروعية النيابة و الإجارة لأن المفروض عدم تحقق الحيلولة بينه و بين الحج أصلا و انه كان متمكنا من الحج مباشرة و استصحاب بقاء العذر لا دلالة له على مشروعية النيابة بعد ارتفاع العذر فالنيابة لم تكن مشروعة بحسب الواقع و عليه فالإجارة الواقعة عليها باطلة لعدم مشروعية العمل المستأجر عليه و منه يظهر انه لا يجب على الأجير أيضا إتمام الحج عن نفسه لعدم كون إحرامه متصفا بالمشروعية فلم يتحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 291

..........

______________________________

الشروع في الحج بنحو مشروع حتى يجب إتمامه بخلاف الحج الاستحبابي الذي شرع فيه فإنه يجب إتمامه بمجرد الشروع و بالجملة فالحكم في هاتين الصورتين عدم الاجزاء فاللازم الإتيان به مباشرة لفرض ارتفاع العذر.

الفرع السادس: لو لم يتمكن من الاستنابة ففي المتن: سقط الوجوب و قضى عنه. اما سقوط وجوب الاستنابة فلفرض عدم التمكن منها سواء كان منشأ عدم التمكن عدم وجود النائب أو وجوده مع مطالبته مالا كثيرا موجبا للضرر زائدا على الضرر المتحقق في أصل الاستنابة بناء على اقتضاء قاعدة «لا ضرر» لارتفاع الحكم الضرري و حكومتها على الأدلة الأولية كما هو المشهور أو في خصوص ما إذا كان تحمل المال المطالب حرجيا بناء على اختصاص رفع الحكم في مثل هذه الموارد بقاعدة «نفى الحرج» و عدم جريان قاعدة

«لا ضرر» لان مفادها غير ما هو المعروف كما مر مرارا.

ثم ان المفروض صورة عدم التمكن من الاستنابة إلى آخر العمر ضرورة انه مع التمكن منها و لو في عام تجب الاستنابة فيه بلا اشكال.

و اما القضاء عنه بعد الموت فلا إشكال في ثبوته و وجوبه فيما إذا كان الحج مستقرا عليه لان المفروض عدم تحققه منه و لو بالاستنابة و منه يظهر وجوب القضاء و لو مع التمكن من الاستنابة إذا خالف و لم يتحقق منه أصلا.

و اما إذا لم يكن الحج مستقرا عليه فان قلنا بعدم وجوب الاستنابة عليه- كما اخترناه- فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه بعد الموت لان المفروض عدم وجوب الحج عليه رأسا فلا مجال لوجوب القضاء عنه بعد الموت.

و اما ان قلنا بوجوب الاستنابة عليه- كما اختاره في العروة- فربما يقال ان الظاهر عدم وجوب القضاء عنه لعدم تنجز التكليف عليه مباشرة للعذر من المرض و الحصر و عدم وجوب الاستنابة عليه في زمان حياته لعدم وجود النائب أو لأمر آخر من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 292

..........

______________________________

الضرر أو الحرج فالحج لا يجب عليه لا مباشرة و لا نيابة.

أقول لا مجال لدعوى ان المستفاد من أدلة الاستنابة لزوم القضاء عنه بعد الموت فان الاستنابة الواجبة- على تقديره- أمر مرجعه الى عدم مدخلية المباشرة و الاكتفاء بعمل النائب و لزوم القضاء أمر آخر مترتب على تنجز التكليف و المفروض عدمه لتعذر المباشرة و الاستنابة معا و هذا بخلاف من استقر عليه الحج الذي يجب القضاء عنه بعد الموت.

نعم لازم ما ذكرنا وجوب القضاء إذا كان متمكنا من الاستنابة غاية الأمر انه لم تتحقق منه خارجا

عصيانا فتدبر و سيأتي تفصيل مسألة القضاء إن شاء اللّٰه تعالى.

الفرع السابع: لو استناب مع رجاء الزوال ففي المتن لم يجز عنه فيجب بعد زواله قال و لو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية أقول اما عدم الاجزاء فيما لو استناب مع رجاء الزوال فتحقق الزوال فلأجل ان جواز الاستنابة مترتب على اليأس من الزوال فلا مجال لها مع الرجاء و عليه فالنيابة غير صحيحة فلا يجزى حج النائب عن المنوب عنه هذا بناء على مبنى المتن من اختلاف الحكم باختلاف حال المنوب عنه من جهة اليأس و الرجاء.

و اما بناء على القول بان موضوع وجوب الاستنابة هي الحيلولة الواقعية للمرض بينه و بين الحج غاية الأمر انه ربما يحرز بالوجدان أعم من القطع و الاطمئنان و اخرى بالاستصحاب فالظاهر جريان الاستصحاب و لو مع رجاء الزوال لعدم المنافاة بينه و بين الاستصحاب و إذا كان الاستصحاب جاريا تصير الاستنابة مشروعة و- ح- زوال المرض بعد العمل لا يكاد يقدح في الاجزاء أصلا كما مرّ في الفرع الخامس نعم إذا كان الزوال في الأثناء أو قبل الشروع لا يكون مجزيا.

و اما استظهار الكفاية فيما لو حصل اليأس بعد عمل النائب مع رجاء الزوال عند الاستنابة فتمكن المناقشة فيه بأنه ان كان الموضوع هو الحيلولة الواقعية فقد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

عرفت الكفاية و لو لم يحصل اليأس بعد عمل النائب و ان كان الموضوع هي حال النائب و هو اليأس من الزوال فالمفروض عدم تحققه حين الاستنابة و هو دخيل في جوازها و مشروعيتها فلا يبقى مجال للاجزاء و الكفاية كما لا يخفى.

الفرع الثامن: لو حج المتبرع

عنه في صورة وجوب الاستنابة ففي المتن:

«الظاهر عدم الكفاية» وجه الظهور انه لو لم يكن في البين أدلة وجوب الاستنابة و كنا نحن و أدلة وجوب الحج على المستطيع لم نكن نتجاوز عن اعتبار صدوره بنحو المباشرة و عدم كفاية الاستنابة أيضا لكن أدلة وجوب الاستنابة نفى مدخلية المباشرة و وسّع في الحكم بنحو اكتفى بصدوره من النائب الذي استنابه المنوب عنه و كلا الفرضين يشتركان في الانتساب الى المنوب عنه و الإضافة الصدورية إليه غاية الأمر ان الصدور في الأول بالمباشرة و في الثاني بالتسبيب و عليه فلم يقم دليل على كفاية الصدور من الغير بنحو التبرع مع عدم انتسابه اليه و عدم استناد صدوره اليه بوجه و ليس هذا الفرض كصورة الموت التي لا بد من القضاء عنه كقضاء دينه و يكفى فيه تبرع القضاء فان زمن الحياة لا بد من استناد العمل الواجب اليه و اضافة صدوره به بالمباشرة كما في مثل الصلاة و الصوم أو الأعم منها و من التسبيب كما في المقام و عليه فلا يكفى تبرع الغير في ذلك.

الفرع التاسع: هل تكفي الاستنابة من الميقات ففي المتن استقرب الكفاية بعد ان استشكل فيها، وجه الكفاية ان المستفاد من الروايات الواردة في الاستنابة ان الواجب هو تجهيز رجل ليحج عنه فاللازم هي تهية مقدمات صدور الحج بعنوان النيابة عنه و إرسال شخص لذلك و اما لزوم كون الإرسال من بلد المنوب عنه فلا دلالة لها على وجوبه خصوصا بعد انه لا يلزم على المنوب عنه طي الطريق الى الميقات بقصد الحج بل اللازم هو الحج الذي شروعه من الميقات و اما قوله- عليه السّلام- في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة:

«ثم ليبعثه مكانه» فلا دلالة له أيضا على لزوم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 294

[مسألة 49- لو مات من استقر عليه الحج في الطريق]

مسألة 49- لو مات من استقر عليه الحج في الطريق فان مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، و ان مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و ان كان موته بعد الإحرام على الأقوى، كما لا يكفى الدخول في الحرم قبل الإحرام كما إذا نسيه و دخل الحرم فمات و لا فرق في الاجزاء بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الحل كما إذا مات بين الإحرامين، و لو مات في الحل بعد دخول الحرم محرما ففي الإجزاء إشكال، و الظاهر انه لو مات في الحل بعد دخول الحرم محرما ففي الإجزاء إشكال، و الظاهر انه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه، و الظاهر عدم جريان الحكم في حج النذر و العمرة المفردة لو مات في الأثناء، و في الافسادى تفصيل، و لا يجرى فيمن لا يستقر عليه الحج فلا يجب و لا يستحب عنه القضاء لو مات قبلهما. (1)

______________________________

البعث من بلد المنوب عنه بل المراد هو بعثه مكانه في الإتيان بالحج و تحقق المناسك منه فالظاهر حينئذ هو الكفاية من الميقات.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: المقام الأول: فيمن استقر عليه الحج و قد مات في الطريق قبل ان يتم اعمال الحج و يأتي بمناسكه و فيه صور:

الاولى: ما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و قد نفى في محكي «المدارك» وجدان الخلاف في الاجزاء عن حجة الإسلام و عدم لزوم القضاء عنه على الوارث بل عن «المنتهى» الإجماع عليه و يدل عليه صحيحة

ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق فقال: ان مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام. «1»

و عدم فرض الإحرام في الموت في الحرم لعله لأجل تحقق الإحرام من الميقات قبل دخول الحرم نوعا و ندرة تحقق النسيان للإحرام من الميقات و دخول الحرم

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 295

..........

______________________________

بدونه مع ان هذا المورد هو القدر المتيقن فلا شبهة في دلالة الرواية على الاجزاء فيما هو المفروض في هذه الصورة كما ان صورة الاستقرار هي القدر المسلم من موردها نعم في بعض الروايات ذكر مكان الحرم «مكة» و هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام المشتملة على قوله: قلت فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه. «1»

و لكنه- مع انه لا قائل به- يحتمل ان يكون المراد من مكة هو الحرم باعتبار ان الفصل بين الحرم و مكة قليل جدا و كان الحرم محيطا بها في زمن صدور الروايات و ان كانت توسعة مكة في الأزمنة المتأخرة صارت موجبة لدخول حرم فيها في بعض الجوانب الا انه في ذلك الزمان كانت مكة محاطة بالحرم و عليه فلا تبعد دعوى شمول مكة لذلك باعتبار كونه من توابعها و نواحيها.

هذا مضافا الى ان دلالة هذه الصحيحة على عدم الاجزاء انما هو بالإطلاق لأن عدم الانتهاء إلى مكة مطلق شامل لعدم دخول الحرم

و دخوله و صحيحة ضريس صريحة في الاجزاء إذا مات في الحرم فهي صالحة لتقييد رواية زرارة كما لا يخفى فلا إشكال في الحكم.

الثانية: ما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم و المشهور عدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه و نسب الخلاف الى خلاف الشيخ- قده- و ابن إدريس و في محكي كشف اللثام نسبة الخلاف إلى الحلي فقط و ذلك لعدم صراحة كلام الشيخ فيه لانه و ان قال: «إذا مات أو أحصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج» لكن استدلاله بالنصوص و الإجماع ربما يدل على ان مراده الإحرام و دخول الحرم لا مجرد الإحرام فقط.

و الدليل للاجزاء مفهوم الجملة الشرطية الثانية الواقعة في صحيحة بريد العجلي و لأجله يكون التعجب من الحلي فإنه مع عدم اعتماده على خبر الواحد و لو كان صحيحا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

كيف اعتمد في الحكم المخالف للقاعدة المقتضية لعدم الاجزاء لانه لا مجال للاجزاء بمجرد الإحرام و يفتقر الحكم بالاجزاء إلى تعبد واضح على مفهوم جملة شرطية في رواية واحدة و هي صحيحة بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت أ

رأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلاثة «1» و يرد على الاستدلال بها انه ان قيل بثبوت المفهوم للقضية الشرطية- على خلاف ما هو التحقيق و الثابت في محله- ففي الرواية قضيتان شرطيتان مفهوم الاولى انه إذا لم يكن الموت في الحرم لا يكون ما اتى به مجزيا عن حجة الإسلام و مفهوم الثانية انه إذا كان موته بعد الإحرام يكون مجزيا و بينهما تهافت و تناقض فاللازم ان يقال:

اما بعدم ثبوت المفهوم لشي ء من الشرطيتين لأجل ثبوت التعارض و لازمة عدم تعرض الرواية لهذه الصورة التي هي محل البحث و هو الموت بعد الإحرام و قبل دخول الحرم فلا يبقى مجال للاستدلال بها على الاجزاء.

و اما بما حكى عن «المستند» و احتمله السيد- قده- في العروة من كون المراد من قوله في الرواية: «قبل ان يحرم» قبل ان يدخل في الحرم كما يقال: «انجد» اى دخل في نجد و أيمن اى دخل اليمن و هذا المعنى و ان كان خلاف الظاهر في نفسه الا انه

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 297

..........

______________________________

يمكن جعل الجملة الشرطية الأولى قرينة عليه كما في سائر الموارد التي يحمل اللفظ على خلاف ظاهره لأجل وجود القرينة على الخلاف و على هذا الوجه أيضا لا يبقى مجال للاستدلال بها على

الاجزاء بل هي دليل على العدم كما لا يخفى.

و اما بتعارض المفهومين و مقتضى القاعدة هو التساقط و الرجوع الى أدلة أخرى و مقتضاها وجوب القضاء عنه و عدم الاجزاء كما هو مقتضى القاعدة أيضا.

ثم انه لو فرض انحصار مدلول الرواية بالجملة الشرطية الثانية و ثبوت المفهوم لها لكان يعارضه منطوق صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على عدم الاجزاء قبل الانتهاء إلى مكة التي قد عرفت ان المراد بها الحرم و من الواضح أقووية المنطوق فاللازم رفع اليد عن المفهوم.

و قد ظهر مما ذكرنا عدم صلاحية الرواية للاستدلال بها على الاجزاء فاللازم الحكم بعدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه.

الثالثة: ما إذا دخل في الحرم قبل الإحرام كما إذا نسيه في الميقات و لم يحرم ثم دخل الحرم بلا إحرام فمات و في المتن الحكم بعدم الكفاية و الاجزاء كما في الصورة الثانية و الوجه فيه ان المذكور في مثل صحيحة ضريس و ان كان هو الموت في الحرم و مقتضى إطلاقه بدوا الشمول لما إذا لم يتحقق منه الإحرام رأسا الا ان المنساق منه هو الدخول في الحرم بما هو المتعارف الغالب من الإحرام في الميقات و عدم نسيانه لا مجرد تحقق الموت في الحرم و لو لم يحرم أصلا مع ان مقتضى إطلاق قوله- ع- في صحيحة بريد: «و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم ..» هو الشمول لما إذا كان ذلك في الحرم كما لا يخفى و اما قوله في صحيحة ضريس: «خرج حاجا حجة الإسلام» فلا دلالة له على تحقق الإحرام لأن المراد بالخروج حاجا هو الخروج من البلد بقصد حجة الإسلام لا الورود فيها المتحقق بالإحرام نعم مفهوم صحيحة

زرارة الوارد في الاجزاء دال على اعتبار كون الموت في حال الإحرام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 298

..........

______________________________

الرابعة: ما إذا مات بين الإحرامين و في المتن الحكم بالاجزاء و الوجه فيه- مضافا الى الأولوية فإنه إذا كان مجرد الإحرام و دخول الحرم ثم الموت كافيا و مجزيا عن حجة الإسلام ففيما إذا اتى بجميع اعمال عمرة التمتع ثم أحل ثم مات يكون الاجزاء و عدم وجوب القضاء بطريق اولى- ظهور مثل صحيحة ضريس في الاكتفاء بالموت في الحرم غاية الأمر انا حملناه على ما إذا تحقق الإحرام من الميقات و وقع دخول الحرم بعده و اما اعتبار كون الموت في حال الإحرام فلا دلالة له عليه نعم ظاهر مفهوم صحيحة زرارة اعتبار كون الموت في حال الإحرام و يمكن ان يقال ان المراد بقوله ان مات و هو محرم ليس هو الموت في حال الإحرام بل الموت بعد تحقق الإحرام من الميقات و ان لم يكن مقرونا به و كيف كان لا مجال لرفع اليد عن ظهور صحيحة ضريس في ان المعيار هو الموت في الحرم و هو متحقق في الفرض.

الخامسة: ما إذا مات في الحل بعد دخول الحرم محرما كما إذا خرج بين الإحرامين عن الحرم لضرورة أو غيرها و في المتن الاستشكال في الاجزاء و الوجه فيه ما عرفت من ظهور صحيحة ضريس في اعتبار ظرفية الحرم للموت فإنه لم يقع التعبير بما إذا كان الموت بعد الإحرام و دخول الحرم بل التعبير هو الموت في الحرم و لا مجال لدعوى انه لا خصوصية المحرم بعد كون المحتمل- قويا- ثبوت الخصوصية من جهة شرافة الحرم و علو مكانته

و عظمة شأنه و لا يقاوم هذا الظهور الإطلاق المستفاد من صحيحة زرارة الدالة بمفهومها على انه ان كان الموت بعد الانتهاء إلى مكة يكون مجزيا نظرا الى صدق «البعدية» بعد الخروج منها أيضا و ذلك لضعف الإطلاق في مقابل الظهور في مثل صحيحة ضريس كما لا يخفى.

السادسة: ما إذا مات في أثناء عمرة التمتع اى بعد الإحرام و دخول الحرم و الظاهر الاجزاء عن حجه أيضا لأن حجة الإسلام عمل واحد مركب من العمرة و الحج فكما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 299

..........

______________________________

ان الموت في أثناء حجه يجزى عن حجة الإسلام الواجبة عليه كذلك الموت في أثناء عمرته بعد كون مجموعهما عملا واحدا و لذا لا يترتب على عمرته بمجردها شي ء أصلا.

و اما من كانت وظيفته حج القران أو الافراد المتقدم على عمرتهما فان مات في أثناء الحج فلا شبهة بمقتضى النص في الاجزاء عن حجه لأنهما أيضا من مصاديق حجة الإسلام المذكورة في الروايات و اما الاجزاء عن عمرتهما فمشكل لان الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع الا ان يقال بان ظاهر الاجزاء عن حجة الإسلام هو الاجزاء عن كليهما لان عنوان حجة الإسلام يطلق على المجموع و ان كانا عملين مستقلين و قد نفى السيد- قده- في العروة ابتداء البعد عن الاجزاء و ان استشكل فيه أخيرا.

السابعة: من مات في أثناء الحج النذري لا يكتفى به و ان كان موته بعد الإحرام و دخول الحرم و ذلك لان الاجزاء في ذلك المورد انما هو على خلاف القاعدة لأن مقتضاها العدم بعد عدم تحقق المأمور به في الخارج و فقدان الحج لأركانه فالاجزاء يحتاج

الى الدليل و قد دل عليه في خصوص حجة الإسلام للتصريح بها في الروايات المتقدمة و لم ينهض دليل عليه في غيرها و عليه فالحكم لا يجري في الحج النذري بل الحكم فيه على وفق القاعدة المقتضية لعدم الاجزاء.

و هكذا الكلام في العمرة المفردة فإن الموت في أثنائها و لو كان بعد الإحرام و دخول الحرم لا يوجب الاجزاء لعدم الدليل عليه و هذا من دون فرق بين ما إذا لم تكن مقرونة بحج القران أو الافراد كما لو فرض وجوبها على المستطيع لخصوصها أو كانت مقرونة بأحدهما و ذلك لعدم انطباق حجة الإسلام عليه و كونها عملا مستقلا في قبال الحج.

و اما الحج الافسادى فهو اى جريان حكم الروايات فيه مبنى على ان حجة الإسلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

هل هو الحج الفاسد الذي يتمه أولا و الحج الثاني عقوبة للإفساد و جزاء عليه أو انها هو الحج الثاني الذي يأتي به بعد إتمام الحج الأول الفاسد فان قلنا بالأول فالحكم لا يجرى فيه لان المفروض تحقق الموت في أثناء الحج الثاني و هو ليس بحجة الإسلام فلا دليل على الاجزاء فيه بل يجب القضاء عنه و ان قلنا بالثاني فالحكم بالاجزاء يجرى فيه لان المفروض انه هو حجة الإسلام فتشمله الروايات هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و اما الكلام في المقام الثاني و هو من لم يستقر عليه الحج بل كان عام استطاعته فالمهم فيه هو الحكم بوجوب القضاء عنه و فيه أقوال ثلاثة:

الأول القول بوجوب القضاء عنه حكى عن المقنعة و المبسوط و النهاية و ظاهر القواعد و اختاره في المستند حيث قال: «لو مات

المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الإحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الأقرب المنصور» و كذا اختاره جمع من المحققين من شراح العروة.

الثاني القول باستحباب القضاء عنه و هو ظاهر الجواهر حاكيا له عن بعض و جعله السيد في العروة أظهر.

الثالث عدم وجوب القضاء عنه و عدم استحبابه أيضا و هو مختار المتن و لعله المشهور.

اما القول الأول فمستنده الأخذ بإطلاق صحيحة ضريس الظاهرة في وجوب القضاء عنه فيما إذا مات دون الحرم فان قوله فيها رجل خرج حاجا حجة الإسلام مطلق شامل لمن لم يستقر الحج عليه أيضا و لا يقدح في ذلك كون الحكم بوجوب القضاء مختلفا بالإضافة الى من استقر و من لم يستقر حيث انه في الأول يكون موافقا للقاعدة و في الثاني مخالفا لها نظرا الى ان الموت في عام الاستطاعة بعد الإحرام قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الأول لفقد الاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج بحكم العقل و قاعدة نفى الحرج على ما عرفت سابقا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 301

..........

______________________________

فكما ان فقد الاستطاعة المالية بعد الإحرام و قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج من الأول كذلك عدم الاستطاعة الزمانية المتحقق بالموت.

هذا و لكن ذلك لا يقدح في دلالة الروايات على الحكم بوجوب القضاء عنه و ان كان خلاف القاعدة فمقتضى الإطلاق وجوب القضاء في المقام أيضا.

و اما القول الثاني فمستنده انه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية و لذا لا يجب إذا مات

في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسرا و عليه فيحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج مثل الإجماع فالإطلاق في الصدر و ان كان محفوظا الّا ان قوله: فليقض لا دلالة له على الوجوب بل على القدر المشترك فيدل على رجحان القضاء عمن لم يستقر عليه الحج.

و اما القول الثالث فمبنى على اختصاص صحيحة ضريس بخصوص من استقر عليه الحج نظرا الى لزوم رفع اليد عن إطلاق قوله: خرج حاجا حجة الإسلام لا لأجل الحكم بوجوب القضاء عنه في الذيل و هو لا يلائم مع عدم ثبوت التكليف من الأول فإن الحكم إذا كان على خلاف القاعدة لا بد من الالتزام به إذا دل الدليل عليه بل لأجل ان التعبير بالاجزاء في الرواية و كذا التعبير بالقضاء في قوله فليقض ظاهر ان فيما إذا كان هناك تكليف ثابت على عهدة المكلف فإنه مع عدم ثبوت التكليف و عدم وجوب حجة الإسلام الذي يكشف عنه الموت في الأثناء لا مجال للتعبير بالاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و للتعبير بالقضاء فيما إذا مات دون الحرم فهذان التعبيران قرينتان على اختصاص مورد الحكم بما إذا كان هناك تكليف ثابت على عهدة المكلف و في ذمته فالرواية لا دلالة لها على حكم من لم يستقر أصلا و من الواضح انه كما ان الوجوب يحتاج الى دليل كذلك الاستحباب يحتاج إليه أيضا و من المعلوم عدمه أيضا و عليه ففي هذا المقام كما انه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 302

[مسألة 50- يجب الحج على الكافر و لا يصح منه]

مسألة 50- يجب الحج على الكافر و

لا يصح منه، و لو أسلم و قد زالت استطاعته قبله لم يجب عليه، و لو مات حال كفره لا يقضى عنه، و لو أحرم ثم أسلم لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات إن أمكن و الا فمن موضعه نعم لو كان داخلا في الحرم فأسلم فالأحوط مع الإمكان ان يخرج خارج الحرم و يحرم.

و المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال إسلامه أو بعد ارتداده و لا يصح منه فان مات قبل ان يتوب يعاقب عليه و لا يقضى عنه على الأقوى و أن تاب وجب عليه و صح منه على الأقوى سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، و لو أحرم حال ارتداده فكالكافر الأصلي، و لو حج في حال إسلامه ثم ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، و لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح. (1)

______________________________

لا يجب القضاء كذلك لا يستحب و هذا القول هو الظاهر كما في المتن.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة أيضا في مقامين: المقام الأول في الكافر و فيه جهات من البحث:

الاولى: انه يجب الحج على الكافر فيما إذا تمت شرائط الوجوب كالمسلم و هو مبنى على القاعدة المعروفة الفقهية التي التزم بها المشهور و هي اشتراك الكفار مع المؤمنين في التكليف بالفروع كاشتراكهم معهم في التكليف بالأصول و قد خالف المشهور جماعة كالمحدث الكاشاني و الأمين الأسترآبادي و صاحب الحدائق و بعض المتأخرين و قد تكلمنا فيها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية و اخترنا فيه ما هو المشهور الثانية: انه مع وجوب الحج على الكافر إذا اتى به في حال كفره لا يقع منه صحيحا اما لعدم

تحقق قصد القربة منه بعد عدم اعتقاده بالإسلام و كونه مقربا في شرعه فلا معنى لتحقق قصد القربة و اما لقيام الدليل من الإجماع و غيره على كون الإسلام من شرائط صحة العبادة فلا تقع من الكافر كذلك و لو فرض اعتقاده بوجوبه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 303

..........

______________________________

و الإتيان به مع قصد القربة.

الثالثة: ان الكافر إذا أسلم فإن بقيت استطاعته الحادثة حال الكفر الى ما بعد الإسلام فلا إشكال في عدم سقوط وجوب الحج عنه و لزوم الإتيان به بعده و كذا إذا حدثت له الاستطاعة بعد الإسلام ثانيا فإنه لا إشكال أيضا في وجوب الحج عليه انما الكلام فيما إذا زالت استطاعته قبل الإسلام مع عدم حدوثها بعده في انه هل يجب عليه الحج متسكعا كالمسلم الذي استقر عليه الحج أو انه لا يجب عليه الحج أصلا؟

الظاهر هو الثاني لأنه مقتضى قاعدة «الجب» المعروفة التي هي أيضا من القواعد الفقهية و منشأها الحديث المعروف الذي رواه العامة و الخاصة كما في مسند احمد و غيره و في تفسير على بن إبراهيم و هو ان الإسلام يجب ما قبله و كذا سيرة النبي و الأئمة المعصومين- عليه و عليهم أفضل صلوات المصلين- حيث لم يعهد و لم ينقل إلزامه أو إلزامهم الكافر الذي أسلم بقضاء ما فات منه من الصلاة و الصيام فالحكم بعدم وجوب القضاء على الكافر متسالم عليه و لا مجال للإشكال فيه أصلا.

نعم ربما تجري المناقشة في الحج بالإضافة إلى قضاء الصلاة و الصيام نظرا الى ان الحج غير موقت بوقت ليتصور فيه القضاء فهو نظير ما لو أسلم الكافر في أثناء الوقت في الواجبات

الموقتة فكما انه يجب عليه الأداء مع فرض بقاء الوقت و لا يكون مقتضى قاعدة الجب سقوط الأداء في هذا الفرض كذلك يجب عليه الحج بعد الإسلام و لو مع زوال الاستطاعة في حال الكفر و لا تجري فيه القاعدة المذكورة.

و ان شئت قلت ان وجوب الحج متسكعا بعد زوال الاستطاعة تكليف يشترك فيه المسلم و الكافر و لا يكون له وقت خاص بل يكون باقيا ما دام العمر فلا وجه لاقتضاء قاعدة الجب سقوطه بل هو نظير ما عرفت من الإسلام في أثناء الوقت.

و الجواب عن المناقشة انها جارية إذا كان الحكم بوجوب الحج متسكعا موافقا للقاعدة ثابتا على المسلم و الكافر في صورة ترك الحج في عام الاستطاعة و استقراره

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 304

..........

______________________________

على المكلف و اما لو فرض كونه مخالفا للقاعدة و كان الدليل على ثبوته بنحو لا يشمل الكافر فلا مجال للمناقشة أصلا و الظاهر انه من هذا القبيل اما كونه مخالفا للقاعدة فلان مقتضى الأدلة الأولية وجوب الحج على المستطيع و مقتضاها سقوط التكليف مع زوال الاستطاعة و ان كان الترك مستندا الى العصيان و المخالفة.

و اما عدم كون الدليل عليه شاملا للكافر فلان ظاهره هو الترك العمدي للحج مع الاعتقاد بوجوبه و ثبوت التكليف به غاية الأمر كان المنشأ للترك هو التسويف و الإهمال و هذا العنوان لا يشمل الكافر الذي يكون منشأ تركه عدم الاعتقاد بوجوبه كما لا يخفى فدليل وجوب الحج مع التسكع قاصر عن الشمول للكافر و المفروض زوال استطاعته فلا يجب عليه الحج في الصورة التي هي محل البحث.

اشكال مشهور ذكره صاحب المدارك في مبحث قضاء الصلوات

و هو انه لا يعقل الوجوب- اى وجوب القضاء عليه- إذ لا يصح منه إذا اتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا أسلم و استظهر وجوب الحج عليه في كتاب الحج حيث قال في محكيه: «لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا و بدونها في أظهر الوجهين و اعتبر العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة إلى زمان الإسلام و هو غير واضح».

و أجيب عنه بوجوه: أحدها ما ذكره السيد- قده- في العروة من انه يمكن ان يكون الأمر به حال كفره امرا تهكميا- اى استهزائيا- ليعاقب لا حقيقيا و لكنه استشكل فيه لعدم إمكان إتيانه به لا كافرا و لا مسلما فلا يكون قابلا للامتثال و من الواضح عدم معقوليته مع عدم القابلية للامتثال.

و يرد على هذا الجواب أيضا انه لو كان دليل تكليف الكافر دليلا خاصا منحصرا بالكافر يمكن ان يقال فيه ذلك و اما مع عموم الدليل و شموله للمسلم و الكافر فلا مجال لهذا الجواب لانه لا معنى لحمل الأمر الواحد على الحقيقي و التهكمى بالإضافة إليهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 305

..........

______________________________

ثانيها ما استظهره السيد- قده- فيها و هو انه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعا و ان تركه فمتسكعا و هو ممكن في حقه لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها ان ترك فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال و مأمور- على فرض تركه حالها- بفعله بعدها قال: «و كذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال انه في الوقت مكلف بالأداء و مع تركه بالقضاء و هو مقدور له بان يسلم فيأتي بها أداء و

مع تركها قضاء فتوجه الأمر بالقضاء اليه انما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق».

ثم قال: «فحاصل الاشكال انه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلفا بالقضاء و يعاقب على تركه؟ و حاصل الجواب انه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق و مع تركه الإسلام في الوقت فوت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه و بعبارة اخرى: كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء و- ح- فإذا ترك الإسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء و إذا أسلم يغفر له و ان خالف أيضا و استحق العقاب».

و يرد عليه أمران: الأول ان الواجب المعلق و ان كان تصويره بمكان من الإمكان و لا مانع منه ثبوتا و قد تحقق بالإضافة إلى الحج بالنظر الى الموسم و في غيره الا ان الالتزام به يحتاج الى قيام الدليل عليه و قد قام في مثل الحج فان مقتضى الآية الواردة فيه هو تحقق الوجوب بمجرد الاستطاعة الجامعة للاستطاعات الأربعة و الجمع بينه و بين ما يدل على توقف صحته على وقوعه في الموسم و الزمان الخاص يقتضي الالتزام بالفرق بين الاستطاعة و بين الوقت الخاص بأن الاولى لها مدخلية في أصل الوجوب و التكليف و الثاني قيد للواجب فالوجوب فيه بعد الاستطاعة حالي و الواجب استقبالي و اما في المقام فلم يدل دليل عليه فان ظاهر قوله: اقض ما فات هو تحقق الوجوب المتعلق بالقضاء بعد تحقق الفوت المتوقف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 306

..........

______________________________

على ترك الأداء فمن اين يستفاد ثبوته

بنحو التعليق في وقت الأداء.

ان قلت ان طريق استفادة ذلك هو ثبوت التكليف بالقضاء بالإضافة إلى الكافر أيضا فإنه إذا كان ثبوته بعد الوقت مستلزما لعدم المعقولية لما ذكره صاحب المدارك من عدم قابليته للامتثال لعدم صحته في حال الكفر و عدم ثبوته بعد الإسلام فهذه قرينة عقلية على كون ثبوته بنحو الواجب المعلق في حال الأداء فالدليل على ذلك هو حكم العقل.

قلت ان الالتزام بذلك فرارا عن الاشكال المذكور انما يتم مع انحصار طريق التخلص بذلك و الا فلو فرض طريق آخر للتخلص فلا مجال للالتزام به كما لا يخفى الثاني ان ما افاده على تقدير تماميته انما يتم في قضاء الصلاة و الصيام و لا يتم في الحج الذي هو محل البحث في المقام لما عرفت من عدم كون وجوب الحج متسكعا على تقدير الترك في عام الاستطاعة حكما موافقا للقاعدة مشتركا بين المسلم و الكافر بل هو حكم ثابت بالنصوص الخاصة على خلاف الأدلة الأولية الواردة في وجوب الحج و مورده المسلم المعتقد بوجوب الحج التارك له في عام الاستطاعة عمدا مسامحة و مساهلة و اما الكافر الذي لا يعتقد بوجوب الحج و يكون منشأ تركه في العام المذكور هو عدم الاعتقاد بالوجوب فلا دلالة لها على وجوب الحج متسكعا بالإضافة اليه و عليه فهذا الوجه لا يجري في الحج.

ثالثها ما في شرح بعض الأعاظم- قده- على العروة على ما في تقريراته من انه لا نقول بتوجه أمر بالقضاء على حدة بعد فوات وقت الأداء حتى لزم المحذور المذكور بل نقول انه انما توجه إليه الأمر بإتيان الفعل في الوقت و كان ذلك ممكنا له بان يسلم ثم يأتي بالفعل في الوقت

و هذا الأمر انما يكون على نحو تعدد المطلوب لما ورد من دليل قضاء الفوائت.

و على هذا لو لم يسلم و ترك الفعل المأمور به في الوقت فلا محالة يبقى في ذمته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 307

..........

______________________________

فلو أسلم جبّ عنه ذلك و لو لم يسلم بقي في ذمته و عوقب عليه و هذا معنى تكليفه بالقضاء لا انه توجه اليه خطاب آخر بالقضاء حتى يقال بتعلقه بغير مقدور أو انه خطاب بلا فائدة.

و يرد عليه منع كون الأمر بالقضاء دليلا على كون الأمر الأول المتعلق بالصلاة في الوقت واردا بنحو تعدد المطلوب بحيث كان للمولى مطلوبان:

أحدهما طبيعة الصلاة من حيث هي و ثانيهما إيقاع تلك الطبيعة في الوقت و سند المنع ان لازم ذلك عدم كون القضاء بعنوانه الظاهر في إتيان الفعل خارج الوقت متعلقا للأمر المولوي الذي هو ظاهر الأمر بوجه لانه لا يبقى لهذا العنوان الذي هو عنوان ثالث مغاير للمطلوبين المذكورين مجال مع انه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر قوله اقض ما فات في تعلق الأمر المولوي بعنوان القضاء بالمعنى المصطلح و عليه فاللازم ان يقال بعدم تحقق الأمر به الا بعد خروج الوقت و عدم الإتيان بالمأمور به فيه.

رابعها ما افاده بعض الاعلام على ما في شرح العروة من ان الصحيح في الجواب ان يقال انه بناء على تكليف الكفار بالفروع ان الكافر و ان كان لا يمكن تكليفه بالقضاء الا انه يعاقب بتفويته الملاك الملزم على نفسه اختيارا.

و يرد عليه انه مع عدم ثبوت التكليف و لو كان المنشأ له هو عدم قابليته للامتثال لا يكون هناك ما يكشف عن ثبوت المصلحة

الملزمة فان الكاشف له نوعا هو التكليف و مع عدمه لا مجال للمكشوف خصوصا مع ملاحظة ان التكليف بالقضاء إنما يلائم مع تخفيف المخالفة الحاصلة بترك الأداء و هو يناسب شأن المسلم فيمكن ان لا يكون للقضاء بالإضافة إلى الكافر مصلحة أصلا و بالجملة لا بد في الحكم باستحقاق العقاب من إحراز تفويت الملاك و من الواضح انه لا طريق إلى إثباته.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

و الحق في الجواب ما ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهية مما استفدناه من سيدنا الأستاذ الماتن- قدس سره الشريف- في بعض مباحثه الأصولية و هو ان الاستحالة انما تتحقق إذا كان الخطاب متوجها الى خصوص الكافر كالخطاب المتوجه الى العاجز و اما لو كان الخطاب متوجها الى العموم من دون فرق بين المسلم و الكافر فلا تكون صحة هذا الخطاب متوقفة على صحته الى كل واحد من المخاطبين الا ترى انه يصح الخطاب إلى جماعة بخطاب واحد ان يعملوا عملا و لو مع العلم بعدم قدرة بعضهم على إيجاد العمل نعم لو كان الجميع أو الأكثر غير قادرين لما صح العقاب و اما مع عجز البعض فلا مانع منه مع انه لو انحل الخطاب الواحد الى الخطابات المتعددة لما صح لاستحالة بعث العاجز مع العلم بعجزه و في المقام أيضا كذلك فان التكليف بوجوب القضاء عام شامل للمسلم و الكافر و عدم قابليته للامتثال بالإضافة إلى الكافر لا يقدح في ثبوت الخطاب و التكليف بنحو العموم غاية الأمر انه لا بد له من التمسك بالعذر في صورة المخالفة و من الظاهر ان الكفر لأجل انه أمر اختياري لا يكاد يتحقق به العذر

كما لا يخفى.

الجهة الرابعة انه لو بقي الكافر المستطيع الذي استقر الحج عليه على كفره الى ان مات ففي المتن تبعا لغيره: لا يقضى عنه و قد استدل عليه السيد- قده- في العروة بعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء.

و من الواضح انه لا يلائم مع كونه دليلا فقهيا مستندا للحكم و الفتوى خصوصا مع كون عنوان الإبراء يشمل مثل الدين من حقوق الناس فإنه لا اشكال ظاهرا في وجوب أداء دينه من تركته مع استلزامه تحقق الإبراء.

فالأولى في مقام الاستدلال ان يقال ان القضاء عنه بعد الموت لا يكاد يتحقق إلا بالنيابة عنه و كون الفاعل قاصدا لها و قد تحقق في بحث النيابة اشتراط كون المنوب عنه مسلما في النيابة عنه في العبادات فأدلة النيابة تمنع عن النيابة عن الميت الكافر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 309

..........

______________________________

المقام نعم استثنى مورد واحد و هو ما إذا كان المنوب عنه ناصبا و النائب ولدا له كما ورد في النص.

الجهة الخامسة إذا أحرم الكافر ثم أسلم لا يكفيه إحرامه المتقدم على إسلامه لأنه جزء العبادة و قد تقدم عدم صحة العبادة من الكافر من دون فرق بين مجموع العبادة أو اجزائها و عليه فاحرامه المتقدم لم يقع صحيحا و منه يظهر انه لو ألغى الخصوصية من الروايات الواردة في العبد المنعتق قبل أحد الموقفين الدالة على اجزائه عن حجة الإسلام و حكم بعدم اختصاصها بالعبد و جريانها في مثل الصبي الذي بلغ قبل أحد الموقفين و ان حجه يجزى عن حجة الإسلام لما كان وجه للتسرية إلى إسلام الكافر قبل أحدهما و ذلك لان إحرام العبد و الصبي وقع صحيحا

غاية الأمر ان فقدان شرط الحرية و البلوغ كان مانعا عن اتصافه بكونه جزء لحجة الإسلام و قد دل الدليل على ان تحقق الشرطين قبل أحد الموقفين يوجب الاجزاء عن حجة الإسلام و اما في المقام فلم يتحقق الإحرام من الكافر صحيحا من أول الأمر فلا مجال لاستفادة حكمه من روايات العبد بوجه.

فإذا كان الإحرام باطلا فاللازم كما سيأتي تفصيله انه مع انكشاف بطلان الإحرام لا بد من العود الى الميقات مع الإمكان و الا فالإحرام من موضعه نعم إذا دخل الحرم فأسلم أو انكشف البطلان فالأحوط مع الإمكان ان يخرج خارج الحرم ثم يحرم.

المقام الثاني في المرتد و فيه أيضا جهات من البحث:

الاولى في وجوب الحج عليه كسائر التكاليف من دون فرق بين ان تكون استطاعته حال إسلامه أو تكون حال ارتداده و الدليل عليه ما مر في الكافر من اشتراك أدلة الاحكام و عدم اختصاصها بالمؤمنين و شمولها للكافر و المرتد أيضا.

الثانية عدم صحة الحج من المرتد و لازمة انه لو استمر ارتداده الى الموت و مات كافرا من دون ان يتوب و يرجع عن ردته يعاقب على تركه في الآخرة كعقاب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

الكافر عليه و الوجه فيه ما مر أيضا من اشتراط الإسلام في صحة العبادة و عدم وقوعها من غير المسلم كذلك فلو حج في حال الارتداد لا يكون صحيحا و لو كان ارتداده لأجل إنكار ضروري آخر- مثلا.

الثالثة انه لا يقضى عنه كما انه لا يقضى عن الكافر غاية الأمر ان قوله: على الأقوى، هنا يشعر بوجود الخلاف و الاشكال هنا و هو كذلك و قال في الجواهر:

و لعل الأقوى

عدم القضاء، و فيه اشعار بتوقفه في ذلك و منشأ هذا ما في محكي قواعد العلامة حيث قال: و لو مات- يعنى المرتد المستطيع- اخرج من صلب تركته و ان لم يتب على اشكال و استدل له بإطلاق وجوب القضاء عمن مات و عليه حجة الإسلام و بأنه دين.

و مقتضى ما ذكرنا في الكافر من عدم وجوب القضاء عنه لانه لا تصح النيابة عن الكافر في العبادة عدم القضاء في المقام أيضا كما ان مقتضى التعليل الذي ذكره السيد- قده- هناك عدم الفرق فالأقوى- حينئذ- هو العدم.

الرابعة انه ان تاب و رجع عن ارتداده لا يسقط الوجوب و يصح منه.

اما عدم سقوط الوجوب فلان توبته ليست كإسلام الكافر لعدم جريان قاعدة «الجب» في غير الكافر الأصلي اما لاختصاص قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: الإسلام يجب ما قبله بالكافر الأصلي و عدم جريانه في المرتد بحكم التبادر كما ذكره السيد- قده- في العروة و مقصوده من التبادر الانصراف و الانسباق الى الذهن لا التبادر الاصطلاحي و اما لعدم جريان السيرة القطعية من زمن النبي و زمن الأئمة- عليه و عليهم السلام و الصلاة- في المرتد لانه دليل لبى لا إطلاق له فالمرتد إذا تاب لا يسقط عنه وجوب الحج بوجه لعدم الدليل على السقوط.

و اما صحته منه فيما إذا صدر بعد توبته فلا اشكال فيها في المرتد الملي الذي تقبل توبته و رجوعه و اما المرتد الفطري فيبتني الحكم بالصحة على قبول توبته ظاهرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 311

..........

______________________________

و ترتيب احكام المسلم عليه ما عدا الأحكام الثلاثة و هي تقسيم أمواله و مفارقة زوجته و قتله فان قلنا

بالقبول كذلك كما هو الحق فيصح الحج الصادر منه و ان لم نقل بذلك سواء قلنا بعدم قبولها مطلقا أو قلنا بعدم قبولها ظاهرا و ان قبل باطنا فلا مجال لصحة عبادته لعدم زوال كفره و ارتداده نعم يشكل بناء على هذين القولين ان التكليف بالعبادة مع عدم صحتها و عدم إمكان الإتيان بها صحيحة إلى آخر العمر كيف يجتمعان الا ان يكون هذا الاشكال دليلا على بطلان القولين فتدبر.

الخامسة انه لو أحرم حال ارتداده لا يقع إحرامه صحيحا بل يكون باطلا فيجري فيه حكم بطلان الإحرام من الرجوع الى الميقات مع الإمكان و الّا فمن موضعه و إذا دخل الحرم يخرج خارج الحرم و يحرم.

السادسة لو حج في حال إسلامه ثم ارتد ففي المتن: لم يجب عليه الإعادة على الأقوى خلافا للشيخ- قده- في المبسوط حيث قال في محكيه: «لان إسلامه الأول لم يكن إسلاما عندنا لانه لو كان كذلك لما جاز ان يكفر ..» فان كان مراده بالجواز هو الجواز التكليفي فمن المعلوم ان عدم الجواز لا يختص بما إذا كان إسلامه الأول إسلاما بل يكون شاملا للكافر فان الكافر لا يجوز له استدامة الكفر و البقاء عليه أصلا هذا مضافا الى ان عدم الجواز كذلك لا ينافي الكفر بل دليل على تحققه و وقوعه و ان كان مراده بالجواز هو الإمكان فيرد عليه ان هذا الكلام مصادرة و عين المدعى لانه لم يقم دليلا على عدم الإمكان و انه لو كان إسلامه الأول إسلاما لما أمكن له ان يكفر كما لا يخفى.

نعم في الجواهر الاستدلال له بقوله تعالى وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ،

و من الواضح ان ذيل الآية دليل على إمكان الإضلال بعد الهداية و يؤيده بل يدل عليه مثل قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً .. فان ظاهره تحقق الايمان و الكفر حقيقة و لا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

لحمل الآية على الكفر الحقيقي و الايمان التخيّلى الاعتقادي نعم هنا شبهة اخرى و هي تنشأ من أدلة الإحباط الظاهرة في ان الكفر و الشرك يوجبان حبط الأعمال السابقة و جعلها كالعدم فظاهرها ان الارتداد و ان لم يكن كاشفا عن بطلان إسلامه الأول و بطلان حجه لذلك الا انه يوجب الحبط و صيرورة الحج كأنه لم يتحقق أصلا.

و يدفع هذه الشبهة مضافا الى ان أدلة الإحباط لا إطلاق لها يشمل صورة التوبة و الرجوع عن الارتداد و القدر المتيقن هو الكفر الباقي الى آخر العمر خصوصا مع كون الإحباط على خلاف القاعدة لأن مقتضاها صحة العمل الواقع مع شرائط الصحة فهو أي الإحباط يتوقف على قيام دليل عليه، ان قوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ الآية ظاهر في كون الحبط انما هو في صورة الموت و هو كافر فلم يقم دليل على بطلان الحج في المقام مع دلالة رواية صحيحة على ذلك و هي ما رواه زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل منه شي ء. [1]

و احتمال ان يكون المراد محبوبية كل عمل صالح يأتي به بعد التوبة دفعا لتوهم ان الكفر بعد

الايمان موجب لعدم قبول عمله يدفعه قوله من كان مؤمنا فحج فان ذكر الحج بعد الايمان دليل على ان المراد هو العمل الذي اتى به في حال الايمان قبل إصابة الفتنة فلا يبقى- ح- إشكال في الصحة.

السابعة لو أحرم ثم ارتد ثم تاب ففي المتن تبعا للسيد- قده- لم يبطل إحرامه على الأصح و اعلم ان العبادات من هذه الجهة مختلفة فبعضها لا يكون الارتداد في أثنائها

______________________________

[1] ئل أبواب مقدمة العبادات الباب الثلاثون ح- 1 و هذه الرواية رواها الشيخ بإسناده إلى الحسين بن على بن سفيان البزوفري و ذكر الشيخ في رجاله طريقه الى كتبه و طريقه اليه صحيح فلا إشكال في الرواية من حيث السند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 313

..........

______________________________

موجبا للبطلان كما لو ارتد في أثناء الوضوء أو الغسل أو الأذان أو الإقامة و بعضها يكون الارتداد في أثنائها موجبا للبطلان كالصوم و بعضها مختلف فيها كالحج و الصلاة. أما الحج فقد قال الشيخ في محكي المبسوط: «فإن أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام جاز ان يبنى عليه لانه لا دليل على فساده الا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج فان على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول أيضا غير انه يلزم عليه إسقاط العبادات التي فاتته في حال الارتداد عنه لمثل ذلك لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافرا في الأصل و كافر الأصل لم يلزمه قضاء ما فاته في حال الكفر و ان قلنا بذلك كان خلاف المعهود من المذهب و في المسألة نظر ..».

و قد تبعه في جواز البناء على إحرامه المحقق في الشرائع و بعض آخر

و العمدة في هذا المقام بيان الفرق بين الحج و بين الصيام و لعل الوجه فيه مضافا الى عدم دخول الزمان في مفهوم الإحرام بخلاف الصيام فإنه ليس مجرد الإمساك المخصوص أو الترك كذلك من دون نظر الى الزمان ان الصوم في جميع الآنات فعل اختياري قارّ سواء كان امرا وجوديا أو عدميا و عليه تكون عبادة اختيارية حدوثا و بقاء و لذا لا يجتمع مع نية القطع و لو في آن واحد فهو عمل اختياري مستمر و لا بد من ثبوت النية في جميع الآنات و لو ارتكازا و عند التوجه و الالتفات.

و اما الإحرام فهو حالة حاصلة للمحرم و صفة متحققة له نظير الطهارة و الحدث فكما ان الطهارة- مثلا- إذا تحققت تستمر الى ان يتحقق شي ء من النواقض المعروفة و لا يكون مثل نية القطع قادحا في بقائها لعدم كون النية معتبرة في البقاء كذلك الإحرام لا يبطل بسبب نية العدول بل هو مستمر الى ان يتحقق المحلل من الحلق أو التقصير و عليه فبطلان الإحرام بالارتداد يتوقف على ان يكون الكفر من الأمور التي يتحقق بها التحليل كما ان بطلان الطهارة بالارتداد يتوقف على ان يكون الكفر من الأمور التي يتحقق بها التحليل كما ان بطلان الطهارة بالارتداد يتوقف على كون الكفر من النواقض.

و بالجملة الفرق بين الصيام و بين الإحرام انما هو في كون الأول من الافعال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 314

[مسألة 51- لو حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه الإعادة]

مسألة 51- لو حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه الإعادة بشرط ان يكون صحيحا في مذهبه و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق. (1)

______________________________

و الثاني

من الصفات و الحالات و لا يجتمع الفعل القار مع الارتداد بخلاف الصفات هذا في الحج.

و اما الصلاة فظاهر الجواهر بطلانها بالارتداد في الأثناء و المراد منه هو الارتداد في السكوتات و السكونات المتخللة بين الافعال و الحركات و قوى السيد- قده- في العروة عدم البطلان استنادا الى عدم كون الهيئة الاتصالية جزء في الصلاة و الظاهر عدم تمامية مستند السيد لان اعتبار الهيئة الاتصالية فيها تستفاد من عد أمور بعنوان القواطع كالضحك و البكاء و التكلم و نحوها فان التعبير بالقطع دليل على اعتبار هيئة مستمرة اتصالية مع ان نظر المتشرعة انما هو ان المصلى إذا دخل في الصلاة تكون الصلاة ظرفا له الى آخر الصلاة و لا يكون السكوت أو السكون المتخلل موجبا لعدم كونه في الصلاة و عليه فالارتداد في أثنائها يكون ارتدادا في بعض أجزاء الصلاة فيكون مبطلا لها و التفصيل موكول الى كتاب الصلاة:

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام.

الاولى في أصل وجوب الإعادة و عدمه بنحو الإجمال فيما لو حج المخالف ثم استبصر فالمشهور شهرة عظيمة هو عدم الوجوب و حكى الخلاف عن ابن الجنيد و ابن البراج و يدل على المشهور روايات معتبرة مستفيضة جمعها في الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب المستحقين للزكاة و أحسنها سندا و متنا و من جهة الاشتمال على التعليل صحيحة بريد العجلي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّٰه تعالى عليه و عرفه الولاية فإنه يوجر عليه الا الزكاة فإنه يعيدها لانه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية و اما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 315

..........

______________________________

و استدل القائل بالوجوب برواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و ان كان قد حج. «1».

و رواية على بن مهزيار قال كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني الى أبي جعفر- عليه السّلام- انى حججت و انا مخالف و كنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج قال فكتب إليه: أعد حجك. «2».

و ربما يحكم بضعف الروايتين لوجود سهل بن زياد في سندهما و لكن في سند الاولى كان احمد بن محمد مع سهل معا لكن الجمع بين الروايتين و بين روايات المشهور من حيث الدلالة على تقدير صحة سندهما يقتضي حملهما على الاستحباب لصراحة تلك الروايات في عدم وجوب الإعادة و ظهورهما في الوجوب و مقتضى القاعدة حمل الظاهر على النص و الحكم باستحباب الإعادة.

و يدل على الاستحباب أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّٰه عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال قد قضى فريضته و لو حج لكان أحب الى، قال و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّٰه عليه فعرف هذا الأمر يقضى حجة الإسلام؟ فقال: يقضي أحب الى الحديث «3» و صحيحة عمر بن أذينة قال كتبت الى أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- اسئله عن رجل حج و لا يدرى و لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّٰه عليه بمعرفته و الدينونة به أ

عليه حجة الإسلام قال قد قضى فريضة اللّٰه و الحج أحب الى. «4».

و صحيحته الأخرى مع زيادة أنه سأله عن رجل هو في بعض هذه الأصناف من

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 6

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 1

(4) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّٰه عليه فعرف هذا الأمر أ يقضي عنه حجة الإسلام أو عليه ان يحج من قابل قال يحج أحب الى. «1»

هذا و الظاهر عدم كون الأخيرة رواية مستقلة و ان جعلها في الوسائل كذلك بل هي متحدة مع ما قبلها و يغلب على الظن اتحادهما مع الأولى أيضا لأن الراوي عن بريد فيها هو ابن أذينة و لأن عبارة الأخيرة قريبة من الاولى.

و كيف كان فلا اشكال بملاحظتها في ثبوت الاستحباب و عدم الوجوب.

الثانية في مورد هذا الحكم الذي يكون على خلاف القاعدة لأن مقتضاها هو وجوب الإعادة لأن الحج الصادر من المخالف و ان كان صحيحا باعتقاده و على حسب مذهبه الا انه باطل نوعا و لا أقل من بطلان وضوئه من جهة غسل الرأس مكان المسح و من بعض الجهات الأخرى و هو يستلزم بطلان الطواف و صلوته المستلزم لبطلان الحج و من المعلوم اقتضاء البطلان للزوم الإعادة فمقتضى القاعدة اللزوم الا ان الروايات المعتبرة المستفيضة دلت على عدم الوجوب فلا بد من تحقيق موردها و ملاحظة موضوعها فنقول ان هنا

صورتين.

الصورة الأولى: ما إذا كان الحج الذي اتى به في زمن الخلاف صحيحا باعتقاده مبرئا للذمة مسقطا للتكليف بحيث لو بقي على خلافه و لم يعرف هذا الأمر لما كان مكلفا بالإعادة بحسب نظره و الظاهر ان المنسبق الى الذهن من مورد الروايات هي هذه الصورة فإن قوله في بعض الروايات المتقدمة انى حججت و انا مخالف ظاهر على ما هو المتفاهم عند العرف في وقوع الحج الصحيح بنظره غاية الأمر ان معرفته بالولاية صارت موجبة للشك من جهة التفاته الى كون العمل خاليا عن الولاية و مقرونا بالنصب و الخلاف فمحط السؤال انما هي هذه الحيثية فقط من دون ان يكون في العمل خلل من غير هذه الناحية.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 317

..........

______________________________

و لا مجال لاحتمال كون العمل المأتي به متصفا بالصحة عندنا أيضا بدعوى كون الروايات ناظرة إلى التصحيح من ناحية فقدان الولاية لا من النواحي الأخرى و ذلك لاقتضائه حمل الروايات مع كثرتها على الفرد النادر أو ما لا يتفق في الخارج أصلا لما عرفت من بطلان وضوئه لا أقل فهذا الاحتمال غير تام.

نعم ذكر المحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و الشهيد في الدروس على ما حكى عنهم في مقام الاستثناء من أصل الحكم بعدم وجوب الإعادة ما لو أخل بركن منه فان كان المراد الإخلال بما هو الركن عندنا كما لعله الظاهر يدل ذلك على اعتبار كون المأتي به في حال الخلاف صحيحا عندنا و قد عرفت انه لا مجال لحمل الروايات الكثيرة على المورد النادر أو أسوء منه. و ان

كان المراد الإخلال بما هو الركن عنده يكون مقتضاه عدم شمول الروايات لما هو الفاسد عنده و هو الحق كما سيأتي.

الصورة الثانية: ما إذا كان ما اتى به من الحج فاسدا عنده و بنظره و قد عرفت ان المنسبق الى الذهن من مورد الروايات الدالة على عدم وجوب الإعادة على خلاف القاعدة هو ما إذا لم يكن الحج فاسدا بنظره لتمحض السؤال في الروايات في جهة الايمان و الاستبصار و فساد العقيدة و لا دلالة له على الفساد من جهة أخرى بنظره.

هذا و لكن في «المستمسك» بعد الاعتراف بان المنسبق الى الذهن هي الصورة الأولى قال: لكن التفصيل بين الزكاة و غيرها معللا بما ذكر- أي في مثل صحيحة بريد المتقدمة- مع غلبة الفساد في الأعمال غير الزكاة يوجب ظهورها في عموم الحكم لما كان فاسدا في نفسه و يكون وجه التعليل ان الزكاة لما كانت من حقوق الناس لم تجز بخلاف غيرها فإنها من حقوق اللّٰه تعالى فاجتزأ بها تعالى و حينئذ لا فرق في العمل بين ان يكون فاسدا عندنا و عندهم و ان يكون صحيحا عندنا لا عندهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 318

..........

______________________________

و بين العكس إذا كان إتيانه على وجه العبادة».

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 318

و يرد عليه: ان التعليل المذكور في صحيحة بريد المتقدمة راجع الى خصوص المستثنى و هو وجوب الإعادة في الزكاة فمقتضاه ان وجوب إعادة الزكاة انما هو لأجل كونها من حقوق

الناس و لم يضعها المخالف في موضعها الذي هو أهل الولاية و هذا لا يقتضي ان لا يكون وجوب الإعادة في بعض العبادات الأخر مستندا إلى جهة أخرى مثل الفساد و عدم وقوعها صحيحة بنظر العامل المخالف نعم لو كان الحكم بعدم الوجوب في المستثنى منه معللا بكونه من حقوق اللّٰه لكان اللازم تعميم الحكم لهذه الصورة أيضا و لكن لم يقع هذا التعليل في الصحيحة و غيرها و بالجملة: التعليل الواقع في الرواية انما وقع في جانب الإثبات و اما جانب النفي فخال عن التعليل و من الواضح انه لا إطلاق فيها يشمل صورة الفساد فاللازم الرجوع في هذه الصورة إلى القاعدة و هي تقتضي وجوب الإعادة كما مر.

ثم: انه مما ذكرنا ظهر انه لو اتى المخالف بما هو الصحيح عند الإمامية و المطابق لفتوى فقهائهم فإن كان ذلك فاسدا بنظره بلحاظ عدم جواز الرجوع الى فقهاء الشيعة لأخذ الفتوى و العمل على طبقها فلا يتمشى منه قصد القربة المعتبر في العبادة باتفاق الفريقين فالظاهر انه داخل في الصورة الثانية و لا دلالة لروايات عدم وجوب الإعادة على حكمه بل اللازم الرجوع فيه الى القاعدة المقتضية للبطلان لفرض فقد قصد القربة.

و ان لم يكن ذلك فاسدا بنظره بلحاظ جواز الرجوع الى فقهاء الشيعة كما افتى بذلك شيخ جامعة الأزهر الشيخ شلتوت بعد تمهيد مقدمات من ناحية سيدنا المحقق الأستاذ آية اللّٰه العظمى البروجردي قدس سره الشريف و لعمري انه كان منه خدمة عظيمة للتشيع و خطوة مهمة في ترويجه و تأييده جزاه اللّٰه عن الإسلام و اهله خير الجزاء و حشره مع سيد الأنبياء عليه آلاف التحية و الثناء فاللازم الحكم بالصحة

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 319

..........

______________________________

و عدم وجوب الإعادة لأنه إذا كان مجرد الصحة بنظره كافيا في الحكم بعدم وجوب الإعادة ففيما إذا كان صحيحا بحسب الواقع يكون ذلك بطريق اولى كما لا يخفى.

الثالثة: ما لم يقع التعرض له لا في المتن و لا في العروة و هو ما إذا استبصر المخالف في أثناء الحج فهل يجرى عليه حكم الاستبصار بعد تمامية الحج فيما إذا كان حكمه عدم وجوب الإعادة أو لا يجرى فيجب عليه اعادة ما اتى به إذا كان قابلا للإعادة و اعادة مجموع الحج إذا لم يكن قابلا لها كما إذا استبصر بعد وقوف عرفة- مثلا- فيه وجهان من ان ظاهر أكثر الروايات ورودها في مورد تمامية الحج مثل قوله: رجل حج و قوله انى حججت و انا مخالف فلا دلالة على حكم الإستبصار في الأثناء و من ان قوله عليه السّلام في صحيحة بريد المتقدمة في أول البحث: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّٰه تعالى عليه و عرفه الولاية فإنه يوجر عليه.

يشمل أثناء الحج أيضا نظرا الى ان مناسك الحج اعمال مستقلة بحيالها و ان كان بينها ارتباط و لأجل استقلالها تعتبر النية لكل واحد مستقلة و هذا بخلاف أجزاء الصلاة و أفعالها فإنها لا تكون كذلك و عليه فالعموم يشمل اعمال الحج و لا وجه لدعوى خروجها عنه بعد عدم قيام الدليل على التخصيص.

و المناقشة في دلالتها من جهة ان قوله يوجر عليه لا دلالة له على الاجزاء و عدم وجوب الإعادة فإن الأجر أعم من الاجتزاء به الا ترى ان الحج المندوب لغير المستطيع يوجر عليه و لكنه

لا يجزى عن حجة الإسلام كما مر البحث فيه سابقا.

مدفوعة بأنه في خصوص الرواية بمعنى الاجزاء و عدم وجوب الإعادة بقرينة قوله عليه السّلام فيها بعد استثناء الزكاة: فإنه يعيدها فان هذا التعبير ظاهر في ان ثبوت الأجر في المستثنى منه بمعنى عدم وجوب الإعادة نعم نقل ان في نسخة الوسائل و نقله لا يوجد هذا التعبير و عليه فالقرينة هو ذيل الرواية و هو قوله عليه السّلام و اما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء فان الظاهر ان هذا الذيل تكرار لما افادته الضابطة الكلية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 320

[مسألة 52- لا يشترط اذن الزوج للزوجة في الحج و ان كانت مستطيعة]

مسألة 52- لا يشترط اذن الزوج للزوجة في الحج و ان كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه، و كذا في الحج النذري و نحوه إذا كان مضيقا و في المندوب يشترط اذنه، و كذا الموسع قبل تضييقه على الأقوى، بل في حجة الإسلام له منعها من الخروج مع أول الرفقة مع وجود اخرى قبل تضييق الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة بخلاف البائنة و المعتدة للوفاة فيجوز لهما في المندوب أيضا، و المنقطعة كالدائمة على الظاهر، و لا فرق في اشتراط الاذن بين ان يكون ممنوعا من الاستمتاع لمرض و نحوه أولا. (1)

______________________________

المذكورة في الصدر و ليس شيئا آخر زائدا على الصدر بحيث كان مفاد الصدر مجرد ثبوت الأجر و كان مفاد الذيل عدم وجوب القضاء في العبادات الثلاثة و ظاهره عدم الوجوب بعد تحققها و الفراغ عنها كما لا يخفى فالإنصاف تمامية دلالة الصحيحة على عدم وجوب الإعادة في الأثناء أيضا و هذا الوجه هو الظاهر فلا فرق بين

ما إذا كان الاستبصار بعد تمامية الحج أو في الأثناء نعم ظهر مما ذكرنا اختصاص هذا الأمر بالحج و عدم جريانه في مثل الصلاة و الصيام فالاستبصار في أثنائهما لا يجدي بالنسبة الى عدم وجوب الإعادة بل يجب الرجوع فيهما إلى القاعدة المقتضية لوجوب الإعادة كما هو ظاهر.

(1) في هذه المسألة أيضا جهات من البحث: الاولى: في عدم اشتراط اذن الزوج للزوجة في وجوب الحج عليها إذا كانت مستطيعة بالاستطاعة المعتبرة الجامعة للاستطاعات الأربعة و لا خلاف يوجد فيه كما في محكي المستند و يدل عليه جملة من النصوص المعتبرة:

منها صحيحة محمد- يعنى ابن مسلم- عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن امرأة لم تحج و لها زوج و ابى ان يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 321

..........

______________________________

تحج؟ قال: لا إطاعة له عليها في حجة الإسلام. «1»

و منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام امرأة لها زوج فأبى ان يأذن لها في الحج، و لم تحج حجة الإسلام، فغاب عنها زوجها و قد نهاها ان تحج فقال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة، لتحج ان شاءت. «2»

و هذه الرواية دليل على ان التعليق على المشية لا ينافي الوجوب كما قد مر.

و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج قال: تحج و ان لم يأذن لها. «3»

و منها غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

ثم ان القدر المتيقن من مورد الروايات هو ما إذا كان الحج مستقرا

عليها و اما إذا لم يكن كذلك كما إذا كانت في عام الاستطاعة فمقتضى القاعدة بناء على ما اخترنا من عدم اعتبار الاستطاعة الشرعية في وجوب الحج و ان المعتبر فيه هي الاستطاعة الجامعة للاستطاعات الأربعة فقط عدم اشتراط الاذن في وجوب الحج عليها لفرض تحقق الاستطاعة المعتبرة، و اما بناء على اعتبار الاستطاعة الشرعية التي لازمها عدم استلزام الإتيان بالحج لترك واجب أو فعل محرم فاللازم بمقتضى القاعدة عدم الوجوب عليها مع عدم الاذن و المنع لاستلزام الحج الخروج من البيت غير الجائز بدون اذنه كما قد وقع التصريح به في جملة من الروايات هذا مع قطع النظر عن روايات المقام.

و اما مع ملاحظتها فالظاهر ان مقتضاها عدم الاشتراط في الحج غير المستقر أيضا لأن قوله- عليه السلام- في كثير منها: لا إطاعة له عليها في حجة الإسلام شامل له أيضا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 3

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

و لا اختصاص له بالحج المستقر مضافا الى إطلاق السؤال فيها و ترك الاستفصال في الجواب فلا تنبغي المناقشة في هذه الصورة أيضا.

الثانية انه لا يجوز للزوج منع الزوجة عن حجة الإسلام لا بالمنع القولي و لا بالمنع العملي اما الأول فلكونه امرا بالمنكر و اما الثاني فلكونه سببا لتحققه مضافا الى انه خلاف السلطنة على النفس و الى ان الجواز فرع ثبوت الحق له و المستفاد من الروايات المتقدمة عدم ثبوت الحق له في هذه الجهة

و يدل عليه مرسلة المقنعة المعتبرة قال:

سئل- ع- عن المرأة تجب عليها حجة الإسلام يمنعها زوجها من ذلك، أ عليها الامتناع؟ فقال- ع- ليس للزوج منعها من حجة الإسلام، و ان خالفته و خرجت لم يكن عليها حرج. «1»

الثالثة ظاهر المتن و غيره إلحاق الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيقا بحجة الإسلام في عدم اشتراط الاذن من الزوج في وجوب الوفاء به و الدليل على الإلحاق- كما في المستمسك- مع ان الروايات المتقدمة موردها خصوص حج الإسلام اما إلغاء خصوصية المورد من تلك الروايات و اما الإجماع و اما ما في المعتبرة و غيره من قوله- ع- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. «2».

أقول ما حديث إلغاء الخصوصية فلا موقع له لانه بعد ما كانت حجة الإسلام لها خصوصية من جهة الأهمية التي يكشف عنها التعبير بالكفر في مورد تركه في الآية الشريفة و كون تاركه يموت يهوديا أو نصرانيا لا مجال لإلغاء الخصوصية عنها لاحتمال كون الاهتمام بها موجبا لإلغاء اشتراط اذن الزوج و من الواضح عدم ثبوته في مثل حج النذر كما لا يخفى.

و اما الإجماع فالظاهر انه لا أصالة له في مثل المقام مما يوجد فيه ما يمكن ان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

يستدل به من الروايات كالغاء الخصوصية على ما عرفت و كالرواية الآتية فلا يكون الإجماع على فرض تحققه دليلا مستقلا.

و اما مرسلة المعتبر فهي و ان كانت معتبرة من حيث السند لأنها من جملة المرسلات التي

أسند المرسل الرواية الى الامام- عليه السّلام- بمثل «قال» و هذا يكفي في اعتبار الرواية لأن ذلك بمنزلة توثيق جميع الوسائط الا انه نوقش في دلالتها من وجهين:

أحدهما ما يظهر من بعض الاعلام في بيان مقتضى القاعدة في حج النذر من ان النذر واجب فيما إذا كان الرجحان في متعلقه في ظرف العمل بمعنى ان النذر انما ينعقد و يجب الوفاء به إذا كان المنذور راجحا في ظرف العمل به و اما إذا كان مرجوحا و محرما في نفسه فلا ينعقد من الأول و ينحل و لا يجب الوفاء به و يقدم الواجب الأخر عليه فان العمل لا بد ان يكون في نفسه راجحا مع قطع النظر عن تعلق النذر به و عليه إذا فرض ان خروج الزوجة من البيت من دون اذن الزوج محرم كما في النصوص المعتبرة فلا ينعقد نذرها للحج المستلزم للخروج من البيت.

و محصل هذه المناقشة عدم انعقاد النذر فلا يكون هناك معصية الخالق حتى لا تكون إطاعة للمخلوق بالإضافة إليها كما لا يخفى.

و يدفع هذه المناقشة بعد تسليم اعتبار الرجحان في المتعلق في ظرف العمل و تحقق الفعل ان المنذور و هو الحج لا يكون فاقدا للرجحان في ظرف الإتيان به و استلزامه للخروج من البيت بغير اذن الزوج لا يستلزم فقدان الحج للرجحان لانه لا موجب لذلك أصلا غاية الأمر ان الاستلزام المذكور موجب لتحقق المزاحمة بين دليل وجوب الوفاء بالنذر و دليل حرمة الخروج من البيت بغير اذن الزوج فإذا فرض ان المرسلة اقتضت عدم ثبوت الطاعة للمخلوق في معصية الخالق فلازمه تقديم وجوب الوفاء بالنذر و ان كان مستلزما للخروج المذكور و الانصاف ان هذا الكلام من

بعض الاعلام في غاية الغرابة و نهاية الاستبعاد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

ثانيهما ما يظهر من صاحب «جامع المدارك» من ان المرسلة ناظرة الى ما لم تكن إطاعة المخلوق إطاعة للّٰه تعالى أيضا و في مثل المقام من الزوج و المولى تكون إطاعة الزوجة و العبد إطاعة له تعالى لأنها واجبة من قبل الشرع فهو خارج عن المرسلة.

و يدفعه- مضافا الى استناد الفقهاء إليها في موارد وجوب الإطاعة مثل ما إذا اذن المولى لعبده في الحج ثم رجع في أثناء الحج عن اذنه و في غيره- انه لا معنى لحمل المرسلة على موارد الإطاعة غير الواجبة فإنه لا معنى لان تكون الإطاعة الكذائية مقدمة على إطاعة الخالق و ارتكاب معصية بل الظاهر هي الإطاعة الواجبة مع قطع النظر عن معصية الخالق فالمراد انه لا طاعة لمخلوق فيما تجب إطاعته في نفسه إذا كانت مستلزمة لمعصية الخالق فالإنصاف تمامية الاستدلال بالمرسلة لعدم اشتراط مثل حج النذر و الحج الاستئجاري بإذن الزوج فتدبر.

الرابعة يشترط اذن الزوج في الحج المندوب و في الجواهر: إجماعا محكيا عن التذكرة بل في المدارك نسبته إلى علمائنا اجمع بل فيها عن المنتهى لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم و هو الحجة.

و استدل عليه- مضافا الى الإجماع- بأن حق الزوج واجب فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب و بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجّني مرة أخرى، إله أن يمنعها؟

قال: نعم، يقول لها: حقي عليك أعظم من حقك علىّ في هذا. «1».

لكن في محكي المدارك: «و قد يقال ان الدليل الأول انما يقتضي

المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج و المدعى أعم من ذلك، و الرواية انما تدل على ان للزوج المنع و لا يلزم منه التوقف على الاذن ..»

و أجاب عن الاشكال على الأول في «المستمسك» بما حاصله ان الروايات الدالة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و الخمسون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 325

..........

______________________________

على عدم جواز خروج المرأة من بيتها إلا بإذنه بل على سقوط نفقة الزوجة بالخروج من بيتها بغير اذنه يدل على ان من حقوقه الاستيذان منه في السفر فلا يجوز لها تفويته و السفر بدون اذنه و عليه فالحج بدون اذنه مستلزم لتفويت حقه دائما ثم قال: نعم دلالة الموثق على وجوب الاستيذان غير ظاهرة على ان سوق السؤال فيه و في غيره من النصوص المتقدمة في حجة الإسلام يقتضي ان وظيفة الزوجة الاستيذان لا عدم المنع فلا حظ.

أقول: لا مجال للتمسك بالإجماع على اشتراط الاذن في الحج المندوب بعد عدم اتصافه بالأصالة و كون المدرك له- قطعا أو احتمالا- الوجوه الأخر و اما استلزام تفويت حق الزوج بالمعنى الذي أفاده في «المستمسك» لا بالمعنى المذكور في الاشكال فهو أمر مسلم لا ارتياب فيه و مرجعه الى ثبوت تكليفين هنا أحدهما الاستحباب المتعلق بعنوان الحج لفقد شرائط وجوبه اما لعدم تحقق الاستطاعة بعد و اما للإتيان بحجة الإسلام قبلا و ثانيهما الحرمة المتعلقة بخروجها من البيت بغير اذنه و حيث ان الحج بدون الاذن ملازم لتحقق العنوان المحرم فلا محالة يقع التزاحم بين التكليفين و من المعلوم انه في مورد التزاحم بين تكليف لزومي و بين غيره يكون الترجيح مع

التكليف اللزومي لأنه لا يزاحمه ما لا يكون في رتبته من جهة اللزوم و عليه فاللازم رعاية التكليف المتعلق بالخروج من البيت بغير الاذن.

و هذا الدليل يكفي في مقام الاستدلال الّا ان الذي يرد عليه انه لو خالفت الزوجة التكليف الإلزامي التحريمي و حجت بغير اذنه لا يكون مقتضى الدليل بطلان حجها لما حقق في مسألة الصلاة و الإزالة من ان الصلاة مكان الإزالة صحيحة غير باطلة لإحدى الوجوه المذكورة هناك مع ان المدعى في المقام اشتراط الاذن بحيث يكون الحج مع عدمه باطلا.

فاللازم الاستناد في ذلك الى الموثقة و الظاهر تمامية دلالتها على اعتبار الاذن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

منه في صحة حجها المندوب و ذلك لان مقتضى الجمود على ظاهر السؤال فيها و ان كان هو السؤال عن ثبوت حق المنع للزوج و ثبوته لا يلازم التوقف على الاذن الّا ان المراد منه انه هل الحج المندوب الذي تأتي به مرة أخرى مثل حجة الإسلام التي أتت بها أو لا فكما انه لا يشترط الاذن في صحتها كذلك لا يشترط في صحة الحج المندوب أم لا فالسؤال انما يرجع الى كونه مثل حجة الإسلام في الجهة الممتازة و هو عدم التوقف على الاذن.

و يؤيده بل يدل عليه التعليل الذي علمه الزوج في مقابل المرأة إذا اعترضت عليه و هو قوله حقي عليك أعظم من حقك علىّ في هذا فهل مقتضى الأعظمية مجرد ثبوت حق المنع للزوج أم مقتضاها اشتراط اذنه في صحة عملها؟ و الظاهر هو الثاني و عليه فمقتضى الموثقة منطبق على ما افتى به الأصحاب من الاشتراط و التوقف الخامسة: ظاهر المتن اشتراط اذن

الزوج في الحج الواجب الموسع قبل التضيق لكن التعبير بالأقوى فيه دون الحج المندوب يشعر بوجود المخالف فيه و هو كذلك فان صاحب المدارك بعد قوله: و ربما قيل بان للزوج المنع في الموسع الى محل التضييق .. قال: و هو ضعيف لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك ..»

و يرد عليه انه لا مجال للأصل المذكور بعد ثبوت الإطلاق لأدلة حرمة الخروج من البيت بغير اذنه فانّ مقتضاه عدم الجواز في مثل المقام نعم لو كان التزاحم بين الحرمة المذكورة و بين أصل الوجوب كما في حجة الإسلام و مثل حج النذر لما كان للحرمة موقعية لكن التزاحم في المقام بين الحرمة و بين الإتيان بالواجب الموسع في أول وقته أو وسطه قبل عروض التضيق و من المعلوم تقدم الحرمة كتقدمها على الاستحباب في الحج المندوب و لكن لازم ما ذكرنا تحقق مخالفة الحكم التكليفي إذا حجت بدون اذن الزوج لا ثبوت البطلان لأجل فقدان شرط الصحة كما هو مقتضى العطف و التشريك في الحكم في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 327

..........

______________________________

و بالجملة المدعى هو الاشتراط و التوقف الذي لازمة البطلان مع الفقدان و الدليل لا يقتضيه بل غاية ما يدل عليه تقدم الحرمة مع التزاحم كما عرفت و لو لا دلالة الموثقة على الاشتراط في الحج المندوب لما كان مقتضى القاعدة فيه الاشتراط أيضا السادسة: ظاهر المتن ان للزوج المنع من الخروج مع أول الرفقة في حجة الإسلام أيضا مع وجود اخرى قبل تضيق الوقت و الدليل عليه ما ذكرنا في الحج الواجب الموسع و يجرى فيه أيضا المناقشة المذكورة هناك من ان غاية مفاد الدليل تقدم

الحرمة مع التزاحم لعدم كون طرفها أصل الواجب بل تقديمه مع أول الرفقة.

و يمكن دفع المناقشة هنا بالخصوص بان مقتضى ظاهر المتن هنا مجرد جواز منع الزوج لا التوقف على اذنه و الاشتراط و من المعلوم ثبوته و ان له المنع و ان لم يكن مؤثرا في البطلان بوجه كما لا يخفى.

السابعة: ان المطلقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدة فلا يشترط اذن الزوج في حجها الواجب و البحث فيها تارة مع قطع النظر عن الروايات الخاصة الواردة في المطلقة و اخرى مع ملاحظتها.

اما من الحيثية الأولى فالظاهر انصراف الروايات المتقدمة الواردة في حجة الإسلام الدالة على عدم اشتراط اذن الزوج فيها عن المطلقة الرجعية لأنها و ان كانت زوجة و يترتب عليها حكمها الّا ان المنسبق الى الذهن منها غير المطلقة نعم مقتضى الدليل العام الشامل لكل حج واجب و هو قوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق- بناء على تمامية الاستدلال به كما اخترناه- عدم اشتراط الاذن في المطلقة الرجعية أيضا.

و اما من الحيثية الثانية فالروايات الواردة فيها على أربعة أقسام:

الأول: ما تدل على ان المطلقة لا تحج في عدتها و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين حجة الإسلام و بين غيرها و كذلك عدم الفرق بين اذن الزوج و عدمه كما ان مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين المطلقة الرجعية و بين المطلقة البائنة و هي صحيحة معاوية بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: لا تحج المطلقة في عدتها. «1»

الثاني: ما تدل على ان المطلقة تحج في عدتها و هي أيضا مطلقة شاملة لجميع الحالات و

الخصوصيات المذكورة و هي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: المطلقة تحج في عدتها. «2»

الثالث: ما يدل على التفصيل بين حجة الإسلام و بين غيرها و هي مرسلة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المطلقة تحج في عدتها قال ان كانت صرورة حجت في عدتها، و ان كانت حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها. «3» و توصيف الرواية بالصحة مع كونها مرسلة كما في جمع من الكتب الفقهية كالجواهر و غيرها لا وجه له أصلا فإن أبا عبد اللّٰه البرقي رواها عمن ذكره عن منصور فالرواية غير معتبرة و لكن ذكر بعض الاعلام ان خبر منصور و ان كان ضعيفا سندا للإرسال و لكن التفصيل المذكور فيه يستفاد من أدلة أخرى التي دلت على ان حج الإسلام لا يعتبر فيه اذن الزوج و لا طاعة له عليها فيه و اما الخروج من البيت لغير حج الإسلام فيعتبر فيه الإذن.

أقول قد عرفت ان الروايات الواردة في حجة الإسلام منصرفة عن المطلقة الرجعية فلا دلالة لها على الجزء الأول من التفصيل المذكور في خبر منصور و دعوى ثبوت حكمها في الرجعية بطريق أولى لأنه إذا لم يكن اذن الزوج شرطا في صحة حج الزوجة حجة الإسلام فعدم شرطيته في صحة حج المطلقة بطريق أولى مدفوعة بمنع الأولوية لأنه يمكن ان يكون نظر الشارع الى عدم خروج المطلقة من البيت مطلقا و كونها حاضرة عنده ليتحقق الرجوع و تعود الزوجية و هذا بخلاف الزوجة

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الستون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الستون ح- 1

(3) ئل أبواب وجوب الحج و

شرائطه الباب الستون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

كما لا يخفى.

و اما روايات حرمة الخروج من البيت فمفادها مجرد الحرمة و لا دلالة لها على اعتبار الاذن بنحو الاشتراط و هذا بخلاف الجزء الثاني من الخبر المزبور فان مفاده البطلان سواء كان النهى فيه إرشادا إلى الفساد و البطلان أو مولويا متعلقا بعنوان العبادة كما لا يخفى فخبر منصور خصوصا بالنسبة إلى الجزء الثاني لا يدل عليه شي ء آخر الرابع: ما تدل على انّ المطلقة تحج في عدتها إذا طابت نفس زوجها و هي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: المطلقة تحج في عدتها ان طابت نفس زوجها. «1» و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين حجة الإسلام و غيرها.

و الجمع بينها و بين الطائفتين الأولتين يقتضي حمل الاولى على صورة عدم اذن الزوج و حمل الثانية على صورة الاذن و اللازم- ح- القول باشتراط الاذن في مثل حجة الإسلام أيضا.

و لكن الظاهر وقوع التعارض بين هذه الصحيحة و بين المرسلة المعتبرة المتقدمة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بالعموم و الخصوص من وجه لعدم اختصاص الصحيحة بالحج الواجب بل القدر المتيقن منها هو الحج المندوب و اختصاص المرسلة بالحج الواجب لعدم تحقق المعصية في غيره هذا من ناحية و اما من الناحية الأخرى فالصحيحة تختص بالحج مع اذن الزوج و تقتضي عدم صحته بدونه و المرسلة تعم كل طاعة و كل معصية و مادة الاجتماع التي هي محل التعارض الحج الواجب سواء كان حجة الإسلام أو غيرها من دون اذن حيث ان مقتضى الصحيحة عدم صحته و مقتضى المرسلة الصحة كما لا يخفى.

هذا

و الظاهر تقدم المرسلة على الصحيحة لكون سياق المرسلة آبيا عن التخصيص و عليه فيصير المحصل عدم اشتراط اذن الزوج في حج المطلقة إذا كانت

______________________________

(1) أبواب العدد الباب الثاني و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

حجة الإسلام أو مثلها من الحج الواجب المضيق.

الثامنة: ان المطلقة البائنة لا يشترط ان زوجها في صحة حجها مطلقا و لو كان مندوبا أو واجبا موسعا و عللوا ذلك بانقطاع عصمتها منه- كما في العروة- و عدم كونها زوجة فلا مجال لاشتراط اذن زوجها السابق.

التاسعة: أن المعتدة للوفاة كالمطلقة البائنة بل عدم اشتراط اذن الزوج فيها أظهر لعدم وجود زوج لها على ما هو المفروض و احتمال عدم صحة حجها حتى تنقضي عدة الوفاة يدفعها روايات متعددة جمعها في الوسائل في باب مستقل منها موثقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن التي يتوفى عنها زوجها أ تحج في عدتها؟

قال: نعم. «1» و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب الشمول لمثل الحج المندوب.

العاشرة: قد استظهر في المتن ان المنقطعة كالدائمة في الأحكام المذكورة و الوجه فيه انها زوجة حقيقة و ان انقسام النكاح الى قسمين انقسام حقيقي و مجرد عدم ترتب بعض الاحكام مثل النفقة و التوارث على بعض الأقوال و حق القسم لا يوجب عدم كونها زوجة بل هي كذلك حقيقة فيكون مثل حجها المندوب مشروطا بإذن الزوج.

تتمة: لا فرق فيما ذكر من موارد اشتراط الاذن بين ما إذا لم يكن ممنوعا من الاستمتاع لمرض و نحوه و بين ما إذا كان كذلك لان الملاك على ما يستفاد من الروايات هو عنوان الزوجية و هو

متحقق في الفرضين و لم يقم دليل على ان الملاك إمكان الاستمتاع حتى ينتفي في صورة العدم فلا فرق بينهما من جهة الاشتراط.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و الستون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 331

[مسألة 53- لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة ان كانت مأمونة على نفسها و بضعها]

مسألة 53- لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة ان كانت مأمونة على نفسها و بضعها، كانت ذات بعل أولا، و مع عدم الأمن يجب عليها استصحاب محرم أو من تثق به و لو بالأجرة، و مع العدم لا تكون مستطيعة، و لو وجد و لم تتمكن من أجرته لم تكن مستطيعة، و لو كان لها زوج و ادعى كونها في معرض الخطر و ادعت هي الأمن فالظاهر هو التداعي، و للمسألة صور و للزوج في الصورة المذكورة منعها بل يجب عليه ذلك، و لو انفصلت المخاصمة بحلفها أو أقامت البينة و حكم لها القاضي فالظاهر سقوط حقه، و ان حجت بلا محرم مع عدم الا من صح حجها سيما مع حصول الا من قبل الشروع في الإحرام. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات: الأول: ان المرأة ان كانت مأمونة على نفسها و بضعها لا يشترط في حجّها وجود المحرم من دون فرق بين ما إذا كانت ذات بعل أولا بخلاف ما إذا لم تكن مأمونة فإنه يجب عليها استصحاب محرم أو من تثق به و لو بالأجرة و مع العدم لا تكون مستطيعة كما إذا وجد و لم تتمكن من أجرته.

و يدل على ذلك روايات مستفيضة:

منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها

الحج؟ فقال نعم إذا كانت مأمونة. «1»

و منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المرأة تحج (تخرج- خ ل) إلى مكة بغير ولى؟ فقال لا بأس تخرج مع قوم ثقات «2» و منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن المرأة تحج

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 332

..........

______________________________

بغير وليها فقال ان كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم. «1»

و يدل على عدم الفرق بين ذات البعل و غيرها صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المرأة تحج بغير ولى؟ قال: لا بأس و ان كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها و ليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد و لا ينبغي لهم ان يمنعوها. (الحديث). «2»

ثم انه احتمل السيد- قده- في العروة وجهين في وجوب التزويج عليها تحصيلا للمحرم مع ان الظاهر انه لا تنبغي المناقشة في الوجوب لانه بعد تحقق الاستطاعة التي هي شرط للوجوب يكون ذلك من المقدمات الوجودية التي يجب تحصيلها و لذا حكم بوجوب استصحابه و لو بالأجرة فاللازم التحصيل و لو بتزويج نفسها أو تزويج بنتها حتى تسافر مع صهرها و لو كان تزويجها بنحو الانقطاع لأجل تحقق المحرمية كما إذا كان وقته ساعة أو ساعتين أو كانت البنت صغيرة بناء على جواز تزويجها كذلك كما إذا كان مشتملا على المصلحة و كيف كان فاللازم تحصيل المحرم بأيّ

نحو أمكن فيما إذا لم يكن مستلزما للمهانة و الحرج كما لا يخفى.

المقام الثاني في التنازع فيما إذا كان للمرأة زوج قال في المستمسك: «أول من صور هذا النزاع فيما وقفت عليه الشهيد في الدروس قال: و لو ادعى الزوج الخوف و أنكرت عمل بشاهد الحال أو بالبينة فإن انتفيا قدم قولها و الأقرب انه لا يمين عليها» و نحوه في المدارك و الجواهر و الحدائق.

أقول ان كان مراد الشهيد من النزاع المذكور هو كون الزوج مدعيا لخوف نفسه على الزوجة- نفسا أو بعضا- و الزوجة مدعية للمأمونية على الأمرين من ناحية نفسها فيرد عليه:

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 5

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 333

..........

______________________________

أولا: انه لا بد ان يكون مرجع الادعاء و الإنكار إلى النفي و الإثبات بالإضافة إلى شي ء واحد و اما إذا كان المدعى يثبت امرا و المنكر لا ينكره بل يثبت امرا آخر- كما في المقام- حيث ان الزوج مدع لخوف نفسه عليها و الزوجة مدعية للمأمونية من ناحية نفسها فلا يتحقق المدعى و المنكر و بالجملة محلهما ما إذا لم يمكن الجمع بينهما بحسب الواقع و اما إذا أمكن الجمع كذلك كما في المقام حيث انه لا منافاة بين خوفه و عدم خوفها فلا يتحقق العنوانان.

و ثانيا: انه على تقدير صدق العنوانين لكن ليس كل دعوى قابلة للسماع و الطرح عند الحاكم و المقام كذلك فان دعوى الزوج خوف نفسه لا يترتب عليها أثر فإن ما رتب عليه الأثر في النصوص و الفتاوى هي مأمونية

الزوجة و عدمها و لا دخل لخوف الزوج و عدمه في ذلك نظير موارد الحرج في مثل غسل الزوجة و وضوئها فان الرافع للوجوب عنها هو اشتمالهما على الحرج باعتقادها و لا مدخل لاعتقاد الزوج في ذلك أصلا و المقام من هذا القبيل كما لا يخفى.

و ثالثا: انه على تقدير تسليم كلا الأمرين ظاهر العبارة ثبوت الدعوى و المدعى و المنكر و يرد عليه انه مع انتقاء البينة كيف جعل الأقرب عدم ثبوت اليمين عليها مع ان مقتضى قاعدة «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر» ثبوت الحلف عليها فتدبر.

و ان كان مراد الشهيد- قده- من النزاع المذكور ما إذا كان الزوج مدعيا لخوفها على نفسها أو بعضها و انها كاذبة في دعوى المأمونية على الأمرين و الزوجة مدعية للمأمونية فالنزاع بهذه الصورة في الجملة خال عن الإشكالين الأولين في الصورة السابقة لورود النفي و الإثبات على شي ء واحد و هي مأمونية الزوجة و عدمها و يكون الزوج بادعائه نافيا لوجوب الحج عليها بدون المحرم أو من تثق به و نقول انه على هذا التقدير يتصور صور:

الاولى: ان يكون الغرض من النزاع مجرد وجوب الحج على الزوجة و عدمه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

فالزوجة تدعى المأمونية و لازمها عدم الافتقار الى محرم و ان الحج واجب عليها و الزوج يدعى خوفها و لازمة عدم وجوب الحج عليها لانتفاء المحرم على ما هو المفروض فمحط النزاع نفس الوجوب و عدمه.

و لا يخفى ان النزاع بهذه الصورة لا يكون قابلا للطرح عند الحاكم و لا تكون دعوى الزوج واجدة لشروط سماع الدعوى المذكورة في كتاب القضاء لانه يعتبر في

سماعها ان تكون الدعوى على تقدير ثبوتها حقا عائدا الى المدعى و عدم وجوب الحج على الزوجة بمجرده لا يكون كذلك كما هو ظاهر.

الثانية: ان يكون الغرض من النزاع المذكور التوقف على اذن الزوج و عدمه بمعنى ان الزوجة المدعية للمأمونية تريد بذلك إثبات وجوب حجها و انه حجة الإسلام- مثلا- و إذا كان كذلك لا يشترط فيه الاذن لما تقدم من عدم اعتبار اذن الزوج في الحج الواجب على الزوجة إذا كان مضيقا و الزوج المدعى للخوف يكون غرضه نفى وجوب الحج و إذا كان كذلك يكون حجها مشروطا بإذن زوجها كما تقدم أيضا فالغرض من النزاع يرجع الى التوقف على الاذن و عدمه.

و لا يخفى ان النزاع بهذه الصورة انما يكون قابلا للطرح إذا كان اذن الزوج في غير الحج الواجب حقا من حقوق الزوج كسائر الحقوق الثابتة له عليها فإنه- حينئذ- يرجع النزاع الى ثبوت هذا الحق و عدمه فالزوج مدع للثبوت و الزوجة منكرة باعتبار ادعائها وجوب الحج و هو لا يفتقر الى الاذن و اما إذا كان حكما من الأحكام الشرعية و منشأه الأدلة الدالة على حرمة الخروج من البيت للزوجة بغير اذن زوجها الظاهرة في مجرد الحكم التكليفي من دون ان يكون هناك حق للزوج فترجع هذه الصورة إلى الصورة الأولى التي لا تكون الدعوى مسموعة قابلة للطرح عند الحاكم لان مرجع النزاع- حينئذ- إلى ثبوت هذا الحكم التكليفي و عدمه كما إذا تنازع رجلان في خمرية مائع معين فإنه لا مجال لطرحه عند الحاكم كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

ثم انه في هذه الصورة- على تقدير كون الاذن حقا- لا

وجه لتوهم كونه من موارد التداعي بل هو من موارد المدعى و المنكر كما انه لا شبهة في كون المدعى هو الزوج و المنكر هي الزوجة خصوصا بناء على ما هو الحق من كون المرجع في تشخيص المدعى و المنكر بعد عدم ورود تفسير لهما في الأدلة أصلا هو العرف كسائر العناوين المأخوذة في لسان الروايات.

الثالثة: ان يكون الغرض من النزاع في ناحية الزوج هو ثبوت حق الاستمتاع له عليها فيما إذا كانت الأهلية للاستمتاع موجودة في الطرفين و في ناحية الزوجة ثبوت النفقة لها عليه فالزوج يدعى عدم المأمونية و انها خائفة فالحج لا يكون واجبا عليها و الحج الاستحبابي يوجب الإخلال بالحق الثابت له عليها و هو حق الاستمتاع و الزوجة تدعى المأمونية و ان الحج واجب عليها و النفقة لا تسقط مع وجوب الحج فهو مدع لحق الاستمتاع عليها و هي مدعية للنفقة عليه.

و في هذه الصورة تجري أحكام التداعي على تقدير عدم كون المعيار هو محط الدعوى و مصبه بل كان المعيار هو الهدف و الغرض للمتداعيين و اما على تقدير كون المعيار مصب الدعوى فلا تكون موردا للتداعى أيضا لأن مصب الدعوى هي المأمونية و عدمها و هي من موارد المدعى و المنكر كما هو ظاهر.

ثم انه ذكر في المتن انه في الصورة التي استظهر فيها التداعي يكون للزوج منعها بل يجب عليه ذلك الا مع انفصال المخاصمة بحلفها أو إقامتها البينة و حكم القاضي بنفعها فإنه يسقط حقه فهنا أمران:

أحدهما: جواز منع الزوج لها بل وجوبه قبل انفصال المخاصمة بالنحو المذكور و الحكم بذلك يدل على ان المفروض في المتن هو ادعاء الزوج كونها في معرض الخطر باعتقاده فإنه

على تقدير ذلك يجوز له منعه باعتبار حفظها عن الخطر الذي يهدّدها سيما بالإضافة إلى بعضها مع انك عرفت ان الادعاء بهذا النحو لا يكون مسموعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

لعدم منافاته مع ادعاء الزوجة بوجه فإنه يمكن الجمع بين خوفه و بين مأمونيتها، و اما لو كان المفروض في المتن ادعاء الزوج كونها في معرض الخطر باعتقادها و انها كاذبة في دعوى المأمونية فلا مجال- ح- للحكم بوجوب المنع خصوصا مع كون اعتقاده هي المأمونية لأنه يمكن الجمع بين اعتقاده المأمونية و بين دعواه كذب المرأة في الاعتقاد بذلك كما لا يخفى.

ثانيهما: عدم الجواز بعد انفصال المخاصمة بالنحو المذكور و الوجه فيه ما هو المذكور في كتاب القضاء من انه بعد انفصال المخاصمة و حكم القاضي بنفع أحد المتخاصمين يجب على المحكوم عليه ترتيب آثار الحكم في الجملة فلا يجوز له تجديد الدعوى و لا المقاصة و ان كان محقا و في مثل المقام يسقط حقه و ان كان يرى نفسه كذلك.

المقام الثالث فيما لو حجت المرأة بلا محرم مع عدم الأمن و حكمه على ما في المتن الصحة سيما مع حصول الأمن قبل الشروع في الإحرام و ينبغي قبل بيان وجه الحكم بالصحة من تقديم أمور:

الأول: انه ليس المراد بالصحة في المتن و شبهه هي الصحة غير المنافية لعدم الاجزاء عن حجة الإسلام كما في صحة الحج المندوب فإنه مع كونه صحيحا لكنه لا يكون مجزيا عن حجة الإسلام كما مر الكلام فيه- بل المراد بالصحة ظاهرا هي الصحة مع الاجزاء و وقوع حجها بعنوان حجة الإسلام- مثلا.

الثاني: ان اشتراط المأمونية بالذات أو باستصحاب مثل المحرم

في وجوب الحج على المرأة على ما يستفاد من الروايات المتقدمة الواردة في هذا الباب هل مرجعه الى اشتراط أمر زائد على الاستطاعات الأربعة المعتبرة في وجوب الحج فيكون مدخليتها في الوجوب كمدخلية شي ء من الاستطاعات المذكورة فيه و على هذا التقدير لا يبقى مجال للزوم تحصيله كما لا يجب تحصيل الاستطاعة- على ما مرّ مرارا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

أو ان مرجع الاشتراط- على ما يستفاد من ملاحظة هذه الروايات مع ملاحظة الروايات المفسرة للاستطاعة بخصوص الأمور الأربعة المذكورة الظاهرة في عدم اعتبار شي ء آخر في وجوب الحج و فعليته- إلى انه مع عدم المأمونية يقع التزاحم بين دليل وجوب الحج الذي صار منجزا لحصول شرطه و هي الاستطاعة و دليل حرمة السفر مع الخوف على النفس أو العرض و الروايات الواردة في المقام ظاهرة في تقدم الحرمة على الوجوب و انه لا يجب عليها الحج مع عدم المأمونية لأن الحرمة المذكورة أهم من وجوب الحج.

الثالث: ان المفروض في هذا المقام ظاهرا ما لو حجت المرأة بلا استصحاب محرم مع وجوده و إمكان حصول الأمن بسببه مع عدم كونها مأمونة بذاتها ففي هذه الصورة تجري أحكام التزاحم لانه كان يجب عليها أوّلا استصحابه المحقق لعنوان المأمونية لئلا يتحقق السفر مع الخوف الذي يكون محرما فإذا خالفته و عصت الحرمة التي هي أهم- على ما هو المفروض المستفاد من الروايات- و اشتغلت بالمهم الذي هو عبادة تقع صحيحة لأجل الترتب أو غيره مما هو مفيد فائدته.

و قد انقدح مما ذكرنا وجه الحكم بالصحة المقرونة بالإجزاء- كما في المتن- و ان المقام من قبيل الصلاة بدل الإزالة في المثال المعروف

في باب التزاحم و لكن بعض الاعلام حيث زعم ان المفروض في هذا المقام صورة عدم وجود المحرم أصلا و لا محالة لا تكون مستطيعة بنظره أورد على الحكم بالصحة فيما إذا كان الخوف حاصلا عند الميقات و ما بعده من الافعال نظرا الى عدم التزاحم هنا بعد ما لم يكن في البين الا حرمة السفر و الخروج من البيت المتحقق مع جميع الاعمال لعدم تحقق الوجوب مع عدم تحقق الاستطاعة فاللازم الحكم بالبطلان إلا في بعض الفروض و قد عرفت ان المفروض في هذا المقام الصورة التي ذكرناها لا ما زعمه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 338

[مسألة 54- لو استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت]

مسألة 54- لو استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها وجب الإتيان به بأي نحو تمكن، و ان مات يجب ان يقضى عنه ان كانت له تركة و يصح التبرع عنه، و يتحقق الاستقرار على الأقوى ببقائها إلى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية، و اما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائه إلى آخر الاعمال. و لو استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الافراد أو القران ثم زالت استطاعته فكما مر يجب عليه بأي وجه تمكن و ان مات يقضى عنه (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: المقام الأول في حكم من استقر عليه الحج و الاستقرار في الجملة عبارة عن استكمال الشرائط ثم الإهمال و المسامحة و عدم الإتيان حتى زالت- كلّا أو بعضا- و يتصور فيه صور:

الاولى: ما إذا لم يكن قادرا على الإتيان بالحج بعد عام الاستطاعة و

زوالها بوجه بحيث كان فاقدا للقدرة العقلية بعده و من المعلوم انه لا مجال لوجوب الحج في هذه الصورة بعد فرض انتفاء القدرة العقلية فقد تحقق منه عصيان التكليف من دون ان يكون له طريق الى جبرانه من غير سبيل التوبة نعم لو مات يقضى عنه من تركته مع وجودها- على ما سيأتي.

الثانية: ما إذا كان قادرا على الإتيان بالحج بعد عام الاستطاعة و زوالها من دون ان يكون مستلزما للحرج غاية الأمر مع التسكع الذي هو عبارة عن السير و الحركة مع التعسف و التكلف و هذه هي الصورة التي حكم فيها بوجوب الحج متسكعا و الدليل عليه ليس هي الآية و الأدلة الدالة على وجوب الحج على المستطيع لان ظاهرها مدخلية الاستطاعة في الوجوب- حدوثا و بقاء- كسائر العناوين الظاهرة في ذلك مثل عنواني «المسافر و الحاضر» بل الدليل هي النصوص الواردة في التسويف و التأخير إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 339

..........

______________________________

آخر العمر الظاهرة في الحرمة و انه موجب لترك شريعة من شرائع الإسلام أو ان تاركه يموت يهوديا أو نصرانيا أو انه يحشر يوم القيامة أعمى فإن مفادها لزوم الإتيان به ما دام لم يمت و ان زالت الاستطاعة فلا إشكال في هذه الصورة بل لا خلاف من حيث الفتوى أيضا.

الثالثة: الصورة الثانية مع استلزامها للحرج، مقتضى القاعدة مع ملاحظة دليل نفى الحرج عدم الوجوب في هذه الصورة لكن ربما يقال بوجوبه و يمكن ان يستدل عليه بوجوه:

الأول: الإجماع لأن الظاهر من كلمات الأصحاب هو التسالم على وجوب الحج متسكعا على من استقر عليه الحج إلا إذا انتفى أصل القدرة.

و الجواب عنه- مضافا الى المناقشة

في الصغرى نظرا إلى انه لو كان نظرهم الى وجوب الحج حتى مع الحرج لكان اللازم التصريح به خصوصا مع ما هو المغروس في الأذهان مع ملاحظة قاعدة نفى الحرج التي هي حاكمة على الأدلة الأولية- منع الكبرى بعد احتمال استناد المجمعين الى بعض الوجوه الآتية كما مرّ مرارا.

الثاني: انه أوقع نفسه بسوء اختياره في هذا المحذور.

و الجواب عنه عدم كونه بمجرده دليلا على الوجوب في صورة الحرج فإنه لو كان هناك دليل على الوجوب لكان الوجه المذكور صالحا لتوجيهه و قابلا لتقريبه و اما مع عدم الدليل المذكور فلا يكون هذا الوجه بمجرده دليلا عليه كما لا يخفى خصوصا مع ملاحظة عدم اختصاص قاعدة الحرج بما إذا لم يكن الحرج ناشيا من المكلف و بسوء اختياره الثالث: الروايات المتقدمة الواردة في الاستطاعة البذلية الدالة على انه ليس له ان يستحيي بل يجب عليه الخروج الى الحج و لو على حمار أجدع أبتر مع دعوى كون الاستطاعة المالية كالبذلية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

و الجواب عنه انه قد تقدم انه يجرى في الروايات احتمالان:

أحدهما ان يكون المراد وجوب الحج في عام الاستطاعة البذلية و لو كان المبذول له حمارا أجدع أبتر ففي الحقيقة تدل على سعة دائرة البذل في الاستطاعة البذلية ثانيهما ان يكون المراد وجوب الحج بعد زوال الاستطاعة البذلية و ان كان على حمار كذلك ففي الحقيقة تكون ناظرة الى من استقر عليه الحج بالاستطاعة البذلية و الظاهر ان كلا من الاحتمالين يؤيده بعض الروايات الأخر فراجع.

فان كان المراد الاحتمال الأول فلا ارتباط لهذه الروايات بالمقام أصلا و ان كان المراد هو الاحتمال الثاني فالجواب ان الحج

على حمار كذلك لا يكون مستلزما للحرج دائما أو نوعا بل قد يكون مستلزما و قد لا يكون كذلك و في هذه الصورة يكون إطلاقها محكوما بقاعدة نفى الحرج فلا مجال للاستدلال بهذه الروايات.

الرابع: رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قول اللّٰه- عز و جل- وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يخرج و يمشي ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشي؟ قال يمشى و يركب، قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي؟ قال يخدم القوم و يخرج معهم. «1».

و الاستدلال بهذه الرواية مع الإغماض عن سندها- لضعفه بعلى بن أبي حمزة البطائني الراوي عن أبي بصير- مبنى على دعوى كون الرواية واردة في مورد الاستقرار و على دعوى كون خدمة القوم مستلزمة للحرج و كلتا الدعويين ممنوعة:

أما الأولى فلأجل كونها واردة في مقام الجواب عن سؤال تفسير الآية الدالة على وجوب أصل الحج مع الاستطاعة و قد عرفت ان الآية لا دلالة لها على وجوب الحج في صورة الاستقرار لظهورها في كون عنوان «المستطيع» دخيلا- حدوثا و بقاء- فلا مجال لحمل الرواية على بيان حكم الاستقرار أصلا نعم تكون الرواية معرضا عنها كما مر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادي عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

و اما الثانية فلمنع كون الخدمة مستلزمة للحرج دائما فإنها قد تكون حرجية و قد لا تكون كذلك و مع الإطلاق يلزم التقييد بقاعدة نفى الحرج كما عرفت.

الخامس الروايات الكثيرة الدالة على ان من ترك الحج مع الاستطاعة من دون عذر فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام أو

انه يحشر يوم القيامة أعمى أو انه يموت يهوديا أو نصرانيا و الجواب ان مقتضى إطلاق هذه الروايات و ان كان هو الوجوب في صورة الحرج أيضا الا انه لا بد من رفع اليد عن الإطلاق بسبب قاعدة نفى الحرج كما في سائر أدلة التكاليف.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على الوجوب في صورة الحرج و قد عرفت انه لم يقع التصريح بالوجوب فيها بل يستفاد من إطلاق الكلمات أو عمومها مع انه لو كان مرادهم الشمول لكان ينبغي التصريح بذلك كما عرفت.

ثم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة إلى وجوب الإتيان بالحج إذا استقر عليه و اما بالإضافة إلى وجوب القضاء عنه لو مات و لم يأت به فنقول:

يمكن الاستدلال على الوجوب بأنه دين يجب أدائه من تركته لو كانت له تركة و الدليل على كونه دينا التعبير بكلمتي «اللام و على» في الآية الشريفة الظاهرة في انه من حقوق اللّٰه تبارك و تعالى على المستطيع كما هو الشائع في التعبير عن الدين فيقال لزيد على عمر و كذا و لم يقع التعبير بذلك في الكتاب في مثل الصلاة و الصيام و لعل الوجه فيه الدلالة على أهمية الحج خصوصا بالإضافة إلى جانبه الاجتماعى و اشتماله على اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم و يترتب على هذا الاجتماع فوائد كثيرة و نتائج هامة و الاطلاع على مشاكل المسلمين و الاقدام على رفعها و التوانس و الارتباط بينهم مع ما فيه من ظهور عظمة الإسلام و شوكة المسلمين و لأجله يكون تحمله شاقا على من لا يتحمل الإسلام و يأبى عن نفوذه و شيوعه من الزعماء و الحاكمين و بعد

ان امتنع عليهم منع المسلمين و صدهم عن الاجتماع المذكور سعوا في ان لا يترتب عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 342

..........

______________________________

فوائده الاجتماعية و لا يرتبط المسلمون بعضهم مع بعض في الجهات السياسية و المشاكل التي أوقعهم الاستعمار فيها و لأجله اختاروا لحكومة الحرمين من كان عبدا لهم لا يطيع اللّٰه بل يطيع الطاغوت و الشيطان و اقدروه كمال القدرة للصد عن وصول المسلمين الى الاهداف المهمة الاجتماعية المترتبة على الحج و أمروه بالمقاومة و لو كانت متوقفة على قتل المئات من الحجاج الذين كان أكثرهم من الشيوخ و الكبار من الرجال و النساء جنب مسجد الحرام فجعلوا قوله تعالى «وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً» تحت أقدامهم و اختاروا عبادة الطاغوت و الشيطان في لباس خدمة الحرمين و ذكروا لتوجيه ذلك بعد ان لم يكن لهم وجه ما يضحك به الثكلى و يشهد بكذبه من كان له ادنى حظ من الفهم و العقل.

و كيف كان يمكن استفادة وجوب القضاء الذي هو بمعنى أداء الدين بعد الموت من نفس التعبير في الآية الشريفة و لو أغمض النظر عنه يدل على ذلك روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و يترك مالا قال: عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له «1» و السؤال فيها يحتمل ان يكون مطلقا شاملا لمن لم يستطع أصلا أيضا و يمكن ان يكون مختصا بخصوص المستطيع الذي استقر عليه الحج و لم يأت به و على كلا التقديرين دليل على الوجوب في المقام.

و منها: رواية محمد بن مسلم قال: سألت

أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم. «2».

و منها: رواية أخرى له قال: سألت أبا جعفر- ع- عن رجل مات و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها أ يقضي عنه؟ قال: نعم. «3» و الظاهر اتحادها مع الرواية

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 343

..........

______________________________

السابقة خصوصا مع كون الراوي عن محمد بن مسلم في كلتيهما هو عاصم بن حميد و الراوي عنه كذلك هو النضر بن سويد.

و منها: رواية رفاعة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها، أ يقضي عنه؟ قال نعم. «1».

ثم انه لو فرض ثبوت الإطلاق لهذه الروايات من جهة شمولها لغير المستطيع فضلا عن المستطيع الذي لم يستقر عليه الحج فتارة يتمسك في تقييدها بالإجماع بل الضرورة على عدم وجوب قضاء الحج عن غير المستطيع و الإجماع ظاهرا على عدم وجوب قضائه عن المستطيع الذي لم يستقر عليه و اخرى يتمسك في التقييد بالروايات الدالة عليه فنقول:

اما التقييد من الجهة الأولى الراجعة الى عدم الشمول لغير المستطيع فيدل عليه روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من

مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الّا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان شاءوا أكلوا، و ان شاءوا حجوا عنه. «2»

و الظاهر ان المراد بنفقة الحمولة هي نفقة الحج كما وقع التعبير بها في بعض الروايات الآتية و مورد الجملة الأخيرة هو غير المستطيع لانه وقع التعرض لحكم المستطيع في الجملتين الأوليين: الاولى بالإضافة إلى المستطيع الذي لم يحج و الثانية بالإضافة إلى المستطيع الذي حج حجة الإسلام و كانت وصيته هو الحج التطوعى و عليه فمورد الجملة الثالثة لا محالة يكون غير المستطيع و مفاد الرواية عدم لزوم الحج عنه.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 6

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

و مثلها: رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم أحق بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «1»

و منها: صحيحة بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت أ رأيت ان كانت الحجة

تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلثه. «2»

و اما التقييد من الجهة الثانية الراجعة إلى الاختصاص بالمستطيع الذي استقر عليه الحج فيدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألني رجل عن أمرية توفيت و لم تحج فأوصت أن ينظر قدر ما يحج به فان كان أمثل أن يوضع في فقراء ولد فاطمة عليها السّلام وضع فيهم و ان كان الحج أمثل حج عنها فقلت له: ان كان عليها حجة مفروضة فأن ينفق ما أوصت به في الحج أحب الىّ من ان يقسم في غير ذلك «3» فان الظاهر من قوله: أحب هو اللزوم و المحبوبية التعينية كما في قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ و عليه فمفاد الرواية لزوم قضاء الحج عنها إذا كان عليها حجة مفروضة و من الواضح اختصاص هذا العنوان بخصوص المستطيع الذي

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و الستون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

استقر عليه الحج لان الموت مع عدم الاستقرار كاشف عن عدم الوجوب و عدم كون الحجة مفروضة.

فقد ظهر من جميع ذلك ان مقتضى الجمع بين الروايات لزوم قضاء الحج عمن استقر عليه الحج و الظاهر انه لا فرق

في ذلك بين من تمكن من الإتيان بالحج و لم يأت به عصيانا كما هو المفروض في المقام أو حرجا و بين من لم يتمكن من الإتيان به أصلا كما ان الظاهر صحة التبرع عنه لانه بعد فرض كون الحج بمنزلة الدين الواجب و قد عرفت ظهور تعبير الآية في ذلك يجرى عليه حكم الدين من هذه الجهة أيضا فيصح التبرع عنه كما في الدين فتدبر مضافا الى دلالة بعض الروايات على صحة التبرع.

المقام الثاني: فيما يتحقق به الاستقرار و الظاهر كما حكى عن المدارك ان عنوان الاستقرار لا يكون في شي ء من الروايات بل هو اصطلاح فقهي و قد وقع الخلاف فيما يتحقق به على أقوال:

منها: ما هو المشهور- نقلا و تحصيلا كما في الجواهر- من ان ما يتحقق به الاستقرار الذي يترتب عليه أحكامه عبارة عن مضى زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة.

و منها: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد من انه مضى زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط فيكفي بقائها إلى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي.

و منها: ما احتمله العلامة في محكي القواعد من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم.

و منها: ما ذكره السيد- قده- في العروة بقوله: و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة. و ربما يستفاد ذلك مما ذكره في التذكرة من ان من تلف ماله قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

عود الحجاج و قبل مضى إمكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته لأن نفقة الرجوع لا بد

منها في الشرائط.

و منها: ما هو ظاهر المدارك و صريح المفاتيح و شرحه و استقر به صاحب المستند على ما حكى عنهم من كفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و ان فقدت بعد ذلك لانه كان مأمورا بالخروج معهم.

و منها: ما اختاره الماتن- قدس سره- و السيد- قده- في العروة من انه يتحقق الاستقرار ببقائها إلى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائه إلى آخر الاعمال.

و الظاهر ان المراد بمثل العقل هي الحيات.

أقول: اما القول بكفاية وجود الشرائط حين خروج الرفقة معللا بأنه كان مأمورا بالخروج معهم فيرد عليه ان الجامع للشرائط إلى حين الخروج تارة يعلم ببقائها إلى آخر الاعمال و الفراغ عنها و اخرى يعلم بانتفائها- كلا أو بعضا- في أثناء الأعمال و ثالثة يشك في البقاء و الانتفاء ففي الصورة الاولى يكون امره بالخروج مع الرفقة أمرا واقعيا مقدميا على القول بوجوب المقدمة و ثبوت الملازمة بينه و بين وجوب ذي المقدمة و في الصورة الثانية لا يكون مأمورا بالخروج أصلا لأنه يعلم بعدم وجوب الحج عليه فكيف تجب مقدمته و هي الخروج و في الصورة الثالثة يكون مأمورا بالخروج امرا ظاهريا مقدميا لان وجوب ذي المقدمة انما هو مستند الى استصحاب بقاء الشرائط و عدم انتفائها في أثناء الاعمال فهو وجوب ظاهري فوجوب الخروج أيضا كذلك.

و حينئذ نقول- بعد كون المفروض في كلام القائل هي الصورة الثالثة- انه ان كان المراد بالاستقرار الذي يتحقق عند القائل بما ذكره هو الاستقرار الواقعي فيرد عليه ان الأمر الظاهري بالخروج لا يحقق الاستقرار الواقعي، و ان

كان المراد هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

الاستقرار الظاهري فيرد عليه ان الاستقرار الظاهري لا يترتب عليه الأثر لأن الملاك في الاستقرار الذي يوجب الحج و لو متسكعا و القضاء عنه بعد الموت هو استكمال الشرائط و استجماعها ثم الإهمال و المسامحة و من الواضح انه لا بد من الرجوع الى أدلة الشرائط و الوصول الى مفادها و الظاهر ان أدلة الشرائط تدل على جهتين:

إحديهما: ان الشرائط المعتبرة أمور واقعية و لها مع هذا الوصف مدخلية في الوجوب و التكليف و عليه فاجتماعها بمقتضى الاستصحاب لا يؤثر إلّا في ثبوت الوجوب الظاهري ثانيتهما: ان الشرائط دخيلة في التكليف حدوثا و بقاء و لا يتحقق التكليف الواقعي بمجرد حدوثها فقط و عليه فإذا لم يخرج مع الرفقة و زالت الشرائط- كلا أو بعضا- بعد خروجها قبل زمان الحج أو في أثناء الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب بحسب الواقع لما عرفت من مدخليتها في البقاء كالحدوث فلا وجه لوجوب الحج عليه بعد ذلك مع التسكع و لا لوجوب القضاء عنه بعد الموت كما انه يظهر ان مخالفته للأمر بالخروج لا تكون الّا مجرد التجري من دون ان يكون بحسب الواقع مأمورا بالخروج فهذا القول لا مجال للالتزام به أصلا.

و اما: ما احتمله العلامة في القواعد من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم فان كان مستنده القواعد و أدلة اعتبار الشروط فقد عرفت ان مقتضاها اعتبار بقاء الشرائط إلى آخر الاعمال و تمامية الحج و لا يستفاد منها خصوصية للإحرام و دخول الحرم، و ان كان مستنده الروايات الدالة على ان من مات بعد

الإحرام و دخول الحرم يجزى ذلك عن حجة الإسلام كصحيحتي بريد العجلي و ضريس المتقدمتين ففيه ان موردهما كما مر الكلام فيه خصوص من استقر عليه الحج قبل ذلك و لا تشملان من لم يستقر عليه بقرينة التعبير بالاجزاء و القضاء فيهما فلا ارتباط لهما بالمقام مع انه على فرض العموم و الشمول يختص ذلك بالموت و لا يتعدى منه الى غيره فهل زوال الاستطاعة بعد الإحرام و دخول الحرم لا ينافي اتصاف الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

بكونه حجة الإسلام؟! من المعلوم انه لا يمكن الالتزام به فهذا الاحتمال لا مجال له أيضا و اما: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد فيرد عليه- مضافا الى ان عدّ طواف النساء من جملة الأركان مع ان أصل جزئيته محل اشكال فضلا عن ركنيته لا وجه له- ان تخصيص اعتبار بقاء الشرائط بخصوص الأركان لا دليل عليه فان مقتضى أدلة الشرائط اعتبار بقائها في مجموع العمل و لا خصوصية للأركان من هذه الجهة بعد عدم قيام الدليل عليه.

و اما ما ذكره المشهور فالظاهر ان الحد المذكور في الذيل و هو الى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لا يكون مذكورا في كلام المشهور بل إنما أضاف إليه مثل السيد- قده- في العروة نظرا الى ان تمامية الحج انما تتحقق في اليوم المذكور و عليه فلو لم يكن المبيت بمنى من أفعال الحج لا يكون ذلك اشكالا على المشهور فإنهم ذكروا ان ما يتحقق به الاستقرار عبارة عن مضى زمان يمكن ان يقع فيه الحج مستجمعا للشرائط في حال الاختيار و اللازم ملاحظة أعمال الحج و ان اىّ عمل يكون

جزء له و اىّ عمل لا يكون كذلك.

و الظاهر ان كلام المشهور مطابق للقاعدة و أدلة الشرائط من دون فرق بين الحياة و العقل و بين غيرهما من الشرائط كالاستطاعة بأنواعها الأربعة و ذلك لما عرفت من ظهورها في اعتبارها في جميع أفعال الحج و لا فرق بين الأركان و غيرها و اما نفقة العود و الإياب بناء على اعتبارها فاللازم و ان كان وجودها حين الأعمال الا انه لا دليل على اعتبار بقائها بعد تمامية الحج بحيث لو تلفت قبل عود الحاج يكشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه من الأول و كذا لو مرض بعد الفراغ عن الحج مرضا يشق معه السفر و لذا اعترض صاحب المدارك على ما قاله العلامة في التذكرة من العبارة المتقدمة بأن فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا و الا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق معه السفر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

و هو معلوم البطلان و ان ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله بعد نقل ما في المدارك قلت قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب.

و بما ذكرنا يندفع الاشكال على المشهور و محصل الاشكال ان نفقة العود و الإياب ان كانت ملحوظة بنحو الشرطية لوجوب الحج فاللازم ان يكون ذهابها بعد الفراغ عن اعمال الحج قبل مضى زمان يمكن فيه العود كاشفا عن عدم وجوب الحج لانتفاء شرطه و ان لم يكن كاشفا عن ذلك بل كان غير مناف للوجوب و لوقوع الحج حجة الإسلام فما معنى شرطية نفقة العود و

اعتبارها في الوجوب كما لا يخفى.

و يندفع الاشكال المزبور بأن ثمرة الشرطية و فائدة الاعتبار انه لو لم تكن له هذه النفقة عند ارادة الحج لا يجب عليه الحج و الخروج اليه و كذا لو علم عند ارادة الحج بسرقة النفقة المزبورة بعد الفراغ عن الحج قبل مضى الزمان المذكور و اما كون ذهابها في الزمان المذكور كاشفا عن عدم وجوب الحج من الأول فلا و السرّ في ذلك ان عمدة الدليل على اعتبار نفقة العود هي قاعدة «لا حرج» و مقتضاها باعتبار ورودها في مقام الامتنان عدم الوجوب مع انتفائها من الأول أو مع العلم به بعد الفراغ قبل مضى الزمان المذكور و اما انتفائها بعد وجودها من الأول فلا يكون مقتضى القاعدة الكشف عن عدم الوجوب بعد عدم ثبوت الامتنان في هذه الصورة لأنه لا مجال لثبوته بلحاظ الحكم بعدم كون حجه الذي اتى به حجة الإسلام و يجرى ذلك بالإضافة إلى الرجوع الى الكفاية فإنه لو فرض تلفها بعد الرجوع بلا فصل لا يكون ذلك كاشفا عن عدم وجوب حجه و ان كان شرطا في الوجوب كما مرّ.

و مما ذكرنا من تأييد كلام المشهور يظهر توجه الاشكال على ما في المتن و العروة من اعتبار مضى زمان يمكن معه العود بالإضافة إلى استجماع الشرائط فإنك عرفت ان لازم الشرطية ليس هو اعتبار البقاء الى الزمان المذكور مضافا الى انه يرد عليهما انه ما الفرق بين نفقة العود و بين الرجوع الى الكفاية حيث اعتبر مضى زمان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

يمكن فيه العود بالإضافة إلى نفقة العود و لم يعتبر شي ء بالنسبة إلى الرجوع الى

الكفاية فانقدح ان الحق في المسألة ما عليه المشهور.

ثم انه تعرض في العروة في ذيل مسألة الاستقرار لأمرين:

أحدهما ان هذا- يعنى اعتبار بقاء الشرائط إلى مضى الزمان المذكور- إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا الى ترك المشي و الا استقر عليه كما إذا علم انه لو مشى الى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله- مثلا- فإنه- ح- يستقر عليه الوجوب لأنه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه و اما لو شك في ان الفقد مستند الى ترك المشي أولا فالظاهر عدم الاستقرار للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا.

أقول: اما أصل ما افاده من انحصار اعتبار بقاء الشرائط بما إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا الى ترك المشي و الا استقر عليه فالدليل عليه ما افاده من انه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه فهو كما لو أتلف الاستطاعة بيده فإنه لا يمنع عن وجوب الحج عليه.

و اما ما افاده من الحكم بعدم الاستقرار في صورة الشك للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا فيرد عليه ان لازمة الحكم بعدم الوجوب فيما لو احتمل انتفاء الاستطاعة- مثلا- قبل الشروع في الأعمال أو في أثنائها لان الاستطاعة شرط للوجوب و الشك في الشرط شك في المشروط فتجري أصالة البراءة عن الوجوب مع انه لا مجال لجريانها و الحكم بعدم الوجوب لان مقتضى الاستصحاب بقاء الاستطاعة و ثبوت الوجوب و لو ظاهرا فهو نظير الشك في القدرة فإنه لا يجوز تفويت الواجب بمجرده و لا يجوز للعبد الاحتجاج على المولى في مخالفة التكليف بالشك في القدرة على المكلف به بل لا بد من إحراز عدمها و ثبوت العجز عن موافقته و المقام من هذا القبيل

فإنه لا يكون الشك في استناد الفقد الى ترك المشي أو غيره عذرا في مخالفة التكليف بل اللازم إحراز عدم الاستناد الى غيره كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 351

..........

______________________________

ثانيهما التفكيك بين الاستقرار و بين الاجزاء قال في العروة بعد معنى الاستقرار:

«هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه و اما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال بعض الشرائط في الأثناء فأتمّ الحج على ذلك الحال كفى حجه عن حجة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية و نحوها على الأقوى.

أقول: اللازم هو التفصيل في الشرائط غير العقل و الحيات فان كان الدليل على اعتبارها الأدلة الدالة على مدخليتها في الوجوب من الروايات الخاصة سيما الواردة منها في تفسير الاستطاعة المأخوذة في الآية الشريفة فاللازم بمقتضى مدخليتها- حدوثا و بقاء- كون انتفائها في أثناء الاعمال كاشفا عن عدم الوجوب فإذا انتفت الاستطاعة المالية في أثناء الاعمال بحيث تقع بقية الاعمال خالية عن الاستطاعة فلا مجال للحكم بالوجوب و كون حجه حجة الإسلام.

و ان كان الدليل على اعتبارها هي المزاحمة و أهمية الواجب الآخر على الحج كحفظ النفس و أداء الدين- مثلا- فعدم رعايتها من الأول غير قادح في الصحة فضلا عن انتفائها في الأثناء كما لا يخفى.

و ان كان الدليل هي قاعدة نفى الحرج مثل نفقة العود فانتفائها في الأثناء لا يوجب البطلان بمعنى الخروج عن كونه حجة الإسلام كانتفائها بعد الاعمال قبل مضى زمان يمكن فيه العود لما عرفت من عدم اقتضاء القاعدة بالإضافة الى بعد الأعمال أو في الأثناء شيئا ينافي الامتنان فالحق في هذا

الأمر هو التفصيل الذي عرفت.

بقي الكلام في أصل المسألة فيما وقع التعرض له في المتن في الذيل و هو ما لو استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما في حج القران و الافراد و قد صرح في الجواهر بأنه قد تستقر العمرة وحدها و قد يستقر الحج وحده و قد يستقران و الوجه في ذلك ان كلا من الحج و العمرة في القران و الافراد واجب مستقل يجب مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 352

[مسألة- 55 تقضى حجة الإسلام من أصل التركة ان لم يوص بها]

مسألة- 55 تقضى حجة الإسلام من أصل التركة ان لم يوص بها سواء كانت حج التمتع أو القران أو الافراد أو عمرتهما، و ان اوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا، و لو اوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، و تقدمت على الوصايا المستحبة و ان كانت متأخرة عنها في الذكر، و ان لم يف الثلث بها أخذت البقية من الأصل، و الحج النذري كذلك يخرج من الأصل، و لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدما فلا يجوز صرفه في غيرهما، و ان كانا في الذمة فالأقوى توزيعه على الجميع بالنسبة فإن وفت حصة الحج به فهو و الا فالظاهر سقوطه، و ان وفت ببعض أفعاله كالطواف فقط- مثلا- و صرف حصته في غيره، و مع وجود الجميع

______________________________

الاستطاعة إليه وحده دون الأخر و هذا بخلاف حج التمتع الذي لا يكون مع عمرته الا واجبا واحدا و الاستطاعة المعتبرة ملحوظة بالنسبة إلى المجموع و كيف كان فالدليل على وجوب الإتيان بحج القران و الافراد

بعد الاستقرار و وجوب القضاء بعد الموت هي الروايات المتقدمة الواردة في مورد استقرار حجة الإسلام فإن حجة الإسلام عنوان عام شامل لأقسام الحج بأجمعها و لا اختصاص له بحج التمتع فنفس الروايات المتقدمة شاملة لحج القران و الافراد أيضا.

و اما العمرة المفردة فيمكن ان يقال بأنها جزء من حجة الإسلام و ان كان عملا مستقلا فتشملها أيضا الروايات المتقدمة أيضا و لو نوقش في ذلك فيدل على وجوب القضاء عنه الذي هو لازم وجوب أدائه مع التسكع صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه الى ان قال: قلت فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «1» فان قوله- عليه السّلام- و يعتمر ظاهر في وجوب قضاء العمرة كقضاء حجة الإسلام و التعليل دليل على وجوب أدائه على المكلف في حال الحياة و لو مع التسكع.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 353

توزع عليها، و ان وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الافراد لا يبعد وجوب تقديم الحج، و في حج التمتع فالأقوى السقوط و صرفها في الدين. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة وقع التعرض لفروع أيضا: الأول: أنه في صورة استقرار الحج التي يجب القضاء عنه بعد الموت هل يكون قضائها من أصل التركة مع عدم الوصية بها أم لا و البحث في هذا الفرع انما هو بعد الفراغ عن أصل وجوب القضاء عمن استقر عليه الحج فلا وجه للتعرض للروايات الدالة

على أصل الوجوب في هذا المقام كما في بعض شروح العروة و نقول:

اما الفتاوى في هذا الفرع فقد قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه» و قد ادعى الإجماع في بعض الكتب أيضا و اما الدليل فهو عبارة عن جملة من الروايات المعتبرة:

منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله. «1»

و منها موثقة سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك. «2»

و منها صحيحة بريد العجلي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن رجل استودعني مالا و هلك و ليس لولده شي ء و لم يحج حجة الإسلام قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم. «3»

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح- 4

(3) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثالث عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

و ربما يقال بأنه تعارض هذه الروايات صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان شاءوا أكلوا، و ان

شاءوا حجوا عنه «1» و الرواية و ان كان موردها الوصية و البحث انما هو مع عدمها لكن التعليل بقوله- عليه السّلام- انه بمنزلة الدين الواجب عام يشمل صورة عدم الوصية أيضا كالدين.

و قد أجيب عن التعارض بوجهين:

أحدهما: ما في «المستمسك» من وجود التعارض في نفس الرواية بين صدرها و ذيلها فان صدرها صريح في إخراجه من الأصل و ذيلها ظاهر في خلاف ذلك فلا بدّ من طرحه أو تأويله.

ثانيهما: ما في شرح بعض الاعلام على العروة من ان المراد من الذيل بقرينة الصدر الصريح في إخراجه من الأصل ان ما تركه من المال لا يفى بمصارف الحج و انما يفى بمقدار الحمولة و اجرة الحمل و الركوب فح لا يجب القضاء عنه لعدم وفاء المال فيرجع المال إلى الورثة فإن شاءوا حجوا عنه من مالهم.

و لكن الظاهر بطلان كلا الوجهين و الوجه فيه عدم الوصول الى معنى الرواية اما الوجه الأول فقد عرفت فيما سبق ان مورد ذيل الرواية بقرينة الجملتين الأولتين صورة عدم الاستقرار و عدم الاستطاعة فلا تعارض بين الصدر الصريح في وجوب القضاء و الذيل الظاهر في عدم الوجوب أصلا.

و اما الوجه الثاني فالظاهر ان المراد من قدر نفقة الحمولة هو قدر نفقة الحج و الشاهد عليه- مضافا الى ان الظاهر من قوله: «ان شاءوا حجوا عنه» هو الحج عنه من

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 355

..........

______________________________

ماله لا من أموالهم رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا

قدر نفقة الحج و له ورثة قال هم أحق بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجوا عنه. «1»

و لو أبيت إلا عن كون المراد من قدر نفقة الحمولة غير قدر نفقة الحج فيقال على هذا الوجه بوقوع المعارضة بين هذه الرواية و الروايات المتقدمة و لكن الحق ما عرفت من عدم وقوع التعارض بوجه لاختلاف الموردين و من الواضح ان كون ما ترك بمقدار نفقة الحج لا يلازم الاستطاعة في حال الحياة كما لا يخفى.

الفرع الثاني: ما لو اوصى بحجة الإسلام من غير تعيين كونها من الأصل أو من الثلث و حكمه- كما في المتن- كالفرع الأول و هو القضاء عن أصل التركة و يدل عليه- مضافا الى إمكان دعوى الأولوية فإنه فيما إذا لم يكن هناك وصية إذا كان الواجب الإخراج من الأصل لكان ثبوت هذا الحكم مع الوصية المطلقة بطريق أولى- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال: ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه الى آخر الحديث. «2»

ثم لا يخفى اتحاد هذه الرواية مع صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الوسائل بعد هذه الرواية مع فصل رواية أخرى و لا تعدد بين الروايتين قال فيها: معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألت عن رجل مات و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة حج عنه من وسط المال و ان كان غير ضرورة فمن الثلث. «3»

بل الظاهر اتحادها مع الرواية الفاصلة و هي رواية حارث بيّاع الأنماط انه سئل

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج

و شرائطه الباب الرابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 4

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 356

..........

______________________________

أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل اوصى بحجة فقال ان كان صرورة فهي من صلب ماله انما هي دين عليه و ان كان قد حج فهي من الثلث. «1» وجه الاتحاد ظهور كون السائل المجهول في هذه الرواية هو معاوية بن عمار في الروايتين و بالجملة الحكم في الفرع واضح.

الفرع الثالث: ما لو اوصى بإخراج حجة الإسلام من الثلث فتارة يكون مع الحج وصايا اخرى مستحبة كالصدقة و بناء المسجد- مثلا- و اخرى لا يكون و على كلا التقديرين فتارة يكون الثلث وافيا بما اوصى به و اخرى لا يكون.

فان كان وافيا فلا إشكال في الحكم و انه يجب العمل بالوصية و الإخراج من الثلث و ان لم يكن وافيا ففيه صورتان:

الاولى: ما إذا كان مع الحج وصايا اخرى مستحبة و البحث في حكمه تارة من جهة ان مقتضى القاعدة ما ذا و اخرى من جهة الروايات الواردة في المقام.

اما من جهة القاعدة فربما يقال بان مقتضاها لزوم تقسيم الثلث بينها بالسوية و ما دل على خروج الحج من أصل المال انما هو فيما إذا لم يوص به و اما إذا اوصى به و بغيره كالصدقة و العتق يخرج الحج من الثلث و يصرف ثلث الثلث و هو التسع في الحج فان الصرف تابع لجعل الموصي فإن كان ثلث الثلث غير واف بالحج يكمل من أصل المال فكأنه بالنسبة إلى الحج لم يوص

و ليس المقام من باب المزاحمة حتى نقول بتقدم الحج لأهميته بل وجوبه من باب الإيصاء.

كما انه ربما يقال بان مقتضى القاعدة هو تقديم الحج و ان كان متأخرا عن سائر الوصايا في الذكر لأن حجة الإسلام لما كانت يجب إخراجها على كل حال و ان لم يسعها الثلث لم تصلح المستحبات لمزاحمتها التي لا يجب إخراجها إذا لم يسعها الثلث لأن النسبة بينهما من قبيل نسبة الواجب المطلق الى المشروط يكون الأول رافعا للثاني.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 357

..........

______________________________

و الظاهر ان الرواية الآتية كما انه يستفاد منها حكم هذه الصورة يستفاد منها- بملاحظة التعليل المذكور- مقتضى القاعدة و الا يلزم ان يكون التعليل بأمر تعبدي على خلاف القاعدة و هو خلاف ظاهر التعليل فانتظر.

و اما من جهة الرواية فمقتضى الروايات الكثيرة التي ذكرها في الوسائل في كتاب الحج و في كتاب الوصايا تقديم الحج على غيره من الوصايا المستحبة اما ما أورده في كتاب الحج فروايتان لمعاوية بن عمار و الظاهر اتحادهما و ان كان بينهما اختلاف من جهة نقل تمام القصة و بعضها و المشتملة على التمام ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن زكريا المؤمن عن معاوية بن عمار قال: ان امرأة هلكت و أوصت بثلثها يتصدق به عنها و يحج عنها و يعتق عنها فلم يسع المال ذلك فسئلت أبا حنيفة و سفيان الثوري فقال كل واحد منهما: انظر الى رجل قد حج فقطع به فيقوى به، و رجل قد سعى في فكاك رقبته فبقي عليه شي ء فيعتق و يتصدق بالبقية

فأعجبني هذا القول و قلت للقوم يعني أهل المرأة انى قد سألت لكم فتريدون ان أسأل لكم من هو أوثق من هؤلاء قالوا: نعم، فسئلت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن ذلك فقال: ابدأ بالحج فان الحج فريضة فما بقي فضعه في النوافل قال: فأتيت أبا حنيفة فقلت انى قد سألت فلانا فقال لي: كذا و كذا قال: فقال: هذا و اللّٰه الحق و آخذ به، و القى هذه المسألة على أصحابه، و قعدت لحاجة لي بعد انصرافه فسمعتهم يتطارحونها فقال بعضهم بقول أبي حنيفة الأول فخطأ من كان يسمع هذا و قال سمعت هذا من أبي حنيفة منذ عشرين سنة. «1»

و لا مجال للخدشة في سند الرواية لأن زكريا المؤمن قد وثق بالتوثيق العام لوقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات و اما دلالتها فمضافا الى تصريحها بلزوم البدأة بالحج مع كون الوصية من الثلث يكون التعليل بكون الحج فريضة ظاهرا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 358

..........

______________________________

في ان مقتضى القاعدة أيضا ذلك فان المراد بالفريضة ليس كونه فريضة على الميت ضرورة انه مع فقد الحياة لا يبقى مجال لبقاء التكليف بل الظاهر من الفرض كونه واجبا على الوارث الإخراج و لو لم يكن هناك وصية كما عرفت في الفرع الأول و ما كان حاله هكذا لا يصلح الوصايا المستحبة للمزاحمة معه فالوجوب من قبل الوصية و ان كان متساوي النسبة إلى الجميع و لا فرق فيه بين الحج و غيره الا ان أهمية الحج باللحاظ المذكور لكونه فرضا مع قطع النظر عن الوصية دون سائر الوصايا تقتضي ترجيحه و

صرف الثلث فيه و لا مجال للتوزيع و التقسيم بالسوية كما لا يخفى.

فالرواية كما انها تدل على أصل الحكم ترشد الى مفاد القاعدة بلحاظ التعليل لما عرفت من عدم كونه بأمر تعبدي على خلاف القاعدة فتدبر.

الصورة الثانية ما إذا لم يكن مع الحج وصية اخرى و الحكم فيه- كما في المتن- من صرف الثلث في الحج و لزوم التكميل من بقية المال و الوجه فيه انه مقتضى الجمع بين ما يدل على وجوب الإخراج من أصل التركة خصوصا مع ما في بعض الروايات من التعليل بأنه بمنزلة الدين الواجب و بين ما يدل على نفوذ الوصية و بعبارة أخرى الوصية بإخراج الحج من الثلث انما تكون نافذة بالإضافة إلى جهة الإثبات و اما بالنسبة إلى جهة النفي و هو عدم صرف ما زاد على الثلث فيه فلا مجال لنفوذها فمقتضى الجمع بين الدليلين المذكورين ما ذكرنا.

الفرع الرابع: حج النذر و الحكم فيه- على ما في المتن- هو الإخراج من أصل التركة أيضا كما في حجة الإسلام و قد استدل على ذلك بوجوه:

الأول: انه دين اللّٰه كما في سائر التكاليف الإلهية و الوظائف الشرعية و قد عبر عن حجة الإسلام كما عرفت مرارا باللام و على في الآية الشريفة و في رواية الخثعمية المتقدمة التعبير عن الحج بأنه دين اللّٰه و الظاهر وقوع التعبير عن الصلاة بذلك في بعض الروايات فإذا ثبت كونه دينا فاللازم إخراج ذلك من الأصل أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 359

..........

______________________________

و الجواب ان ترتيب جميع احكام الدين على مثل حج النذر خصوصا مع عدم وقوع التعبير بالدين فيه و وضوح كونه على تقديره لا يكون على

سبيل الحقيقة بل على نحو المسامحة و العناية ممنوع مضافا الى انصراف الدين في موضوع تلك الاحكام الى دين الناس كما لا يخفى.

الثاني: الإجماع على ان الواجبات المالية تخرج من الأصل.

و فيه: انه على تقدير ثبوت الإجماع و تحققه يكون القدر المتيقن من معقده هي الواجبات المالية النفسية المحضة كالزكاة و الخمس و أمثالهما و لا يشمل مثل الحج الذي يكون المال مقدمة لتحقق مناسكه و اعماله أو يكون مختلطا من المال و غيره الثالث: ما أفاده في «المستمسك» من انه مقتضى الأخذ بمضمون النذر فإنه تمليك للّٰه سبحانه العمل المنذور فإذا كان مملوكا كان دينا فيجب إخراجه من الأصل كسائر الديون و مرجعه الى ان صيغة النذر المتحققة باللام و على ظاهرة في كون المنذور دينا و مملوكا له تعالى على عهدة الناذر و ذمته.

و يرد عليه: انها لا تقتضي كونه كالدين المتعارف بحيث يترتب عليه احكامه لانصراف الدين في موضوعها الى دين الناس و حقهم.

فانقدح انه لم ينهض دليل على إخراج حج النذر من الأصل الّا ان يثبت الإجماع على خصوصه و هو غير معلوم خصوصا مع عدم وقوع التعرض له في كثير من الكلمات.

الفرع الخامس: ما لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة عن الوفاء بالجميع و الفرض ما لو كان عليه شي ء من هذه الأمور زائدا على حجة الإسلام الثابتة عليه و الّا فلا يرتبط بالمقام و عليه فإيراد الرواية الدالة على التوزيع مع عدم ثبوت الحج في موردها كما في بعض شروح العروة لا وجه له أصلا و كيف كان ففي خصوص مورد ثبوت الخمس أو الزكاة ان كان المال المتعلق به أحدهما موجودا

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 360

..........

______________________________

بعينه فاللازم تقديمه على الحج و لا يجوز صرفه اى صرف مقدار الخمس أو الزكاة في غيرهما من دون فرق بين القول بالإشاعة فيهما المقتضية للتشريك في عين المال واصلة و بين القول بالتشريك في المالية و بين القول بكونهما حقا متعلقا بالمال لأنه في جميع الفروض لا يكون المجموع متعلقا بالميت جائزا له التصرف فيه مطلقا.

و اما لو كان الخمس أو الزكاة متعلقا بالذمة كما في الدين الذي يكون تعلقه بها دائما فالمشهور بينهم ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس و عن الحدائق الميل الى تقديم الحج و عن جواهر القاضي احتماله.

و دليل المشهور ثبوت الجميع على العهدة و عدم الترجيح لبعض على الأخر فمقتضى القاعدة التوزيع على الكل.

و اما ما يدل على تقديم الحج فروايتان دالتان على تقديمه على الزكاة:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمار قال قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم و اوصى بحجة الإسلام و ان يقضى عنه دين الزكاة قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و يرد الباقي في الزكاة. «1».

ثانيتهما: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و اوصى ان يحج عنه قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة. «2»

و لكن الظاهر اتحاد الروايتين و عدم تعددهما بمعنى وقوع السؤال من معاوية بن عمار مرة واحدة و الجواب كذلك غاية الأمر انّ الاختلاف انما هو في النقل عنه و هو لا يقتضي تعدد الرواية و

عليه فالإشكال في سند الثانية كما في الجواهر على تقدير

______________________________

(1) ئل أبواب المستحقين للزكاة الباب الواحد و العشرون ح- 2

(2) ئل كتاب الوصايا الباب الثاني و الأربعون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 361

..........

______________________________

ثبوته و الإغماض عن جوابه لا يوجب الإشكال في سند الرواية بعد صحة سند الاولى فلا مجال للإشكال من ناحية السند.

و اما من ناحية الدلالة فالظاهر ان المتفاهم العرفي من الجواب هو تقديم الحج غاية الأمر من أقرب المواضع و قوله يرد الباقي في الزكاة ليس معناه لزوم إبقاء شي ء من المال لأجل الزكاة حتى يكون ظاهرا في التوزيع بل معناه لزوم رد الباقي في الزكاة على تقدير بقاء شي ء بعد الحج و عليه فلا مجال لحملهما على التوزيع و بالجملة لا خفاء في ظهور الجواب في لزوم تقديم الحج و ان كان مستوعبا لجميع التركة بحيث لم يبق شي ء للزكاة بعد الحج.

ثم ان هاتين الروايتين و ان كانتا واردتين في مورد الزكاة الا ان الظاهر جريان الحكم في الخمس أيضا اما لكونه عوضا عن الزكاة و اما لظهور كون الزكاة أهم من الحج و ذلك لعطفها على الصلاة في كثير من الموارد في الكتاب العزيز و لما توعّد به من العذاب على تركها و عليه فالإشكال باختصاص الروايتين بالزكاة لا مجال له أصلا.

ثم ان مقتضى بعض الروايات تقدم الحج على دين الناس و حقوقهم و هي صحيحة بريد العجلي المتقدمة الواردة في رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق، المشتملة على قوله عليه السّلام: و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و

زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين. «1» بناء على تعلق قوله: ان لم يكن عليه دين بقوله فهو للورثة فإن مفاده حينئذ تقدم الحج على الدين و الدين على الإرث و اما لو كان متعلقا بقوله: جعل جمله و زاده .. فمفاده تقدم الدين على الحج و على اى تقدير فالرواية مخالفة للمشهور حيث انهم يقولون بالتوزيع بالنسبة من دون تقدم للحج

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 362

..........

______________________________

على غيره و لا تأخر كما ان صحيحة معاوية بن عمار أيضا مخالفة لهم فان قلنا بأن إعراض المشهور عن رواية يوجب الوهن و القدح فيها و لو كانت في كمال الصحة و التمامية فاللازم رفع اليد عنهما لأجل الاعراض و قد صرح بذلك السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر- قده- و ان لم نقل بذلك فاللازم الفتوى على طبق الروايتين و الحكم بتقدم الحج على غيره من الخمس و الزكاة و الدين.

ثم: انه بناء على التوزيع بالنسبة- كما هو المشهور- لا يبقى مجال لفرض كون حصة الحج وافية به أصلا فإنه مع قصور التركة عن الوفاء بالجميع و التوزيع بنسبة المصرف و المقدار لا محالة تكون حصة الحج غير وافية به دائما و لأجله يستشكل على المتن و العروة لوقوع هذا الفرض فيهما نعم لو كان التوزيع بنحو التساوي يمكن تحقق هذا الفرض أحيانا و لكنه غير مراد لتصريحهم بان التوزيع في المقام انما هو كالتوزيع في غرماء المفلس و من الواضح كونه

بالنسبة لا بالتساوي و عليه فاللازم سقوط الحج بالمرة مع التوزيع الا ان تكون حصته بمقدار الحج فقط أو العمرة فقط ففيه بحث سيأتي.

و بالجملة: مع عدم وفاء حصة الحج به كما هو لازم التوزيع دائما لا مجال لتوهم لزوم صرف حصته في أبعاضه لعدم مشروعية شي ء من الأبعاض و الاجزاء وحده فالوقوف وحده لا يكون كذلك و الوقوفان وحدهما أيضا كذلك و هكذا نعم في خصوص الطواف قام الدليل على مشروعيته و رجحانه فيجوز الإتيان به استحبابا و في الرواية المعروفة: الطواف بالبيت صلاة و لأجله يجوز تعلق النذر به أيضا كتعلقه بالنافلة من الصلاة الا ان وقوعه جزء للحج الواجب أو العمرة الواجبة مع خلوه عن سائر الأبعاض و الاعمال لم تثبت مشروعيته بوجه و بعبارة أخرى وقوعه واجبا بالأصل كوجوب أصل الحج لم يقم دليل عليه و قاعدة الميسور لا تجري في مثل المقام من الأعمال الارتباطية و العبادات التي يرتبط بعض اجزائها ببعض و عليه فاللازم سقوط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 363

..........

______________________________

الحج بالمرة و صرف حصته في غيره هذا مع عدم وفاء التركة إلا ببعض الاجزاء و الاعمال و اما مع وفائها بالحج فقط أو العمرة فقط بمعنى وفائها لأحدهما فالكلام يقع تارة في حج القران و الافراد و اخرى في حج التمتع.

اما الأول فهل يكون مخيرا بين الحج و العمرة نظرا الى وجوب كل واحد عليه مستقلا كما اختاره السيد- قده- في العروة و ان احتاط بعده بتقديم الحج أو ان الحج مقدم على العمرة كما اختاره الماتن- قدس سره الشريف- وجهان و الظاهر هو الثاني و الوجه فيه اما أهمية الحج بالإضافة

إلى العمرة لاختصاصه- بعد الاشتراك مع العمرة في جميع مناسكها- بما لا يوجد في العمرة كالوقوفين و اعمال منى و من الواضح اقتضاء ذلك للأهمية و اما تقدمه على العمرة في حج القران و الافراد و هو يقتضي صرف التركة فيه كما في الصلاة إذا علم المصلى بأنه لا يقدر الا على القيام في ركعة واحدة فإن اللازم عليه صرف هذه القدرة في الركعة الأولى لتقدمها إذ صرفها في غيرها من الركعات يوجب ان يكون ترك القيام في الركعة الأولى بلا عذر موجب له و هذا بخلاف العكس كما لا يخفى فالظاهر بمقتضى الوجهين ترجيح الحج كما في المتن.

و اما الثاني فهل الحكم فيه السقوط و الصرف في الدين و غيره أو التخيير أو ترجيح الحج لأهميته أو العمرة لتقدمها في هذا الحج عليه أو ينتقل حج التمتع الى الافراد؟ وجوه مقتضى القاعدة هو الوجه الأول لان مقتضى الأدلة ان حج التمتع عمل واحد مرتبطة عمرته بحجه و كذا العكس و ان كان يتوسط الإحلال بينهما لكنه لا يخل بوحدته و ثبوت الارتباط بين عمرته و حجه و عليه فوفاء التركة بأحدهما انما هو كوفائه بخصوص الطواف أو الوقوف أو غيرهما في الفرض المتقدم فلا يبقى مجال للتفكيك مع وصف ثبوت التمتع و عليه فاللازم صرف الحصة في غيره من الدين و مثله.

نعم هنا رواية ربما يستفاد منها الوجه الأخير و هو الانتقال الى حج الافراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

و هي رواية على بن مزيد (فرقد- كا) صاحب السابري قال اوصى الىّ رجل بتركته فأمرني أن أحج بها فنظرت في ذلك فإذا هي شي ء يسير لا يكفى

للحج فسئلت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه الى ان قال فلقيت جعفر بن محمد في الحجر فقلت له رجل مات و اوصى الى بتركته ان أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسئلت من عندنا فقالوا تصدق بها فقال ما صنعت؟ قلت تصدقت بها قال:

ضمنت الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان و ان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن. «1» و الاستدلال بها على الانتقال الى حج الافراد متوقف على تمامية الرواية من حيث السند أولا و على تماميتها من حيث الدلالة على حكم المقام ثانيا بدعوى كون الحج الموصى به هو حج التمتع و انه لا فرق بين صورة الوصية و بين غيرها الذي هو محل البحث في المقام و ان المراد من الحج من مكة هو حج الإفراد الذي يكون إحرامه من مكة مع ان الرواية ضعيفة من حيث السند لان على بن مزيد- أو فرقد- مجهول و الموصى به و ان كان هو حج التمتع لان الظاهر كون الموصى من أهل الكوفة و الكوفيون يجب عليهم التمتع لبعدهم كالايرانيين و اما عدم الفرق بين صورة الوصية و بين غيرها فربما يناقش فيه نظرا الى ان العمل بالوصية مرغوب فيه مهما أمكن فان لم يمكن العمل بنفس الوصية فالأقرب و الأقرب و لا شك ان الحج وحده أقرب الى نية الموصى.

و لكن الظاهر بطلان المناقشة خصوصا مع ما عرفت في بعض الروايات المتقدمة الواردة في الوصية بالحج الدالة على لزوم إخراجه من أصل التركة معللة بأن الحج بمنزلة

الدين الواجب فان مقتضى هذا التعليل ان الوصية لا مدخل لها في ذلك بل الوجه فيه هو كونه بمنزلة الدين الواجب و هو لا فرق فيه بين صورة الوصية و غيرها و عليه فاللازم في المقام اجراء الحكم في غير

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 365

[مسألة 56- لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استيجار الحج]

مسألة 56- لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استيجار الحج أو تأدية مقدار المصرف إلى ولى أمر الميت لو كان مصرفه مستغرقا لها، بل مطلقا على الأحوط و ان كانت واسعة جدا و كان بناء الورثة على الأداء من غير مورد التصرف و ان لا يخلو الجواز من قرب لكن لا يترك الاحتياط (1)

______________________________

صورة الوصية أيضا.

و اما كون المراد من الحج من مكة هو حج الافراد فربما يناقش فيه كما في «المستمسك» بان ظاهر الرواية انه اوصى ان يحج الوصي بنفسه فالحج الموصى به بلدي بمباشرة الوصي و الامام عليه السّلام امره بالحج الميقاتي عند عدم كفاية المال لذلك فالمراد من الحج من مكة الحج الميقاتي في قبال البلدي لا الحج الذي يكون إحرامه من مكة في مقابل العمرة التي يكون إحرامها من الميقات.

و لكن في الاستظهار المذكور نظر بل الظاهر كون المراد هو حج الإفراد الذي يكون إحرامه من مكة هذا و لكن ضعف سند الرواية يمنع عن الاستناد إليها فاللازم هو الحكم بما في المتن من سقوط الحج و صرف حصته في غيره.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: الأول: ما إذا كان مصرف الحج مستغرقا للتركة بمعنى كونه مساويا لها و ذلك لما عرفت من أنه على تقدير قصور

التركة و لو بمقدار يسير يسقط الحج في حج التمتع نعم في حج القران و الافراد إذا كانت وافية بالحج أو العمرة يكون الحكم ما تقدم في المسألة السابقة و كيف كان فالمفروض هنا التساوي و الظاهر انه لا إشكال في عدم جواز التصرف للورثة في هذه الصورة من دون فرق بين القول بعدم انتقال التركة إلى الورثة في هذا الفرض و مثله من الدين لان المستفاد من الآيات الشريفة و النصوص الصحيحة تأخر مرتبة الإرث عن الدين و ان السهام المفروضة انما تثبت بعد الدين و قد مرّ ان الحج بمنزلة الدين الواجب كما ان المستفاد من الروايات المعتبرة تقدم الوصية على الإرث و تأخرها عن الدين و لازم التأخر عدم الانتقال الى الوارث مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

الاستغراق بل التركة باقية على ملك الميت و الغرماء يتلقون المال من الميت لا من الوارث و لا مانع يمنع عن ذلك و بين القول بالانتقال الى الوارث غاية الأمر ان التركة متعلقة لحق الغرماء و قد نسب الثاني إلى الحلي و المحقق و بعض كتب العلامة و عن المفاتيح و المسالك النسبة إلى الأكثر و نسب الأوّل إلى كثير من كتب العلامة و جامع المقاصد و غيرها.

اما عدم الجواز على القول الأول فواضح لأن منشأه عدم الملكية و عدم ارتباط التركة بالورثة و اما عدم الجواز على القول الثاني فلان منشأه كونها متعلقة لحق الغير و الغرماء و معه لا يجوز التصرف في متعلق حقهم من دون فرق بين ان يكون التصرف متلفا أو ناقلا كتصرف الراهن في العين المرهونة فالحكم في هذا المقام ظاهر و مما

ذكرنا يظهر انه لا مجال لما حكى عن بعض الأعاظم في حاشيته على العروة من انه لا يبعد جواز التصرف حتى في المستغرق أيضا مع تعهد الأداء لكن الأحوط ان يكون برضى الديان و الوجه فيه ان مجرد التعهد و الضمان مع عدم رضى الديان لا يوجب جواز التصرف بوجه.

الثاني ما إذا لم يكن مصرف الحج مستغرقا للتركة بل كان أقل منها و الحكم في هذا المقام محل اشكال و خلاف:

ربما يقال بالجواز و انه لا مانع من تصرف الورثة في التركة مع البناء على الأداء و يدل عليه وجوه:

الأول: ان التركة لا تنتقل إلى الورثة في المقدار الزائد على الدين و لا مانع من ملكية الميت بمقدار الدين أو مصرف الحج الذي هو بمنزلة الدين فالميت يملك كليا معينا من التركة و الوارث يملك الباقي من المال المتروك كما في بيع الصاع من الصبرة الذي يكون مقتضاه ملكية المشتري للصاع منها على نحو الكلي في المعين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 367

..........

______________________________

و بقاء ملكية البائع بالإضافة إلى بقية الصبرة فكما ان البائع يجوز له هناك التصرف في الصبرة قبل تسليم صاع المشتري إليه بمقدار ما يتعلق به و يملكه فكذلك الوارث في المقام يجوز له التصرف في التركة في المقدار الزائد على الدين أو مصرف الحج و ليست الملكية بنحو الكلي في المعين كالملكية بنحو الشركة و الإشاعة المقتضية لعدم جواز تصرف أحد الشريكين أو الشركاء في المال المشترك بدون رضا الأخر و اذنه فمقتضى القاعدة بناء على هذا القول و هو بقاء ملكية الميت بالإضافة إلى مقدار الدين و شبهه جواز التصرف كما لا يخفى.

الثاني: السيرة القطعية

القائمة على جواز التصرف للورثة مطلقا و ان كان الميت مديونا كما هو الغالب لان الغالب ثبوت الدين على الميت و لا أقل من مهر زوجته حيث لا يكون الإعطاء في حال الحيات متعارفا.

الثالث: موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن- عليه السّلام- عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال ان كان يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق، و ان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1» و نحوه خبر البزنطي من دون فرق إلا في قوله: ان كان يستيقن .. فان فيه ان كان يستيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق «2» و هذا هو الظاهر لأن إحاطة التركة بالدين أعم من كون الدين مستغرقا لها كما لا يخفى و ربما عبر عن خبر البزنطي بالصحيح و أورد عليه بان الموجود في التهذيب: «البزنطي بإسناد له» اى بطريق له و الطريق مجهول فالرواية غير معتبرة.

و لكن الظاهر عدم تعدد الرواية أصلا بل الرواية واحدة و عليه فيحتمل قويا ان يكون من روى عنه البزنطي هو عبد الرحمن بن الحجاج الراوي في الرواية الأولى

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح- 2

(2) ئل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 368

..........

______________________________

و كيف كان فرواية ابن الحجاج معتبرة و مقتضاها التفصيل في التصرف المتلف و هو الإنفاق على العيال بين صورة استغراق الدين للتركة فلا يجوز و صورة عدم الاستغراق فيجوز و من الواضح ان الاستيقان و عدمه لا دخل لهما في ذلك بل المعيار هو الاستغراق

الواقعي و عدمه.

و اما القول بعدم الجواز الذي جعله في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي من دون فرق بين ما إذا كانت التركة واسعة جدا و بين ما إذا لم تكن كذلك و ان فرق بينهما السيد- قده- في العروة فيبتني على القول بانتقال جميع التركة من الميت الى الوارث غاية الأمر تعلق حق الغرماء بجميعها و مقتضاه عدم جواز التصرف للورثة بعد كون المجموع متعلقا لحق الغرماء و الظاهر ان حقهم انما هو من قبيل حق الرهانة المتعلق بالمال بما انه ملك للشخص الخاص و انه باق على ملك ماله لا بما هو هو و ليس من قبيل حق الجناية المتعلق بالمال بما هو هو فلو جنى العبد على أحد كان حق الجناية ثابتا عليه و يتبعه اين ما كان و لو بيع مرات و لا يكون البيع كذلك منافيا لحق الجنابة و بالجملة مقتضى تعلق حقهم بالتركة كتعلق حق الرهانة عدم جواز التصرف في شي ء من التركة بدون إذن ذي الحق.

و اما السيرة فيمكن المناقشة فيها خصوصا مع ملاحظة جريانها على التصرف في التركة مع تعدد الورثة و هو يقتضي تحقق الشركة المانعة عن جواز تصرف أحد الشريكين أو الشركاء بدون رضا الأخر فلا مجال- ح- للاعتماد على السيرة و الظاهر ان نظر السيد- قده- في التفصيل الذي ذكره الى تحقق السيرة فيما إذا كانت التركة واسعة جدا و عدم تحققها في غير هذه الصورة مع ان الظاهر انه لا فرق بين الصورتين من ناحية السيرة أصلا كما لا يخفى.

و اما النص الخاص فالظاهر انه لا مجال لرفع اليد عنه بعد اعتباره سندا و ظهوره دلالة و عدم ثبوت شهرة على خلافه و الظاهر

انه المنشأ لقوله في المتن: «و ان لا يخلو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 369

[مسألة 57- لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و أنكره الآخرون لا يجب عليه]

مسألة 57- لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و أنكره الآخرون لا يجب عليه الا دفع ما يخصه من التركة بعد التوزيع لو أمكن الحج بها و لو ميقاتا و الا لا يجب دفعها، و الأحوط حفظ مقدار حصته رجاء لإقرار سائر الورثة أو وجدان متبرع للتتمة بل مع كون ذلك مرجو الوجود يجب حفظه على الأقوى، و الأحوط رده الى ولي الميت.

و لو كان عليه حج فقط و لم يكف تركته به فالظاهر أنها للورثة نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع يدفع التتمة وجب إبقائها و لو تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت اجرة الاستيجار الى الورثة سواء عينها الميت أم لا، و الأحوط صرف الكبار حصتهم في وجوه البر (1)

______________________________

الجواز من قرب لانه برجع الى مطلق الدين غير المستغرق لا الى خصوص ما إذا كانت التركة واسعة جدا نعم لا يبقى مجال للزوم الاحتياط بعد وجود الرواية المعتبرة و ان كان مقتضى القاعدة خلافها على ما عرفت.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول: ما لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و أنكره الآخرون ففي المتن انه لا يجب عليه الا دفع ما يخصه من التركة بعد التوزيع و المراد انه لا يجب عليه الا دفع مقدار من الدين بعد توزيعه على التركة بنسبة السهام و عليه فلا يجب عليه دفع جميع حصته إذا كان الدين مستغرقا لها ففي المثال الذي ذكره في الجواهر و هو ما إذا خلف الميت ابنين و بنتا و كان مجموع التركة

ألفا و الدين الذي يدعيه أحد الابنين- مثلا- خمسمائة لا يجب على الابن المقر الا دفع مائتين مما يخصه من التركة و هو أربعمائة و يرد عليه انه مع كون المراد ذلك لا يمكن فرض إمكان الحج بها بعد توزيع مصارفه على الجميع كالدين و لو فرض كون الحج من الميقات كما هو المشهور في أصل المسألة و هو لزوم قضاء الحج عن الميت بعد استقراره عليه من لزوم الحج من الميقات و عليه فكيف يمكن الجمع بين توزيع مصارف الحج و بين إمكان الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

بما يخص سهم المقرّ من التركة و أصرح من المتن كلام السيد- قده- في العروة حيث قال بعد فرض المسألة: لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع و ان لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته.

و كيف كان فقد ذكر في الجواهر بعد الحكم بتوزيع الدين بالنحو المذكور قوله: «بلا خلاف محقق معتد به أجده في شي ء من ذلك عندنا نصا و فتوى نعم يحكى عن الشافعي وجوب دفع جميع ما في يده في الدين لانه لا إرث إلا بعده و لا ريب في بطلانه و مثل ذلك يأتي في الحج الذي قد عرفت كونه من الدين أيضا».

أقول الكلام يقع في مقامين:

المقام الأول فيما تقتضيه القاعدة و انه هل هو لزوم دفع الوارث المقرّ ما يخصه من التركة بعد توزيع الدين أو انه لزوم دفع جميع ما في يده في الدين فنقول: يظهر من صاحب الجواهر و من بعض شراح العروة ان مقتضى القاعدة في مسألة إقرار أحد الوراث بالدين و في مسألة

إقراره بوارث آخر هي الإشاعة و الشركة كما فيما لو أقر أحد الشركاء بشريك أخر فيكون ما في يد المقر مشاعا بينه و بين المقر له فلو أقر أحد الورثة بأخ له و أنكره الباقون أو أقر بدين و أنكره الآخرون فمقتضى القاعدة تنصيف حصته فيكون إنكار الباقي من الورثة ضررا واردا على المقر و المقر له معا لما تقتضيه قاعدة الإشاعة من ان ما بقي بقي لهما و ما تلف تلف منهما هذا و لكن الظاهر انه لا وجه للإشاعة في مسألة الإقرار بالدين و ان كانت صحيحة في مسألة الإقرار بوارث أخر أو شريك أخر لأنه لا مجال لدعوى ثبوت الدين في التركة بنحو الإشاعة و الشركة أصلا سواء قلنا بعدم انتقال ما يساوى مقداره الى ملك الوارث و بقائه على ملك الميت أو قلنا بانتقال المجموع الى الوارث و تعلق حق الديان بالتركة كتعلق حق الرهانة على ما عرفت.

و الوجه في بطلان الشركة ان تلف بعض التركة بعد الموت لا يوجب الضرر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

على الدين و نقصانه بالنسبة بل هو باق بأجمعه و كذا لو غصب بعض التركة و الإنكار بمنزلة الغصب خصوصا إذا كان جاحدا و هذا دليل على نفى الإشاعة و بعده نقول ان قلنا بالمبنى الأول الذي مرجعه الى بقاء ملكية الميت بالإضافة إلى مقدار الدين بنحو الكلي في المعين كالصاع من الصبرة على ما مر فاللازم على الوارث المقرّ ان يدفع مقدار الدين إلى الدائن من حصته من التركة فيجب عليه في المثال المتقدم دفع جميع الأربعمائة نعم لا يجب عليه التكميل من ماله الشخصي بلا ريب لبقاء

هذا المقدار على ملكية الميت على حسب إقراره فيجب عليه دفعه.

و ان قلنا بالمبنى الثاني الذي مرجعه الى انتقال جميع التركة إلى الوارث غاية الأمر تعلق حق الدائن بالمجموع فالظاهر ان مقتضاه لزوم دفع جميع ما في يده أيضا لأنه بدفع المأتين في المثال لا يزول الحق المتعلق بالباقي بل هو باق بقوته و لا يرتفع الا بدفع الجميع فمقتضى القاعدة على كلا المبنيين لزوم دفع جميع الأربعمائة في المثال و دفع جميع الدين إذا فرض في المثال كون التركة ألفين فيلزم دفع جميع الخمسمائة و يبقى للمقر ثلاثمائة.

المقام الثاني في مقتضى النص الوارد في هذا الباب و هي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين قال: يلزم ذلك في حصته. «1» و قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية انه حملها الشيخ- قده- على انه يلزم بقدر ما يصيب حصته لما يأتي و مراده بما يأتي خبر أبي البختري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السّلام- قال قضى على- عليه السّلام- في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه انه يلزم (يلزمه خ ل) ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كله، و ان أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و ان لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا و كذلك ان

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 372

..........

______________________________

أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته «1».

أقول ظاهر

الموثقة في نفسها ثبوت ذلك اى مجموع الدين المقر به في حصته بمعنى ان حصة المقر ظرف لمجموع الدين الذي أقر به فكما ان ثبوت الدين في مجموع التركة مرجعه الى لزوم أدائه من مجموعها كذلك ثبوته في حصة المقر مرجعه الى لزوم أداء مجموعه من سهمه فإذا كان بمقدار الحصة أو زائدا عليه يلزم صرف مجموع الحصة فيه نعم في مورد النقصان لا يلزم التكميل من الأموال الشخصية المتعلقة بالمقر و بالجملة لا ينبغي الارتياب في ظهور الموثقة في نفسها فيما ذكرنا لا في التوزيع الذي هو مورد الفتوى.

و اما جعل رواية أبي البختري قرينة على الحمل على خلاف الظاهر و هو التوزيع فليس بلحاظ قوله- عليه السّلام- في الصدر يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث لأن إضافة قوله بقدر ما ورث لا تقتضي الدلالة على خلاف ما يدل عليه الموثقة و كذا قوله و لا يكون ذلك في ماله كله لانه ليس المراد بالمال هي الحصة المتعلقة بالمقر بل الأموال الشخصية المتعلقة به بل بلحاظ قوله- عليه السّلام- في الذيل في مورد الإقرار بالنسب كالأخ أو الأخت: إنما يلزمه في حصته نظرا إلى انه في مورد الإقرار بالنسب لا يكون جميع حصة المقر له في حصة المقر بل يكون حصة المقر بينهما بنحو التساوي بل بنحو التوزيع المذكور في المقام فإذا أقر أحد الابنين الوارثين بابن ثالث يكون سهم المقر و هو النصف بينهما نصفين على القول الأول أو يكون ثلث سهم المقر للمقر له على القول الأخر و على التقديرين يكون مقتضى الرواية عدم ثبوت جميع حصة المقر له في حصة المقر فإذا كان المراد من الذيل ذلك لا محالة فهو

يصير قرينة على ان المراد من صدرها و كذا المراد من الموثقة المشتملة على نفس هذا التعبير هو التوزيع كما لا يخفى.

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السادس و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

هذا و لكن ضعف سند الرواية بأبي البختري الذي قيل في حقه انه من أكذب البرية يمنع عن صلاحيتها للقرينية و للتصرف في ظاهر الموثقة بحملها على التوزيع فاللازم الأخذ بظاهر الموثقة و الحكم بثبوت مجموع الدين المقر به في حصة المقر فتصير الرواية مطابقة للقاعدة الا ان يقال ان ادعاء صاحب الجواهر نفى خلاف محقق معتد به كما عرفت في أول البحث و ان لم يكن معتبرا من جهة الإجماع الا ان دلالته على ثبوت الشهرة المحققة لا ينبغي الارتياب فيها و حيث ان الشهرة موافقة لرواية أبي البختري فتصير جابرة لضعفها و مع ذلك تصلح للقرينية للموثقة و حملها على خلاف ظاهرها فتكون النتيجة التوزيع الذي هو مورد الفتوى كما لا يخفى.

ثم ان توزيع الدين على حصة المقر يقتضي لزوم دفع ما يخصه من التركة بعده في الدين و حيث انه لا يكون واجبا ارتباطيا بل انحلاليا يكون دفع اىّ مقدار منه موجبا لتحقق البراءة بالإضافة الى ذلك المقدار فدفع المأتين في المثال الذي ذكره صاحب الجواهر يوجب سقوط الدين بهذا المقدار و اما الحج فحيث يكون واجبا ارتباطيا لا يكفى ما يخصه من التركة بعد التوزيع للحج لا محالة و قد مرّ ان فرض الكفاية مع هذه الخصوصية لا مجال له أصلا و- ح- يقع الكلام في مصرف هذا المقدار فنقول يستفاد من المتن ان فيه صورا ثلاثة:

الأولى ما إذا علم

بعدم تبدل إنكار المنكرين إلى الإقرار إلى الأبد و عدم وجود متبرع يدفع التتمة كذلك و ظاهر المتن بلحاظ الحكم بعدم وجوب الدفع الرجوع الى المقر و صيرورته جزء من حصته مع انه محل نظر بل منع فإنه لو قلنا بعدم انتقال ما يساوى الدين أو مصرف الحج الى الوارث و بقائه على ملك المالك فاللازم الالتزام ببقاء المأتين في المثال على ملك الميت و حيث انه لا يكفى للحج فاللازم الصرف في جهات الميت الأقرب فالأقرب و ان قلنا بالانتقال و تعلق الحق كتعلق حق الرهانة فتعلق الحق بحصته مانع عن التصرف و لا مجال للحكم بجواز صرف جميع حصنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

في جهات نفسه و أغراضه كما لا يخفى.

الثانية ما لو شك في التبدل المذكور و وجود المتبرع و عدمه و قد احتاط فيه في المتن بالاحتياط اللزومي بالحفظ اى حفظ مقدار حصته ليتحقق الحال و يظهر في الاستقبال و الظاهر ان منشأ لزوم الاحتياط هو ان الشك في القدرة يكون مجرى أصالة الاحتياط بنظر المشهور مع انه يمكن المناقشة في مثل المقام مما يكون عدم القدرة مسبوقا بالحالة السابقة المتيقنة فإن مقتضى الاستصحاب- ح- عدم ثبوت التكليف فاستصحاب عدم الإقرار و عدم وجود المتبرع يقتضي عدم لزوم الحفظ و اجراء حكم الصورة الأولى عليه فإذا قلنا فيها بعدم وجوب الدفع و الرجوع الى المقر يكون الحكم في المقام أيضا كذلك و لا مانع من اجراء الاستصحاب بالإضافة إلى الأمور الاستقبالية إذا ترتب عليها أثر في الحال كما هنا.

الثالثة ما لو كان الإقرار و المتبرع مرجو الوجود و المراد صورة العلم أو الاطمئنان بالوجود

و الحكم في هذه الصورة كما في المتن وجوب الحفظ و وجهه ظاهر.

الفرع الثاني ما لو كان عليه حج فقط و لم يكف تركته به و قد استظهر في المتن أنها للورثة و مرجعه إلى انه لا يجب صرف التركة في وجوه البر أو التصدق عن الميت لكن احتاط في العروة بالاحتياط الاستحبابي بالتصدق عنه لرواية على بن مزيد (فرقدكا) صاحب السابري قال اوصى الى رجل بتركته فأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هو شي ء يسير لا يكفى للحج فسئلت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه الى ان قال فلقيت جعفر بن محمد في الحجر فقلت له رجل مات و اوصى الىّ بتركته ان أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسئلت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال ما صنعت؟ قلت تصدقت بها قال ضمنت الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 375

..........

______________________________

ضمان، و ان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن. «1»

و الوجه في الحكم بالاستحباب ضعف سند الرواية لجهالة الراوي و لكن الرواية مع ذلك واردة أولا في مورد الوصية بالحج و ثانيا تدل على ان الانتقال إلى الصدقة انما هو بعد عدم بلوغ التركة للحج من مكة الذي هو حج الافراد و اما بعد بلوغها اليه فلا مجال للانتقال بل ينتقل حج التمتع الواجب على الميت لكون الظاهر انه كوفي و هو يجب عليه حج التمتع الى الافراد.

ثم الظاهر ان الفرق بين هذا الفرع الذي

يكون الحكم فيه كون التركة للورثة و بين ما تقدم من إقرار بعض الورثة بثبوت الحج على الميت حيث قلنا بان مقتضى القاعدة صرف المأتين المقر به في المثال الذي ذكره صاحب الجواهر فيما يرجع الى جهات الميت الأقرب فالأقرب من دون فرق بين المبنيين انه هناك حيث تكون التركة وافية بالحج بحسب الواقع فلا محالة تكون المأتان باقية على ملك الميت أو متعلقة لحقه و اما في المقام فحيث لا تكون التركة وافية بالحج أصلا فلا مجال للحكم بالبقاء على ملك الميت أو تعلق حقه بها.

ثم انه استثنى في المتن صورة احتمال كفاية التركة للحج بعد ذلك أو وجود متبرع يدفع التتمة و حكم فيه بوجوب الإبقاء و قد مر ان مقتضى الاستصحاب عدم الوجوب لان استصحاب عدم الكفاية مع الشك فيها فيما بعد و كذا استصحاب عدم وجود المتبرع يقتضي الحكم بعدم وجوب الإبقاء و يرد على المتن اشكال آخر و هو ان الحكم بالاحتياط اللزومي في الفرع السابق في صورة الشك و الفتوى بوجوب الإبقاء هنا في صورة الاحتمال لا يكاد يجتمع.

الفرع الثالث ما لو تبرع متبرع بالحج عن الميت فالكلام تارة في أصل صحة التبرع عن الميت و اخرى في رجوع اجرة الاستيجار الى الورثة و ثالثة في

______________________________

(1) ئل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

ان مقتضى الاحتياط صرف الكبار حصتهم في وجوه البرّ اى عن الميت فنقول:

اما أصل صحة التبرع فيدل عليه مثل صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام

فأحج عنه بعض إخوانه هل يجزى ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال بل هي حجة تامة، «1» و المراد بالتمامية بقرينة المقابلة الواقعة في السؤال هي الاجزاء و براءة ذمة الميت و سقوط الحج عنه و الظاهر انه لا مدخل لعدم وجود التركة المفروض في السؤال للحكم بصحة التبرع بل الملاك صلاحية حج الميت للسقوط بفعل المتبرع كالدين حيث انه لا فرق في سقوطه بأداء المتبرع بين صورة وجود التركة و عدمها كما لا يخفى.

و رواية عامر بن عميرة قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- بلغني عنك انك قلت لو ان رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض اهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال نعم اشهد بها على أبي أنه حدثني ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- أتاه رجل فقال يا رسول اللّٰه ان أبي مات و لم يحج فقال له رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- حج عنه فان ذلك يجزى عنه. «2»

و غير ذلك من الروايات الدالة على صحة التبرع في الحج عن الميت.

و اما رجوع اجرة الاستيجار الى الورثة فلان المانع عن الرجوع انما هو الحج و المفروض سقوطه بأداء المتبرع و قد صرح في المتن بأنه لا فرق في الرجوع بين ما إذا عيّنها الميت و ما إذا لم يعين اى سواء كان هناك وصية أم لا.

و اما الاحتياط المذكور فان كان منشأه الرواية الضعيفة المتقدمة في الفرع الثاني كما صرح به السيد- قده- في العروة فقد عرفت ان الرواية واردة أولا في خصوص مورد الوصية و ثانيا دالة على ان الانتقال الى التصدق انما هو بعد اليأس عن تحقق الحج لأجل قصور التركة

فلا يمكن ان يستفاد منها التصدق مع تحقق الحج

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و الثلاثون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 377

[مسألة 58- الأقوى وجوب الاستيجار عن الميت من أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن]

مسألة 58- الأقوى وجوب الاستيجار عن الميت من أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن و الا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و الأحوط الاستيجار من البلد مع سعة المال و الا فمن الأقرب إليه فالأقرب لكن لا يحسب الزائد على أجرة الميقاتية على صغار الورثة. و لو اوصى بالبلدى يجب و يحسب الزائد على أجرة الميقاتية من الثلث، و لو اوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو قامت قرينة على إرادتها فحينئذ تكون الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو زاد على الميقاتية و نقص عن البلدية يستأجر من الأقرب الى بلده فالأقرب على الأحوط، و لو لم يمكن الاستيجار الا من البلد وجب و جميع مصرفه من الأصل (1)

______________________________

عن الميت و لو من ناحية المتبرع و التعدي عن مورد الوصية إلى غيره و ان كان يمكن القول به الا ان التعدي إلى صورة وقوع الحج مما لا مجال له أصلا.

و ان كان منشأه عدم انتقال مقدار مصرف الحج إلى الورثة أو كونه متعلقا لحق الميت فقد عرفت انه مع وقوع الحج من المتبرع لا مجال للاحتياط المذكور خصوصا مع التخصيص بحصة الكبار كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين: الاولى: ما إذا لم يكن هناك وصية و فيه أقوال: قال في الشرائع: «الثانية- يعني المسألة الثانية- يقضى الحج من

أقرب الأماكن و قيل يستأجر من بلد الميت و قيل ان اتسع المال فمن بلده و الّا فمن حيث أمكن» و البحث في هذا الكلام يقع من جهتين:

الجهة الاولى: في المراد من أقرب الأماكن بعد وضوح انه ليس المراد هي الأقربية المكانية بل الأقلية من حيث النفقة و المئونة لانه لا مدخل للقرب و البعد المكانيين في ذلك أصلا فنقول: قال في المدارك: «ان المراد به أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن الاستيجار منه و الّا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب فإن تعذر الاستيجار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

من أحد المواقيت وجب الاستيجار من أقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات».

و قد فسر بهذا النحو كاشف اللثام عبارة القواعد قال في القواعد: من أقرب الأماكن إلى الميقات و في كشف اللثام: و انما يجب اى الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مكة من بلده الى الميقات فإن أمكن من الميقات لم يجب الّا منه و الا فمن الأقرب إليه فالأقرب و لا يجب من بلد موته أو بلد استقراره عليه.

و في الجواهر بعد نقل ما ذكر: «قلت الظاهر اتحاد المراد و هو الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مبدأ نسك الحج». و الظاهر عدم شمول هذه العبارة للاستيجار من نفس الميقات و لا الترتيب في المواقيت بين القريب و البعيد و الظاهر ان مراد المشهور هو التعبير الواقع في مثل المتن.

الجهة الثانية: في المراد من القولين الآخرين المذكورين في الشرائع فنقول الظاهر من القول الثاني و هو لزوم الاستيجار من بلد الميت هو الاستيجار مع اتساع المال له و احتمال لزوم التكميل من الولي مع عدم الاتساع أو

الحج عنه بنفسه في غاية البعد و الغرابة.

و على ما استظهرنا يقع الكلام في الفرق بين القولين بعد اشتراكهما في لزوم الاستيجار من البلد مع سعة المال و فيه احتمالان:

الأول سقوط الحج مع عدم السعة كما في محكي المدارك حيث قال: الموجود في كلام الأصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر ان في المسألة قولين و قد جعل المصنف هنا الأقوال ثلاثة و لا يتحقق الفرق بين القولين الأخيرين الّا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على القول الثاني و لا نعرف بذلك قائلا مع انه مخالف للروايات كلها.

الثاني: ما ذكره في الجواهر في مقام المناقشة على الفرق الذي ذكره المدارك من انه يمكن عدم التزام سقوط الحج بل ينتقل الى الحج من الميقات و لا يجب الاستيجار من حيث أمكن كما هو مقتضى جملة من الروايات و بذلك يتحقق الفرق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 379

..........

______________________________

بين القولين.

و هذا هو الذي ذكره السيد- قده- في العروة بصورة الاحتمال لا القول و لعل الوجه فيه عدم وضوح كون مراد القائل بهذا القول هذا المعنى و لكن من جميع ما ذكرنا يظهر انه لا يكون في المسألة أقوال أربعة كما ذكره بعض الاعلام حيث جعل الاستيجار من البلد مقابلا للقول الثاني بناء على التوجيه المذكور في الجواهر و للقول الثالث و قد عرفت اعتراض المدارك على الشرائع بجعل الأقوال فيها ثلاثة مع تصريحه في المعتبر كالموجود في كلام الأصحاب بان في المسألة قولين و عليه فكيف يمكن القول بوجود أقوال أربعة.

و كيف كان فالقول الأول المذكور في الشرائع منسوب إلى الأكثر بل الى المشهور بل

عن الغنية الإجماع عليه و القول الثاني نسبه في الجواهر الى الشيخ و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و غيرهم و الظاهر اختيار الشيخ له في النهاية و اما في المبسوط و الخلاف فقد اختار ما هو المشهور كما ذكره العلامة في المختلف و القول الثالث محكي عن الدروس.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان ما تقتضيه القاعدة- مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة و النصوص الواردة على تقدير ورودها في المقام أو استفادة حكم المقام منها- هو ما ذهب اليه المشهور و تبعهم العروة و المتن لان الثابت بمقتضى الأدلة المتقدمة هو وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت بعد استقرارها عليه في حال الحياة و عدم الإتيان بها مسامحة و مساهلة فاللازم على وليّه الإتيان بحجة الإسلام و من الواضح ان حجة الإسلام عبارة عن الأعمال المخصوصة و المناسك المعروفة التي شروعها من الميقات و طيّ الطريق و قطع المسافة و ان كان واجبا على الميت الا ان وجوبه انما هو من باب المقدمة و لا يكون وجوب المقدمة إلا عقليا و على تقدير كونه شرعيا- كما اختاره القائل بوجوب المقدمة- لا يكون الا غيريا و الغرض الأصلي تحقق الحج و هي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 380

..........

______________________________

الأعمال و المناسك مع ان قطع الطريق و المسافة لا يلزم ان يتحقق بعنوان المقدمة للحج فإذا سافر إلى المدينة للتجارة- مثلا- ثم استطاع هناك كما إذا مات أبوه كذلك و انتقل إليه بالإرث أموال كثيرة موجبة لتحقق الاستطاعة لا يجب عليه الا الحج من المدينة و لا يلزم عليه العود الى الوطن و السفر منه بقصد الحج و كذا إذا

كان مستطيعا في البلد و لكنه لم يكن قاصدا للحج أصلا فسافر إلى المدينة لغرض آخر ثم بدا له بعد الوصول إليها ان يحج و يأتي بما هو الواجب عليه، و كذا في صورة الاستطاعة في البلد يمكن له الخروج منه للحج متسكعا من دون صرف مال كما عرفت سابقا.

فهذا و أشباهه دليل على ان طي الطريق لا ارتباط له بالحج الا من جهة المقدمية فلو اختطف المستطيع في بلده و أرسل في المدينة يجب عليه الحج منها فلا ريب حينئذ في ان مقتضى القاعدة هو قضاء حج الميت عنه من الميقات بل لا يلزم الا من أقرب المواقيت إلى مكة المكرمة.

و اما: ما يمكن ان يستدل به على وجوب الحج من البلد فهو أمران:

أحدهما: انه لا فرق بين الاستنابة في الحج عن الميت و بين استنابة الحي التي عرفت لزومها مع عدم القدرة على المباشرة في صورة استقرار الحج لمرض أو هرم أو شبههما فكما انه يجب على المكلف هناك الاستنابة من البلد كذلك يجب هنا لعدم الفرق بين المقامين أصلا.

و الجواب: أولا انه لم يثبت هناك لزوم الاستنابة من البلد بل قد عرفت الاشكال و الاختلاف في المسألة.

و ثانيا: انه على تقدير القول بذلك هناك لم يثبت اتحاد المقامين و عدم تحقق الفرق في البين بل ثبت الفرق من بعض الجهات كعدم جريان التبرع هناك و جريانه في المقام بلا اشكال على ما عرفت من اقتضاء النص و الفتوى لذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 381

..........

______________________________

و ثالثا: انه على تقدير المساواة و عدم ثبوت الفرق تكون تسرية حكم ذلك المقام الى هنا من مصاديق القياس الا مع تنقيح

المناط القطعي أو إلغاء الخصوصية و كلاهما مفقودان بلا ريب.

ثانيهما: الروايات المتعددة و النصوص المتكثرة و التمسك بهذه الروايات مبنى أولا على دلالتها على كون الواجب الاستيجار من البلد و الأقرب إليه فالأقرب في موردها و هي الوصية فإن جميعها وارد في هذا المورد و لم يرد شي ء منها في المقام الذي هي صورة عدم الوصية و ثانيا على إثبات انه لا فرق بين الصورتين: الوصية و غيرها و مع عدم تمامية شي ء من الأمرين لا يبقى مجال للاستدلال بها أصلا كما لا يخفى فنقول: منها صحيحة على بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال: يحج عنه من بعض المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- من قرب. «1».

و الظاهر ان مورد السؤال صورة الوصية بحجة الإسلام فقط من دون تعيين المقدار و لا تعيين المحل الذي يحج عنه من البلد أو الميقات أو غيرهما و المراد من الجواب لزوم الحج عنه من بعض المواقيت و اما قوله- ع- من قرب فيحتمل ان يكون المراد منه هو القرب من الميقات الذي عبر عنه في بعض الروايات بما دون الميقات و يحتمل ان يكون المراد هو أقرب المواقيت المذكور في كلام المشهور و يحتمل ان يكون المراد نفى لزوم الحج عنه من البلد بلحاظ كون الميقات قريبا من مكة و لو أبعد المواقيت.

و كيف كان فالسؤال يدل على انه مع فرض كون التركة واسعة و كافية للحج من البلد يكون اللزوم من البلد مرتكزا في ذهن السائل و الجواب تقرير له على هذه الجهة فمقتضاها الوجوب من

البلد مع سعة المال و كفايته.

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 382

..........

______________________________

و منها موثقة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سئل عن رجل اوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه. «1» و دلالتها على لزوم الاستنابة من البلد مع سعة المال و الأقرب إليه فالأقرب مع عدمها واضحة.

و منها ما رواه ابن أبي نصر البزنطي عن محمد بن عبد اللّٰه قال سألت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- عن الرجل يموت فيوصي بالحج من اين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله، ان وسعه ماله فمن منزله، و ان لم يسعه ماله فمن الكوفة فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة. «2».

و أورد على الاستدلال بها سندا و دلالة اما من حيث السند فلان الراوي و هو محمد بن عبد اللّٰه بن عيسى الأشعري القمي لم تثبت وثاقته و ان زيدت كلمة «الثقة» في النسخة المطبوعة من كتاب الشيخ بعد عده من أصحاب الرضا- عليه السّلام- لكن هذه النسخة لم تثبت صحتها و كل من نقل عن الشيخ لم يذكر التوثيق أصلا و انا أضيف اليه ان البزنطي و ان كان من أصحاب الإجماع الا ان كون الرجل من أصحابه لا يقتضي وثاقة من يروى عنه أصلا بل غايته كون الرجل بنفسه مجمعا على وثاقته و صحة روايته فالرواية ضعيفة من حيث السند.

و اما من جهة الدلالة فقد ذكر بعض الاعلام ان الخبر يشتمل على أمر لم يقل به أحد إذ لو كانت العبرة بصرف

المال في المقدمات فلا بد من ملاحظة البلاد الأقرب فالأقرب لا الطفرة من بلد الموصى الظاهر انه «خراسان» بقرينة روايته عن الرضا- ع- الى الكوفة و منها إلى المدينة بل اللازم بناء على ملاحظة الأقرب فالأقرب من البلاد ملاحظة البلاد الواقعة في الطريق كنيشابور و سبزوار و طهران و هكذا لا انه يحج عنه

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج ألباب الثاني ح- 2

(2) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 383

..........

______________________________

من الكوفة و ان لم يسعه فمن المدينة مع تحقق مسافة بعيدة بين ذلك.

و يرد عليه- مضافا الى ان الراوي قمي لا خراساني و يمكن ان لا يكون السؤال في خراسان بل في الطريق اليه من المدينة كما لا يخفى و على تقديره فلا دلالة له على كون الموصى بلده خراسان لأن السؤال في بلد لا دلالة له على كون مورده ذلك البلد- ان الجواب الأصلي الذي أفاده الإمام- عليه السّلام- بصورة الضابطة و القاعدة الكلية هو قوله- ع-: «على قدر ماله» الذي يكون مقتضاه البلد و الأقرب إليه فالأقرب و اما ما ذكره بعد ذلك فهو يشبه المثال و لا دلالة له على لزوم الترتيب المذكور فيه فالمناقشة من حيث الدلالة غير واردة بل الرواية ظاهرة في الترتيب بين البلد و الأقرب إليه فالأقرب و منها: ما أورده في الجواهر بعنوان صحيحة الحلبي عنه- عليه السّلام- قال و ان اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت و الظاهر انه اعتمد في ذلك على نقل صاحب المدارك عن تهذيب الشيخ- قده- مع ان

الموجود في التهذيب هو ذكر هذا الكلام بعد صحيحة الحلبي و الدقة فيه تقتضي عدم كونه ذيلا للصحيحة بل هو اما من كلام الشيخ و عبارته و اما من كلام المفيد- قده- في المقنعة التي يكون التهذيب شرحا لها و كيف كان لا تكون رواية أصلا و يدل عليه عدم تعرض صاحب الوسائل لهذه الرواية في الباب الذي أورد فيه سائر الروايات الواردة في المسألة بل و لا في غيره ظاهرا و لو كانت كذلك أي رواية لكانت دلالتها على اعتبار البلد مع سعة المال أظهر من جميع روايات الباب و منها رواية أبي سعيد (سعيد في بعض الطرق) عمن سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل اوصى بعشرين درهما في حجة قال يحج بها (عنه) رجل من موضعه. «1»

و منها: رواية أبي بصير عمن سأله قال قلت له رجل اوصى بعشرين دينارا في حجة فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه. «2»

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 5

(2) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 384

..........

______________________________

و الظاهر اتحاد الروايتين غاية الأمر ان المذكور في أحد الطريقين أبا سعيد و في الأخر أبا بصير و الظاهر ان أحدهما تصحيف و يؤيده ان الراوي عن كليهما هو ابن مسكان و عنه محمد بن سنان كما انه يظهر ان المسئول في الرواية الثانية هو أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- و ذكر الدرهم في إحديهما و الدينار في أخرى لا يدل على التعدد.

و منها: رواية عمر بن يزيد قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل اوصى بحجة فلم تكفه من

الكوفة، تجزي حجته من دون الوقت. «1»

و منها: رواية أخرى لعمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل اوصى بحجة فلم تكفه قال فيقدمها حتى يحج دون الوقت. «2» و من الواضح اتحاد الروايتين و ان جعلهما في الوسائل متعددا.

و منها: ما رواه ابن إدريس في أخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال بسنده عن عدة من أصحابنا قالوا: قلنا لأبي الحسن يعنى على بن محمد- عليهما السّلام- ان رجلا مات في الطريق و اوصى بحجة و ما بقي فهو لك، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو أو فر للشي ء ان يبقى عليه و قال بعضهم: يحج عنه من حيث مات فقال:

- ع- يحج عنه من حيث مات. «3» و المراد من قوله- ع- من حيث مات يحتمل ان يكون لأجل كون اللازم في قضاء الحج عنه في مورده هو الاستنابة و النيابة من البلد الذي يكون المعيار فيه هو بلد الموت و يحتمل ان يكون لأجل كون المورد و هو الموت في الطريق و اللازم بمقتضى الرواية هي النيابة عنه من حيث مات ليكمل الحج من بلد الإقامة و الاستيطان و على الثاني لا تكون الرواية مرتبطة بالمقام الا من جهة دلالتها على كون المراد هو الحج من البلد.

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 6

(2) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 7

(3) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 9

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 385

..........

______________________________

و في مقابل هذه الروايات رواية زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن رجل مات و اوصى بحجة أ

يجوز ان يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال: اما ما كان دون الميقات فلا بأس. «1» و دلالتها على عدم لزوم النيابة من البلد مع سعة المال للاستنابة منه ظاهرة و لكن سندها ضعيف بسهل بن زياد.

فإن أغمضنا عن ضعف سند الرواية فاللازم الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة و ما قيل في مقام الجمع أمور:

أحدها: حمل تلك الروايات على استحباب الحج من البلد بقرينة رواية زكريا الصريحة في عدم الوجوب و كفاية الحج من الميقات.

و يرد عليه ان دلالة كثير من الروايات المتقدمة على وجوب الحج البلدي انما كانت بالمفروغية عند السائل و تقرير الامام- عليه السّلام- له و لا يمكن حمله على الاستحباب و ليس فيها مثل هيئة «افعل» الظاهرة في الوجوب القابلة للحمل على الاستحباب إذا كان في مقابلها ما هو أظهر.

ثانيها: التفصيل بين حجة الإسلام و بين غيرها لورود مثل صحيحة ابن رئاب في خصوص حجة الإسلام و إطلاق رواية زكريا لان الموصى به هو مطلق الحجة فيحمل على غير حجة الإسلام.

و هذا الجمع و ان كان أقرب من الوجه السابق الا ان حمل الإطلاق في رواية زكريا على غير حجة الإسلام مع كون المصداق الظاهر لمطلق الحجة هي حجة الإسلام بعيد فتدبر.

ثالثها التفصيل بين ما إذا كانت الوصية بالحج بمقدار معين من المال و عدمه بوجوب الحج عنه في الأول من المكان الذي يفي به المال و عدم وجوبه عنه في الثاني الا من الميقات و الشاهد عليه خبرا أبي سعيد و أبي بصير الواردان في خصوص

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الثاني ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 386

..........

______________________________

الوصية بمال معين.

رابعها: التفصيل بين صورة سعة المال و صورة عدمها فيقال بان ما دل على وجوب الحج البلدي مختص بصورة سعة المال و وفائه بذلك و مع عدم السعة فمن الأقرب إليه فالأقرب حتى ينتهي إلى الميقات و الظاهر ان هذا الوجه أحسن الوجوه و أظهرها هذا و لكن ورود هذه الروايات بأجمعها في مورد الوصية يمنع عن الاستدلال بها في المقام و هو صورة عدم الوصية لعدم دليل على عدم الفرق و احتمال دخل خصوصية المورد.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض في هذه الصورة في مقابل القاعدة التي ليس مقتضاها الا الحج عنه من بعض المواقيت الأقرب فالأقرب إلى مكة ما يدل على وجوب الحج عنه من البلد و لو كان المال واسعا في غاية الوسعة فاللازم متابعة المشهور كما في المتن.

نعم استحباب الاحتياط بالإخراج من البلد ثم من الأقرب إليه فالأقرب بحاله مع احتساب التفاوت بين البلد و الميقات من سهم الكبار فقط و لا ينبغي الارتياب فيه الصورة الثانية: ما إذا كان هناك وصية فتارة يعين الموصى البلد أو الميقات و اخرى لا يعين شيئا منهما و في الثانية قد يكون هناك انصراف إلى البلدية بنظر العرف و ما هو المتداول بين أهله أو تكون قرينة قائمة على ارادتها و قد لا يكون شي ء من الانصراف و قيام القرينة.

ففيما إذا أطلق و لم يعين شيئا و لم يكن انصراف و لا قرينة ففي المتن «كفت الميقاتية» و ذكر بعض الاعلام انه في باب الوصية بالحج لم يرد نص معتبر يعتمد عليه فلا بد من الرجوع الى ما تقتضيه القاعدة.

و الظاهر وجود النص المعتمدة و هو بعض الروايات

المتقدمة كصحيحة على بن رئاب الواردة في الوصية المطلقة بحجة الإسلام الدالة على مفروغية لزوم الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 387

..........

______________________________

من البلد مع سعة المال و اقتضاء التركة له عند السائل و تقرير الامام- عليه السّلام- له على ذلك.

و موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سئل عن رجل اوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه، بناء على كون الموصى به صرف جميع أمواله في الحج و كون اللام في «له» مكسورا و جزء لكلمة «ما» و المراد به هو المال و اما بناء على كون «ما» موصولة و «اللام» مفتوحة فيكون المراد صرف ما يتعلق به من الثلث في الحج و عليه فلا دلالة لها على لزوم الحج البلدي مع عدم وفاء الثلث به.

هذا و لكن الظاهر هو الاحتمال الأول و عدم ثبوت الإجمال في الرواية إذ على تقدير الاحتمال الثاني كان اللازم اضافة مثل قوله: «من الثلث» بعد قوله: «بماله»، و على تقدير الإجمال تكون صحيحة على بن رئاب رافعة لإجمالها و إبهامها حيث صرح فيها بأنه لم يبلغ جميع ما ترك إلا .. فهي تدل على ان النظر انما هو الى جميع المال لا خصوص الثلث.

فمقتضى الروايتين لزوم كون الحج من البلد في صورة الوصية نعم في مقابلهما ما يدل على ان الوصية مطلقا انما هي من الثلث و ما زاد يحتاج إلى اجازة الورثة لكن حيث ان النسبة هي الإطلاق و التقييد فاللازم تقييد الإطلاق بغير مورد الوصية بالحج الثابت على عهدة الموصى نظرا الى الروايتين.

و اما ما

في المتن من كفاية الميقاتية في صورة الإطلاق فالظاهر ان منشأه ما ذهب اليه صاحب الجواهر- قده- من تعارض الروايات المتقدمة و تساقطها و الرجوع الى القاعدة التي عرفت ان مقتضاها كفاية الحج من الميقات هذا كله في صورة الإطلاق.

و اما مع التصريح من الموصى بالحج من البلد فمقتضى ما اخترناه في صورة الإطلاق لزوم الحج البلدي بطريق أولى فإن مورد الروايات و ان كان هي الوصية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 388

..........

______________________________

المطلقة الا ان لزوم الحج البلدي فيه يقتضي لزومه مع التقييد بالبلد بالأولوية القطعية كما لا يخفى.

و اما بناء على مختار المتن فمقتضى الجمع بين رعاية القاعدة المقتضية للحج من الميقات و بين ما يدل على لزوم العمل بالوصية في محدودة الثلث احتساب ما زاد على أجرة الميقاتية من الثلث فان و في بالحج من البلد فاللازم الاستيجار منه و اما أجرة الميقاتية اى الأجرة من الميقات فهي محسوبة من أصل التركة.

ثم انه على تقدير عدم وفاء التركة بالحج من البلد- بناء على المختار- و على تقدير عدم وفاء الثلث بالحج من البلد- بناء على مختار المتن- هل ينتقل الى الميقات أو الى الأقرب فالأقرب من البلد فقد احتاط في المتن بالثاني و رعاية الأقرب فالأقرب و الظاهر ان مقتضى الجمع بين الروايات المتقدمة من هذه الجهة هو الحكم به و انه مع إمكان الأقرب لا يجوز الانتقال الى الميقات سيما مثل موثقة عبد اللّٰه بن بكير المتقدمة المؤيدة برواية محمد بن عبد اللّٰه المتقدمة أيضا.

ثم انه في كلتا الصورتين من المسألة- صورة الوصية و صورة عدمها- لو لم يمكن الاستيجار الا من البلد يجب ذلك و

يخرج من أصل التركة من دون فرق بين القول بان الواجب في صورة الإمكان هو الحج من البلد و بين القول بان الواجب هو الحج من الميقات و ذلك للزوم قضاء الحج عن الميت فإذا لم يمكن الاستيجار الا من البلد فاللازم ذلك من باب المقدمة و منه يظهر انه لا يكون للبلد خصوصية فإذا لم يمكن الاستيجار الا من موضع أبعد من البلد فاللازم ذلك بل لو لم يمكن الا من أقصى نقاط العالم يجب ذلك لأجل ما ذكر.

بقي الكلام في هذه المسألة في أمر لم يقع له التعرض في المتن و هو المراد بالبلد و فيه أقوال:

الأول: ما اختاره في الجواهر من ان المراد به هو بلد الإقامة و الاستيطان حيث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 389

..........

______________________________

قال: و كيف كان فالمراد بالبلد- على تقدير اعتباره- بلد الاستيطان لانه المنساق من النصوص و الفتوى خصوصا من الإضافة فيهما سيما خبر محمد بن عبد اللّٰه.

الثاني: ما اختاره صاحب المدارك- قده- قال: «الظاهر ان المراد من البلد الذي يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس و دل عليه دليله». و وافقه على ذلك السيد- قده- في العروة نظرا إلى إشعار خبر زكريا بن آدم- المتقدم- بذلك و الى أنه أخر مكان كان مكلفا فيه بالحج.

الثالث: ما احتمله صاحب الجواهر- قده- بل نقل عن بعض العامة القول به و هو ان المراد بالبلد بلد الاستطاعة و اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها.

الرابع: ما احتمله السيد- قده- في العروة و وصفه في آخر كلامه بأنه قويّ جدا و هو التخيير بين البلدان التي

كان فيها بعد الاستطاعة، و الظاهر ان المراد من تلك البلدان هي البلدان التي سافر إليها و ليس المراد هي الإقامة فيها كما لا يخفى.

هذا و الظاهر ما أفاده في الجواهر من ان المنساق من النص و الفتوى هو بلد الإقامة خصوصا مع الإضافة إلى الشخص و مع الإتيان بصيغة الجمع المنافي مع بلد الموت في موثقة ابن بكير المتقدمة و مع التعبير بالمنزل المضاف إليه في رواية محمد بن عبد اللّٰه المتقدمة أيضا.

و اما رواية زكريا بن آدم فمضافا الى عدم صحة سندها- كما مر- يرد على الاستناد إليها انه لا اشعار فيها لان بلد الموت مذكور في كلام السائل و الجواب حيث يكون ناظرا الى عدم اعتبار البلد من رأس و ان ما كان دون الميقات فلا بأس به لا يكون تقريرا لما في ذهن السائل و لا مجال لدعوى التقرير بالإضافة إلى قضية تعليقية و هي انه لو كان البلد معتبرا لكان المراد به هو بلد الموت و هذا بخلاف التقرير في موثقة عبد اللّٰه بن بكير حيث يكون الجواب فيها دالا على تقرير ما في ذهن السائل من انه لو كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 390

[مسألة 59- لو اوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف]

مسألة 59- لو اوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استؤجر من الميقات و اتى به، أو تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته و سقط الوجوب من البلد، و كذا لو لم يسع المال الا من الميقات، و لو عين الاستيجار من محل غير بلده تعين و الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو استأجر الوصي أو الوارث من البلد مع عدم الإيصاء بتخيل عدم كفاية الميقاتية

ضمن ما زاد على الميقاتية للورثة أو لبقيتهم. (1)

______________________________

ما يحج به كافيا من بلاده لكان اللازم الحج منها ثم ان ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر- على ما تقدم- يكون أيضا ظاهرا في ان المراد بالبلد هو بلد الموت و لكنه ذكر في الجواهر ان الظاهر ارادة موته في طريق الحج بل لعل الخبر: اوصى بحجته اى بإتمام حجته، و عليه لا يكون واردا في المقام كما انه على التقدير الأول أيضا لا تكون الرواية واجدة لوصف الاعتبار و الحجية.

و اما الاستدلال بأنه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج فيرد عليه انه لم يكن الواجب عليه الحج من ذلك المكان الذي مات فيه بل كان الواجب على نفسه هو الحج و قطع المسافة و طي الطريق لا يكون واجبا الا من باب المقدمة بناء على وجوبها و على تقدير الوجوب عليه من ذلك المكان نقول: ما الدليل على وجوب القضاء عنه من ذلك المكان فان الدليل على وجوب القضاء عنه من البلد و ان كان على خلاف القاعدة الا انه لا دلالة له على اعتبار بلد الموت و قد عرفت ان المنساق منه هو بلد الإقامة و الاستيطان.

و مما ذكرنا يظهر بطلان القول الثالث و كذا الاحتمال الرابع فإن المنشأ لهما هو توجه التكليف بوجوب الحج إليه في ذلك البلد و لكنه لا يقتضي اللزوم عليه من ذلك البلد و على تقديره فلا دليل على وجوب القضاء عنه منه كما هو ظاهر.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول: ما لو اوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا و لو مع الوصية المطلقة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 391

..........

______________________________

أو عدم الوصية

رأسا فخولف و استؤجر من الميقات و فيه جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في براءة ذمة الميت بالإتيان بالحج الميقاتي و سقوط الوجوب من البلد و عدمها و استشكل فيها صاحب المدارك- قده- نظرا الى عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه على هذا التقدير فلا يتحقق الامتثال.

و يدفع هذا الاشكال ان ذمة الميت مشغولة بخصوص الحج الذي هو عبارة عن الاعمال و المناسك التي يكون شروعها من الميقات و وجوب الاستنابة من البلد- على تقدير الوصية به أو مطلقا- انما هو تكليف زائد قد دل عليه الدليل على ما هو المفروض و لا يرجع ذلك الى توقف براءة ذمة الميت على الاستيجار من البلد و تحقق الحج منه بل هو تكليف مستقل يترتب على مخالفته الإثم و استحقاق العقوبة و لا يرتبط بمسألة ذمة الميت و تحقق برائتها أصلا كما لا يخفى.

و يمكن استفادة ذلك من صحيحة حريز بن عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل اعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة قال عليه السّلام لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقدتم حجه. «1» فان موردها و ان كان صورة حياة الرجل المعطى و لا محالة تكون استنابته لأجل الهرم أو المرض الذي لا يرجى زواله- كما تقدم البحث فيه مفصلا- و المناسبة تقتضي أن تكون الكوفة بلد الرجل المعطى و لا دلالة فيه على لزوم ان تكون استنابة الحي من البلد لان وقوعها كذلك لا يكشف عن وجوبها و لأجله يمكن الإيراد على سيد المستمسك- قده- حيث أورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواردة في المسألة السابقة مع عدم ارتباطها بها أصلا كما ان موردها صورة

مخالفة الأجير لا المخالفة في الاستيجار كما هو المفروض في المقام و الجواب و ان كان دالا على عدم البأس فيه الا ان قوله عليه السّلام إذا قضى جميع المناسك .. بمنزلة التعليل و مقتضاه ان الإتيان بالمناسك يوجب تحقق التمامية

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الحادي عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 392

..........

______________________________

و براءة الذمة و لو مع المخالفة فمقتضى الرواية سقوط الوجوب من البلد في المقام أيضا ثم انه يلحق بالفرع المذكور في هذه الجهة الفرعان الآخران المذكوران في المتن.

الجهة الثانية: في ان التفاوت المالى بين الحج البلدي و الحج الميقاتي هل ينتقل الى الوارث مطلقا أو يصرف في وجوه البرّ للميت الأقرب فالأقرب في نظره و جهاته أو ان في هذه الجهة تفصيلا بين صورة الوصية و بين ما إذا لم يكن هناك وصية ففي الصورة الثانية لا بد من الحكم بالانتقال إلى الورثة لأنه بعد سقوط وجوب الحج البلدي و تحقق براءة ذمة الميت و عدم بقاء موضوع لوجوب الحج أو إتيان المقدمات و المفروض عدم ثبوت وصية في البين فلا محالة ينتقل الى الوارث و في الصورة الأولى يصرف في وجوه البر للميت بالنحو المذكور لان المتفاهم عرفا من الوصية انما هو كونها بنحو تعدد المطلوب و قد عرفت ان مقتضى رواية على بن مزيد (فرقدكا) المتقدمة الواردة في مورد عدم وفاء التركة بالحج الموصى به الذي كان هو الحج بنحو التمتع الانتقال الى حج الافراد و مع عدم وفاء التركة به الانتقال الى التصدق عن الميت و لعله يستفاد من الروايات الآخر أيضا و هذا الوجه هو الظاهر.

الجهة الثالثة: في

صحة الإجارة و بطلانها، ربما يستظهر الفساد نظرا الى ان المرخص من التصرف في مال الميت انما هو الاستيجار من البلد و اما غيره فغير مأذون فيه فالمستأجر ضامن للأجير أجرة المثل.

و يرد عليه انه لا مجال للحكم ببطلان الإجارة من دون فرق بين ما إذا كانت الأجرة كلية أو شخصية من مال الميت اما في الصورة الأولى فلانه لا موجب للبطلان بعد كون العمل صحيحا مشروعا موجبا لتحقق براءة ذمة الميت و كان الواجب على الوصي بذل المال في ذلك و لزوم البذل من البلد لا يقتضي عدم مشروعية ذلك البذل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 393

..........

______________________________

بعد كون الحج من البلد و لزوم الشروع منه تكليفا زائدا غير مرتبط بالواجب الأصلي و منه يظهر الصحة في الصورة الثانية فهي كما لو اوصى ببذل مال معين الى زيد فصرف الوصي نصفه- مثلا- و بذله الى الموصى له فإنه لا يمكن الحكم ببطلان هذا التصرف و عدم جوازه من الوصي و عدم جواز تصرف الموصى له فيه لانه خلاف مقتضى الوصية فالظاهر- ح- صحة الإجارة.

الجهة الرابعة: في انه على تقدير الحكم ببطلان الإجارة هل يكون ذلك قادحا في تحقق براءة ذمة الميت و سقوط وجوب الحج من البلد أولا؟ الظاهر هو الثاني لأن بطلان الإجارة انما يؤثر في انتقال الأجرة المسماة إلى أجرة المثل فقط و اما صحة العمل و النيابة فهي باقية بحالها فالاجير قد اتى بالحج نيابة عن الميت و الفرق بينه و بين المتبرع انما هو في استحقاق الأجرة و عدمه و الّا فهما مشتركان في وقوع العمل صحيحا بعنوان النيابة فلا مجال للإشكال في الاكتفاء به.

الفرع

الثاني: ما لو عين الاستيجار من محل غير بلده و غير الميقات و الكلام فيه تارة على تقدير القول بلزوم الحج البلدي و كونه من أصل التركة و لو مع عدم الوصية و اخرى على تقدير القول بعدم لزومه و ان ما زاد على الميقات لا بد من احتسابه من الثلث.

فعلى التقدير الأول ربما يستشكل في صحة الوصية بالحج من غير بلده بأحد وجهين:

الأول: ان هذه الوصية على خلاف السنّة و على خلاف ما هو الواجب شرعا لان اللازم في الشرع انما هو الحج من البلد على ما هو المفروض.

الثاني: انه يعتبر في صحة الوصية ان يكون متعلقها مما ثبت للموصى الولاية عليه فلا تصح في غير هذه الصورة كان يصلى زيد- مثلا- في كل يوم في مسجد الكوفة ركعتين أو يقضي شخص خاص ما على الموصى من الصلاة و الصيام فإن قضائهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 394

..........

______________________________

لا يكون تكليفا بعد الموت بل هو تكليف للورثة و ما نحن فيه من هذا القبيل فان قضاء الحج عنه ليس تكليفا له بل تكليف للورثة فلا بد ان يحكم بعدم صحة الوصية المذكورة.

و يرد على الوجه الأول- مضافا الى عدم جريانه فيما إذا كان البلد الذي اوصى بالحج منه بنحو يكون بلد الموصى واقعا في مسيره إلى الحج لان المراد من الحج من البلد في مقابل الميقات اعتبار وقوع البلد في الارتباط بالحج لا لزوم كون الشروع منه بحيث ينافي الشروع من بلد آخر مع وقوع بلد الموصى في المسير و عليه فهذا الوجه لا يجري في جميع فروض المسألة- ان كون هذه الوصية على خلاف السنة ممنوع لأنك عرفت

ان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في مورد الوصية انما هو الحج من الميقات لان شروع الاعمال و المناسك انما هو منه غاية الأمر ان الروايات الواردة في الوصية بضميمة الأولوية و إلغاء الخصوصية- على تقدير القول به- اقتضت لزوم الحج من البلد فيما إذا اوصى بالحج البلدي و فيما إذا لم يكن هناك وصية أصلا و عليه ففيما إذا اوصى بالحج من غير بلده لم يقم دليل على ان الواجب هو الحج من البلد حتى تكون الوصية مخالفة له.

و يرد على الوجه الثاني انه لو كان مصرف الحج من غير بلده زائدا على الحج البلدي لا مانع من الحكم بصحة وصيته لان له الولاية على الثلث و الزائد يخرج منه فبهذا اللحاظ تثبت له الولاية نعم لو لم يكن مصرفه زائدا على الحج من البلد يمكن القول بعدم صحة الوصية- ح- للزوم خروج مصرف الحج على اى حال من أصل التركة فلا ولاية له عليه الا ان يقال بخروج الزائد من الميقات من الثلث في هذه الصورة أيضا فتدبر.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 394

الفرع الثالث: ما هو المذكور في المتن في آخر المسألة و هو ما لو استأجر الوصي أو الوارث من البلد مع عدم الإيصاء بالحج منه بتخيل عدم كفاية الميقاتية و هو يبتنى على كفاية الميقاتية في صورة الوصية المطلقة على ما هو مختار المتن و اما على ما هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص:

395

[مسألة 60- لو لم تف التركة بالاستيجار من الميقات إلا الاضطراري منه]

مسألة 60- لو لم تف التركة بالاستيجار من الميقات إلا الاضطراري منه كمكة أو أدنى الحل وجب، و لو دار الأمر بينه و بين الاستيجار من البلد قدم الثاني و يخرج من أصل التركة، و لو لم يمكن الا من البلد وجب، و ان كان عليه دين أو خمس أو زكاة يوزع بالنسبة لو لم تكف التركة. (1)

______________________________

المختار من لزوم الحج من البلد في الوصية المطلقة فاللازم فرض هذا الفرع بالإضافة إلى الوارث فقط مع عدم الوصية رأسا.

و كيف كان فالوجه في الضمان بالإضافة الى ما زاد على الميقاتية انما هي قاعدة الإتلاف المقتضية للضمان من دون فرق بين صورة العلم و صورة الجهل فإذا أكل طعام الغير بتخيل انه طعام نفسه و ملكه يكون ضامنا لمالكه فتخيل عدم كفاية الميقاتية لا يوجب ارتفاع الضمان.

ثم ان ضمان الوصي غير الوارث انما يكون بالإضافة الى جميع ما زاد على الميقاتية و اما ضمان الوارث فإنما يكون بالنسبة إلى مقدار سهام سائر الورثة لا جميع ما زاد عليها كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع أربعة و قد وقع التعرض للأخيرين منها في المسائل المتقدمة أيضا فلا حاجة الى البحث عنها.

و اما الفرع الأول فهو ما إذا لم تف التركة إلا بالاستيجار من الميقات الاضطراري كمكة أو أدنى الحل ففي المتن: «وجب» و وجهه عموم دليل البدلية عند الاضطرار كما في «المستمسك» و لكنه ربما يناقش فيه بان مورد النصوص الواردة في هذا الباب صورة التجاوز عن الميقات بلا إحرام جهلا أو نسيانا و يمكن إلحاق صورة العلم و الالتفات به أيضا و مقتضاها انه لو امكنه الرجوع الى الميقات وجب و لو لم يمكنه

فان لم يدخل الحرم يحرم من مكانه و ان دخل الحرم فإن أمكنه الرجوع الى أدنى الحل وجب و الا فيحرم من مكانه و بالجملة لا إطلاق لتلك النصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 396

[مسألة- 61 يجب الاستيجار عن الميت في سنة الفوت]

مسألة- 61 يجب الاستيجار عن الميت في سنة الفوت و لا يجوز التأخير عنها خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير، و لو لم يمكن الا من البلد وجب و خرج من الأصل و ان أمكن من الميقات في السنين الأخر، و كذا لو أمكن من الميقات بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الفوت وجب و لا يؤخر، و لو أهمل الوصي أو الوارث فتلفت التركة ضمن، و لو لم يكن للميت تركة لم يجب على الورثة حجه و ان استحب على وليه. (2)

______________________________

يشمل المقام الذي لم يتحقق فيه التجاوز عن الميقات بلا إحرام أصلا و التحقيق موكول الى محله.

و اما الفرع الثاني و هو دوران الأمر بين الاستيجار من الميقات الاضطراري و بين الاستيجار من البلد فالحكم فيه لزوم تقديم الثاني و الإخراج من أصل التركة و الوجه فيه عدم تحقق موضوع الاضطرار مع إمكان الاستيجار من البلد الذي لازمة وقوع الحج من الميقات الاختياري كما لا يخفى فلا يكون هناك اضطرار حتى ينتقل الى الميقات الاضطراري.

(2) في هذه المسألة أحكام: الأول: لزوم الاستيجار عن الميت في سنة الفوت و عدم جواز التأخير عنها و ليس الوجه فيه ما افاده بعض الاعلام من ان مال الميت أمانة شرعية بيد الورثة أو الوصي و لا يجوز فيه التصرف أو الإبقاء إلا بدليل فالواجب صرفه في الحج في أول أزمنة الإمكان و ذلك لان مقتضاه جواز

التأخير على المبنى الأخر و هو انتقال جميع التركة إلى الوارث غاية الأمر تعلق حق الميت به كتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة مع ان الظاهر عدم الجواز على هذا المبنى أيضا.

بل الوجه فيه ان ظاهر أدلة وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت وجوب قضائها عنه بالنحو الذي كان واجبا عليه و من المعلوم ان الواجب عليه هو بنحو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 397

..........

______________________________

الفور فالفور فاللازم في القضاء مراعاة ذلك من دون فرق بين المبنيين.

و اما وجه الخصوصية فيما إذا كان الفوت عن الميت بعد الاستقرار عن تقصير فإنما هو مدخلية الإتيان بالحج في رفع العقاب عنه لانه بتقصيره يكون معاقبا و بالحج ترتفع العقوبة الا ان يقال ان ارتفاع العقوبة عن الميت لا يؤثر في الإلزام على الورثة بالإضافة إلى الفورية فتدبر.

الثاني: لزوم الاستيجار من البلد لو لم يمكن الا منه و لو أمكن من الميقات في السنين الأخر و الوجه فيه انه مع فرض عدم جواز التأخير كما عرفت يكون اللازم القضاء عنه في سنة الفوت و لو كان متوقفا على الاستيجار من البلد المستلزم لصرف مقدار زائد من التركة و لا يكون ذلك مستلزما للضرر على الورثة بعد تأخر الإرث عن قضاء الحج الذي هو بمنزلة الدين الواجب غايته تفويت منفعة لهم و لا دليل على عدم جوازه و مثل ذلك وجوب الاستيجار من الميقات في سنة الفوت و لو كان بأزيد من الأجرة المتعارفة.

الثالث: ضمان الوصي أو الوارث لو أهمل فتلفت التركة و الوجه في الحكم بالضمان ان يد كل منهما على المال يد أمانة شرعية و مرجعها الى ثبوت الاذن من الشارع في إثبات

اليد عليه و من الواضح عدم ثبوت الاذن منه في الإهمال و التأخير فتكون اليد- ح- يدا عادية مستلزمة للضمان بمقتضى «على اليد ما أخذت حتى تؤدى».

ثم ان السيد- قده- في العروة عطف على التلف المترتب عليه الضمان صورة نقصان القيمة بحيث لم تف بالاستيجار لقضاء الحج و هذا انما يتم فيما لو كان النقصان مستندا الى زوال بعض التركة و تلفه أو زوال بعض الصفات الموجبة لارتفاع القيمة كالسمن و نحوه و اما لو كان مستندا الى السوق و نقصان القيمة السوقية فالحكم بالضمان فيه مشكل بعد عدم كون الواقع تحت اليد الا العين- بالذات- و الصفات المذكورة- بالتبع- و اما القيمة السوقية فلا تقع تحت اليد فلا مجال للضمان بالنسبة إليها و التحقيق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 398

..........

______________________________

موكول الى كتاب الغصب.

الرابع: عدم وجوب قضاء الحج عن الميت على الورثة لو لم يكن للميت مال و تركة و الوجه فيه ان الروايات المتقدمة الواردة في هذا الحكم تدل على وجوب القضاء من مال الميت و تركته فلا دلالة لها على الوجوب مع عدم ثبوت المال فليس الحج مثل الصلاة التي تقتضي عن الميت نعم ظاهر صحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام المتقدمة الوجوب مطلقا قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق فقال ان مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة الإسلام و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام. «1» و في الجواهر: انه يشعر بالوجوب كلام ابن الجنيد، و في كشف اللثام: قد يستظهر الوجوب من كلام أبي على و ليس فيه الا ان الولي يقضى عنه ان لم يكن

ذا مال. و من المعلوم ان ظاهره الوجوب كما في الدروس.

و لكنه ذكر في «الجواهر» انه- يعنى صحيح ضريس- محمول على الندب قطعا. و ذكر صاحب «المستمسك» ان مقتضى الجمع العرفي التقييد بالتركة لا الحمل على الندب.

و يرد على الجمع الأول انه ليس هنا ما يدل على عدم الوجوب مع عدم المال حتى يكون مقتضى الجمع بينه و بين صحيحة ضريس حملها على الندب بقرينته كما انه يرد على الجمع الثاني ان التقييد بالتركة مع كون الدليلين مثبتين و عدم ثبوت منافاة في البين لا مساغ له أصلا.

و الحق في المقام ان يقال انه لا إطلاق في الصحيحة فإن موردها صورة وجود التركة فإن من يخرج حاجا لا يكون فاقدا للمال و التركة نوعا و يؤيده وجود هذا التعبير في صحيحة بريد العجلي «2» مع اضافة قوله: «و معه جمل له و نفقة و زاد» فان الظاهر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 399

[مسألة 62- لو اختلف تقليد الميت و من كان العمل وظيفته في اعتبار البلدي و الميقاتي]

مسألة 62- لو اختلف تقليد الميت و من كان العمل وظيفته في اعتبار البلدي و الميقاتي فالمدار تقليد الثاني، و مع التعدد و الاختلاف يرجع الى الحاكم، و كذا لو اختلفا في أصل وجوب الحج و عدمه فالمدار هو الثاني، و مع التعدد و الاختلاف فالمرجع هو الحاكم، و كذا لو لم يعلم فتوى مجتهده، أو لم يعلم مجتهده، أو لم يكن مقلدا، أو لم يعلم انه كان مقلدا أم لا، أو كان مجتهدا و اختلف رأيه مع متصدى العمل، أو لم

يعلم رأيه. (1)

______________________________

كون الإضافة توضيحية كما لا يخفى.

الخامس: استحباب الحج على الولي مع عدم التركة و هو انما يتم على تقدير حمل صحيحة ضريس على الاستحباب كما فعله صاحب الجواهر و اما على ما ذكرنا من اختصاص موردها بصورة وجود التركة فيشكل بأنه لا دليل على الاستحباب- ح- الا ان يقال بان الحج عنه انما هو من مصاديق الإحسان اليه و يرد عليه- مضافا الى ان متعلق الاستحباب- ح- هو الإحسان لا الحج بعنوانه- انه لا يختص ذلك بالولي بل يعم غيره أيضا كما هو ظاهر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين: المقام الأول: فيما لو اختلف تقليد الميت و تقليد من كان العمل وظيفته سواء كان وارثا أو وصيّا في اعتبار البلدي و الميقاتي كان يقول أحدهما بلزوم الحج من البلد و الأخر بلزومه من الميقات أو في أصل وجوب الحج و عدمه كان يقول أحدهما بعدم اعتبار الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج و الأخر بالاعتبار فلم يكن الميت واجبا عليه الحج لعدم تحقق هذا الشرط فيه.

و قبل البحث في هذا المقام لا بد من التنبيه على أمر و هو ان السيد- قده-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 400

..........

______________________________

في «العروة» صرح بجريان حكم هذا المقام بالإضافة إلى الوصي أيضا حيث عطف الوصي على الوارث و ظاهر المتن باعتبار ذكر عنوان جامع بينهما و هو من كان العمل وظيفته عدم الاختصاص بالوارث الا انه ذكر بعض الاعلام انه لا اثر للاختلاف في باب الوصية لأنها نافذة بالإضافة إلى الثلث و يجب على الوصي تنفيذها حسب وصية الميت و نظره و لا اثر لنظر الوصي سواء كان الاختلاف بينهما

موجودا بالنسبة إلى أصل الوجوب أو المكان أم لم يكن فالواجب على الوصي تنفيذ الوصية سواء وافق رأيه رأى الميت أم خالف بل لو لم يوص بالحج و عين مصرفا خاصا للثلث يجب صرفه فيما عينه و لا يجوز له التبديل و التغيير.

و يرد عليه انه يمكن فرض المسألة في باب الوصية بالإضافة إلى المكان و ذلك كما في الوصية المطلقة بالحج من غير تعيين حيث عرفت وجود الاختلاف في هذا الفرض حيث ان مقتضى بعض الفتاوى كفاية الميقاتية كما في المتن و مقتضى البعض الأخر لزوم كونه من البلد كما اخترناه و حينئذ إذا اختلف تقليد الميت و تقليد الوصي في هذه الجهة يتحقق موضوع المقام و انه هل اللازم على الوصي مراعاة تقليد الميت أو ان اللازم مراعاة تقليد نفسه فلا مجال لإخراج الوصية- مطلقا- من هذا البحث كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه صرح السيد- قده- في العروة في كتاب الحج ان المدار على تقليد الميت و لكنه ذكر في أول فصل مباحث الوصية ان المدار على تقليد الوارث أو الوصي كما هو مختار المتن و أكثر شروح العروة و قد اختاره المحقق النائيني- قده.

و الوجه في لزوم رعاية تقليد الوارث أو الوصي ان الحكم الواقعي- على ما هو مقتضى التحقيق عندنا معاشر المخطئة- ليس الا واحدا و لا يكون الاجتهاد مغيرا له بوجه بل هو معتبر من باب الكشف و الطريقية فإن أصاب الواقع فهو و الا فهو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 401

..........

______________________________

معذور و لا موضوعية له أصلا و عليه فبعد كون التكليف الفعلي بعد تحقق الموت متوجها الى الوارث و ان كان

المنشأ هو إهمال الميت و استقرار الحج عليه أو تخلية عدم الوجوب الا انه بالفعل لا يكون متوجها الّا الى الوارث أو الوصي فاللازم مراعاة تقليد نفسه ليتحقق الفراغ عن التكليف المتوجه اليه قطعا فإذا كان مقلده- بالفتح- يرى وجوب الحج مع عدم الرجوع الى الكفاية و المفروض ان الميت كان فاقدا له و لأجله ترك الحج تقليدا لمن يقول بالاعتبار و عدم الوجوب مع عدم الرجوع فكيف يجوز للوارث ترك القضاء و عدم الإتيان بالحج مع ان مقتضى تقليده وجوب الحج على الميت و انه يجب القضاء عنه بعد الموت و هكذا بالإضافة إلى المكان.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في ان اللازم على الولي مراعاة تقليده لانه المكلف بالفعل دون الميت و ان فتوى مجتهده حجة بالإضافة إليه دون فتوى مجتهد الميت و كون الحج قضاءا عنه لا يقتضي رعاية تقليد الميت.

نعم لو كان الاجتهاد أو التقليد معتبرا من باب الموضوعية لكان المدار هو نظر الميت لكنه مستلزم للتصويب الباطل بلا ريب و لذا يحكم في موارد تبدل رأى المجتهد بان الملاك هو الرأي الثاني فإذا كان رأى المجتهد أوّلا اعتبار الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج و لأجله ترك الحج لفقدان الرجوع ثم بعد مضى سنين- مثلا- تبدل رأيه و اختار عدم اعتبار الرجوع إليها لكان اللازم عليه- الحج- فعلا- و لو متسكعا لانه يرى انه كان في ذلك الزمان واجب الحج و قد تركه و ان كان في الترك معذورا.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في أن العبرة انما هو بنظر الوارث أو الوصي و قد عرفت ان السيد- قده- عدل في باب الوصية عما أفاده في كتاب الحج و العمدة في وجهه

ما أشرنا إليه من كون التكليف متوجها الى الوارث و اللازم عليه رعاية تقليد نفسه لأنه الحجة بالإضافة اليه و لا يرتبط ذلك بالميت و تقليده أصلا غاية الأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 402

..........

______________________________

كون المكلف به هو القضاء عن الميت الذي استقر عليه الحج و لم يأت به و هذا لا يوجب الارتباط بتقليد الميت أصلا كما انه لا يكون نظره في الموضوع حجة بالإضافة إلى الوارث فإذا كان نظره انه لم يكن مستطيعا و لأجله ترك الحج و لكن الوارث يعتقد بأنه كان مستطيعا فاللازم على الوارث القضاء كما في الدين فإذا لم يكن الميت معتقدا بثبوت الدين عليه و لكن الوارث كان معتقدا به فاللازم عليه أداء الدين بمقتضى قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» فان تشخيصه موكول الى الوارث كما هو ظاهر.

المقام الثاني: فيما إذا كان الاختلاف- في أصل الوجوب أو في المكان- متحققا بين الورثة فيرى بعضهم- اجتهادا أو تقليدا- عدم الوجوب و البعض الأخر- كذلك- الوجوب أو يرى بعضهم البلدية و الأخر الميقاتية، و قد ذكر السيد- قده- في العروة في الفرض الثاني انه يعمل كلّ على تقليده فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد ثم قال: و يحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة و ظاهر المتن تعين هذا الاحتمال و لا بد قبل بيان الاحتمالين و مبناهما من بيان ان الرجوع الى الحاكم مع كون الاختلاف في الحكم دون الموضوعات انما هو لأجل كون الاختلاف فيه مؤثرا

في الحق أو المال كما في مثال الحبوة المذكور في كلام السيد- قده- فان الاختلاف في ثبوت الحبوة و عدمها انما يترتب عليه اختصاص الحبوة بالولد الأكبر و عدمه و في مثله لا يرتفع التنازع و التخاصم الذي يكون مطلوب الشارع رفعه إلا بالمراجعة إلى الحاكم و هو يحكم بمقتضى مذهبه و لا مجال في مثله للبينة و اليمين و الحصر في قوله صلّى اللّٰه عليه و آله:

«إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان» إضافي لا يقتضي عدم جريان القضاء في باب الاحكام في المورد المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 403

..........

______________________________

إذا ظهر لك ما ذكرنا فاعلم ان مبنى لزوم عمل كل على تقليده بالنحو المذكور هو ثبوت مصرف الحج في التركة على سبيل الإشاعة لأنه حينئذ لا يكون نزاع في البين و كل واحد من الورثة يعمل على طبق رأيه- اجتهادا أو تقليدا- فإذا كانت التركة مقدار مائة الف- مثلا- و كان مصرف الحج البلدي عشرين ألفا و الحج الميقاتي عشرة آلاف و كان الوارث منحصرا في ذكرين- مثلا- فالذي يرى الحج البلدي يعتقد بان سهم الحج هو الخمس من أصل التركة و الذي يعتقد الحج الميقاتي يرى ان نصيب الحج هو العشر فاللازم ان يدفع الأول خمس ما يتعلق به و هو خمسون ألفا و ان يدفع الثاني عشر ما يتعلق به فالأول يدفع عشرة آلاف و الثاني خمسة آلاف و المجموع خمس عشر ألفا فيستأجر من الأقرب الى البلد فالأقرب.

و مبنى الاحتمال الثاني ان الحج عن الميت واجب في أصل المال و الإرث انما هو بعد الحج و لا ينتقل المال اليه الا بعده و ثبوت الحج كالدين

انما هو كالكلي في المعين فله- اى للوارث- مطالبة الأخر بالحج لينتقل اليه المال و عليه فمرجع النزاع الى ان من يرى الحج البلدي يعتقد بأن التركة لا تنتقل الا بعد أدائه من البلد و الأخر ينكر ذلك و يقول بان عزل مقدار الحج الميقاتي يكفي في تحقق الانتقال و ثبوت الإرث و في مثله لا يرتفع التخاصم الا بالمراجعة إلى الحاكم و لو كان المتداعيان مجتهدين فإنه في هذه الصورة أيضا يتعين الرجوع الى الحاكم ليحكم على طبق نظره و فتواه.

ثم انه ذكر في ذيل المسألة موارد كثيرة يكون الحكم فيها الرجوع الى تقليد الوارث أو الوصي منها ما إذا لم يعلم فتوى مجتهد الميت و الوجه في الحكم المذكور واضح فإنه فيما لو علم فتوى مجتهده و الاختلاف بينها و بين فتوى المتصدي إذا كان المدار تقليد الثاني فهو في هذه الموارد يكون بطريق اولى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 404

[مسألة 63- لو علم استطاعته مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط و لم يكن أصل محرز لها لا يجب القضاء عنه]

مسألة 63- لو علم استطاعته مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط و لم يكن أصل محرز لها لا يجب القضاء عنه، و لو علم استقراره عليه و شك في إتيانه يجب القضاء عنه، و كذا لو علم بإتيانه فاسدا، و لو شك في فساده يحمل على الصحة. (1).

______________________________

نعم ذكر السيد- قده- في العروة مسألة عدم العلم بفتوى المجتهد و ذكر فيها وجهين: وجوب الاحتياط و الرجوع الى تقليد الوارث أو الوصي في هذه الصورة.

و يرد عليه انه مع جعل المدار تقليد الميت لا مجال للرجوع الى غيره مع عدم العلم بفتوى مجتهده بل يتعين الاحتياط للوصول الى فتوى مجتهده أو البراءة و بالجملة لا يجتمع ما

ذكره مع جعل المدار تقليد الميت كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع: الأول: ما لو علم الوارث استطاعة الميت من جهة المال و لم يعلم تحقق سائر الشرائط الدخيلة في أصل التكليف و وجوب الحج كالاستطاعات الثلاثة الآخر لا يجب عليه القضاء عن الميت لعدم إحراز توجه التكليف اليه و ثبوت وجوب الحج عليه لان المفروض الشك في تحقق بعض شرائط الوجوب فتوجه التكليف اليه مشكوك و مقتضى أصالة البراءة العدم و مع عدمه لا يبقى موضوع لوجوب القضاء على الوارث نعم لو كان هناك امارة على تحقق سائر الشرائط أو أصل محرز لها كما إذا قامت البينة على وجود الاستطاعات الثلاثة في عام الاستطاعة المالية أو كان مقتضى الاستصحاب ذلك يجب القضاء على الوارث لفرض وجود الدليل على توجه التكليف الى الميت كما هو ظاهر.

الثاني: ما لو علم استقراره عليه و انه كان جميع الشرائط للوجوب متحققة و مع ذلك أهمل و لم يأت بالحج في عام الوجوب و شك في إتيانه بعد الاستقرار ففي المتن الحكم بوجوب القضاء عنه و احتمل في العروة- بعد استظهار الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 405

..........

______________________________

نظرا إلى أصالة بقائه في ذمته- عدم الوجوب عملا بظاهر حال المسلم و انه لا يترك ما وجب عليه فورا.

و الظاهر انه لا مجال لهذا الاحتمال بعد عدم حجية ظهور حال المسلم و عدم قيام الدليل على اعتباره فإن منشأ هذا الظهور إما الغلبة أو كون إسلامه مقتضيا لذلك أو أشباههما و لم يقم دليل على حجية شي ء منها نعم قد يكون في بعض الموارد قواعد اخرى قام الدليل على اعتبارها كأصالة الصحة الجارية في

فعل المسلم إذا شك في صحة العمل الصادر منه قطعا و فساده و قاعدة الشك بعد الوقت في الصلاة و قاعدتي الفراغ و التجاوز و أمثالها من القواعد المعتبرة و اما في غير هذه الموارد فلم ينهض دليل على حجية ظهور حال المسلم فهذا الاحتمال ساقط و اما استصحاب عدم الإتيان بما استقر عليه من الحج فيمكن المناقشة فيه بوجهين:

أحدهما: ان استصحاب عدم الإتيان لا يثبت عنوان «الفوت» المأخوذ في دليل وجوب القضاء لأنه أمر وجودي لا يثبت بالاستصحاب العدمي.

و الجواب انه لو سلم ذلك فإنما يكون مورده ما إذا كان هناك عنوان «القضاء» في مقابل «الأداء» كما إذا شك المكلف في انه صام في شهر رمضان الماضي أم لا فإنه يمكن ان يقال ان استصحاب عدم الإتيان لا يثبت عنوان «الفوت» و اما في باب الحج فلا يكون عنوان القضاء في مقابل الأداء سواء تحقق الحج من نفس المكلف في زمن حياته أم تحقق من الوارث فان المستطيع الذي استقر عليه الحج إذا شك في زمان في الإتيان بالحج الواجب عليه لا إشكال في لزوم الإتيان عليه نظرا الى استصحاب عدم الإتيان و هكذا الوارث و التعبير بوجوب القضاء عنه على الوارث ليس المراد به هو القضاء في مقابل الأداء بل هو الإتيان و العمل كقضاء حاجة المؤمن- مثلا- و عليه ففي صورة شك الوارث يجرى الاستصحاب بلا مناقشة لأن الواجب عليه الإتيان في صورة ترك الميت له و هو مجرى الاستصحاب فلا مجال للمناقشة من هذه الجهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 406

..........

______________________________

ثانيهما: ما يظهر من «المستمسك» فإنه بعد ان جعل مقتضى الاستصحاب العدم قال: «لكن قد

يستفاد عدمه مما ورد في الدعوى على الميت حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الأداء بل احتيج الى اليمين على البقاء فمع عدمه لا يجب الوفاء على الوارث فيكون ذلك على خلاف الاستصحاب».

أقول تسرية ما ورد في الدعوى على الميت من الدين الذي كان عليه قطعا و ادعى الدائن عدم الوفاء في زمان حياته الى مسألة الحج انما هي بلحاظ ان الحج بمنزلة الدين الواجب على الميت كما ورد في بعض الروايات المتقدمة الواردة في قضاء الوارث عنه التصريح به و جعله بمنزلة العلة مضافا الى التعبير باللام و على في الآية الشريفة الواردة في الحج فيجري فيه حكم الدين.

و الجواب: ان ما ورد في باب الدين روايتان:

إحديهما: مكاتبة الصفار المعتبرة الى أبي محمد العسكري- عليه السّلام- التي رواها المشايخ الثلاثة و ان كان بينها اختلاف من جهة ان المكاتب هو الصفار أو غيره و الصفار ناقل و في ذيلها: أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل فوقع- عليه السّلام- نعم من بعد يمين. «1»

و ظاهر محط السؤال انه إذا كان أحد العدلين اللذين يشهدان على الميت بثبوت الدين عليه هو الوصي هل تقبل الشهادة أم لا و يمكن- على بعد- ان يكون مورد نظر السائل شهادة الوصي و ان لم يكن عادلا نظرا الى كونه عارفا بمسائل الميت و مطلعا بالإضافة إلى الدين و مثله، فان كان محط نظر السائل هو الأول كما عرفت انه الظاهر فمقتضى الرواية افتقار إثبات الدين المدعى الى البينة و اليمين و لا يكتفى بالبينة فقط و عليه فاللازم ملاحظة ان الرواية بهذا المعنى واقعة في مقابل دليل الاستصحاب و موجبة لتخصيص دليله و الحكم بعدم

حرمة نقض اليقين بالشك فيه أو انها واقعة في مقابل

______________________________

(1) ئل أبواب الشهادات الباب الثامن و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 407

..........

______________________________

عموم دليل حجية البينة في الموضوعات أو إطلاقه و عليه فلا ارتباط لها بمسألة الاستصحاب أصلا بل تحكم بعدم كفاية البينة في موردها و لزوم ضم اليمين إليها و الظاهر انه لا ينبغي الإشكال في ان المراد هو الثاني فلا يستفاد من الرواية عدم حجية الاستصحاب في مورد الدين المدعى حتى يجرى الحكم في الحج أيضا كما هو غير خفي.

ثانيتهما: رواية ياسين الضرير عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال قلت للشيخ- عليه السّلام- و ان كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعى اليمين باللّه الذي لا إله الّا هو لقد مات فلان و ان حقه لعليه فإن حلف و الّا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها. «1»

قال بعض الاعلام بعد نقل الرواية: و يظهر من الرواية عدم الاكتفاء بالاستصحاب بل لا بد من الحلف على عدم الأداء و لكن الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير فإنه لم يوثق.

أقول لو كانت الرواية معتبرة من حيث السند كالرواية المتقدمة لما كان يستفاد منها طرح الاستصحاب في مورد الشك في الأداء مطلقا في باب الدين فضلا عن الحج الذي هو محل البحث في المقام و ذلك لوجهين:

أحدهما: ان ظاهر هذه الرواية بقرينة قوله: «فأقيمت عليه البينة» عدم الاكتفاء بها و لزوم ضم الحلف إليها لا انه لا أثر للبينة أصلا و ان تمام الملاك هو الحلف فالظاهر ان مفادها عين مفاد المكاتبة المتقدمة و ان كان في

الظهور لا يبلغ مرتبة ظهورها.

ثانيهما: انه لو فرض دلالة الرواية على ان تمام الملاك هو الحلف و لازمة عدم الاعتناء باستصحاب عدم الأداء لكن موردها ما إذا كان هناك مدّع لعدم الأداء و بقاء الحق عليه و لازمة ادعاء الجزم و القطع بذلك فإذا كان الحلف في هذا المورد

______________________________

(1) ئل أبواب كيفية الحكم الباب الرابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 408

[مسألة- 64 يجب استيجار من كان أقل اجرة مع إحراز صحة عمله]

مسألة- 64 يجب استيجار من كان أقل اجرة مع إحراز صحة عمله و عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، نعم لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عنه و ان كان أحوط. (1)

______________________________

تمام الملاك فهل لازمة طرح الاستصحاب في مورد عدم إمكان الحلف كما إذا لم يكن في البين مدع يدعى الجزم ببقاء الحق عليه؟ الظاهر لا فإذا كان الدائن شاكّا في وفاء المديون الدين اليه و الوارث أيضا شاكّا فلا دلالة للرواية على عدم الاعتناء بالاستصحاب في هذه الصورة أيضا بل اللازم التصدي للوفاء نظرا الى الاستصحاب و يجوز للدائن الأخذ و التصرف فيه لذلك و باب الحج من هذا القبيل لانه لا معنى لوجود المدعى فيه فلا يكون في البين الا مجرد شك الوارث في إتيان الميت بالحج الذي قد استقر عليه و هو مجرى استصحاب العدم بلا دلالة على خلافه كما هو ظاهر.

الفرع الثالث: ما لو علم باستقرار الحج على الميت و علم بأنه اتى به فاسدا و الحكم فيه وجوب القضاء عنه أيضا بعد عدم صلاحية العبادة الفاسدة لتحقق الامتثال و حصول الغرض و سقوط الأمر كما هو ظاهر.

الفرع الرابع: ما لو علم باستقرار الحج عليه أيضا و علم بأنه اتى

به و شك في صحة المأتي به و فساده و الوجه فيه عدم وجوب القضاء بعد اقتضاء أصالة الصحة للحمل عليها فإذا كانت محمولة على الصحة في الشريعة فلا يبقى مجال لوجوب الإعادة و التكرار.

(1) إذا أريد الاستيجار للحج عن الميت فيما إذا استقر عليه فاللازم ملاحظة أمرين:

أحدهما: إحراز صحة عمل الأجير بمعنى الوثوق و الاطمئنان بكونه عارفا بالصحة و شرائطها و عالما بها.

ثانيهما: انه مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم كغير البالغ يجب استيجار من كان أقل اجرة مع تعدد من يمكن استيجاره لان غيره مستلزم للتصرف في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 409

[مسألة 65- من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا أو بالإجارة]

مسألة 65- من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا أو بالإجارة، و كذا ليس له ان يتطوع به فلو خالف ففي صحته اشكال بل لا يبعد البطلان من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه و عدمه، و لو لم يتمكن منه صح عن الغير، و لو آجر نفسه مع تمكن حج نفسه بطلت الإجارة و ان كان جاهلا بوجوبه عليه. (2)

______________________________

مال الغير من دون رضاه أو عدم اعتبار رضاه و قد نفى البعد السيد- قده- في العروة عن جواز استيجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل و الاوثقية مع عدم قبوله إلا بالأزيد و ظاهر المتن باعتبار عدم استثناء هذه الصورة منع الجواز فيها و وجه الاستثناء دعوى ان الأدلة الواردة في الحج عن الميت منصرفة إلى المتعارف مما يناسب شرفه و مقامه كنفس الميت إذا أراد الاستنابة و الاستيجار كما ان مبنى المنع منع دعوى الانصراف المذكور.

ثم انه لا تجب المبالغة في الفحص

عمن كان أقل اجرة بل اللازم الفحص بنحو يعد عند العرف كذلك و الزائد عليه غير واجب و ان كان مطابقا للاحتياط.

(2) في هذه المسألة فروض و صور متعددة لان من استقر عليه الحج تارة يتمكن من أدائه و لو متسكعا و اخرى لا يتمكن منه و لو كذلك و في كلتا الصورتين تارة يعلم بوجوب الحج عليه كذلك و اخرى لا يعلم به فالصور أربعة:

الأولى: ما إذا كان متمكنا من الأداء و عالما بوجوب الحج عليه و البحث فيها تارة في الحكم التكليفي و اخرى في الحكم الوضعي.

اما من الجهة الأولى فالحكم فيه عدم الجواز لانه بعد ما كان مكلفا بان يحج حجة الإسلام فورا ففورا فاللازم بحكم العقل إتيان الحج لنفسه بعنوان الوجوب فلا يجوز له الترك و المخالفة سواء كان في ضمن الترك المطلق أو الإتيان بحج غير حجة الإسلام لنفسه أو لغيره تبرعا أو بالإجارة.

و اما من الجهة الثانية فالحكم بالصحة أو البطلان تارة يلاحظ بالنسبة إلى نظائر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 410

..........

______________________________

المسألة كمسألة الإزالة الواجبة فورا و الصلاة و اخرى يلاحظ بالإضافة إلى الخصوصيات الموجودة في المقام غير الجارية في مثل تلك المسألة فمن الحيث الأول لا يكون للبحث هنا جهة خاصة بل يجرى فيه ما ذكر هناك من القول بالبطلان مستندا الى اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده و كون ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الأخر و مقدمة الواجب واجبة شرعا أو الى عدم الأمر كما اختاره البهائي- قدس سره- أو القول بالصحة مستندا إلى كفاية الملاك في صحة العبادة و عدم الحاجة الى الأمر الفعلي أو الى ثبوت الأمر من طريق

الترتب أو غيره.

فالعمدة هو البحث من الحيث الثاني و هي الخصوصيات الموجودة في المقام فنقول هذه الخصوصيات أمور متعددة و اللازم قبل ذكرها الإشارة إلى الأقوال في المسألة فنقول نسب الى المشهور البطلان و نفى عنه البعد في المتن و ادعى صاحب الجواهر- قده- انه لا خلاف في بطلان الحج النيابي و حكى عن الشيخ في الخلاف الصحة و نفى عنها البعد السيد في العروة، و عن صاحب المدارك التردد و فصل بعضهم بين الحج النيابي و التطوعى بالقول بالبطلان في الأول و الصحة في الثاني و اللازم ملاحظة الخصوصيات و انه هل يقتضي الصحة في المقام و ان قلنا بالبطلان في مسألة الصلاة و الإزالة أو يقتضي البطلان و ان قلنا بالصحة في تلك المسألة فنقول:

الاولى: ان الزمان الذي يجب عليه ان يأتي بالحج الذي قد استقر عليه مختص بحج نفسه و ظرف له خاصة و لا يكون قابلا لغير حجة الإسلام نظير شهر رمضان الذي لا يكون قابلا لصوم غيره سواء كان تطوعا أم واجبا كما إذا تعلق النذر به في السفر فشهر رمضان لا بد اما ان يقع فيه صومه أو يكون خاليا عن صومه عصيانا أو مشروعا كما إذا كان في السفر- مثلا- و المقام أيضا من هذا القبيل.

و الجواب: انه قد قام الدليل في شهر رمضان على عدم كونه قابلا لصوم غيره و لم يقم في الحج مثل ذلك الدليل و مجرد كون الوجوب فوريا لا يستلزم عدم القابلية و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 411

..........

______________________________

صلاحية وقوع حج آخر في هذا الزمان و الا يلزم ان يكون كذلك في مسألة الصلاة و الإزالة

لأن المفروض فيها كون وجوب الإزالة فوريا فالفورية أمر و عدم القابلية أمر آخر.

ثانيتها: الروايتان الواردتان في المقام:

إحديهما: صحيحة سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السّلام- عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله، و هي تجزى عن الميت، ان كان للصرورة مال، و ان لم يكن له مال. «1»

و الظاهر ان السؤال انما هو عن الحكم التكليفي و ان الصرورة باعتبار انه لم يحج أصلا هل تجوز له النيابة عن الميت أم لا تجوز بل اللازم ان يكون النائب قد حج قبلا و لازمة ان يكون عارفا بالمواقف و المشاعر و المناسك و الخصوصيات الأخر فالجواب ناظر إلى انه لا مانع من نيابة الصرورة مقيدا بعدم كونه مستطيعا و مفهومه عدم الجواز في صورة تحقق الاستطاعة للنائب و هذا هو الحكم التكليفي الذي ذكرنا انه لا شبهة في ثبوته.

و اما الحكم الوضعي الذي هو محل البحث فالدلالة عليه انما هي بالجملة التي فرعها على الجملة الاولى و ظاهرها باعتبار رجوع الضمير في «عنه» إلى النائب كالضمائر في قوله «له» و قوله: «عن نفسه» و قوله: «من ماله» انه ان كان النائب مستطيعا و له ما يحج به عن نفسه لا يكون الحج النيابي مجزيا عن حجة الإسلام الواجبة على النائب و قوله- ع- في الذيل: «و هي تجزى عن الميت» تدل على صحة الحج النيابي و وقوعه عن الميت سواء كان النائب مستطيعا يجب عليه الحج أم لا، و اما احتمال رجوع الضمير في «عنه» الى

الميت المنوب عنه بحيث كان مدلولها انه مع استطاعة النائب لا يكون الحج النيابي مجزيا عن الميت فتدل على البطلان في المقام فمصافا الى عدم ملاءمته

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 412

..........

______________________________

مع قوله: «حتى يحج من ماله» مخالفة لقوله في الذيل «و هي تجزى عن الميت» و العجب ممن استدل بها على البطلان بل لا مجال لدعوى كون دلالتها على الصحة أولى كما ذكره السيد- قده- في العروة فإنه لا اشعار فيها بالبطلان بل دلالتها على الصحة واضحة ثانيتهما: صحيحة سعيد بن عبد اللّٰه الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال، نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال «1» و البحث في دلالتها كالبحث في الرواية السابقة و ان كان قوله- عليه السّلام- هنا:

«فليس له ذلك» بيان للمفهوم المستفاد من الجملة الأولى المتعرضة للحكم التكليفي كما لا يخفى.

الثالثة: ما حكى عن المحقق النائيني- قده- من ان الترتب لا يجري في الحج لان الترتب انما يجرى في الواجبين المقيدين بالقدرة العقلية و اما إذا كان أحد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية فلا يجرى فيه الترتب لأنه في فرض العصيان لا يبقى موضوع للواجب المقيد بالقدرة الشرعية و لا أمر له أصلا كما هو الحال في الوضوء فإنه مقيد بالقدرة الشرعية بالتمكن من استعمال الماء شرعا فلو وجب صرف الماء في واجب آخر أهمّ و عصاه و توضأ به لا

يحكم بصحة وضوئه بالأمر الترتبي لأنه في فرض العصيان لا موضوع لوجوب الوضوء أصلا و هكذا الحج فإن المأخوذ فيه القدرة الشرعية بمعنى انه أخذ في موضوعه عدم عصيان واجب آخر أهمّ فإذا عصى لا يتحقق موضوع الحج أصلا.

و الجواب عنه منع المبنى فان المأخوذ في الحج مجرد الاستطاعة المركبة من الاستطاعات الأربعة: المالية و البدنية و الزمانية و السربية و لا يعتبر فيه شي ء آخر زائد على ذلك فالقدرة الشرعية بالمعنى المذكور و هو عدم استلزامه لعصيان

______________________________

(1) ئل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 413

..........

______________________________

واجب لا تكون مأخوذة فيه بوجه كما مر الكلام فيه مرارا فلا فرق بين الحج و بين الإزالة في المثال المعروف لان المفروض في هذه الصورة التمكن من حج نفسه و لو متسكعا و كونه عالما بالوجوب و الفورية.

و أجيب عنه بوجه آخر و هو انه لو سلم أخذ القدرة الشرعية في الحج فإنما هي مأخوذة في حج الإسلام لا في سائر أقسام الحج من التطوعى و النيابي و النذري فلا مانع من جريان الأمر الترتبي في غير حجة الإسلام و الحكم بصحته في صورة العصيان و عدم الإتيان بحجة الإسلام.

و يمكن المناقشة في هذا الجواب بان مدعاه- قده- عدم كون أحد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية من دون فرق بين الواجب الأهم و الواجب المهم فمجرد كون حجة الإسلام مشروطة بالقدرة الشرعية يكفي على مبناه- قده- في الخروج عن الأمر الترتبي و ان كان غير حجة الإسلام كالتطوعى و النيابي غير مشروط بذلك.

و يمكن الجواب عنه بوجه آخر و هو انه على فرض اشتراط حجة الإسلام بالقدرة

الشرعية يمكن ان يقال بكون المشروط بها هي حجة الإسلام التي أريد الإتيان بها في عام الاستطاعة و اما إذا استقرت و أريد الإتيان بها في العام الثاني فلم يقم دليل على الاشتراط بالقدرة الشرعية كما انه غير مشروط ببعض الاستطاعات الأربعة كالاستطاعة المالية لوجوبه مع التسكع أيضا و كيف كان فهذه الخصوصية الثالثة أيضا غير ثابتة.

الرابعة: ان اللام في قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. لما كانت ظاهرة في الملك كانت الآية دالة على كون الحج الذي هو فعل المكلف و عمله يكون مملوكا للّٰه تعالى و- ح- لا يجوز التصرف فيه بنحو لا يكون مأذونا فيه من قبل اللّٰه تعالى فإذا حج نيابة عن الغير أو عن نفسه تطوعا يكون تصرفا فيه بغير اذنه تعالى فيقع باطلا و «دعوى» انه إذا كان مفاد الآية ما ذكر فلا دلالة لها- ح- على الوجوب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 414

..........

______________________________

«مدفوعة» بأنه لا مانع من ذلك لان وجوب الحج يستفاد من الروايات الدالة على انه إحدى الدعائم الخمسة للإسلام أو الاخبار الواردة في التسويف و ان تركه ترك شريعة من شرائع الإسلام بل لا حاجة الى ذلك بعد كون وجوب الحج من ضروريات الفقه بل الإسلام.

كما ان «دعوى» انه يلزم بناء على تفسير الآية بما ذكر ان يكون الإتيان به بقصد أداء المملوك كما في وفاء الدين «مدفوعة» أيضا بأن لزوم قصد أداء الدين انما هو من جهة ان أداء المملوك يمكن ان يكون على وجه آخر مثل الهبة و الصلح و الوديعة فاللازم قصد الأداء و هذا لا يجري في الحج لأن حجة الإسلام لا يكون

الا مملوكا و لا يجرى فيها وجوه متعددة فقصدها بمجرده يكفي في كون أدائه أداء المملوك و لا يلزم قصد أداء المملوك كما لا يخفى.

و الجواب انه قد ذكر في كتاب الإجارة بعد تقسيمها إلى إجارة الأعيان و الإجارة على الأعمال ان الأجير في الإجارة على الأعمال تارة يكون أجيرا خاصا و اخرى يكون أجيرا عاما و المراد من الأول ما إذا كانت منفعته الخاصة أو جميع منافعه ملكا للمستأجر كما إذا استأجر شخصا بنحو يكون منفعته كذلك في مدة معينة ملكا له و المراد من الثاني ما إذا كان المملوك عملا في ذمة الأجير كما إذا استأجره لخياطة ثوبه- مثلا- و في هذا القسم لا مانع من العمل للغير و وقوعه أجيرا له و ان كان العمل الأول مقيدا بوقت معين لا يسع لغيره كما إذا استأجره لخياطة ثوبه في يوم خاص فصار أجيرا لعمل للآخر سواء كان هي الخياطة أو غيرها من الأعمال الأخرى في نفس ذلك اليوم فإنه لا مجال للمناقشة في صحة الإجارة الثانية بخلاف الأجير الخاص حيث ان الإجارة الثانية تحتاج إلى إذن المستأجر الأول أو إجازته و مسألة الحج من هذا القبيل اى من قبيل الأجير العام لظهور الآية في كون المملوك هو العمل و هذا هو المتحقق في الأجير العام فكونه مملوكا للّٰه تعالى بمقتضى الآية الشريفة لا يقتضي بطلان الحج غير حجة الإسلام سواء كان تطوعا أو نيابة عن الغير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 415

..........

______________________________

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الخصوصيات الأربعة الموجودة في مسألة الحج لا يقتضي شي ء منها البطلان لو قلنا بالصحة في مسألة الصلاة و

الإزالة و عليه فيشكل ما في المتن من نفى البعد عن البطلان مع الحكم بالصحة في تلك المسألة فإن الخصوصية المحتملة قويّا لان تكون منشأ للبطلان بنظره- قدس سره الشريف- هي الروايتان الواردتان في المقام المتقدمتان بناء على دلالتهما على البطلان كما استدل للمشهور بهما فإنه- حينئذ- و ان كان مفادهما على خلاف القاعدة المقتضية للصحة الا انه لا محيص عن الالتزام بهما مع اعتبار هما سندا و ظهورهما في البطلان على ما هو المفروض.

و لكنك عرفت ان دلالتهما على الصحة أولى من دلالتهما على البطلان بل لا مجال لهذا الاحتمال كما عرفت و على هذا التقدير يبقى الكلام في وجه التفكيك بين المسألتين بالقول بالصحة هناك و بالبطلان في المقام فهل الوجه فيه الإجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر- قده- أو الشهرة الفتوائية المحققة على البطلان؟.

لا مجال للأول لأنه- مضافا الى ان الإجماع المنقول بخبر الواحد لا يكون واجدا لشرائط الحجية و الاعتبار- يكون معقده خصوص الحج النيابي مع ان المدعى أعم منه و من الحج التطوعى.

كما انه لا مجال للثاني أيضا لأن الشهرة الفتوائية و ان كانت مرجحة في باب التعارض بل هو أول المرجحات كما حققناه في محله و كذا تكون جابرة للضعف، و اعراض المشهور يوجب الوهن في الرواية و لو كانت في أعلى درجة الصحة الا انها بنفسها لا تكون حجة و عليه فلا يكون وجه للتفكيك المزبور بل الظاهر الحكم بالصحة في المسألتين كما هو مقتضى القاعدة و يدل عليه الرواية أيضا في المقام فتدبر جدا.

ثم انه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة أي صورة التمكن من الحج و العلم بوجوبه عليه فورا فاللازم الحكم بالصحة في بقية الصور الخالية

عن فرض التمكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 416

..........

______________________________

أو العلم أو كليهما بطريق اولى.

و اما لو قلنا بالبطلان في هذه الصورة كما في المتن فقد وقع فيه التفصيل بين صورة التمكن بكلا فرضيه و صورة عدم التمكن و الوجه في التعميم للجاهل بعد ظهور كون المراد هو الجاهل المقصر غير المعذور واضح بعد جريان حكم العالم عليه في جميع الموارد الا بعض الموارد النادرة.

و الوجه في الحكم بالصحة في صورة عدم التمكن انه مع عدم التمكن من حجة الإسلام و لو متسكعا لا يكون التكليف بالحج فعليا فلا مانع من الحج النيابي و التطوعى كما في مسألة الصلاة و الإزالة فإنه مع عدم التمكن من الإزالة لفقد الماء- مثلا- لا يبقى إشكال في صحة الصلاة لعدم فعلية التكليف بالأهم لكن لو كان الوجه في البطلان في المقام عدم صلاحية الزمان لغير حجة الإسلام كعدم صلاحية شهر رمضان لوقوع صوم غيره لا محيص عن الحكم بالبطلان و لو مع عدم التمكن من حجة الإسلام كما هو ظاهر.

بقي الكلام في حكم الإجارة- صحة و فسادا- في الحج النيابي الاستيجاري فنقول لاخفاء في صحة الإجارة في صورة عدم التمكن من حجة الإسلام و لو متسكعا ضرورة انه ليس في هذا الفرض شي ء ينافي الصحة و يمنع عنها لعدم ثبوت التكليف الفعلي بسبب العجز و عدم القدرة فلا يجرى فيه ما يقتضي البطلان من الوجوه الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

كما انه إذا قلنا بالبطلان في صورة التمكن من حجة الإسلام و ان غيرها يقع باطلا سواء كان نيابيا أو تطوعيا لا مجال للإشكال في بطلان الإجارة الواقعة عليه لعدم وقوع العمل المستأجر عليه

صحيحا و يكون أكل المال في مقابله أكلا بالباطل منهيا عنه في الآية و غيرها بالنهي الوضعي فالبطلان بناء على هذا القول واضح و المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 417

..........

______________________________

من المتن هذا الفرض.

و اما إذا قلنا بالصحة- كما اخترناه- فقد ذكر السيد- قده- في العروة انه على هذا التقدير أيضا تكون الإجارة فاسدة قال: «الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه لان المفروض وجوبه عن نفسه فورا، و كونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة خصوصا على القول بان الأمر بالشي ء نهى عن ضده لان اللّٰه إذا حرم شيئا حرم ثمنه و ان كانت الحرمة تبعية».

و اللازم توضيح كلامه أولا بأن المراد من التبعية ليس ما يقابل الأصلية بل المراد الغيرية المقابلة للنفسية لان مبنى الاقتضاء المذكور هي المقدمية و وجوب المقدمة على فرض تسليمه غيري و ثانيا بان الجمع بين الاستدلال باقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده و بين كون المفروض صحة الحج النيابي مع ان الاقتضاء المزبور من أدلة البطلان انما هو لأجل كون النهى عن الضد غيريا و هو لا ينافي المحبوبية الذاتية التي هي الملاك في صحة العبادة.

و كيف كان فكلامه يشتمل على دليلين لبطلان الإجارة:

أحدهما: عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه لان الواجب عليه انما هو الحج عن نفسه فورا فالمقام انما هو كاستيجار الحائض لكنس المسجد فكما ان الإجارة هناك باطلة لعدم كون العمل مشروعا على الحائض بلحاظ استلزامه للمكث في المسجد فكذلك هنا.

و الجواب عنه ان فرض الصحة في المقام مع كون العمل عبادة انما يكون مقتضاه محبوبية العمل عند الشارع و رجحانه

بذاته خصوصا على تقدير الالتزام بالأمر الترتبي في مسألة الضدين الذي يكون لازمة تعلق الأمر الفعلي بالمهم غاية الأمر في طول الأمر بالأهم و مترتبا على العصيان أو البناء عليه و عليه لا مجال لدعوى كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 418

..........

______________________________

المأمور به غير مقدور شرعا و هذا بخلاف الكنس في المثال فإنه لا يكون الا مبغوضا منهيا عنه من قبل الشارع فهذا الدليل غير تام.

ثانيهما: الرواية المعروفة التي استدل بها الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- في كثير من موارد المكاسب المحرمة و هي ان اللّٰه إذا حرم شيئا حرم ثمنه بضميمة ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده.

و الجواب عنه ان الحرمة الغيرية المجتمعة مع المحبوبية الذاتية و الرجحان النفسي لا تكون مشمولة للرواية فإن المتفاهم منها ان ما يكون مبغوضا للشارع سواء كان عينا أو عملا و منفعة لا يكون المعاملة عليه ممضاة عند الشارع و المقام لا يكون كذلك فإن العبادة على ما هو المفروض محبوبة للشارع محكومة بالصحة لديه فلا تشمله الرواية ظاهرا.

ثم انه استدل بعض الاعلام في شرح العروة لبطلان الإجارة بدليل حاصله ان أدلة نفوذ المعاملات حيث انها أحكام إمضائية تابعة لما ينشؤه المنشإ: ان مطلقا فمطلق و ان مشروطا فمشروط و لا يخالفه إلا في بعض الموارد كبيع الصرف و السلم فإن المنشئ فيهما أنشأ على الإطلاق و الشارع قد قيده بلزوم القبض و كذلك في الهبة فإن التمليك فيها يحصل بعد القبض و في غير هذه الموارد النادرة أدلة النفوذ تابعة للمنشإ من حيث الإطلاق و التقييد.

و على ما ذكر، الإجارة في المقام اما تتعلق بالحج مطلقا أو تتعلق به على فرض

العصيان للحج الواجب بنفسه، اما الأول فغير قابل للإمضاء لأن المفروض عدم سقوط الأمر بالحج عن نفسه و هو لا يجتمع مع الأمر بإتيان الحج المستأجر عليه و كيف تنفذ الإجارة في عرض ذلك الواجب فإنه يستلزم الأمر بالضدين في عرض واحد و اما الثاني فهو موجب للبطلان من جهة التعليق فلا يمكن الحكم بصحة الإجارة و لو كان الحج النيابي في المقام صحيحا على ما هو المفروض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 419

..........

______________________________

و يرد على هذا الدليل أنه يبتنى على القول بانحلال الخطابات الواقعة في الأحكام التكليفية أو الوضعية الى خطابات شخصية حسب تعدد المخاطبين و تعدد العقود و المكلف بها فإنه على هذا المبنى يكون الجمع بين الخطاب الشخصي المتضمن للأمر بالحج عن نفسه و الخطاب الشخصي المتضمن للأمر بإتيان الحج للمنوب عنه مستلزما للأمر بالضدين في عرض واحد.

و اما على القول بعدم الانحلال و عدم كون الخطابات العامة مشروطة بالشرائط المعتبرة في الخطابات الشخصية من القدرة و العلم و غيرهما بالإضافة إلى آحاد المكلفين كما اخترناه تبعا لسيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قدس سره الشريف- فلا مجال للإشكال في صحة الإجارة في المقام لأن الأمر بالوفاء بالعقود أو بخصوص عقد الإجارة انما يكون بنحو العموم و لا يلاحظ فيه حالات الأشخاص من جهة انه يكون مستقرا عليه الحج أم لا بل الملحوظ مجرد عنوان الإجارة و عقدها غاية الأمر مع الشرائط المعتبرة في صحتها التي منها عدم بطلان العمل المستأجر عليه إذا كان عبادة كما ان الأمر بإتيان الحج لمن استقر عليه لا يكون ملحوظا فيه حالة المكلف من جهة النيابة و غيرها و عليه فلا مانع من

الجمع بين الخطابين و لا يكون من الأمر بالضدين و تحقيق هذا الكلام في بحث الترتب من علم الأصول.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان الإجارة على فرض صحة الحج النيابي و اللازم الالتزام بالصحة.

ثم ان السيد- قده- في العروة بعد حكمه ببطلان الإجارة و لو كان الحج النيابي صحيحا بالإضافة الى من استقر عليه الحج مع التمكن و القدرة قال: «ان قلت ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبدا و شرط عليه ان يعتقه فباعه حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط. قلت الفرق ان في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحتها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 420

..........

______________________________

مفوتة لوجوب العمل بالشرط فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له بخلاف المقام حيث انا لو قلنا بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلا فلا يمكن ان تكون الإجارة صحيحة و ان قلنا ان النهى التبعي لا يوجب البطلان فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل لا لأجل النهي عن الإجارة».

و يرد: على أصل توجه الاشكال و إيراد السؤال ان المقايسة باطلة من رأس لأنه في المقام يكون هنا عناوين ثلاثة:

أحدها: حجة الإسلام الواجبة فورا ففورا و ثبوتها لمن استقر عليه الحج.

ثانيها: الحج النيابي عن الغير.

ثالثها الإجارة و الاستيجار على الحج النيابي. و في مخالفة الشرط في المثال المذكور لا يكون الا عنوانان:

أحدهما: الإعتاق الذي شرط على المشروط عليه إيجاده في ضمن البيع منه.

ثانيهما البيع الواقع من المشتري مكان الإعتاق

و هو مخالفة للشرط الذي يجب الوفاء به و من المعلوم ان البيع الثاني في هذه المسألة انما هو مثل الحج النيابي في المقام فإنه في كليهما وقع العمل مخالفة للتكليف المتوجه اليه اما لأجل كونه أهم و اما لوجوب الوفاء بالشرط و المفروض الصحة في المسألتين فلا مجال لسؤال الفرق كما انه لا مجال لمقايسة البيع في مسألة مخالفة الشرط بالاستيجار على الحج النيابي في المقام نعم لو وقع استيجار على البيع الثاني هناك و حكم بصحة الإجارة يبقى سؤال الفرق بين المسألتين فاصل إيراد السؤال في كلام السيد- قده- في غير محله.

و اما الجواب: فعلى تقدير الإغماض عن بطلان السؤال فيبتني على ملاحظة ان دليل وجوب الوفاء بالشرط و هو قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله-: المؤمنون عند شروطهم يجرى فيه احتمالات ثلاثة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 421

..........

______________________________

أحدها: ان يكون المراد منه مجرد افادة الحكم التكليفي من دون ان يترتب على مخالفته شي ء بل المشروط عليه محكوم بمجرد التكليف و العمل بالشرط و لا يترتب على مخالفته سوى استحقاق العقوبة الثابت في مخالفة سائر التكاليف.

ثانيها: ان يكون مفاده قصر ملكية المشروط عليه و حصر دائرتها و تحديدها بخصوص الشرط فالملكية الحاصلة للمشتري في مثال العبد المذكور ملكية محدودة و مقصورة بالإعتاق فإذا وقع الإعتاق يقع في ملكه و يصدر عن المالك و إذا وقع البيع فهو يقع عن غير المالك.

ثالثها: ان لا يكون المراد مجرد حكم تكليفي محض و لا يكون مفاده تحديد دائرة الملكية و قصر السلطنة على خصوص المشروط عليه بل أمر بين الأمرين و مرجعه الى ثبوت الخيار للشارط عند التخلف و وجوب الوفاء

بالشرط على المشروط عليه و الوجه فيه ان البيع ينحل إلى أمرين أحدهما إنشاء الملكية و ثانيهما الالتزام بهذا التمليك و ترتيب الأثر عليه و الشرط الواقع في ضمنه مرتبط بهذا الأمر الثاني دون الأمر الأول حتى يوجب محدودية دائرة الملكية و مرجعه الى كون التزامه معلقا على العمل بالشرط فإذا تحقق العمل فالالتزام بحاله و مع التخلف لا يكون هناك التزام و مرجعه الى ثبوت خيار تخلف الشرط و عدم وجود الالتزام معه و يؤيد هذا الوجه- مضافا الى ان موقعية الشرط عند العقلاء في المعاملات المشروطة تكون بهذا المقدار الذي هو برزخ بين الوجهين- معنى الشرط فإنه عبارة كما في بعض الكتب المعتبرة في اللغة عن الالتزام المرتبط بالتزام آخر و عليه لا يكون خيار التخلف مفتقرا الى دليل خاص مثل خياري المجلس و الحيوان و غيرهما من الخيارات التي لو لا الدليل الخاص على ثبوتها لم يكن وجه للالتزام بها و الوجه في عدم الافتقار في المقام نفس كون الالتزام و عدم ثبوت الخيار معلقا على الوفاء بالشرط و العمل به فإذا وقع التخلف لا يكون في البين التزام أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 422

..........

______________________________

و الظاهر ان الوجه الثالث هو الأظهر في مفاد دليل الشرط و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله المؤمنون عند شروطهم لما عرفت من موقعية الشرط عند العقلاء و عدم كون مفاده زائدا على ما هو الثابت عند العقلاء و عليه فلا مجال للوجه الثاني و ان حكى عن المحقق النائيني- قدس سره الشريف- و يرد عليه أيضا ان لازمة التفكيك في الشرائط بين مثل الخياطة و الكتابة و بين مثل البيع

كما لا يخفى كما انه لا مجال للوجه الأول.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الإشكال الذي أورده في «المستمسك» على السيد في جوابه عن الإشكال الذي أورده على نفسه و حاصله ان الجمع بين صحة البيع في مثال العبد المتقدم و خيار تخلف الشرط غير ممكن نظرا الى ان القيد المذكور إذا أخذ قيدا في المملوك فقد ملك الشارط على المشروط عليه بقاء العبد على ملكه الى ان يتحقق العتق منه و مقتضى ذلك عدم سعة دائرة السلطنة للبيع لانه تصرف في حق غيره و إذا أخذ قيدا في الملك يعنى يملك عليه العتق إذا كان العبد باقيا في ملكه فهذا الملك لا يقتضي بقاء العبد في ملكه و معه يجوز للمشروط عليه البيع و لا يكون من قبيل تخلف الشرط.

وجه ظهور الجواب ما عرفت من كون القيد راجعا الى الالتزام لا إلى أصل الإنشاء كالشرط في سائر الموارد من دون فرق أصلا و عليه فيتحقق الجمع بين الصحة و بين الخيار كما افاده السيد- قده- نعم يرد عليه ما عرفت من انه لا مجال لتوجه الإشكال الذي أورده على نفسه كما مرّ هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث شرائط وجوب حجة الإسلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 423

[القول في الحج بالنذر و العهد و اليمين]

اشارة

القول في الحج بالنذر و العهد و اليمين

[مسألة- 1 يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار]

مسألة- 1 يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا تنعقد من الصبي و ان بلغ عشرا و ان صحت العبادات منه، و لا من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكره، و الأقوى صحتها من الكافر المقر باللّه تعالى بل و ممن يحتمل وجوده تعالى و يقصد القربة رجاء فيما يعتبر قصدها. (1)

______________________________

(1) ينبغي قبل التعرض لشرح المسألة من التنبيه على أمر قد نبهنا عليه مرارا و هو ان الوجوب المتعلق بعنوان الحج يكون ثابتا في الكتاب و السنة بالإضافة الى حجة الإسلام فقط فهي الواجبة بأصل الشرع و اما الحج بالنذر و أخويه و كذا الحج الاستيجاري فالوجوب فيها لا يكون متعلقا بعنوان الحج بل بعنوان الوفاء بالنذر أو الوفاء بعقد الإجارة- مثلا و تحقق هذا العنوان في الخارج و ان كان في المقام بإيجاد الحج في الخارج الا انه لا يوجب سراية الحكم من عنوان الوفاء الى عنوان الحج و هذا كما في نذر صلاة الليل- مثلا- فان النذر يوجب ان يكون الوفاء به واجبا و لا يوجب سراية الوجوب الى صلاة الليل بحيث تصير صلاة الليل واجبة بعد كونها مستحبة و كان اللازم فيها قصد الوجوب بناء على اعتبار نية الوجه فتوصيف الحج بالنذر- مثلا- بالوجوب انما يكون على سبيل المسامحة و العناية.

و بعد ذلك يقع الكلام في الأمور المعتبرة في انعقاد النذر و أخويه فنقول:

الأول: البلوغ و عمم اعتباره في المتن للصبي البالغ عشرا نظرا الى وجود بعض النصوص و الفتاوى في وصية البالغ عشرا و نفوذها و الغرض من التعميم انه على تقدير القول بصحة وصيته

لا دليل على تسرية الحكم الى باب النذر و نحوه كما ان الحكم بان العبادات الصادرة من الصبي شرعية مستحبة يترتب عليها استحقاق المثوبة لا تمرينية لا يقتضي الحكم بانعقاد نذره كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 424

..........

______________________________

و قد استدل السيد- قده- في العروة لاعتبار البلوغ برفع قلم الوجوب عنه و يشير بذلك الى حديث: «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ».

و يرد على هذا الدليل ان مقتضى الحديث رفع قلم الإلزام و التكليف الوجوبي و التحريمي و مرجعه الى عدم توجه مثل أقيموا الصلاة اليه و اما المقام فالكلام فيه انما هو في السببية التي هي حكم وضعي و قد ثبت في محله عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين و شمولها لغيرهم فإن إتلاف الصبي لمال الغير سبب لضمانه و اللازم- ح- ان يكون العقد أو الإيقاع الصادر من الصبي مؤثرا في حصول مقتضاه سواء كان المقتضي عبارة عن الحكم الوضعي كالملكية المترتبة على البيع أو الحكم التكليفي كالنذر الذي يكون سببا لوجوب الوفاء به فان النذر من الإيقاعات لأنه من الأمور الإنشائية غير المفتقرة إلى القبول كالطلاق و هكذا العهد و اما اليمين فالظاهر انه من قبيل الوعد الذي يكون مرجعه إلى الإيجاد في المستقبل لا الاخبار عنه و لا يكون تخلفه الا خلفا لا كذبا.

و بالجملة فمقتضى سببية الإيقاع النذري لوجوب الوفاء به صحة وقوعه من الصبي كالجنابة الاختيارية الحاصلة له التي تكون سببا لوجوب الغسل و لو بعد البلوغ فمثل الحديث المزبور لا يصلح للاستدلال به في المقام.

نعم قد ورد في بعض الروايات ان عمد الصبي

خطاء فلو ثبت كونه بعنوان الضابطة الكلية غير المختصة بالقتل الذي هو مورده يكون مفاده ان الاعمال الاختيارية الإرادية الصادرة عن الصبي كالأعمال الخطائية الصادرة عن غيره فاللازم- ح- الحكم بالبطلان في مثل المقام لان النذر الواقع عن غير القاصد و غير الملتفت لا يكاد يترتب عليه اثر لما سيأتي من شرطية القصد إن شاء اللّٰه تعالى و الظاهر ان العمدة في المسألة الإجماع على بطلان إنشاءات الصبي عقدا أو إيقاعا فالاتكاء- ح- عليه لا على ما افاده السيد- قده.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 425

..........

______________________________

الثاني: العقل و الكلام فيه هو الكلام في اعتبار البلوغ من دون فرق.

الثالث: القصد بمعنى التوجه و الالتفات الى مفاد الصيغة في مقابل الغافل و الساهي و السكران و النائم حيث لا يصدر منهم مع الالتفات و التوجه و الدليل على اعتبار هذا الأمر ظهور مثل دليل وجوب الوفاء بالعقود و بالنذر و أمثالهما في الإنشاءات الصادرة كذلك ضرورة عدم كون العقد أو الإيقاع الصادر من الغافل أو النائم- مثلا- مصداقا لعنوان العقد و الإيقاع عند العرف و العقلاء كما هو ظاهر، الرابع: الاختيار في مقابل الإكراه و يدل عليه حديث الرفع بعد الاستشهاد به في بعض الروايات لبطلان الطلاق إذا وقع عن إكراه و غيره من الأدلة الأخرى.

الخامس: الإسلام فالمشهور في باب النذر اعتباره بل قال صاحب الجواهر- قده- لا خلاف في عدم صحته- اى النذر من الكافر- بين أساطين الأصحاب و استظهر في محكي الرياض الإجماع لكن المحكي عن صاحبي المدارك و الكفاية التأمل فيه.

و المشهور في باب اليمين عدم الاعتبار نعم حكى عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس عدم الفرق بينها

و بين النذر، و المذكور في وجه الفرق بين اليمين و النذر- كما هو المشهور- ان قصد القربة لا يعتبر في اليمين و يعتبر في النذر و لا تتحقق القربة من الكافر.

قال المحقق في الشرائع: يشترط مع الصيغة قصد القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا للّٰه لم ينعقد .. ثم قال بعد ذلك و اما متعلق النذر فضابطه ان يكون طاعة للّٰه مقدورا .. و قد ادعى في الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم المذكور.

و قد وقع الاختلاف في المراد من عبارة الشرائع ففي محكي المسالك: «ان الظاهر ان المراد جعل شي ء للّٰه تعالى في مقابل جعل شي ء لغيره أو جعل شي ء من دون ذكر انه له تعالى أو لغيره».

و يبعده ان ظاهر عبارة الشرائع اعتبار قصد القربة زائدا على الصيغة المعتبرة في النذر مع ان جعل شي ء له تعالى انما هو مفاد نفس الصيغة فان الالتزام النذري انما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 426

..........

______________________________

هو في مقابل الباري تعالى و بالإضافة إليه لا بالإضافة إلى غيره و لو كان هو نفسه فظاهر العبارة اعتبار نية القربة زائدة على ذلك.

و عن الجواهر ان المراد منه رجحان المنذور و كونه عبادة في مقابل نذر المباح.

و يبعده- مضافا الى كونه خلاف ظاهر التفريع المذكور في العبارة- التعرض في الذيل لضابطة المتعلق و لزوم ان يكون طاعة للّٰه مقدورا و لو حملت العبارة على كون نفس إيقاع النذر امرا عباديا لا بد ان يؤتى به بقصد الامتثال كسائر العبادات الواجبة أو المستحبة فيبعده ما في الجواهر من دعوى الضرورة على عدم الأمر به بل ظاهر موثقة إسحاق بن عمار كراهة إيقاعه قال قلت

لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انى جعلت على نفسي شكرا للّٰه تعالى ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار فقال نعم ثم قال انى لأكره الإيجاب ان يوجب الرجل على نفسه. قلت انى لم اجعلهما للّٰه علىّ انما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا للّٰه و لم أوجبهما على نفسي أ فأدعهما إذا شئت قال: نعم «1» هذا ما يتعلق بعبارة الشرائع.

و اما الشهيد- قده- فقد قال في مبحث النذر من الدروس: «و هل يشترط فيه القربة للصيغة و يكفى التقرب في الصيغة الأقرب الثاني».

و الظاهر ان مراده من الأول هو إيقاع النذر قربة الى اللّٰه بحيث كان الداعي إلى إيقاعه و الالتزام بثبوت الملكية له تعالى عليه هو الداعي الإلهي كما في سائر العبادات التي لا بدّ من اقترانها بقصد القربة و الداعي الإلهي، و مراده من الثاني كون الالتزام في الصيغة مضافا الى اللّٰه تعالى لا غيره من المخلوقين و لو كان من الأنبياء و المرسلين أو الملائكة المقربين و عليه فيستفاد من العبارة ان هذه الخصوصية يعبر عنها بقصد القربة و عنوان التقرب و قد استقرب نفسه هذا الاحتمال.

و قال في مبحث اليمين من الدروس: «يصح- يعنى اليمين- من الكافر و ان لم

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب السادس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 427

..........

______________________________

يصح نذره لأن القربة مرادة هناك دون هذا و لو قلنا بانعقاد نذر المباح أشكل الفرق».

و قد استظهر في «المستمسك» من هذه العبارة ان مراده بقرينة الذيل هو اعتبار القربة في المتعلق لا في نفس النذر، مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد اعتبارها في نفس النذر

نظرا الى ان القربة الداعية إلى الإيقاع النذري و الالتزام كذلك انما تتحقق فيما إذا كان المتعلق راجحا غير مباح فان الالتزام بالإتيان بأمر مباح لا يكاد يجتمع مع الداع الإلهي كما لا يخفى فلا مجال لحمل العبارة على القربة في المتعلق نعم ظاهرها ينافي ما ذكره في مبحث النذر فان مفاده يرجع الى كون المعتبر هو التقرب في الصيغة و ظاهر هذه العبارة هو كون نفس الإيقاع و الالتزام بداع الهى.

و ذكر الشهيد الثاني في الروضة: «انه يستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله: للّٰه علىّ و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله قربة الى اللّٰه و نحوه».

و هو ظاهر بل صريح في كون المراد من نية القربة المعتبرة في النذر إجماعا- على حسب نقله- هو اشتمال الصيغة على الإضافة الى اللّٰه تعالى في مقابل الإضافة إلى غيره من المخلوقين.

و ذكر صاحب المدارك: «انه يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله:

للّٰه و هو المعبر عنه بنية القربة و انما لم يذكره المصنف صريحا لان الظاهر من حال المتلفظ بقول للّٰه ان يكون قاصدا معنى الى معناه حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه ..»

و قد استظهر منه صاحب الجواهر- قده- ان مراده هو المعنى المزبور الذي هو عبارة عن اشتمال الصيغة على الالتزام للّٰه لا لغيره من المخلوقين مع ان ظاهر العبارة ان المراد من نية القربة المعتبرة هو الذي عبرنا عنه بالقصد و التوجه و الالتفات و مرجعه إلى إرادة مفاد الصيغة و قصد معناه في مقابل مثل

الغافل و النائم و كيف كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 428

..........

______________________________

فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا من العبارات ان الاحتمالات المتصورة في نية القربة المعتبرة في النذر على المشهور بل نفى الاشكال و وجدان الخلاف فيه صاحب الجواهر بل ادعى الإجماع عليه صاحبا الروضة و الرياض أربعة:

أحدها: ان المراد منها كون إيقاع النذر بعنوان انه عمل صادر من الناذر و فعل من أفعال المكلفين امرا عباديا لا بد و ان يكون الداعي اليه و المحرك نحوه امرا إلهيا كسائر العبادات.

ثانيها: ان المراد منها اشتمال الصيغة على اضافة اللام الظاهرة في الملكية أو الملتزم له الى اللّٰه تبارك و تعالى دون غيره.

ثالثها: ان يكون المراد اشتمال المتعلق على خصوصية و هي كونه راجحا شرعا رابعها: ان يكون المراد صدور الصيغة عن قصد و التفات و توجه الى مفادها و انه التزام للّٰه تبارك و تعالى.

و لا بد قبل ترجيح بعض الاحتمالات على البعض الأخر من ملاحظة ما استدل به على اعتبار نية القربة في النذر فنقول هي أمور:

الأول: ان صيغة النذر مشتملة على خصوصية تقتضي اعتبار نية القربة فيه و هي قول الناذر: للّٰه علىّ كذا من دون فرق بين ان تكون اللام فيه للملك و الظرف مستقرا أو تكون للغاية و الظرف لغوا متعلقا بمحذوف و هو التزمت فإنه على كلا التقديرين يكون العمل المنذور أو الالتزام مضافا الى اللّٰه تبارك و تعالى و القربة المعتبرة في العبادة لا تكون زائدة على ذلك و عليه يكون النذر من التعبديات و لازمة عدم صحته من الكافر لعدم إمكان تحقق قصد القربة منه و الى هذا الدليل أشار الشهيد الثاني-

قده- في الروضة في عبارته المتقدمة حيث ذكر انه يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله «للّٰه علىّ» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله «قربة الى اللّٰه» فان مرجعه إلى ملازمة الصيغة لثبوت القربة بالاعتبار المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 429

..........

______________________________

و فيه أولا النقض بالعهد و اليمين فإن صيغة العهد التي هي عبارة عن عاهدت اللّٰه و كذا صيغة اليمين التي يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّٰه تبارك و تعالى مشتملة على هذه الخصوصية فالتفكيك بين النذر و اليمين خصوصا بنحو يكون المشهور في الأول اعتبار نية القربة و في الثاني الشهرة على الخلاف في غير المحل.

و ثانيا ما افاده صاحب الجواهر في تنقيح مقاله في هذا المقام مما ملخصه انه ان أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها بقوله للّٰه على الذي هو جزء صيغة الالتزام لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة.

و مرجع ما أفاده الى ان ما يرتبط بالناذر هو الالتزام الذي عمله و ما هو الصادر منه و البحث انما هو في عباديته و انه هل اللازم ان يكون الالتزام ناشيا عن داع إلهي أو يتحقق النذر و لو كان الداعي شيئا من الدواعي النفسانية و هذا لا يرتبط بكون الملتزم له هو اللّٰه تعالى كما لا يرتبط بكون الملتزم به امرا قربيا فالالتزام شي ء و الملتزم له أمر آخر و يدل عليه انه ربما يكون الالتزام بداع الهى مع كون الملتزم له هو المخلوق كما إذا التزم لزيد بأداء دينه و كان الداعي

إلى التزامه الإحسان المرغوب إليه في الشرع و ان الشارع قد حث عليه و على ما ذكرنا فالذهاب الى عبادية النذر من هذا الطريق لا يكاد يوصل الى المطلوب.

الثاني: صدر موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة و هو قوله: انى جعلت على نفسي شكرا للّٰه تعالى ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار فقال نعم.

و يرد على الاستدلال به أولا انه لا دلالة له الا على الإتيان بصيغة النذر و انه جعل على نفسه للّٰه شكرا ركعتين و اما كون الجعل و الالتزام ناشيا عن داع الهى فلا يستفاد منه و لذا ذكر صاحب الجواهر ان مفاد مثله اعتبار كون النذر للّٰه لا لغيره بمعنى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 430

..........

______________________________

انه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام ان يقول للّٰه علىّ بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير اللّٰه من نبي مرسل أو ملك مقرب و هذا غير معنى نية القربة ثم قال: «و ظني و اللّٰه اعلم ان الاشتباه من هنا نشأ و ذلك لأنهم ظنوا ان هذه النصوص التي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.

و ثانيا انه على فرض الدلالة يكون مفاده ان النذر العبادي يجب الوفاء به و اما انه يعتبر في انعقاد النذر نية القربة مطلقا فلا دلالة له عليه أصلا كما لا يخفى.

و ثالثا معارضة الصدر مع الذيل الدال على كراهة الإيجاب أي النذر و لا تجتمع الكراهة مع العبادية في المقام- و ان اجتمعتا في مثل الصلاة في الحمام- و ذلك لان المأمور به هناك هي طبيعة الصلاة و المنهي عنه انما هو إيقاعها في

الحمام مع ثبوت المندوحة و هو إيقاعها في المسجد أو في الدار و مرجع الكراهة إلى أقلية الثواب بالإضافة إلى إيقاعها في غير الحمام و اما في المقام فلا يكون في البين الا عنوان الإيجاب أي النذر و لا يعقل اجتماع العبادية و الكراهة فيه و الظاهر ان ظهور الذيل أقوى من ظهور الصدر على تقديره.

الثالث: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا قال الرجل:

علىّ المشي إلى بيت اللّٰه و هو محرم بحجة، أو قال علىّ هدى كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول للّٰه علىّ المشي إلى بيته أو يقول للّٰه علىّ كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا «1» و يرد على الاستدلال بها ان غاية مفادها لزوم اشتمال صيغة النذر على كلمة «للّٰه» و عدم الاقتصار على كلمة «علىّ» و هذا لا دلالة له على اعتبار قصد القربة الذي عرفت ان لازمة كون الداعي على أصل الالتزام داعيا إلهيا و مقتضاه اضافة مثل كلمة «قربة الى اللّٰه» الى الصيغة لو أريد التلفظ بها و عدم الاكتفاء بنفس الصيغة بمجردها كما مرّ من صاحب الجواهر.

______________________________

(1) ئل أبواب النذر و العهد الباب الأول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 431

..........

______________________________

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اعتبار نية القربة في النذر بمعنى الإيجاب و الالتزام و مجرد تحقق الشهرة بل الإجماع المدعى لا يكفي لإثبات هذا المعنى بل على تقدير كون الإجماع محصلا لا يجدي لاحتمال استناد المجمعين الى الروايات التي عرفت مفادها خصوصا بعد احتمال كون مراد المجمعين من نية القربة هو مجرد اشتمال الصيغة على كلمة

«للّٰه» لا كون الداعي على الالتزام امرا إلهيا غير نفساني.

نعم: يبقى الكلام حينئذ في الفرق بين اليمين و بين النذر حيث كانت الشهرة فيهما متخالفة على ما عرفت فإنه لو كان مراد المشهور من نية القربة المعتبرة هو الاشتمال المذكور لما كان فرق بينهما أصلا فإن اليمين أيضا مشتملة على كلمة الجلالة و يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّٰه تبارك و تعالى و اولى من اليمين العهد الذي تكون صيغته عاهدت اللّٰه فإنه لا يكون فرق بينها و بين النذر لو كانت الشهرة مختصة بالنذر و غير شاملة للعهد فإنه يحتمل ان يكون العهد واقعا في طرف النذر و يحتمل ان يكون ملحقا باليمين و اللازم المراجعة الى كتاب النذر فان كان واقعا في طرف النذر ينحصر الاشكال باليمين و ان كان ملحقا باليمين يقع الكلام في الفرق بينهما و بين النذر.

هذا و الظاهر مغايرة اليمين معهما فإنه فيهما يتحقق الالتزام و المعاهدة بالإضافة الى اللّٰه تعالى و اما اليمين فهي و ان كانت مشتملة على كلمة الجلالة الا ان القسم لا يكون التزاما في مقابله بل مفاده مجرد التأكيد و التحكيم فالفرق بينهما ظاهر.

و بعد ذلك كله نرجع إلى عبارة المتن في هذا المجال فان قوله: «و يقصد القربة رجاء» ظاهر في الرجوع الى خصوص الكافر الذي يحتمل وجوده تعالى و عليه فالمراد بقصد القربة هو اشتمال صيغة الالتزام على كلمة «للّٰه» لا كون الداعي على أصل الالتزام امرا إلهيا الا ان الالتزام بالإضافة الى اللّٰه تعالى انما يمكن تحققه من المسلم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 432

[مسألة 2- يعتبر في انعقاد يمين الزوجة و الولد اذن الزوج و الوالد]

مسألة 2- يعتبر في انعقاد يمين الزوجة و

الولد اذن الزوج و الوالد و لا تكفي الإجازة بعده، و لا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب أو ترك حرام و غيرهما لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيهما بل لا يترك، و يعتبر اذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة و اما نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار اذن والده فيه، كما ان انعقاد العهد لا يتوقف على إذن أحد على الأقوى، و الأقوى شمول الزوجة للمنقطعة و عدم شمول الولد لولد الولد، و لا فرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و لا تلحق الأم بالأب، و لا الكافر بالمسلم (1)

______________________________

و من الكافر المقر باللّه و اما الكافر المحتمل فذكر كلمة «للّٰه» بالنسبة إليه لا بد و ان يكون بنحو الرجاء الذي مرجعه الى التعليق و مفاده انه ان كان اللّٰه موجودا فله على كذا فلا دلالة لعبارة المتن على خلاف ما ذكره صاحب الجواهر فتدبر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مباحث: المبحث الأول في اليمين و في اعتبار اذن الزوج و الوالد في انعقاد يمين الزوجة و الولد و كذا اذن المولى في انعقاد يمين المملوك احتمالات بل أقوال ثلاثة:

الأول: ما اختاره الماتن- قدس سره الشريف- تبعا للمحكي عن الإرشاد و المسالك و الرياض من اعتبار الاذن السابق و عدم كفاية غيره حتى الإجازة اللاحقة.

الثاني: انه يعتبر في انعقاد اليمين التي هي محل البحث الإذن الذي هو أعم من السابق و الإجازة اللاحقة.

الثالث: ما نسب إلى الأكثر بل المشهور من عدم اعتبار الاذن و الإجازة بل للزوج و الوالد حل يمين الزوجة و الولد و انه لا يجب العمل بها مع عدم رضاهما إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو اذن فمع النهى السابق

لا ينعقد و مع الاذن يلزم و مع عدمهما تنعقد و لهما الحلّ و قد نفى البعد عن قوة هذا القول السيد- قده- في العروة.

و مستند المسألة طائفة من الروايات الواردة في المقام و الاختلاف انما نشأ من الاختلاف في مفادها و مدلولها و عمدة تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 433

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله لا يمين للولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة «1».

و قد ادعى السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر ان المنساق من الخبر المذكور و نحوه انه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمة جواز حلّهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به.

و أضاف إليه ما افاده الجواهر مما هذه عبارته: «انه قد يقال ان ظاهر قوله عليه السّلام مع والده نفيها مع معارضة الوالد إذ تقدير وجوده ليس اولى من تقدير معارضته بل هذا أولى للشهرة و العمومات ..»

و اللازم توضيح المراد من هذه العبارة فنقول ظاهرها انه لا بد من تقدير مضاف لكلمة «مع» و المقدر يحتمل ان يكون هو الوجود المضاف الى الوالد و يحتمل ان يكون هي المعارضة و المزاحمة المضافة إليه فإن كان المراد هو الثاني يكون مفاد الرواية نفى اليمين مع معارضة الوالد فينطبق على ما نسب الى المشهور و ان كان المراد هو الأول فحيث انه لا مجال للجمود على نفس العبارة لأن مقتضاها ان

وجود الوالد مانع عن انعقاد اليمين فاللازم ان يقال بان المتفاهم العرفي منه رعاية شأن الوالد و مقامه و هو لا يتحقق الّا مع المسبوقية بخصوص الاذن أو الأعم منها و من الملحوقية بالإجازة.

و ليس الاحتمال الأول أولى من الاحتمال الثاني بل الثاني أولى لموافقته للشهرة و العمومات و مرجعه إلى انه على تقدير الاحتمال الأول يلزم التخصيص زائدا على التخصيص في الاحتمال الثاني فإن استظهرناه منه فهو و الا يقع الإجمال و في هذه الصورة أيضا يجب الرجوع الى العموم لأنه إذا كان المخصص المنفصل مجملا مفهوما مرددا بين الأقل و الأكثر فاللازم الرجوع فيما عدي القدر المتيقن الى العموم و الحكم على طبقه.

______________________________

(1) ئل أبواب اليمين الباب العاشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 434

..........

______________________________

و كيف كان فلا ينبغي الارتياب في ان المقدر المذكور في كلام صاحب الجواهر هو المقدر بعد كلمة «مع» و انه هو الوجود أو المعارضة و هذا لا يرتبط بمسألة «لا» التي هي لنفى الجنس في قوله: «لا يمين» أصلا.

و لا يكاد ينقضي تعجبي كيف حمل بعض الاعلام كلام صاحب الجواهر المتقدم على ان المقدر ما يرتبط بلاء النافية الواردة على اليمين ثم تعرض للجواب عنه و لا بأس بذكر ملخص كلامه في هذا المقام قال:

«لا بد من تقدير كلمة الموجود أو المنع و المعارضة في الرواية كما هو الحال في نظائرها مثل لا إله إلا اللّٰه و لا رجل في الدار فقد ذكروا ان المقدر فيه هي كلمة الموجود و اما في هذه الجملات فيدور الأمر بين التقديرين فان قلنا ان المقدر هو الوجود فمعناه عدم انعقاد اليمين مع الوالد إلّا باذنه

و ان قلنا ان المقدر هو المنع و المعارضة فمعناه لا يمين مع منع الوالد و لا دلالة له الّا على جواز حل اليمين لا اعتبار اذنه فيه و ليس تقدير كلمة الوجود اولى من تقدير كلمة المعارضة.

و أورد عليه أولا بان ما ذكر من تقدير الموجود في «ولاء» النافية للجنس فيه مسامحة واضحة لأن الوجود و العدم انما يعرضان لنفس الماهية و هي بنفسها قد تكون موجودة و قد تكون معدومة من دون فرق بين الوجود و العدم من جهة الواسطة و عدمها ففي قولنا الإنسان موجود يكون معروض الوجود نفس ماهية الإنسان و في قولنا العنقاء معدوم يكون المعروض أيضا نفس ماهية العنقاء ففي مثل لا رجل في الدار يتعلق النفي بجنس الرجل و ماهيته و لا مجال لتقدير الموجود و هكذا قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا يمين» في الرواية.

و ثانيا: انه على تقدير التنزل نقول بعدم دوران الأمر بين تقدير الوجود أو المنع و المعارضة فإن تقدير الوجود لا بد منه على اى حال و لو كان المراد المنع و المعارضة لأن معنى: لا يمين مع المعارضة انه لا وجود اليمين مع المعارضة و المنع بل لو فرض التصريح بكلمة المعارضة لاحتاج الى تقدير كلمة الوجود».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 435

..........

______________________________

و قد عرفت مما ذكرنا ان مراد صاحب الجواهر التقدير بعد كلمة «مع» غاية الأمر تردد المقدر بين أمرين و لا ارتباط لذلك بقوله لا يمين من جهة لا النافية لماهية اليمين مع ان المقدر في لا النافية هو الموجود لا الوجود و صريح كلام الجواهر هو الوجود مع ان تغيير محل التقدير بجعل

الوجود مقدرا بعد قوله لا يمين و المعارضة مقدرة بعد كلمة «مع» كما هو مقتضى الجواب الثاني مما لا ينبغي ان يصدر من مثله فالظاهر حينئذ ما ذكرنا من بيان عبارة الجواهر و توضيحها كما عرفت.

نعم يرد على ما افاده الجواهر من الدليل الثاني منع أولوية تقدير المعارضة لعدم كون الشهرة دخيلة في مرتبة الظهور و مقام دلالة الرواية بوجه بل منع التساوي بين التقديرين في مقام الاحتمال بل الظاهر أولوية تقدير الوجود لانه مضافا الى ان اضافة الوجود إلى الماهية أهون و أقرب من اضافة مثل عنوان المعارضة و المزاحمة نقول ان الوجود لا يحتاج الى التقدير أصلا لأنه كما ان قوله لا يمين للولد لا يحتاج الى تقدير الوجود قبل كلمة الولد مع ان مفاده في نفسه هي الماهية و الطبيعة و ذلك لان المتفاهم منه هو الوجود من دون ان يكون مقدرا، كذلك الوالد بعد قوله: «مع» فإنه أيضا لا يحتاج الى التقدير أصلا بل له ظهور عند العرف في الوجود و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الدليل الأول فتأمل و التحقيق: في هذا المقام ان طرف احتمال تقدير المعارضة و المنع ليس هو الوجود كما في كلام صاحب الجواهر- قده- بل طرفه احتمال تقدير عدم الاذن السابق أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة و الوجه في عدم كونه هو الوجود مضافا الى ما أفاده في المستمسك من انه لو كان المراد ان وجود الوالد مانع كما يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة كان قوله: «مع والده» زائدا إذ الولد لا بد ان يكون له والد و كذا الزوجة و العبد لا بدّ ان يكون لهما زوج و سيد فذكر الوالد

و الزوج و السيد شاهد على عدم كون المقدر هو الوجود و مضافا الى ما عرفت من ان المتفاهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 436

..........

______________________________

عند العرف من الوالد بلحاظ اتصافه ما هو المتفاهم عندهم من الولد بلحاظ هذه الإضافة و ليس مرجع ذلك الى تقدير الوجود بوجه.

انه على تقدير كون المقدر هو الوجود يكون مفاد العبارة عدم صحة يمين الولد مع وجود الوالد و مرجعه الى عدم الانعقاد ما دام كونه حيا و لا مجال للحمل على هذا التقدير على كون المراد عدم الإذن لأنه بعد فرض عدم ارادة وجود الوالد من حيث هو تكون نسبة عدم الاذن و إضافته إلى الوالد متساوية مع اضافة المنع و المعارضة.

فالظاهر حينئذ ان الأمر يدور بين تقدير عدم الاذن و بين تقدير المعارضة و المنع و لا يرجع تقدير عدم الاذن الى قوله لا يمين للولد الا مع اذن والده حتى يقال كما في بعض الكلمات بأنه لا مجال لتقدير الاستثناء و ذلك لان المقدر نفس عدم الاذن من دون حاجة الى الاستثناء أصلا.

و على ما ذكرنا لو فرض إجمال الرواية من جهة ما هو المقدر فاللازم الرجوع الى أصالة العموم فيما إذا كان المخصص المنفصل مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر كما عرفت و لكن هنا قرينة على كون المراد هو عدم الاذن و هو ان العبد لا يكفي في انعقاد يمينه مجرد منع المولى و معارضته بل يحتاج الى الاذن لأنه لا يقدر على شي ء على ما وصفه به في الكتاب العزيز فإذا كان الحكم في العبد كذلك فالظاهر عند العرف بمقتضى وحدة السياق خصوصا مع وقوع قوله صلّى اللّٰه

عليه و آله: و لا للمملوك مع مولاه بين الجملتين ان المراد في جميع الجملات الثلاثة واحد و المقدر هو عدم الاذن لا المعارضة و المنع و بما ذكرنا يظهر عدم صحة ما هو المنسوب الى المشهور على ما مرّ.

و بعد ذلك يقع الكلام في ان المراد بالاذن هل هو خصوص الاذن السابق أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة؟ ربما يقال بالأول نظرا إلى انه من الإيقاعات و ادعى الإجماع على عدم جريان الفضولية فيها كالطلاق و العتق و نحوهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 437

..........

______________________________

و لكنه أجيب عنه بأن الإجماع حيث انه دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن منه و هو الإيقاع الواقع على مال الغير كعتق عبده أو ما يتعلق بالغير محضا كطلاق زوجة الغير فإن الإجازة اللاحقة لا تجدي في مثل ذلك من الأمور الأجنبية عنه بالمرة، و اما إذا كان الإيقاع متعلقا بفعل نفسه مالا كان أو غيره غاية الأمر تعلق حق الغير به كحق المرتهن و حق الغرماء أو قيام الدليل على اعتبار رضا الغير فيه كما في مثل المقام فلا دليل على عدم تأثير الإجازة اللاحقة فإذا أعتق الراهن العبد المرهون ثم لحقته اجازة المرتهن لا دليل على بطلان عتقه و كذا لو أعتق المفلس المحجور عليه عبده ثم لحقته اجازة الغرماء و الديان فإنه أيضا كذلك و كذلك إذا قام الدليل على مجرد اعتبار رضا الغير كما في العمة و الخالة حيث يعتبر رضاهما في نكاح بنت أخيها أو أختها من دون فرق بين السابق و اللاحق و المقام أيضا من هذا القبيل فإن الإجماع المذكور لا ينهض لاعتبار خصوص الاذن السابق على

ما عرفت فالاستناد اليه غير صحيح.

كما انه يمكن ان يقال بالثاني نظرا الى التعليل الوارد في الرواية الواردة في تزويج العبد و هي ما رواه في الكافي و الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السّلام سأله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك الى سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت أصلحك اللّٰه تعالى ان حكم بن عتيبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد و لا يحلّ اجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه السّلام انه لم يعص اللّٰه انما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز.

فإن موردها و ان كان هو النكاح الذي يكون من العقود الا ان مقتضى التعليل جريان الحكم في الإيقاعات أيضا فإنه لا فرق من جهة عدم تحقق معصية اللّٰه و كذا تحقق معصية المولى بأيّ معنى فسرت المعصية به في الموردين بين العقود و الإيقاعات و لازمة كون الإجازة اللاحقة كافية كالاذن السابق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 438

..........

______________________________

هذا و لكن ورد في مورد طلاق العبد زوجته بعض الروايات التي استدل الامام- ع- فيها بقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ على افتقار طلاق العبد إلى اذن المولى نظرا الى ان الطلاق شي ء فهو لا يقدر عليه اى لا يستقل به و لكنه لا يعلم ان المراد بالاذن فيها هل هو خصوص الاذن السابق أو الأعم منه و من الإجازة اللاحقة و حيث ان الطلاق من الإيقاعات فالظاهر جريان حكمه في يمين العبد و بمقتضى وحدة السياق يجري في يمين الولد و الزوجة فاللازم ملاحظة تلك المسألة.

بقي الكلام في ان اليمين التي تحتاج الى الاذن

أو الأعم منه و من الإجازة أو يجوز حلها هل تنحصر بموارد خاصة أو تعم جميع الموارد؟ و في هذه الجهة أقوال ثلاثة:

أحدها ما ذكره في الجواهر فإنه بعد اختياره كون المقدر هو المنع و المعارضة قال: «فالمراد- ح- من نفى اليمين مع الوالد في الفعل الذي يتعلق بفعله ارادة الولد و تركه ارادة الوالد و ليس المراد مجرد نهى الوالد عن اليمين ..»

و أوضحه السيد- قده- في العروة بأن جواز الحل أو المتوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم بل انما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج و كان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى، و اما ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك ان يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة ان تحج إذا مات زوجها أو طلقها، أو حلفا ان يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة أو حلف الولد ان يقرأ كل يوم جزء من القرآن أو نحو ذلك مما لا تجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده و هذا هو المنساق من الاخبار فلو حلف الولد ان يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة- مثلا- لا مانع من انعقاده و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة فالمراد من الاخبار انه ليس لهم ان يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 439

..........

______________________________

ثانيها ما اختاره المحقق في الشرائع حيث قال: «و لا تنعقد من الولد مع والده الا مع اذنه و كذا يمين المرأة و المملوك

الا ان يكون في فعل واجب أو ترك حرام» و مقتضاه استثناء صورة ما إذا كان في فعل الواجب أو ترك الحرام من قوله- ص- لا يمين للولد مع والده.

ثالثها ما نفى عنه البعد في المتن و استظهره السيد- قده- من الكلمات من عدم الفرق بين الموارد أصلا حتى ما إذا كان في فعل واجب أو ترك حرام و ان احتاط وجوبا في المتن بالإضافة إليهما.

و يرد على ما افاده صاحب الجواهر أولا انه لو سلم كون المقدر هي المعارضة و المنع لكن الظاهر من الرواية بلحاظ عدم وقوع التعرض فيها لمتعلق اليمين من الفعل أو الترك الذي يراد بسبب اليمين و الالتزام إيجاده في الخارج بل التعرض فيها انما هو لنفس اليمين و النفي قد تعلق بطبيعتها و عليه فالظاهر تعلق المعارضة و المنع بنفسها التي هي التزام من الولد و الزوجة فالمراد ان نفس الالتزام اليمينى إذا كان ممنوعا من قبل الوالد أو الزوج فلا ينعقد الالتزام و لا يترتب عليه آثاره و احكامه فلا مجال لجعل المنفي نفس الالتزام و اضافة المنع الى متعلقه فإنه خلاف الظاهر جدّا.

و ثانيا ان حمل الرواية على المعنى المذكور يوجب الالتزام بأمرين يكون كل واحد منهما خلاف الظاهر:

أحدهما الالتزام بكون مفادها هو مفاد قوله: لا يمين في المعصية على ما ورد في بعض الروايات فهل يكون المتفاهم عند العرف من الروايتين امرا واحدا أو انه لا ينبغي إنكار كون المستفاد من إحديهما غير ما يستفاد من الأخر مع انه على تفسير صاحب الجواهر لا بد من الالتزام بوحدة المفاد كما لا بخفي.

ثانيهما ان ظاهر الرواية كون العناوين الثلاثة المذكورة فيها و هي عنوان الوالد و المولى

و الزوج لها خصوصية ناشئة عن اهميتها و عظمتها عند الشارع بحيث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 440

..........

______________________________

كان مراد الشارع من الرواية إثبات حرمة لها مقتضية لاعتبار اذنها و لا أقل عدم منعها و معارضتها و هذا انما يتحقق على تقدير كون عدم الاذن أو المنع راجعا الى نفس اليمين و الالتزام لانه لو كان راجعا الى المتعلق لا ينحصر الحكم بهذه العناوين بل يجري في الزوج بالإضافة إلى الزوجة فإنه لو حلف على عدم رعاية بعض حقوقها الواجبة كالنفقة و نحوها يكون الحكم أيضا كذلك لعدم الفرق بين حلف الزوجة على عدم رعاية بعض حقوقه الواجبة و بين العكس و هكذا في المولى بالإضافة الى العبد كما لو حلف المولى على ترك إنفاق العبد مع كونه واجبا عليه بل و كذا في الوالد بالإضافة إلى الولد في بعض الحقوق الواجبة على الوالد بل لا يختص بذلك فإنه يجري في جميع الموارد التي تعلق الحلف بما هو متعلق حق الغير و كان متعلقه عدم رعاية حقه كما إذا حلف الراهن على بيع العين المرهونة مع عدم المراجعة إلى المرتهن أو حلف المفلس على بيع العين التي هي متعلق حق الغرماء من دون رعاية حقهم فاللازم بمقتضى ما ذكر حمل الرواية على ظاهرها الذي هو الاختصاص بالعناوين الثلاثة المذكورة فيها و لازمة ارتباط الاذن و المنع بنفس اليمين من دون فرق بين كون متعلقها منافيا لحقهم الواجب و بين عدم كونه كذلك كما في الأمثلة المذكورة في كلام السيد- قده.

و يرد على ما افاده صاحب الشرائع انه لم يعلم وجه لاستثناء فعل الواجب و ترك الحرام من عموم دليل التوقف

على الاذن أو مانعية المنع الا دعوى انصراف الدليل المزبور عما إذا كان هناك إلزام و التزام أخر غير الالتزام اليمينى و مرجعها الى ان الظاهر من الدليل انحصار الالتزام بما يرتبط باليمين و عليه فاللازم ان لا يكون متعلقه فعل واجب أو ترك حرام.

و الظاهر عدم تمامية دعوى الانصراف فإنه حيث تكون الرواية ناظرة إلى خصوص الالتزام اليمينى الذي يترتب على مخالفته ثبوت الكفارة و من المعلوم مغايرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 441

..........

______________________________

هذا الالتزام لما يكون في فعل الواجب و ترك الحرام فلا مجال لدعوى اختصاصها بغير ما إذا كان هناك التزام آخر فالإنصاف كما هو ظاهر كلمات القوم و نفى عنه البعد في المتن شمول الرواية لجميع الموارد حتى المورد المستثنى في كلام الشرائع و لكنه حيث يكون القائل بالاستثناء هو المحقق الذي يكون علو مقامه و عظمة شأنه في الفقه قليل النظر فذلك يقتضي لزوم رعاية الاحتياط و ترتيب آثار اليمين في فعل واجب أو ترك حرام و لو مع عدم تحقق الاذن أو المنع كما هو ظاهر هذا تمام الكلام في اليمين.

المبحث الثاني في النذر و المشهور بينهم انه كاليمين في المملوك و الزوجة و حكى عن الدروس بل عن جملة من كتب العلامة إلحاق الولد أيضا و ما يمكن ان يستدل به على الإلحاق المطلق أمران:

أحدهما دعوى تنقيح المناط و يؤيدها ما عن الرياض من ان مقتضى الاستقراء و التتبع التام اشتراك النذر و اليمين في كثير من الاحكام. و الجواب عن هذا الأمر منع هذه الدعوى بعد كون النذر و اليمين عنوانين متغايرين و ان كانا مشتركين في جملة من الاحكام لكن

ذلك لا يصحح الدعوى المذكورة و منه يظهر الجواب عن الاستقراء فان الاشتراك في جملة من الاحكام بل في كثير منها لا يوجب الاطمئنان بالاشتراك في الجميع و الظن لا يغني من الحق شيئا و يدل على الفرق اختلاف التعبير في الرواية الواردة في اليمين فإنّه فيها بعد الحكم بتوقف اليمين على اذن الوالد و المولى و الزوج قال: «لا نذر في معصية و لا يمين في قطيعة» فإن اختلاف التعبير يكشف عن كون كل من اليمين و النذر موضوعا خاصا مغايرا للآخر و يترتب عليه احكامه.

ثانيهما إطلاق عنوان اليمين على النذر في جملة من الروايات بعضها في كلام الامام عليه السّلام و أكثرها في كلام الراوي بضميمة تقرير الامام عليه السّلام له و أظهرها موثقة إسحاق بن عمار: «انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها ان يفي بها ما جعل للّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 442

..........

______________________________

عليه في الشكر ان هو عافاه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أورد عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا: فقال للّٰه علىّ كذا و كذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه.» «1»

نظرا الى ان إطلاق اليمين على النذر ان كان بنحو الحقيقة و يؤيده قوله تعالى:

«ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ» نظرا الى ظهوره في كون الحلف أخص من اليمين فاللازم جريان الرواية المتقدمة في اليمين المشتملة على اعتبار إذن الثلاثة في النذر أيضا و ان كان بغير نحو الحقيقة بل بنحو المجاز و الاستعارة فمقتضى عدم ثبوت الخصوصية لشي ء من وجوه المشابهة ثبوت المشاركة في جميع الاحكام.

و الجواب عن هذا الأمر بعد ظهور كون الإطلاق و الاستعمال لا بنحو

الحقيقة ان توصيف اليمين بكونها واجبة و ينبغي لصاحبها ان يفي بها في صدر الرواية و كذا قوله في الذيل فهذا الواجب على صاحبه يدل على كون النظر في المشابهة انما هو الى وجوب الوفاء و لزوم العمل على طبقه و لا دلالة لها على المشاركة في جميع الأحكام أصلا.

نعم ورد في خصوص الزوجة رواية ظاهرة في توقف نذرها على اذن الزوج و هي ما رواه الصدوق و الشيخ بأسانيد صحيحة عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ليس للمرأة مع زوجة أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها (رحمها). «2»

و الظاهر في هذه الرواية تقدير كلمة الوجود بعد كلمة «مع» لاستثناء صورة اذن الزوج و هو لا يلائم مع تقدير المعارضة و المنع أو عدم الاذن كما لا يخفى كما ان الحاجة الى ذكر وجود الزوج انما هو للتعبير بالمرأة لا الزوجة فلا مجال للقياس

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب السابع عشر ح- 1

(2) ئل أبواب النذر الباب الأول ملحق الحديث: 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 443

..........

______________________________

بالرواية المتقدمة الواردة في اليمين و قد استشكل في الاستدلال بالرواية بالإضافة إلى الزوجة من وجهين:

الأول كونها أخص من المدعى لانه عبارة عن توقف مطلق نذر الزوجة على اذن الزوج و هي مقيدة بما إذا كان في مالها فلا دلالة لها على التوقف في النذر في الأعمال كما إذا نذرت قراءة القرآن أو صلاة الليل أو غيرهما مع فرض عدم المنافاة لحقوق الزوج بوجه

و لا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية من المال بعد احتمال كون التصرف المالى له خصوصية من جهة ان عدم التوقف على الاذن فيه مستلزما لخروجه من يد الزوجة بالنذر مع عدم الالتفات و التوجه إلى الحاجة إليه لكونها بعيدة عن المسائل الاقتصادية المالية نوعا فلا وجه لإلغاء خصوصية المال.

الثاني ان الرواية مشتملة على التوقف في جملة من الأمور مع عدم توقفها على اذن الزوج أصلا كالعتق و الصدقة و الهبة فهو يوجب خروجها عن الحجية و عدم صلاحيتها لإثبات التوقف في النذر.

و أجاب عنه جماعة كالسيد- قده- في العروة بان اشتمالها على ما لا نقول به لا يضر و مرجعه إلى انه لو كانت الرواية مشتملة على أحكام متعددة و لم يمكن الالتزام بجملة منها فهذا لا يوجب خروجها عن الاعتبار بالإضافة الى ما يمكن الالتزام به لعدم قيام دليل على عدم إمكان الالتزام.

و لكنه أورد على هذا الجواب بعض الاعلام في شرحها بان الأمر و ان كان كذلك لكنه فيما إذا كان في الرواية جمل متعددة على اشكال فيه أيضا و اما إذا كان جميع الفقرات بيانا لصغريات لكبرى واحدة فالمتبع ظهور تلك الكبرى و في الحقيقة لا تكون الرواية مشتملة الا على جملة واحدة غاية الأمر التعرض لبعض الصغريات أيضا و هذا كما في المقام لانه لا يكون في البين إلا جملة واحدة مشتملة على الضابطة و بيان الكبرى و هو قوله: ليس للمرأة مع زوجها أمر و يؤيده بل يدل عليه استثناء الحج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 444

..........

______________________________

و الزكاة و غيرهما بعد ظهوره في كون الاستثناء حقيقيا و متصلا فإنه يدل على كون المستثنى منه

كبرى كلية واحدة غاية الأمر استثناء الموارد المذكورة فإذا لم يجز الأخذ بالكبرى لعدم إمكان الالتزام بها فلا مجال للاستدلال بالرواية بل لا بد من حملها على كونها متعرضة للجهة الأخلاقية و التأدب بالنسبة إلى الزوج و احترام مقامه لا لحكم فقهي شرعي.

و يؤيد هذا الإيراد انه لو لم يقع فيها التعرض لكثير من الصغريات التي لا يمكن الالتزام بها لكان التمسك بالرواية ممكنا لأجل ان خروج جملة من الصغريات من الكبرى الكلية لا يلازم عدم صلاحيتها للاستدلال بها في الموارد المشكوكة و اما مع التعرض لجملة من الصغريات المزبورة مع كون مقتضى القاعدة في مثل ذلك التعرض للصغريات التي يمكن الالتزام بها فلا مجال للاستدلال أصلا.

ثم لا يخفى ان الحاجة الى الاستدلال بالرواية في مسألة نذر الزوجة إنما يبتنى على ما ذكرنا في تفسير الرواية الواردة في اليمين من كون المعارضة و المنع أو عدم الاذن راجعا الى نفس اليمين و إنشاء الالتزام و اما بناء على ما قاله صاحب الجواهر و تبعه السيد من كون المعارضة راجعة إلى متعلق اليمين و لازمة انحصار مورد الرواية بما إذا كان منافيا لحقوق الزوج و قد عرفت ان مرجعه- ح- الى ان المراد من الرواية انه لا يمين في معصية فلا حاجة في باب النذر الى تتبع دليل و دلالة رواية عليه بعد ورود قوله لا نذر في معصية في نفس تلك الرواية الواردة في اليمين فيصير النذر و اليمين من باب واحد كما هو ظاهر.

المبحث الثالث في العهد و قد قوى في المتن عدم توقف انعقاده على إذن أحد أي بالإضافة إلى الزوجة و الولد لعدم وقوع التعرض فيه للمملوك و الظاهر التوقف فيه على

اذن المولى لأنه شي ء أيضا كالطلاق فيشمله قوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و اما عدم التوقف في غيرهما فلانه لم ينهض دليل في العهد في مقابل الإطلاقات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 445

..........

______________________________

الدالة على وجوب الوفاء بالعهد الشاملة لصورة عدم الاذن و مع عدم الدليل على التوقف في مقابلها لا مجال إلا للأخذ بمقتضى الأدلة المطلقة.

نعم يمكن ان يقال بما تقدم في النذر من دعوى شمول دليل اليمين له كشموله للنذر و لكن قد عرفت الجواب عنه من ان الإطلاق و الاستعمال إطلاق مجازي و الغرض التشبيه في وجوب الوفاء و لزوم العمل فالحق- ح- ما في المتن.

بقي الكلام في أصل المسألة في أمور:

الأول هل الزوجة في باب اليمين و كذا النذر على تقدير كونه كاليمين تشمل الزوجة المنقطعة أو تختص بالدائمة فالمحكي عن الرياض الثاني قال: و ينبغي القطع باختصاص الحكم في الزوجة بالدائمة دون المنقطعة لعدم تبادرها منها عند الإطلاق مضافا الى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة.

و يظهر من السيد- قده- في العروة الترديد حيث اقتصر على بيان احتمالين لكن قد قوى في المتن الشمول.

أقول ان منشأ دعوى عدم الشمول اما عدم كونها زوجة حقيقة نظرا إلى أنها مستأجرة و يؤيده قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ للتعبير عن صداقها بالأجرة الظاهرة في الإجارة و التعبير عنها في بعض الروايات بقوله- ع-: هن مستأجرات.

و اما الانصراف على تقدير كونها زوجة حقيقة عنها و انسباق الزوجة الدائمة من إطلاق كلمة «الزوجة».

و يدفع الأول ان إطلاق المستأجرة عليها انما هو على سبيل المجاز و العناية و يؤيده- مضافا الى

وقوع التعرض لمباحث النكاح المنقطع في كتاب النكاح في جميع الكتب الفقهية للأصحاب و الفقهاء دون كتاب الإجارة- انه لو كان بنحو الإجارة لكان اللازم صحة التعبير في صيغته بالإجارة و الاستيجار مع انه من الواضح عدم الاكتفاء به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 446

..........

______________________________

و يدفع الثاني منع الانصراف كما في سائر الأدلة الواردة في الأحكام المترتبة على الزوجة و هذا من دون فرق بين ان نقول في الزوجية المنقطعة بما افاده صاحب الجواهر- قده- من ان الزوجية الانقطاعية عين الزوجية الدائمية غاية الأمر ان الانقطاع نشأ من قبل الشرط في ضمن العقد و لذا ذكر المشهور انه لو نسي ذكر الأجل ينعقد دائما و بين ان نقول بما عن المحقق النائيني- قده- من اختلافهما في الحقيقة و الماهية غاية الأمر ان اختلافهما انما هو بالنوع و يشتركان في الجنس و هو أصل الزوجية و يترتب على هذا الاختلاف الاختلاف في الأحكام كالعدة و النفقة و التوارث على كثير من الأقوال و بعض الآثار الآخر و ذلك لانه على التقدير الثاني يكون الحكم مترتبا على الجنس الذي يشترك فيه النوعان و لا مجال لدعوى الانصراف الى خصوص أحدهما أصلا فالحق في هذا الأمر ما افاده الماتن- قدس سره الشريف.

الثاني هل الحكم يشمل ولد الولد أم يختص بالولد من دون واسطة ظاهر العروة فيه الترديد أيضا و عن الرياض ان الشمول لا يخلو من قرب، و نسب الى الدروس الجزم به. و اختار في المتن عدم الشمول.

و الوجه فيه ان كلمة «الولد» و ان كانت تشمل ولد الولد أيضا ككلمة «الابن» غير المختص بالابن من دون واسطة و لو كانت

الواسطة هي الأنثى لقول رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- في الحسنين- عليهما السلام- هذان ابناي إمامان .. و لا اعتبار لقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا، و بنوهن أبناء الرجال الأباعد كما ان كلمة «الأب» يشمل الجد أيضا لقوله تعالى حكاية عن جملة من الكفار مٰا سَمِعْنٰا بِهٰذٰا فِي آبٰائِنَا الْأَوَّلِينَ الا ان الظاهر ان كلمة «الوالد» المذكورة في رواية اليمين المتقدمة تختص بالأب من دون واسطة كما هو المتفاهم منها عند العرف.

الثالث ان الولد الذي يتوقف يمينه على اذن الوالد لا يختص بالولد الذكور بل يعم الأنثى أيضا لإطلاق عنوانه و شموله لها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 447

[مسألة 3- لو نذر الحج من مكان معين فحج من غيره لم تبرأ ذمته]

مسألة 3- لو نذر الحج من مكان معين فحج من غيره لم تبرأ ذمته، و لو عينه في سنة فحج فيها من غير ما عينه وجبت عليه الكفارة، و لو نذر ان يحج حجة الإسلام من بلد كذا فحج من غيره صح و وجبت الكفارة، و لو نذر ان يحج في سنة معينة لم يجز التأخير، فلو أخر مع التمكن عصى و عليه القضاء و الكفارة، و لو لم يقيده بزمان جاز التأخير إلى ظن الموت و لو مات بعد تمكنه يقضى عنه من أصل التركة على الأقوى، و لو نذر و لم يتمكن من أدائه حتى مات لم يجب القضاء عنه، و لو نذر معلقا على أمر و لم يتحقق المعلق عليه حتى مات لم يجب القضاء عنه نعم لو نذر الإحجاج معلقا على شرط فمات قبل حصوله و حصل بعد موته مع تمكنه قبله فالظاهر وجوب القضاء عنه، كما انه لو نذر إحجاج شخص في سنة

معينة فخالف مع تمكنه وجب عليه القضاء و الكفارة و ان مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة و كذا لو نذر احجاجه مطلقا أو معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات. (1)

______________________________

الرابع ان الأم لا تلحق بالأب في توقف يمين الولد على إذنها لأن الوالد لا يشملها و الحكم انما هو في مقابل إطلاقات أدلة اليمين فاللازم الاقتصار على المقدار الذي دل عليه الدليل نعم يلزم على قول السيد تبعا لصاحب الجواهر في معنى الرواية الواردة في اليمين تعميم الحكم للأم أيضا لعدم اختصاص وجوب الإطاعة بالأب و مورد الرواية عليه يختص بما ينافي وجوب الإطاعة كما تقدم.

الخامس لا يلحق الكافر الوالد بالمسلم لوضوح ان مناط الحكم رعاية احترام الوالد و حفظ شئونه و الكافر لا احترام له أصلا و لو كان والدا كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة فروع كثيرة: الأول ما لو نذر الحج من مكان معين كما إذا نذر الحج من بلده- مثلا- فحج من غيره و الحكم فيه عدم براءة ذمته بذلك و لكنه لا بد قبل ملاحظة الحكم من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 448

..........

______________________________

ملاحظة ان أصل انعقاد النذر بهذه الصورة مع عدم كون الشروع من بلده- مثلا- مشتملا على خصوصية راجحة و مزية زائدة و المعتبر في صحة النذر و انعقاده كون المتعلق راجحا انما هو لأجل عدم كون النذر متعلقا بالخصوصية حتى يلزم ان تكون راجحة بل النذر انما تعلق بالحج من البلد و هذا راجح في مقابل ترك الحج و هذا كما إذا نذر صلاة الليل في منزله و داره فإن خصوصية وقوعها في

داره و ان لم تكن راجحة بل مرجوحة بالإضافة إلى خصوصية وقوعها في المسجد الا انه حيث لا يكون المنذور هي الخصوصية بل صلاة الليل في داره في مقابل الترك و لا شبهة في رجحانها فلا إشكال في صحة النذر و انعقاده.

و اما الحكم فهي عدم براءة الذمة بالحج الذي اتى به لانه مغاير للمنذور و لا يتحقق الوفاء بسببه فاللازم الإتيان به من ذلك المكان بعد عدم مدخلية زمان خاص فيه و هذا كما لو نذر ان يعطى الفقير العالم مقدارا من المال فبذل ذلك المقدار الى الفقير غير العالم فإنه لا شبهة في عدم تحقق الوفاء كما انه لا شبهة في صحة أصل حجه و تمامية عمله و لكنه لا ينطبق عليه عنوان الوفاء كما لا يخفى.

الفرع الثاني ما لو عين مكانا معينا و سنة خاصة فحج في تلك السنة لكنه من غير ذلك المكان المعين و لا شبهة بملاحظة ما ذكرنا في الفرع الأول في صحة النذر و انعقاده و الفرق بينهما انه في الفرع الأول لم تكن المخالفة المتحققة بالحج من غير المكان المعين موجبة لعدم التمكن من الوفاء بالنذر لفرض عدم تعيين الزمان أصلا و اما في هذا الفرع تكون المخالفة المكانية مع وجود قيد الزمان و رعايته موجبة لعدم التمكن من العمل على طبق النذر لفرض مضى ذلك الزمان و عليه فاللازم عليه هنا الكفارة لأجل المخالفة العمدية و عدم إمكان الوفاء أصلا نعم في أصل صحة الحج المأتي به إشكال سيأتي التعرض له في الفرع الثالث.

الفرع الثالث ما لو نذر ان يحج حجة الإسلام من بلد كذا و مثله ما في العروة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 1، ص: 449

..........

______________________________

مما إذا كان هناك نذران أحدهما تعلق بالحج من غير تقييد بمكان ثانيهما تعلق بكون الحج المنذور بالنذر الأول من مكان معين فخالف فحج من غير ذلك المكان.

و لا يخفى اختلاف هذا الفرع مع الفرعين الأولين فإنه حيث كان متعلق أصل النذر في ما في المتن و كذا متعلق النذر الثاني في مثال العروة هي الخصوصية المكانية لا أصل الحج لانه كان واجبا بأصل الشرع كما في حجة الإسلام أو بالنذر الأول كما في النذرين فلا بد من فرض الكلام فيما إذا كانت الخصوصية راجحة و الا لا ينعقد النذر و عليه فالمثال لهذا الفرع ما إذا نذر الحج من مسجد الشجرة- مثلا- الذي هو أفضل المواقيت و مثله من الخصوصيات الراجحة و البحث في هذا الفرع تارة في حكم الحج المأتي به من غير ذلك المكان الذي عينه و اخرى في وجوب الكفارة و عدمه:

اما البحث من الجهة الأولى فقد ناقش في صحته في «المستمسك» حيث قال:

«و ان أخذ- يعني حجة الإسلام- قيدا للمنذور- كما هو ظاهر الفرض وجب تحصيله فيرجع قوله: للّٰه علىّ ان أحج حجة الإسلام من بلد كذا، الى قوله: للّٰه علىّ ان لا أحج الا من بلد كذا، لان وجوب المحافظة على حصول قيد المنذور يقتضي المنع من حصوله لئلا يعجز عن أداء المنذور المؤدي الى تركه، فإذا حج من غير البلد المعين حج الإسلام فقد فوت الموضوع و عجّز نفسه عن أداء المنذور، و هذا التعبير حرام عقلا فيكون تجريا فلا يصح التعبد به فإذا بطل لفوات التقرب بقي النذر بحاله فيجب الإتيان بالمنذور بعد ذلك و- حينئذ- لا تجب الكفارة لأن الكفارة انما

تجب بترك المنذور، لا بمجرد التجري في تركه و تفويته الحاصل بالاقدام على إفراغ الذمة عن حجة الإسلام.

و أورد عليه بعض الأعلام إيرادات:

منها: ان النذر انما يتعلق بإيقاع الطبيعة في ضمن فرد خاص و اما عدم إيقاعها في ضمن فرد آخر فهو من باب الملازمة بين وجود أحد الضدين و عدم الضد الأخر لا من جهة تعلق النذر بذلك و الا لا ينعقد النذر من أصله لأن ترك الحج من غير بلد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 450

..........

______________________________

كذا لا رجحان فيه.

و بعبارة أخرى منّى ان عدم الحج من غير بلد كذا يجتمع مع ترك الحج رأسا فإذا رجعت عبارة النذر الى ما ذكر يصير معناه حصر إيقاع حجة الإسلام في بلد كذا و عدم تحققه من غيره و هذا لا ينافي الترك رأسا و من المعلوم انه لا رجحان فيه أصلا فالارجاع المذكور مما لا وجه له أصلا.

و منها: ان التعجيز و تفويت الموضوع لا ينطبق على نفس الحج من غير البلد المعين بل هو ملازم له لما ذكر من الملازمة بين وجود أحد الضدين و عدم الضد الآخر الناشية عن عدم إمكان الجمع بين الضدين في الوجود.

و عليه فإذا كان التعجيز مبغوضا و حراما فذلك لا يستلزم كون العبادة مبغوضة حتى تصير فاسدة فإن حكم أحد المتلازمين لا يسرى الى الآخر فلا مجال لدعوى كون الحج من غير البلد المعين مبغوضا و فاسدا.

و منها: ان التعجيز لا يعقل ان يكون محكوما بالحرمة لأنه يستلزم من وجوده عدمه و ذلك لان التعجيز انما يتحقق إذا كان المأتي به صحيحا إذ لو كان باطلا و فاسدا لا يتحقق التعجيز فالتعجيز

متوقف على صحة المأتي به و إذا كان صحيحا لا يمكن ان يكون المعجز محرما بعنوان التعجيز لاستحالة ما يلزم من وجوده عدمه.

هذا و يرد عليه أيضا ان الذوق الفقهي لا يقبل الحكم ببطلان حجة الإسلام التي هي من أهم الفرائض الإلهية و اللازم الإتيان بها فورا ففورا بمجرد مخالفة النذر المتعلق بإيقاعها من بلد معين أو من مسجد الشجرة على ما مثلنا فالإنصاف في هذه الجهة الحكم بالصحة.

و اما البحث من الجهة الثانية فالظاهر لزوم الكفارة لأن وقوع حجة الإسلام من غير ذلك البلد صحيحا يوجب عدم التمكن من إيقاعها من ذلك البلد و المفروض وقوع ذلك عمدا فاللازم عليه كفارة مخالفة النذر كما في المتن.

الفرع الرابع: ما لو نذر ان يحج في سنة معينة و لا إشكال في صحة نذره

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 451

..........

______________________________

و انعقاده لكون متعلق النذر هو الحج و ان كان قد قيده بسنة معينة لكن قد عرفت انه لا بد من مقايسة ذلك مع الترك لا مع الوجود مع فقدان الخصوصية الزمانية فاصل صحة النذر مما لا شبهة فيه كما ان مقتضى وجوب الوفاء بالنذر عدم جواز التأخير و ثبوت العصيان مع التأخير و ثبوت التمكن من الإتيان كما انه لا إشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية الموجبة لثبوتها.

انما البحث في لزوم القضاء و عدمه فنقول اما من جهة الفتاوى ففي الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما اعترف به في المدارك» و اما من جهة الدليل فقد ذكر السيد- قده- في العروة ما هذه عبارته:

«التحقيق ان جميع الواجبات الإلهية ديون للّٰه تعالى سواء كانت مالا

أو عملا ماليا أو عملا غير مالي فالصلاة و الصوم أيضا ديون للّٰه و لهما جهة وضع فذمة المكلف مشغولة بهما و لذا يجب قضائهما فإن القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت، و ليس القضاء من باب التوبة أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل فان مثل قوله: للّٰه علىّ ان اعطى زيدا درهما دين الهى لا خلقي فلا يكون الناذر مديونا لزيد بل هو مديون للّٰه بدفع الدرهم لزيد و لا فرق بينه و بين ان يقول للّٰه علىّ ان أحج، أو ان أصلي ركعتين فالكل دين اللّٰه و دين اللّٰه أحق ان يقضى كما في بعض الاخبار و لازم هذا كون الجميع من الأصل نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضائه لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته سواء كان مالا أو عملا مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء لان الواجب انما هو حفظ النفس المحترمة و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته و كما في نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكنه لا يصير دينا عليه لان الواجب سد الخلّة و إذا فات لا يتدارك».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 452

..........

______________________________

و محصل كلامه ان القضاء ليس بفرض جديد بل هو مقتضى تحقق اشتغال الذمة بالمكلف به و كون المكلف مديونا للّٰه تعالى و القضاء يؤثر في فراغ الذمة

و ليس من باب التوبة أو الكفارة و يؤيده التعبير الواقع في الآية الشريفة الواردة في الحج المشتملة على التعبير بكلمتي «اللام و على» و كذا التعليل الوارد في بعض الروايات المشتملة على وجوب قضاء الحج عمن استقر عليه و لم يأت به حتى مات بقوله: «لأنه بمنزلة الدين الواجب» و قد ورد في رواية الخثعمية المعروفة الواردة في الحج: «ان دين اللّٰه أحق ان يقضى» و الواجبات الإلهية كلها من هذا القبيل لما عرفت من أنها بأجمعها ديون للّٰه و يجرى عليها حكم دين الناس فلا يتحقق فراغ الذمة إلا بالافراغ و القضاء و لا حاجة الى قيام دليل خاص على وجوب القضاء أصلا و يؤيده بل يدل عليه وجوب القضاء في مثل الصلاة و الصوم من الواجبات العملية المحضة غير المرتبطة بالمال و عليه فوجوب القضاء في المقام و هو نذر الحج في سنة معينة و عدم الإتيان به فيها مع التمكن و القدرة ليس على خلاف القاعدة حتى يحتاج الى دليل خاص.

هذا و لكنه أورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما محصله مع توضيح منا:

«ان إطلاق الدين على الواجبات الإلهية ليس على نحو الحقيقة لأن الاستعمال أعم منها و الاشتغال اى اشتغال ذمة المكلف بالمكلف به و ان كان امرا مسلما بل الوجوب ليس في الحقيقة إلا اعتبار شي ء على ذمة المكلف و إبرازه بمبرز الا ان الكلام في بقاء الاشتغال بعد خروج الوقت و مجرد الحدوث و ثبوت التكليف في الوقت لا يكفى لبقاء ذلك بعد الوقت فان الحدوث كما انه يحتاج الى الدليل كذلك البقاء أيضا و ليس القضاء نفس العمل الواجب سابقا حتى يقال بعدم الحاجة الى أمر جديد

لان العمل الواجب سابقا الذي كان مقيدا بالوقت قد فات و هذا العمل الواقع خارج الوقت عمل آخر مغاير له حقيقة مشابه له صورة و لو كان عينه لكان التأخير إلى خارج الوقت جائزا عمدا مع ان أهمية الوقت في باب القيود و الشرائط بمثابة لا يزاحمها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 453

..........

______________________________

شي ء من القيود الأخرى فكيف لا يكون مغايرا مع العمل خارجه فمجرد حدوث اشتغال الذمة بذلك بمجرد الوجوب الأول لا يكفي في البقاء بعد الوقت بل لا بد من دليل مستقل كما قام في باب الصلاة و الصوم و في مسألة الحج عمن استقر عليه و لم يأت به و في باب النذر في موردين: أحدهما نذر صوم يوم معين إذا صادف ذلك اليوم العيد أو المرض أو السفر و ثانيهما نذر الإحجاج مع عروض الموت قبل الوفاء و فيما لم يرد دليل- كما في المقام- لا وجه للحكم بوجوب القضاء.

هذا و ربما يقال بان للنذر خصوصية تقتضي جريان حكم الدين عليه من دون فرق بين ما إذا كان متعلقا بالحج أو بالمال أو بالعمل المحض كصلاة الليل- مثلا- لان مفاد صيغة النذر جعل المنذور للّٰه تعالى على عهدته و تمليكه إياه شيئا في ذمته فمقتضى الصيغة ثبوت المتعلق في الذمة و اشتغالها به و لا يتحقق الفراغ في مثل المقام الا بالقضاء و لازم هذا القول القضاء في مثل صلاة الليل أيضا.

كما انه ربما يقال بان لنذر خصوص الحج حكما خاصا- كما افاده صاحب الجواهر- نظرا الى ان الحج ليس تكليفا صرفا بل للأمر به جهة وضعية فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية.

و أورد

على الأول بأن النذر لا يدل الا على التزام المكلف بالمنذور و مفاد صيغته انه التزم على نفسه بكذا للّٰه تعالى و هذا لا يوجب إطلاق الدين عليه الا مسامحة و ليس مفادها ملكية الشي ء المنذور للّٰه تعالى بل لا يمكن التمليك المتعارف بالنسبة إليه تعالى لأن الملكية الاعتبارية لا معنى لها بالنسبة إليه تعالى الا ان ترجع الى الالتزام و التكليف لانه مالك لجميع الأشياء بالملكية الحقيقية الراجعة إلى كونها طرا بيده و تحت سلطانه و قدرته و مشيته من دون اعتبار اىّ جاعل و لا معنى للاعتبار في مورد الثبوت الحقيقي.

و هذا الإيراد و ان كان قابلا للمناقشة فإن الملكية الاعتبارية المبحوث عنها في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 454

..........

______________________________

الفقه و عند العقلاء لا ينافي ما ثبت في الفلسفة سيما عند الأعاظم من الفلاسفة من عدم كون الممكنات أشياء لها الربط الى الواجب بل هي عين الربط و التعلق و الإضافة و ليس وجودها شيئا غير الربط فان العلم الذي يبحث عن حقائق الأشياء و عن الواقعيات يغاير العلم الذي يدور مدار الاعتبار من دون فرق بين العبادات و المعاملات و الا فلو كان الملحوظ ذلك يلزم ان لا تتحقق الملكية الاعتبارية بالإضافة إلى المخلوق أيضا لأنه ليس بشي ء حتى يلاحظ له ذلك و يجعل مالكا و لو اعتبارا كما لا يخفى.

الا انه يمكن الإيراد عليه بأنه مبنى على القول بكون «اللام» في قوله للّٰه علىّ كذا بمعنى الملكية و كان الظرف مستقرا و اما لو فرض كون الظرف لغوا متعلقا بمحذوف و هو مثل التزمت فلا مجال للقول المزبور و قد احتمله القائل في بعض مباحثه

السابقة.

و أورد على الثاني بأمرين:

أحدهما منع كون الحج واجبا ماليا نظرا إلى أنه أفعال مخصوصة بدنية و ان كان قد يحتاج الى بذل المال في مقدماته و الهدى و ان كان أمرا ماليا الا انه حيث يكون له بذل و هو الصوم عشرة أيام فلا يوجب ذلك كونه واجبا ماليا فالمال محتاج إليه في المقدمات كما ان الصلاة أيضا قد يحتاج الى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك و أجاب عن هذا الإيراد صاحب العروة بأن الحج في الغالب محتاج الى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية.

و ان أورد على هذا الجواب بان ذلك لا يكفي في كونه واجبا ماليا لان صرف الطبيعة الذي هو موضوع الوجوب ليس موقوفا على المال فضلا عن أن يكون واجبا ماليا و سيأتي البحث في هذه الجهة في الفرع الآتي إن شاء اللّٰه تعالى.

ثانيهما انه على تقدير تسليم كون الحج واجبا ماليا فلا بد من التفصيل بين الحج و بين غيره من الواجبات غير المالية لا التفصيل بين نذر الحج و نذر غير الحج لانه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 455

..........

______________________________

لا خصوصية للنذر- ح- بل لو كان الحج في ضمن عقد لازم مثلا أو صار واجبا بسبب آخر غير النذر يلزم ثبوت القضاء فيه و إخراجه من أصل المال لامتياز الحج عن سائر الواجبات مع انه لم يلتزم أحد من الفقهاء بذلك و لم يتعرضوا لذلك أصلا.

و يمكن الجواب- مضافا الى انه لا يتم الجمع بين عدم الالتزام و عدم التعرض- ان الحج الواجب بسبب غير النذر و لم يكن حجة الإسلام كما هو المفروض

تارة يكون بنحو الاستنابة و الاستيجار و اخرى بنحو الاشتراط في ضمن عقد لازم ففي الصورة الأولى إذا كان الزمان المعين مأخوذا بنحو الاشتراط فغاية الأمر في صورة التخلف و عدم الإتيان به في ذلك الزمان ثبوت خيار التخلف للمستأجر و مع عدم الفسخ يجب على الأجير الإتيان به بعد ذلك الزمان و في الصورة الثانية مرجع الحج في ضمن العقد اللازم الى اشتراط النيابة في الحج عن الشارط و يترتب عليه حكم الحج النيابي كما لا يخفى هذا بالإضافة إلى مسألة القضاء و اما بالنسبة إلى الخروج من الأصل أو الثلث فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض شي ء من الوجوه المتقدمة لإثبات وجوب القضاء لا مطلقا و لا في النذر و لا في خصوص نذر الحج مع انك عرفت ان المقطوع به في كلمات الأصحاب هو الوجوب في المقام و لذا استدل له بالإجماع و ان كان يرد عليه انه على فرض كونه محصلا لا يكون واجدا للاعتبار و الحجية لعدم الأصالة له بعد احتمال كون مستندا المجمعين شيئا من الوجوه المذكورة غير الناهضة لإثبات وجوب القضاء.

نعم ربما يتمسك في ذلك بالاستصحاب لكون اشتغال الذمة متيقنا و الشك في بقائه بعد خروج الوقت فيستصحب و لكنه أورد عليه بعدم اتحاد القضية المتيقنة و المشكوكة المعتبر في جريان الاستصحاب و ذلك لان القضية المتيقنة عبارة عن اشتغال الذمة بالواجب المقيد بالوقت و القضية المشكوكة عبارة عن الاشتغال به خارج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 456

..........

______________________________

الوقت فلا تكون القضيتان متحدتين فلا مجال لجريان الاستصحاب.

هذا و يمكن تقرير الاستصحاب بوجه لا

يرد عليه الإيراد المذكور و هو إجرائه بنحو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي بأن يقال ان مرجع الشك في وجوب القضاء خارج الوقت الى الشك في وحدة المطلوب و تعدده فان وجوب القضاء يكشف عن تعدده كما ان عدم وجوبه يكشف عن وحدته ففي الحقيقة إذا كان الاشتغال بنحو وحدة المطلوب فعدم بقائه بعد خروج الوقت مقطوع كما انه لو كان بنحو التعدد يكون بقائه بعده مقطوعا فالأمر يدور بين مقطوع البقاء و مقطوع الزوال و بالنتيجة يصير بقاء الكلي مشكوكا و لا مانع من استصحابه ففي المقام نقول ان أصل الاشتغال المردد بين المقيد بالوقت و بين غير المقيد به معلوم و الشك في بقائه و مقتضى الاستصحاب ذلك و لازمة الإتيان بالواجب بعد الوقت ليتحقق الفراغ و الخروج عن عهدة التكليف الثابت بالاستصحاب.

الفرع الخامس: ما لو نذر ان يحج من غير ان يقيده بزمان خاص و البحث فيه يقع من جهات:

الاولى أصل جواز التأخير و عدم لزوم فورية الوفاء المناسبة للعمل ففي الحج عبارة عن الإتيان به في سنة النذر و في غيره بتناسبه و الدليل على عدم لزوم الفورية ما حقق في الأصول في مبحث عدم دلالة هيئة افعل و ما يشابهها على الفورية من ان متعلقها نفس الطبيعة و صرف الماهية و الأمر إلى إتيانها و إيجادها في الخارج بعث الى نفسها من دون دلالة على الفور أصلا كما انه لا دلالة له على التراخي نعم بناء على ما حكاه سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قدس سره الشريف- عن شيخه المحقق الحائري- قده- من ذهابه في أواخر عمره الى ان العلل الشرعية كالعلل التكوينية و انه يترتب عليها ما يترتب عليها

من الآثار و الاحكام و الخصوصيات لا بد من الالتزام بالفورية لان ترتب المعلول التكويني على علته التكوينية فوري لا انفكاك بينهما أصلا فلا بد من ان يكون في العلل التشريعية التي منها الأمر و منها النذر كما في المقام ان يكون كذلك و لكنا قد حققنا في الأصول تبعا للأستاذ- قده-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 457

..........

______________________________

بطلان هذا المبنى و عليه فلا مجال للحكم بلزوم الوفاء بالنذر فورا.

نعم حكى عن التذكرة انه بعد ما قوى عدم الفورية ذكر وجوها لاحتمالها مثل انصراف المطلق إليها أو انه لو لم نقل بالفورية لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيا أو ان ظن الحياة هنا ضعيف لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به الا من عام آخر أو إطلاق بعض الاخبار الناهية عن تسويف الحج و لكن المناقشة في جميع هذه الوجوه واضحة كما لا يخفى.

الثانية غاية جواز التأخير و حدّه قال في المدارك: «قد قطع الأصحاب بان من نذر الحج مطلقا يجوز له تأخيره الى ان يتضيق الوقت بظن الوفاة» و قال في المسالك «لا خلاف في جواز تأخير المطلق الا ان يظن الوفاة سواء حصل مانع أم لا» و في الجواهر انه هو المعروف بين الأصحاب.

و ذكر بعض الاعلام بعد نقل ما هو المعروف بين الأصحاب من ان الحدّ هو ظن الموت أو الفوت في مقام الاشكال عليه ما ملخصه انه لا دليل على اعتبار الظن في المقام بل لو قلنا بجواز التأخير فاللازم الحكم بجوازه مطلقا و ان تحقق الظن بأحدهما بل الظاهر عدم جواز التأخير إلا مع الاطمئنان بإتيان الواجب في آخر الوقت

أو كون التأخير مستندا الى العذر لان مقتضى حكم العقل بعد اشتغال ذمة العبد بالواجب إفراغ ذمته عما وجب عليه و ليس له التأخير في أدائه ما لم يكن هناك مؤمّن و هو أحد أمرين و هما العذر في التأخير و حصول الاطمئنان له بالوفاء في آخر الوقت أو قيام طريق شرعي كالبينة فلو كان شاكا في إمكان الامتثال لا يجوز له التأخير و ان لم يظن الموت بل لا يجوز في صورة الظن بالبقاء ان لم يبلغ حد الاطمئنان.

و استصحاب بقاء الحياة أو التمكن لا يصلح مستندا لجواز التأخير لأنه مضافا الى جريانه في صورة الظن بالموت أيضا يكون مثبتا لانه لا يحقق الامتثال و إحرازه فيما بعد بل هو لازم عقلي لبقاء الحياة و القدرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 458

..........

______________________________

و هذا القول هو الوسط بين القول أو احتمال الفورية و بين ما هو المعروف بين الأصحاب لأن مقتضاه عدم لزوم الفورية و جواز التأخير و عدم كون حدّ الجواز هو الظن بالموت أو الفوت بل مشروط بالاطمينان بالبقاء و القدرة.

و يندفع الاشكال عن المشهور بان الظاهر ان مرادهم من الظن بالموت هو الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم عند العرف و العقلاء فلا مجال لدعوى عدم الدليل على اعتبار الظن في المقام على ما عرفت.

و اما تعليق الحكم بجواز التأخير على الاطمئنان بالبقاء و لازمة عدم الجواز مع الظن به فضلا عن الشك و الوهم فيرد عليه ان الحاكم بجواز التأخير ليس الا العقل لانه من شئون الامتثال و الخروج عن عهدة التكليف الذي تنجز على المكلف و الظاهر ان التعليق المذكور يستلزم عدم جواز التأخير نوعا

لانه لا يتحقق الاطمئنان بالبقاء كذلك فيلزم ان لا يتحقق الجواز بحسب الغالب و منه يستكشف ان حكمه بالجواز مغيى بما هو المعروف من الاطمئنان بالموت أو الفوت لا مشروط بالاطمينان بالبقاء و مما ذكرنا انه لا وجه لدعوى كون الاستصحاب مثبتا بعد كون مورده مثل ما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على المستصحب بواسطة لازم عقلي أو عادى مع انك عرفت انه لا يكون هنا أثر شرعي لأن جواز التأخير انما هو حكم العقل و لا ارتباط له بالشرع.

الثالثة انه لو مات بعد تمكنه من الإتيان بالحج و الوفاء بالنذر و لم يأت به ففي وجوب القضاء على الوارث و عدمه ما مر من البحث فيه في الفرع السابق بالإضافة إلى وجوب القضاء على نفسه و لا خصوصية لهذه الجهة في هذا الفرع كما لا يخفى الرابعة انه هل القضاء عن الميت من أصل التركة أو من الثلث قولان: ذهب جماعة كالمحقق في الشرائع إلى الأول و استدل عليه بان الحج واجب مالي و الإجماع قائم على ان الواجبات المالية تخرج من الأصل و قد مرّ الإيراد عليه بالمنع من كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 459

..........

______________________________

الحج واجبا ماليا كما في المدارك نظرا إلى انه عبارة عن المناسك المخصوصة و ليس بذل المال داخلا في ماهيته و لا من ضرورياته و توقفه عليه في بعض الصور كتوقف الصلاة عليه في بعض الوجوه كما إذا احتاج الى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر و نحو ذلك مع القطع بعدم وجوب قضائها من أصل التركة.

كما انه قد مرّ جواب صاحب العروة عن هذا الإيراد بأن الحج في الغالب محتاج

الى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية فإن كان هناك إجماع أو غيره على ان الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعا.

و التحقيق انه لا مجال لدعوى كون الحج المنذور واجبا ماليا حتى يدخل في معقد الإجماع المذكور لما عرفت مرارا من ان الواجب في باب النذر ليس هو العمل المنذور و ما تعلق به النذر و ان كان مفاد الصيغة هو التمليك لأن الصيغة بمجردها لا تثبت الحكم الشرعي بل الحكم الشرعي انما ثبت بمقتضى دليل وجوب الوفاء بالنذر ضرورة انه مع قطع النظر عن الدليل المذكور لا يكون في البين وجوب و واجب فالدليل المتكفل لإثبات الحكم الشرعي هو ما يدل على وجوب الوفاء لا الصيغة بنفسها و عليه فاللازم ملاحظة الواجب في ذلك الدليل و من المعلوم انه هو عنوان الوفاء و لا يكون هذا واجبا ماليا و مجرد تحققه في الخارج فيما إذا كان المنذور امرا ماليا بإيجاد ذلك الأمر المالى لا يوجب كون عنوان الوفاء واجبا ماليا و هذا بخلاف حجة الإسلام التي تكون بنفسها معروضة للوجوب و يمكن القول بل لا يبعد الالتزام بأنه واجب مالي كالزكاة و الخمس و الدين.

و قد انقدح ان كون الحج امرا ماليا لا يستلزم ان يكون واجبا ماليا داخلا في معقد الإجماع المذكور فيما إذا صار متعلقا للنذر و شبهه و بما ذكرنا يظهر النظر فيما تقدم عن المستمسك و صاحب الجواهر في باب مطلق النذر أو خصوص نذر الحج فان نظر الأول إلى مفاد الصيغة و نظر الثاني إلى متعلق النذر مع انه لا بد ان يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 460

..........

______________________________

النظر الى

دليل وجوب الوفاء بالنذر و لا يكون الوفاء بعنوانه امرا ماليا كما عرفت.

هذا و ذهب جماعة إلى انه يخرج من الثلث و استدلوا عليه بروايتين واردتين في نذر الإحجاج بضميمة الأولوية.

إحديهما صحيحة ضريس الكناسي قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر قال- ع-: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و ان لم يكن ترك ما لا الا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر، انما هو مثل دين عليه. «1»

و التعليل المشتمل على التشبيه بالدين انما هو في أصل وجوب الإخراج على الولي و الا فالمشبه به الذي هو الدين يخرج من جميع التركة لا من الثلث و ان كان يرد عليه ان لزوم الإخراج على الولي انما هو فيما إذا كان للميت تركة لانه لا يجب الإخراج على الولي من مال شخصه كما لا يخفى.

ثانيتهما صحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل نذر للّٰه ان عافى اللّٰه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّٰه الحرام فعافى اللّٰه الابن و مات الأب فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه. «2»

و تقريب الأولوية على ما في العروة تبعا لكشف اللثام انه إذا

كان نذر الإحجاج كذلك اى خارجا من الثلث مع كونه ماليا قطعا فنذر الحج بنفسه اولى بعدم الخروج من الأصل.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 461

..........

______________________________

و أورد على هذا التقريب بعض الاعلام بمنع الأولوية نظرا الى ان الحج المنذور النفسي يمتاز عن سائر الواجبات لكونه واجبا ماليا و حاله حال الدين في الخروج من الأصل و اما نذر الإحجاج فهو مجرد تسبيب الى العمل و الى إتيان أفعال الحج و لا يصح إطلاق الدين عليه في نفسه و دعوى ان الإحجاج واجب مالي محض واضحة المنع لإمكان إحجاج الغير بدون بذل المال له أصلا كما إذا التمس من أحد ان يحج أو يلتمس من شخص آخر ان يحج الغير و نحو ذلك من التسبيبات الى حج الغير من دون بذل المال.

و الجواب عن هذا الإيراد- مضافا الى انه لو لم يكن الإحجاج واجبا ماليا كيف حكم في الروايتين بأنه يخرج من ثلث المال بنحو الإطلاق فإنه مع إمكان أداء الواجب من غير التركة لا مجال لإخراجه منها و لو من الثلث كما لا يخفى- وضوح ان المقصود عند العرف من مثل نذر الإحجاج هو بذل المال للغير لان يحج لا تحقق الحج منه بتسبيبه و لو من غير طريق بذل المال فإذا نذر ان يرسل رجلا إلى زيارة مشهد الرضا- عليه السّلام- فهل يكون المقصود منه غير بذل المال إياه لأن يسافر إليه للزيارة و هل يتحقق الوفاء بالنذر بما إذا التمس من الغير أن يبذل

مالا له لذلك و بالجملة لا ينبغي الإشكال في كون الإحجاج امرا ماليا محضا فإذا كان نذره مع كونه كذلك لا يوجب الخروج من الأصل ففي نذر الحج لنفسه مع عدم كونه ماليا كذلك للزوم الإتيان بالأعمال و المناسك على الناذر يكون ذلك بطريق اولى.

و لكن الإيراد على الروايتين انهما معرض عنهما في موردهما عند المشهور فان قلنا بأن إعراض المشهور عن الرواية يوجب سقوطها عن الاعتبار و الحجية و لو بلغ في الصحة المرتبة العليا فلا مجال- ح- للاستدلال بهما أصلا و ان لم نقل بذلك- على خلاف ما هو التحقيق عندنا- لا مانع من التمسك بهما للمقام لتمامية الأولوية بعد اعتبارهما و حجيتهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 462

..........

______________________________

و على التقدير الأول ذكر للروايتين محامل متعددة:

1- ما حكاه في كشف اللثام عن العلامة في المختلف من حملهما على صورة كون النذر في حال المرض بضميمة كون المنجزات الصادرة من المريض في مرض الموت من الثلث كغيرها مثل الوصية.

و يرد عليه- مضافا الى الاختلاف في منجزات المريض- انه لا إشعار في الروايتين بوقوع النذر في حال مرض الموت كما لا يخفى.

2- حملهما على صورة عدم الإتيان بصيغة النذر حتى يجب عليه الوفاء به.

و يرد عليه انه مع عدم اللزوم بسبب عدم إجراء الصيغة لا مجال للإخراج من الثلث أيضا مضافا الى ظهورهما في تحقق النذر و لزوم الوفاء به.

3- حملهما على صورة عدم التمكن من الوفاء بالنذر حتى مات.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا اشعار فيهما بهذه الصورة و انه لم يتمكن- انّه لا مجال للإخراج من الثلث بعد عدم اشتغال ذمة الناذر لأجل عدم التمكن.

4- ما ذكره

صاحب المعالم في كتابه «منتقى الجمان» من الحمل على صورة عدم التمكن من الوفاء و كون الحكم ندبيا.

و يرد عليه- مضافا الى ما مر- ان التفكيك بين الإحجاج و بين حجة الإسلام في الرواية الاولى من جهة الإيجاب و الاستحباب لا مجال له أصلا، و يبعد الروايتين من جهة الدلالة على الثلث رواية مسمع بن عبد الملك قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- كانت لي جارية حبلى فنذرت للّٰه تعالى ان هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه فقال: ان رجلا نذر للّٰه في ابن له ان هو أدرك ان يحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعده فاتى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله أن يحج عنه مما ترك أبوه. «1» نظرا الى ظهورها في كون الإخراج من جميع التركة

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب السادس عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 463

..........

______________________________

و إذا كان النذر في مورد الرواية مع عدم كون المعلق عليه حاصلا في زمان حياة الناذر بل متحققا بعدها خارجا من أصل التركة ففي مورد الروايتين الذي يكون المعلق عليه حاصلا في حال الحياة يكون بطريق اولى و لكن الإشكال في ان هذه الرواية أيضا يكون معرضا عنها أم لا و سيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و دعوى ان النسبة بينها و بينهما هي الإطلاق و التقييد بمعنى ان هذه الرواية مطلقة و هما تدلان على الإخراج من خصوص الثلث مدفوعة بظهورها في الإخراج من الجميع لا في مطلق الإخراج كما لا يخفى و يأتي هذه

الجهة أيضا إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المجال انه لم ينهض شي ء من الأدلة المتقدمة لإثبات الإخراج من أصل التركة و لا لإثبات الإخراج من الثلث لما مرّ من الإيراد على أدلة الطرفين.

هذا و لكن الظاهر ان الإخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص لعدم خصوصية له بعد كون الاشتغال ثابتا في حال الحياة و قام الدليل على لزوم الإفراغ بعد الموت على الوارث لا من ماله الشخصي بل مما تركه الميت فان مقتضى الأمرين لزوم الإفراغ من جميع أجزاء التركة لاشتراكه في الإضافة إلى الميت و الارتباط به و لزوم الإفراغ مما يتعلق به و الإخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص و مئونة زائدة كما قام في الوصية و في منجزات المريض بناء على خروجه من الثلث و اما مع عدم قيام الدليل على الإخراج من الثلث فالإخراج من الأصل لا يحتاج الى قيام الدليل على خصوصه بل يكفي في ذلك ما عرفت من مجرد لزوم الإخراج من التركة فالحق في المقام ما قواه في المتن للوجه الذي ذكرنا لا لكون الحج المنذور واجبا ماليا حتى يناقش في صغراه بناء على ثبوت الإجماع على الكبرى و عدم المناقشة فيها أو كونه مشتملا على جهة الدينية كما اختاره صاحب الجواهر- قدس سره.

الفرع السادس: ما لو نذر الحج و لم يتمكن من أدائه حتى مات و الظاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 464

..........

______________________________

- كما في المتن- عدم وجوب القضاء عنه و الوجه فيه- مضافا الى محدودية الالتزام الذي تتضمنه صيغة النذر بصورة التمكن من الأداء و الوفاء فان قوله: للّٰه علىّ ان

أحج لا يكون مفاده الالتزام بالحج و لو مع عدم التمكن منه الى آخر العمر بل المغروس في ذهن الناذر و المتفاهم عند العرف هو الالتزام المقيد بالقدرة- ان وجوب الوفاء بالنذر الذي يترتب على النذر مشروط بالقدرة كما في سائر التكاليف الإلهية من دون فرق بين التعبدية و التوصلية فمع عدم التمكن لم تشتغل ذمته بالوفاء حتى يجب القضاء عنه بعد الموت بعد كون وجوب القضاء متفرعا على وجوب الأداء كما لا يخفى.

الفرع السابع: ما لو نذر الحج معلقا على أمر و لم يتحقق المعلق عليه حتى مات كما لو نذر الحج معلقا على شفاء مريضة أو فكاك اسيره و مثلهما و لم يتحقق المعلق عليه ما دامت حياته بل مات ثم تحقق المعلق عليه فهل يجب على الوارث القضاء عنه أم لا؟ قال السيد- قده- في العروة: «المسألة مبنية على ان التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلق فعلى الأول لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط و ان كان متمكنا من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثاني يمكن ان يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الأول الا ان يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول الشرط» و مرجع الأول إلى التعليق في أصل الالتزام النذري كالوجوب في الواجب المشروط و الثاني إلى التقييد في الملتزم به الذي هو الحج المنذور كما في الواجب المعلق و مثال كلا الأمرين الحج فان وجوبه مشروط بالاستطاعة و الواجب مقيد بالموسم و زمان خاص و عليه فلازم الأمر الأول عدم تحقق الالتزام قبل المعلق عليه و لازم الأمر الثاني تحقق الالتزام قبله غاية

الأمر لزوم كون الحج بعد تحقق المعلق عليه فيجب القضاء عنه في الثاني بعد تحققه و لا يجب في الأول.

هذا و لكنه أورد عليه بوجهين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 465

..........

______________________________

أحدهما انه يمكن ان يقال بوجوب القضاء بناء على كونه من قبيل الأول و هو تعليق أصل الالتزام أيضا بناء على كون المعلق عليه مأخوذا بنحو الشرط المتأخر لا المقارن و عليه فوجوده بعد الموت يكشف عن تحقق المشروط في حال الالتزام أيضا ثانيهما انه لا يجب القضاء عنه و لو كان من قبيل الثاني أي كون الملتزم به معلقا لا أصل الالتزام و ذلك لانه يعتبر في كلا الوجوبين- المشروط و المعلق- ثبوت القدرة على الواجب و من المعلوم ان الناذر لا يقدر على الحج بعد تحقق المعلق عليه لفرض الموت و الميت لا يقدر على اىّ عمل و يصير هذا كالحج بعد الاستطاعة و عروض الموت قبل تحقق الموسم في العام الأول من الاستطاعة فإن وجوب الحج و ان كان بالإضافة إلى الموسم بنحو الوجوب المعلق الا انه حيث لا يقدر عليه في الموسم لفرض الموت قبله فلا مجال لدعوى ثبوت الاشتغال و لزوم القضاء عنه كما هو ظاهر الفرع الثامن نذر الإحجاج و تعرض في المتن لأربع صور فيه و أشار- بسبب اضافة بعض القيود- إلى صورة خامسة تعرض لها السيد- قده- في العروة صريحا اما الصورة الأولى فهي ما إذا نذر الإحجاج معلقا على شرط فمات قبل حصوله و حصل بعد موته مع تمكنه قبله و استظهر في المتن وجوب القضاء عنه و الظاهر ان مستند الوجوب ليس هي القاعدة لاقتضائها عدم الوجوب لما عرفت من

ان التعليق سواء كان راجعا إلى أصل الالتزام بنحو الواجب المشروط أو الى الملتزم به بنحو الواجب المعلق يستلزم عدم اشتغال ذمة الناذر بوجه لعدم القدرة بعد الموت على إتيان المنذور لفرض الموت كما مرّ.

بل المستند هي صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدمة في الفرع الخامس بلحاظ اشتمالها على نقل ما وقع في زمن رسول اللّٰه- ص- و حكمه بلزوم القضاء مما ترك الميت في هذه الصورة و قد عمل بها جماعة- كما في العروة- أو المشهور- كما في بعض شروحها- و على اىّ تقدير لم يتحقق اعراض المشهور عنها القادح في حجيتها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 466

..........

______________________________

فاللازم الالتزام بمفادها.

نعم ربما يقع الكلام في الصحيحة في اختصاصها من حيث الدلالة بهذه الصورة نظرا الى اختصاص ما نقله الامام- ع- بها أو عدم الاختصاص نظرا الى ان السؤال فيها عن نذر الإحجاج المعلق على ان تضع الجارية غلاما ذكرا من دون إشارة إلى وقوع المعلق عليه و عدمه و على التقدير الأول هل المراد هو الوقوع في زمان حياة الناذر أو الوقوع بعد موته ففي الفرض الأول لا بد و ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بالنذر بعد تحقق المعلق عليه و يكون انطباق الجواب عليه انما هو بلحاظ الأولوية نظرا إلى انه إذا كان حصول المعلق عليه بعد الموت موجبا للقضاء عن الميت مما تركه فحصوله في زمان الحياة أولى بتحقق الوجوب و لزوم الوفاء بالنذر.

و في الفرض الثاني ينطبق الجواب على مورد السؤال لأنه- ح- لا بد و ان يكون محط نظر السائل لزوم القضاء عنه بعد الموت إذا تحقق المعلق عليه بعده.

كما انه

على التقدير الثاني الذي مرجعه الى عدم تحقق المعلق عليه بوجه لا بد و ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بعد عدم تحقق المعلق عليه أصلا و عليه لا ينطبق الجواب على السؤال أصلا.

و ربما يقال بان المستفاد من الخبر صدرا و ذيلا و من تطبيق الامام- ع- ما نقله عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله على ما سأله السائل ان نذر الإحجاج مما يجب قضائه بعد الموت سواء كان مطلقا أو معلقا و سواء مما تمكن منه أم لا.

و لكن الإنصاف ان استفادة الضابطة الكلية بالنحو المذكور من الصحيحة مشكلة جدا فإنه و ان كان السؤال في نفسه مجملا و لم يقع استفصال في الجواب بل اقتصر على نقل ما قاله الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله في مورد خاص الا ان تعميم حكم النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بوجوب القضاء لمثل صورة عدم التمكن مما لا سبيل اليه فضلا عما إذا احتمل الشمول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 467

..........

______________________________

لصورة عدم تحقق المعلق عليه مع عدم إشعار في السؤال بوقوعه كما لا يخفى.

و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على وجوب القضاء في هذه الصورة و ظاهرها القضاء من أصل التركة كما عرفت.

و الصورة الثانية ما لو نذر إحجاج شخص في سنة معينة فخالف مع تمكنه ففي المتن: «وجب عليه القضاء و الكفارة و ان مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة» و الوجه فيه ما مرّ في نذر حج نفسه في سنة معينة غاية الأمر عدم التعرض هناك لوجوب القضاء و الكفارة على الوارث مع الترك في حال الحياة.

و الصورة الثالثة

ما لو نذر إحجاج شخص مطلقا و الحكم فيه أيضا ما مر في نذر الحج كذلك من دون فرق إلا في انه ربما يقال- كما يأتي- بأن الحج المنذور يمكن الإشكال في ماليته نظرا الى ان الحج لا يكون إلا عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة و المال له دخل في مقدماته لا في حقيقته و ماهيته و اما الإحجاج الذي مرجعه الى بذل المال للغير لان يحج لنفسه فلا يكون إلا أمرا ماليا لا مجال للمناقشة في ماليته و سيأتي البحث في هذه الجهة.

الصورة الرابعة ما لو نذر الإحجاج معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات و الحكم فيه وجوب القضاء و الكفارة من أصل التركة كما في مثله من نذر الحج المعلق على شرط كذلك و لا فرق بين المعلق مع حصول المعلق عليه و بين المطلق غير المعلق من رأس.

الصورة الخامسة التي أشير إليها بالتقييد بالتمكن في جميع الصور الأربعة و هو ما لو لم يتمكن منه الناذر في حياته أصلا أو الزمان الخاص الذي ذكره و قد حكم في المتن بعدم وجوب القضاء عنه في مثله من نذر الحج مع عدم التمكن حتى مات و لكن السيد- قده- في العروة بعد ان ذكر وجهين في وجوب القضاء عنه و عدمه و ان أوجههما هو الوجوب استدل عليه بما هذه عبارته: «لانه واجب مالي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 468

[مسألة- 4 لو نذر المستطيع ان يحج حجة الإسلام انعقد و يكفيه إتيانها]

مسألة- 4 لو نذر المستطيع ان يحج حجة الإسلام انعقد و يكفيه إتيانها و لو تركها حتى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته، و لو نذرها غير المستطيع

انعقد و يجب عليه تحصيل الاستطاعة الا ان يكون نذره الحج بعد الاستطاعة. (1)

______________________________

أوجبه على نفسه فصار دينا غاية الأمر انه ما لم يتمكن معذور و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه انه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه و اعتبار المباشرة بخلاف الإحجاج فإنه كنذر بذل المال كما إذا قال: للّٰه على ان اعطى الفقراء مائة درهم و مات قبل تمكنه و دعوى كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشرى و ان استلزم صرف المال فإنه لا يعد دينا عليه بخلاف الأول».

و لكن أورد عليه بعدم الفرق بين النذرين إلا إذا كان النذر المتعلق بالمال على نحو نذر النتيجة كما إذا نذر ان يكون مديونا لزيد بكذا و قلنا بصحة نذر النتيجة و اما إذا كان النذر متعلقا بالفعل و عمل الناذر فلا يوجب كونه دينا كسائر الديون الموجبة لأدائها على الوارث بعد الموت و لو لم يتمكن الميت من الأداء طول الحياة و ذلك لان المنذور هو العمل و ان كان متعلقا بالمال كإعطاء الفقراء في المثال و إذا لم يتمكن منه الى آخر العمر يكشف عن عدم انعقاد النذر من رأس كما انه لو كان المنذور مقيدا بزمان خاص لا بد و ان يكون متمكنا في ذلك الزمان و مع عدمه لا محيص عن الحكم بعدم الانعقاد و كيف كان فنذر الإعطاء و الإحجاج و ان كان تحققهما بالمال فقط لا يوجب تحقق الدين و كون الناذر مديونا للفقراء أو الشخص الذي نذر احجاجه فالظاهر- ح- انه لا فرق بين نذر الحج و نذر الإحجاج في انه مع عدم التمكن

لا يجب القضاء بوجه أصلا و قد عرفت.

(1) في هذه المسألة فرعان: الأول لو نذر المستطيع الذي يجب عليه حجة الإسلام ان يحجها و يأتي بها فهل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 469

..........

______________________________

ينعقد نذره أم لا فأكثر المتأخرين- كما في الجواهر- على الأول خلافا للمرتضى و الشيخ و أبي الصلاح و ابن إدريس فيمن نذر ان يصوم أول يوم من شهر رمضان مستدلا بان صيامه مستحق بغير النذر، و بان صيامه مستحق بالأصل و لا يمكن ان يقع فيه غيره.

و أجيب عن هذا الاستدلال بان الوجوب بالأصل لا ينافي الاستحقاق بالنذر و هو لا يقتضي وقوع غير رمضان في رمضان و انما يقتضي ذلك لو نذر ان يصوم غير رمضان فيه لا ما لو نذر ان يصوم رمضان فيه و النذر يقتضي ثبوت شي ء زائد على الوجوب و هو الحق الإلهي و إذا لم نقل بذلك فلا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب الموجب لزيادة الانبعاث و لا سيما بملاحظة ما يترتب عليه من الكفارة.

و أنت بعد ملاحظة ما عرفت منا مرارا تعرف انه لا مجال لدعوى تأكد الوجوب بوجه لان مورده ما إذا كان المتعلق للوجوبين واحدا و اما مع الاختلاف و التعدد فلا وجه للتأكد و المقام من هذا القبيل لان متعلق الوجوب في حجة الإسلام انما هو نفس عنوان الحج لانه الواجب بالأصل في الشريعة مع شرائط الوجوب و متعلق الوجوب في باب النذر انما هو عنوان الوفاء بالنذر و لا يسرى الحكم من هذا العنوان الى عنوان المتعلق للنذر بل هو باق على حكمه الاولى من الوجوب أو الاستحباب ففي المقام يثبت بالنذر حكم آخر غير

ما كان ثابتا للمتعلق فلا مجال للحكم بتأكد الوجوب بل هنا وجوبان و وظيفتان و لا معنى لتعدد الوظيفة مع التأكد و العجب من بعض الاعلام حيث انه يصرح في أول كلامه بان الواجبات الأصلية تتأكد بتعلق النذر بها و في ذيل كلامه بأنه إذا أتى بحجة الإسلام مع تعلق النذر بها فقد اتى بالوظيفتين.

فان ثبوت الوظيفتين لا يجتمع مع التأكد و لا يتحقق الا مع التعدد و هو يتم بناء على ما ذكرنا من تعدد المتعلق غاية الأمر كفاية عمل واحد في تحققهما.

ثم ان لصاحب «المستمسك» شبهة في خصوص نذر الحج أي حجة الإسلام مرجعها الى عدم انعقاده من رأس حيث انه بعد ذكر ان المملوكية للّٰه التي معناها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 470

..........

______________________________

كونه مستحقا له بالحق الوضعي لا يقبل التكرر و لا التأكد كأكثر عناوين الإيقاعات مثل الزوجية و الرقية و الحرية و نحوها فإنها جميعا لا تقبل التأكيد و التأكد و ليست من الماهيات المشككة قال: «و من ذلك يشكل الأمر في نذر حج الإسلام بناء على ما سبق من ان الظاهر من اللام في قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ هو الملكية فإنه إذا كان حج الإسلام مملوكا بالأصل لا يكون مملوكا بالنذر أيضا و ليت المانعين ذكروا ذلك في نذر حج الإسلام و استدلوا عليه بما ذكر فإنه يكون حينئذ في محله و متين جدا».

أقول: نحن و ان كنا قد استفدنا من التعبير المذكور في آية الحج أهمية هذه الفريضة و ثبوتها على المستطيع كثبوت الدين عليه و لأجله يجب القضاء عنه بعد موته أيضا الّا انه لا يرجع ذلك الى ثبوت مثل

الملكية الاعتبارية المتداولة بين الناس له تعالى على المستطيع كما ان مفاد صيغة النذر بناء على كون اللام فيها بمعنى الملكية لا متعلقة ب- التزمت و نحوه ليست هي الملكية المعروفة كالملكية الحاصلة في البيع و نحوه حيث انها لا تقبل التكرر و لا التأكد و الا يلزم ان يكون في نذر النتيجة- بناء على صحته و انعقاده- كما إذا نذر ان يكون مديونا لزيد مائة درهم مثلا ان يكون بالإضافة إلى نفس هذا المقدار مديونا له تعالى و لزيد معا و على ما ذكرنا لا مانع من الجمع في حجة الإسلام بين الآية المشتملة على التعبير باللام و بين مفاد صيغة النذر المشتملة عليها أيضا و مقتضاه ثبوت حكمين كما ذكرنا.

الفرع الثاني: ما لو نذر غير المستطيع حجة الإسلام و فيه صورتان:

الاولى: ما إذا كان نذرها معلقا بالاستطاعة كما إذا قال للّٰه علىّ ان أحج حجة الإسلام إذا استطعت و لا اشكال بمقتضى ما ذكرنا في الفرع الأول في الانعقاد و عدم وجوب تحصيل الاستطاعة لفرض كون الالتزام معلقا على حصولها.

الثانية: ما إذا كان نذرها مطلقا خاليا عن التعليق و لا اشكال فيها أيضا في أصل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 471

[مسألة 5- لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية]

مسألة 5- لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية بل يجب مع القدرة العقلية إلا إذا كان حرجيا أو موجبا لضرر نفسي أو عرضي أو مالي إذا لزم منه الحرج. (1)

______________________________

الانعقاد و صحة النذر انما الكلام في ان مقتضى وجوب الوفاء بالنذر لزوم تحصيل الاستطاعة عليه أم لا بل اللازم وجوب الوفاء بعد حصولها؟ فيه قولان اختار الثاني في الروضة و المستند بل في المدارك: «و

لا يجب تحصيلها قطعا» معللا بان المنذور ليس أمرا زائدا عن حج الإسلام الا ان ينذر تحصيلها فيجب و هو الظاهر من كشف اللثام و الجواهر حيث ذكر فيهما انه إذا لم يكن مستطيعا استطاعة شرعية توقعها.

و اختار الأول الماتن- قده- و السيد في العروة و غيرهما و هو الظاهر فإنه بعد ملاحظة ان النذر مطلق غير معلق على الاستطاعة و ان حجة الإسلام هي الحج الواقع عن المستطيع و قد عرفت مغايرته من حيث الحقيقة و الماهية مع سائر أنواع الحج كالحج التطوعى- كما مر تحقيقه- لا بد له في مقام الوفاء بالنذر الواجب عليه بمجرد الصيغة لفرض ثبوت الإطلاق و عدم التعليق تحصيل الاستطاعة لتحقق حجة الإسلام و لا مجال لدعوى عدم الفرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى في عدم لزوم تحصيل الاستطاعة بعد ثبوت التعليق هناك و ثبوت الإطلاق هنا فاللازم من باب المقدمة تحصيل الاستطاعة و كون وجوب حجة الإسلام مشروطا بالاستطاعة لا يستلزم ان يكون وجوب الوفاء بالنذر المتعلق بها مشروطا بها كما لا يخفى.

(1) ظاهر النص و الفتوى هو اعتبار القدرة العقلية في الحج النذري كما في غيره من الأمور المتعلقة للنذر فان دليل وجوب الوفاء بالنذر انما يكون كسائر الأدلة الدالة على الأحكام الوجوبية يكون مشروطا بالقدرة العقلية إلا في حجة الإسلام التي يكون وجوبها مشروطا بالاستطاعة الشرعية و ليس لنذر مطلق الحج خصوصية مقتضية لاعتبار الاستطاعة الشرعية فيه نعم ظاهر الشهيد في كتاب الدروس الخلاف قال فيها:

«و الظاهر ان استطاعة النذر شرعية لا عقلية فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 472

[مسألة 6- لو نذر حجا غير حجة الإسلام في عامها و هو مستطيع انعقد]

مسألة

6- لو نذر حجا غير حجة الإسلام في عامها و هو مستطيع انعقد لكن تقدم حجة الإسلام، و لو زالت الاستطاعة يجب عليه الحج النذري، و لو تركهما لا يبعد وجوب الكفارة، و لو نذر حجا في حال عدمها ثم استطاع تقدم حجة الإسلام و لو كان نذره مضيقا، و كذا لو نذر إتيانه فورا ففورا تقدم حجة الإسلام و يأتي به في العام القابل، و لو نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا أو حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف فالأقرب كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجة الإسلام بإتيان كل واحد مستقلا مقدما لحجة الإسلام. (1)

______________________________

النذر فان أهمل و استمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضا».

و ذكر في المستمسك بعد نقل هذه العبارة: «و لا يخفى ان تفريع ما ذكره يصلح ان يكون قرينة على ارادة غير الظاهر من كلامه و لو كان مراده ظاهر الكلام كان اللازم ان يقول فلو لم يملك زادا و لا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر» أقول: التفريع يؤكد ما هو الظاهر من الكلام لان مفاده انه بعد حصول الاستطاعة الشرعية يجب الوفاء بالنذر و يكون مقدما على حجة الإسلام التي تكون مشروطة بها و لكن يرد عليه انه لا دليل على ما ذكره ثم ان صورة استثناء كون الحج بنفسه حرجيا أو مستلزما للضرر الذي يلزم منه الحرج سواء كان نفسيا أو عرضيا أو ماليا انما هو بلحاظ تقدم قاعدة نفى الحرج على الأدلة الدالة على الأحكام الوجوبية و ان كانت مشروطة بالقدرة العقلية.

(1) في هذه المسألة فروع.

الأول: ما لو نذر حجا

غير حجة الإسلام في هذا العام و هو مستطيع و الخصوصيات المأخوذة في هذا الفرع عبارة عن كون الحج المنذور مقيدا بغير حجة الإسلام لا مطلقا و لا مقيدا بحجة الإسلام الذي مر البحث فيه و كونه مستطيعا في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 473

..........

______________________________

حال النذر في مقابل ما لو نذر ثم استطاع و كون المنذور مقيدا بهذا العام الذي يجب فيه حجة الإسلام لفرض الاستطاعة في مقابل ما لو كان مطلقا أو مقيدا بغير هذا العام كالعام القابل- مثلا- و كون النذر مطلقا غير معلق على زوال الاستطاعة في مقابل ما لو كان معلقا عليه كما لو قال ان زالت استطاعتي فللّه علىّ ان أحج غير حجة الإسلام في هذا العام فإنه في هذه الصورة لا شبهة في صحة النذر و انعقاده و وجوب الوفاء بالنذر على تقدير زوال الاستطاعة.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه صرح السيد- قده- في العروة بعدم الانعقاد و استثنى ما إذا نوى ذلك على تقدير زوال الاستطاعة فزالت و قد تبع في ذلك صاحبي المدارك و الجواهر قال في المدارك فيمن كان مستطيعا حال النذر و قد نذر حجا غير حجة الإسلام «فإن قيدها بسنة الاستطاعة و قصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله لأنه نذر ما لا يصح فعله و ان قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح و لو خلا عن القصد احتمل البطلان لانه نذر في عام الاستطاعة غير حج الإسلام و الصحة حملا للنذر على الوجه المصحح و هو ما إذا فقدت الاستطاعة» و قال في العروة بعد الحكم المذكور: «و يحتمل الصحة مع الإطلاق أيضا إذا

زالت حملا لنذره على الصحة» هذا و صريح المتن الحكم بالصحة و الانعقاد من دون فرق بين صورة بقاء الاستطاعة و صورة زوالها غاية الأمر أنه في صورة البقاء يتحقق التزاحم و يحكم بتقدم حجة الإسلام لأجل اهميتها بالإضافة إلى الوفاء بالنذر الواجب شرعا و في صورة الزوال لا بد من الإتيان بالحج النذري لكشف الزوال عن عدم وجوب حجة الإسلام.

أقول لا مجال للإشكال في الصحة و الانعقاد في صورة الزوال لانه معه يعلم عدم وجوب حجة الإسلام و ان الظرف قابل لوقوع غيرها فيه و بالجملة شروط الصحة كلها موجودة في هذا الفرض غاية الأمر عدم العلم بها بل ربما كان مقتضى الاستصحاب خلافها الا انه مع تحقق الزوال يعلم بتحققها و بطلان الاستصحاب و انه لم يكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 474

..........

______________________________

يحسب الواقع مستطيعا يجب عليه الحج فلا تنبغي المناقشة في الصحة و لا يلزم التعليق على الزوال و لو بحسب النية فإن المفروض عدم كونه معلقا و لو كذلك و لا وجه للزوم التعليق أصلا.

و اما صورة البقاء فالحكم بصحة النذر فيها و انعقاده يتوقف على ملاحظة أمور:

الأول ما ذكرناه في المسألة الأخيرة من الفصل السابق من ان فورية وجوب حجة الإسلام و لزوم الإتيان بها في أول أزمنة الإمكان ليس مرجعها الى عدم قابلية زمانها لوقوع غير حجة الإسلام فيه كعدم قابلية شهر رمضان لوقوع صيام غيره فيه فان الفورية أمر لا يستلزم عدم القابلية كما في مثال الصلاة و الإزالة فإن وجوب الإزالة و ان كان فوريا- و لأجله يكون مقدما على الصلاة و أهم بالإضافة إليها و بدونه لا مجال للأهمية فإن

مكان الصلاة لا يقاس بمكان الإزالة و موقعيتها كما هو واضح- الا انه لا يستلزم خروج الزمان اللازم للإزالة عن الظرفية لغيرها بحيث كانت الصلاة الواقعة في ذلك الزمان واقعة في غير الوقت فاللازم في عدم القابلية قيام الدليل الخاص عليه كقيامه في شهر رمضان و لم يقم في حجة الإسلام.

الثاني انه لا يعتبر في صحة النذر و انعقاده من ناحية المتعلق سوى التمكن من الإتيان به في ظرف الوفاء و العمل و كونه راجحا في نفسه في نظر الشرع و طاعة للّٰه تبارك و تعالى و لا يعتبر عدم استلزامه لترك واجب أو فعل حرام كما في الحج على القول بتوقف وجوبه زائدا على الاستطاعات الأربعة على عدم الاستلزام المذكور- على خلاف ما هو التحقيق كما مر مرارا- و لازمة كما عرفت عدم وجوب الحج إذا كان مستلزما لترك مثل جواب السلام أيضا و ان تصدى بعض القائلين بالقول المزبور لإخراج مثل الترك المزبور لكنه لم يأت بشي ء يمكن الاقتناع به على تقدير تسليم أصل المبنى و كيف كان فعدم الاستلزام المذكور لا يعتبر في النذر و ان كان يستفاد ذلك من كلام بعض الاعلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 475

..........

______________________________

الثالث ان اللازم في باب التزاحم ملاحظة نفس التكليفين من جهة عدم إمكان امتثالهما في زمان واحد و عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما كذلك و لا مجال لملاحظة المنشأ و الموجب لثبوت التكليف ففي المقام لا بد من ملاحظة تكليف وجوب الوفاء بالنذر مع تكليف وجوب حجة الإسلام و لا وجه لملاحظة الالتزام النذري و ما هو مفاد صيغة النذر مع ذلك الدليل حتى يكون- في صورة الترتب

و القول به فيما إذا كان أحدهما أهم و الأخر مهما- مفاد الصيغة مترتبا على ترك الأمر بالأهم و عصيانه بحيث كان نذره متعلقا بحج آخر غير حجة الإسلام على تقدير تركه لها و في ظرف تركه بل اللازم ملاحظة دليل وجوب الوفاء و ان كان النذر خاليا عن التعليق المذكور كما هو المفروض.

إذا عرفت هذه الأمور يظهر لك صحة النذر و انعقاده فيما هو محل البحث و الكلام فان متعلقه يكون مقدورا في زمانه و لا ريب في رجحانه فان الحج راجح مطلقا و لو في ظرف وجوب حجة الإسلام و زمانه غاية الأمر ان دليل وجوب الوفاء بالنذر يكون مزاحما لدليل وجوب حجة الإسلام و تكون هي واجبة و أهم الوفاء بالنذر يكون واجبا مهما و اللازم تقديم الأهم.

و الجمع بين التكليفين اما بنحو الترتب كما عليه القائلون به و اما بالنحو الذي حققناه في الأصول تبعا للماتن- قدس سره الشريف.

ثم انه على تقدير رعاية الأهم و الإتيان بحجة الإسلام لا يترتب على مخالفة النذر كفارة لمشروعية المخالفة و ترك الوفاء و الإتيان بحجة الإسلام و على تقدير عدم رعايته و ترك الوفاء بالنذر تثبت عليه الكفارة كما نفى عنه البعد في المتن لانه لازم ثبوت التكليفين و تحقق الالتزامين.

ثم ان ما افاده الماتن- قده- هنا من الحكم بصحة النذر و انعقاده ينافي ما أفاده في المسألة الأخيرة من الفصل السابق من الحكم ببطلان الإجارة فيما إذا استؤجر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 476

..........

______________________________

من استقر عليه الحج مع تمكنه من الإتيان بالحج لنفسه للنيابة عن الغير فان الفرق بين المسألتين النذر و الإجارة غير ظاهر و الحق

هو الحكم بالصحة في المقامين، و مما ذكرنا يظهر بطلان ما افاده السيد- قده- في العروة من الحكم بعدم الانعقاد كما ان استثنائه صورة ما إذا كانت نيته التعليق على زوال الاستطاعة مبنى على الاكتفاء بالنية في باب النذر و ان لم يتلفظ بها و التحقيق في باب النذر.

و اما الحمل على الصحة في صورة الإطلاق الذي معناه الخلو عن التعليق- لفظا و نية- فقد أورد عليه بان مجرى أصالة الصحة انما هي الشبهات الموضوعية التي مرجعها الى الشك فيما وقع في الخارج من حيث الاتصاف بالصحة و الفساد و اما الشبهات الحكمية كما في مثل المقام حيث ان المشكوك هو حكم الشارع بالصحة أو غيرها مع وضوح ما هو الواقع في الخارج حيث انه لاخفاء فيه و لا شبهة تعتريه لظهور كون الواقع هو النذر المطلق الخالي عن التعليق في مرحلة اللفظ و في مرحلة النية كما هو المفروض فلا مجال لجريان أصالة الصحة أصلا.

الفرع الثاني مثل الفرع الأول و الفرق بينهما انما هو في تحقق الاستطاعة في حال النذر في الفرع الأول و عدم تحققها حاله في هذا الفرع بل حدوثها بعد تحقق النذر و اما كون المنذور حجا غير حجة الإسلام فمشترك في الفرعين و ان لم يصرح به في المتن في هذا الفرع لكن قوله- قده- في الفرع الآتي: و لو نذر حجا من غير تقييد قرينة على ثبوت التقييد في الفرع الثاني.

ثم ان الحكم بصحة النذر في الفرع السابق يستلزم الحكم بها في هذا الفرع بطريق أولى لأنه إذا لم يكن وجود الاستطاعة و وجوب حجة الإسلام فعلا مانعا عن الانعقاد و موجبا للحكم بعدم الصحة ففيما إذا لم تكن

الاستطاعة موجودة حال النذر يكون الحكم المذكور ثابتا بنحو الأولوية غاية الأمر ان تحقق الاستطاعة بعد النذر يوجب تكليفا آخر و يقع التزاحم بين التكليفين و من الواضح أهمية حجة الإسلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 477

..........

______________________________

بالإضافة إلى الوفاء بالنذر و لا يلاحظ في باب التزاحم التقدم و التأخر الزمانيان و مقتضى الأهمية المذكورة لزوم الإتيان بحجة الإسلام من دون فرق بين كون النذر مضيقا اى مقيدا بالسنة الأولى- مثلا- التي وقع فيها الاستطاعة أو كونه فورا ففورا فإنه في كلا الفرضين لا بد من تقديم حجة الإسلام و الإتيان بالحج المنذور في العام القابل غاية الأمر أنه في صورة التضييق ينطبق عليه عنوان القضاء و في صورة كونه فورا ففورا لا يكون قضاء كما في حجة الإسلام الواجبة فورا ففورا.

ثم ان السيد- قده- في العروة حيث كان مبناه في مسألة وجوب حجة الإسلام تحقق الاستطاعة الشرعية التي مرجعها الى اعتبار الاستطاعات الأربعة بضميمة عدم استلزام الحج لترك واجب أو فعل حرام حكم في هذا الفرع بصحة النذر و انعقاده و عدم وجوب حجة الإسلام في هذا العام لاستلزامه ترك الواجب و هو الوفاء بالنذر فاللازم الإتيان بالحج النذري في هذا العام فان استمرت الاستطاعة إلى العام القابل يجب فيه حجة الإسلام.

و لكن قد عرفت مكررا ان هذا المبنى ضعيف و انه لا يعتبر في وجوب الحج شي ء زائد على الاستطاعات المذكورة فالحكم في المقام ما ذكرنا.

الفرع الثالث ما إذا نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا أو حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف، و المراد من عدم التقييد أعم مما إذا كان المنذور مطلق الحج و

خاليا عن التقييد بغير حجة الإسلام أو التقييد بها و مما يكون راجعا الى العموم كما إذا قال للّٰه علىّ ان أحج اىّ حج كان و قد وقع التعبير عنه في كلام السيد- قده- في العروة بالتصريح بالإطلاق و الدليل على الأعمية ما في المتن من قوله في آخر الكلام:

«في صورة عدم قصد التعميم لحجة الإسلام» فإنه و ان جعل التعميم مربوطا بالقصد و النية الا ان الظاهر ثبوت الفرق في مرحلة اللفظ أيضا.

و كيف كان فقد استقرب في المتن كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و الكلام

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 1، ص: 478

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 478

..........

______________________________

في ذلك تارة في أصل كفاية الحج الواحد و عدمها بحيث كان اللازم التعدد و اخرى في انه بعد الكفاية هل يلزم قصد كلا العنوانين أم لا؟

اما الكلام في أصل الكفاية و عدمها فاعلم انه ذكر السيد- قده- في العروة ان في المسألة أقوالا ثلاثة: كفاية حج واحد عنهما و وجوب التعدد و كفاية نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس و القول الأول محكي عن الشيخ في النهاية و الاقتصار و التهذيب و اختاره صاحب المدارك و القول الثاني منسوب الى المشهور بل عن الناصريات الإجماع عليه و قال صاحب الجواهر: «هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده» و القول الأخير محكي عن الشيخ في النهاية و مستند القول الثالث روايتان يأتي البحث عنهما و اما الأولان فظاهر العروة- تبعا للجواهر-

ابتنائهما على مسألة التداخل المعروفة المعنونة في الأصول المختلف فيها و حيث كان المختار عنده أصالة عدم التداخل و تعدد المسبب بتعدد السبب فلذا قوى القول الثاني و استثنى في آخر كلامه صورة التصريح بالإطلاق التي أشرنا إليها و قال بكفاية حجة الإسلام عن نذره بل الحج النيابي و غيره في هذه الصورة.

و ناقش بعض الاعلام- في الشرح- في الحكم بالابتناء على مسألة التداخل نظرا الى ان التداخل انما يجرى فيما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء كما يقال:

إذا ظاهرت فأعتق و إذا أفطرت فأعتق فوقع فيه البحث المعروف من ان هذه الشرائط و الأمور المتعددة الموجبة للجزاء هل هي أسباب حقيقية و كل سبب يقتضي مسببا مستقلا أم هي معرفات لا تقتضي إلّا جزاء واحدا عند تعدد الشرط و اما في باب النذر فيتبع التعدد و الوحدة قصد الناذر و الشارع انما يمضى ما التزمه الناذر على نفسه فلا بد من ملاحظة متعلق نذره فان كان هو الجامع و طبيعي الحج فاللازم انطباقه على حجة الإسلام قهرا لان المفروض ان متعلق نذره مطلق و أصالة عدم التداخل لا تجري في المقام لأن المأتي به و ان كان هي حجة الإسلام الّا انه يصدق عليه متعلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 479

..........

______________________________

النذر من دون فرق بين التصريح بالإطلاق و عدمه.

أقول منع الابتناء على مسألة التداخل و ان كان صحيحا لا ينبغي الارتياب فيه الّا ان الوجه فيه ليس ما ذكر بل الوجه هو عدم اتحاد الجزاء و كون التكليفين متعلقين بعنوانين مستقلين لان متعلق التكليف في باب النذر هو عنوان الوفاء به و في باب حجة الإسلام هو عنوان

الحج و تحقق الأمرين في الخارج بعمل واحد و فعل فأرد لا يستلزم الاتحاد في مرحلة تعلق التكليف فلا ارتباط للمقام بمسألة التداخل بل ما نحن فيه مثل ما إذا أمر المولى عبده بإكرام عالم و امره أيضا بضيافة هاشمي فأكرم العبد عالما هاشميا بالضيافة فالوجه في عدم الابتناء ما ذكرنا كما هو ظاهر.

ثم انه في المتن بعد الحكم بكفاية حج واحد في كلتا صورتي هذا الفرع نهى عن ترك الاحتياط في الصورة الاولى- و هو ما إذا لم يكن هناك قصد التعميم لحجة الإسلام- بالتعدد و إتيان كل واحد مستقلا مع تقديم حجة الإسلام على حج النذر، و بعد ملاحظة ما ذكرنا من الوجه لكفاية الوحدة و جريانه في كلتا الصورتين لا يرى وجه لهذا الاحتياط الوجوبي إلا رعاية فتوى المشهور بل المدعى عليه الإجماع كما عرفته من الجواهر بضميمة كون المتيقن من مورد فتوى المشهور هذه الصورة أي ما إذا لم يكن قصد التعميم بل كان مجرد الإطلاق كما إذا قال في الصيغة للّٰه علىّ ان أحج و لم يكن في البين انصراف الى غير حجة الإسلام- على ما هو المفروض في هذا الفرع- هذا ما يتعلق بأصل الوحدة و التعدد.

و اما الكلام بعد الاكتفاء بالوحدة في لزوم قصد كلا العنوانين كما هو ظاهر المتن أو عدم اللزوم فمحصله انه ذكر بعض الاعلام- على ما في شرح العروة- ان الظاهر هو الثاني نظرا الى عدم اعتبار قصد العنوان في إتيان المنذور و لا يلزم الإتيان به بعنوان متعلق النذر لان وجوب الوفاء بالنذر توصلي لا يعتبر في إتيانه و سقوطه قصد العنوان بخصوصه فلو نذر ان يصوم اليوم المعين و صام ذلك اليوم

و غفل عن النذر صح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 480

..........

______________________________

صومه و كذا لو نذر ان يصلى صلاة الليل و صلاها و لكنه نسي النذر ففي الجميع لا يعتبر قصد العنوان في سقوط النذر و امتثاله قال: «و لو عكس الأمر و قصد عنوان النذر بخصوصه و لم يقصد حج الإسلام نلتزم بالاكتفاء عن حج الإسلام أيضا كما إذا حج و يزعم انه غير مستطيع ثم علم بالاستطاعة فإنه لا ريب في الاكتفاء به عن حج الإسلام و ان اتى به بقصد عنوان النذر و بتعبير آخر: الحج الصادر في أول سنة الاستطاعة من حج الإسلام سواء قصد هذا العنوان أم لا بل لو فرضنا انه لم يعلم بهذا العنوان و لم يسمع به و حج كفى عنهما».

أقول الكلام معه تارة فيما يرتبط بعنوان الوفاء بالنذر و اخرى فيما يتعلق بعنوان حجة الإسلام:

اما من الحيثية الأولى فيظهر من كلامه ان الوجه في عدم اعتبار قصد عنوان الوفاء بالنذر هو كونه واجبا توصليا مع ان التوصلية أمر و لزوم قصد العنوان أمر آخر و يمكن اجتماعهما كما في عنوان أداء الدين فإنه مع كونه واجبا توصليا لا ينطبق عنوانه على الأداء الخارجي إلّا إذا كان مقرونا بقصد عنوانه و نية أداء الدين لعدم تعينه إلا بالنيّة و لزوم قصد العنوان في مثل صلوتى الظهر و العصر و أكثر العبادات ليس لأجل كونها عبادة بل لأن عنواني الظهر و العصر من العناوين المتقومة بالقصد غير المتحققة بدونه و على ما ذكرنا فالظاهر ان عنوان الوفاء بالنذر أيضا كذلك لا ينطبق على الإتيان بالمتعلق في الخارج إلّا إذا كان مقرونا بنية الوفاء

و الأمثلة المذكورة في كلامه غاية ما رتب عليها هو الحكم بالصحة مع ان الصحة أمر و الوفاء بالنذر أمر آخر و نحن نمنع تحقق الوفاء غاية الأمر عدم ترتب الكفارة لعدم كون النذر ملتفتا اليه حال العمل و استبعاد تحقق المخالفة مع وقوع الصوم و صلاة الليل لا مجال له أصلا.

و اما من الحيثية الثانية فما هو الواجب بمقتضى الكتاب و السنة في صورة تحقق الشرائط ليس الّا عنوان الحج فقط بل قد مرّ منا مرارا ان عنوان «الحج»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 481

..........

______________________________

لم يتعلق به الوجوب إلّا في مورد واحد و معنى حجّة الإسلام هو عنوان الحج مع اتصافه بالوجوب في أصل الشرع و عليه فما ذكره من ان الحج الصادر في أوّل سنة الاستطاعة هو حج الإسلام سواء قصد هذا العنوان أم لا في كمال الضعف لان عنوان الواجب هو عنوان الحج الذي هو واجب بأصل الشرع و لا مجال لدعوى عدم لزوم قصد عنوانه و ليس هنا شي ء أخر يجب قصده و عليه فالحكم بالاكتفاء بقصد عنوان النذر بخصوصه ان كان المراد به عدم قصد عنوان الحج المزبور أصلا فمن الواضح بطلانه و ان كان المراد قصد الوفاء بالنذر بضميمة قصد الحج المزبور فهذا يرجع الى قصد كلا العنوانين.

و اما ما ذكره من انه لا ريب في الاكتفاء بالحج فيما إذا زعم انه غير مستطيع ثم علم بالاستطاعة فيرد عليه ما تقدم منا في نفس هذه المسألة من عدم الاكتفاء لو كان على وجه التقييد نعم لو كان بنحو الاشتباه في التطبيق و أمكن ذلك لا مانع من الحكم بالاكتفاء فنفى الريب فيه في

غير محلّه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا قوة ما في المتن من لزوم قصد كلا العنوانين أحدهما قصد عنوان الوفاء بالنذر و ثانيهما قصد عنوان الحج الواجب.

ثمّ انه قد استدل للقول الثالث بصحيحتين:

إحديهما: صحيحة رفاعة بن موسى قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم، قلت و ان حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر ان يحج ماشيا أ يجزى عنه ذلك من مشيه؟ قال: نعم. «1»

و يجري في السؤال الأوّل في نفسه مع قطع النظر عن السؤال الثاني احتمالات:

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 482

..........

______________________________

أحدها: ما هو المناط في الاستدلال من كون المراد هو نذر الحج ماشيا بحيث كان المنذور الحجّ من غير تقييد مع كونه مستطيعا- حال النذر أو حصول الاستطاعة بعده قبل الحج- يجب عليه حجة الإسلام فمحطّ النظر في السؤال هو الاكتفاء بالإتيان بالحج المنذور بنيّة الوفاء بالنذر و عدم نية حجة الإسلام.

ثانيها: كون المراد هو نذر الحج ماشيا بالنحو المذكور في الاحتمال الأول و عدم ثبوت الاستطاعة في شي ء من الحالين و تحققها بعد الإتيان بالحج النذري فمحطّ النظر هي كفاية ذلك الحج عن حجة الإسلام مع فرض حصول الاستطاعة بعده و على هذا الاحتمال لا تكون الرواية معمولا بها أصلا.

ثالثها: هو كون المراد انّ المنذور مجرد المشي إلى بيت اللّٰه الحرام ثم أراد ان يحج حجة الإسلام و قد حمل الرواية على ذلك في محكيّ كشف اللثام و غيره.

رابعها: كون

المنذور الإتيان بحجة الإسلام ماشيا كما حمل الرواية عليه العلّامة في محكيّ المختلف و ان استبعده صاحب المدارك و غيره هذا مع قطع النظر عن السؤال الثاني و امّا بملاحظته فالظاهر ان المراد هو الاحتمال الأول و هو كون المنذور هو الحجّ ماشيا و المراد من السؤال الثاني هو كفاية الحج الاستيجاري عن الحج ماشيا المنذور و في قوله: «أ يجزى عنه ذلك من مشيه» اضطراب و الظاهر ان المراد هو الإتيان بالحج الاستيجاري ماشيا و كيف كان فليس في السؤال الأول ظهور في تحقق الاستطاعة حال النذر أو بعده قبل العمل به فلا مجال للاستدلال بها.

ثانيتهما: صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّٰه فمشى هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال: نعم «1» و مما ذكرنا في الرواية الأولى يظهر الكلام في هذه الرّواية.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 483

[مسألة 7- يجوز الإتيان بالحج المندوب قبل الحج النذري الموسع]

مسألة 7- يجوز الإتيان بالحج المندوب قبل الحج النذري الموسع و لو خالف في المضيق و اتى بالمستحب صح و عليه الكفارة. (1)

______________________________

(1) وجه الجواز عدم قيام دليل على المنع بالإضافة إلى الحج النذري و لا مجال للقياس على حجة الإسلام بناء على المنع فيها كما قام الدليل على المنع في الصوم على ما هو المشهور و قد وقع الاختلاف في باب الصلاة و انه هل يجوز التطوع في وقت الفريضة أو لمن هي عليه أو لا يجوز و كيف كان بعد عدم قيام الدليل على المنع في المقام لا وجه للحكم به و مقتضى القاعدة الجواز.

ثم

انه يرد على بعض الاعلام انه مع حكمه في المسألة السابقة بأن عنوان الوفاء بالنذر لا يحتاج الى القصد و ان من نذر ان يصلى صلاة الليل تقع صلاة ليله صحيحة و وفاء بالنذر و ان كان غافلا عن النذر بالمرة لأن نفس الإتيان بها كافية في حصوله و تحققه كيف حكم هنا بان الحج الواقع أوّلا بنية الندب يقع كذلك و لا يتحقق به الوفاء بالنذر مع ان لازم ما ذكره هناك وقوعه وفاء للنذر قهرا فان العنوان إذا لم يكن مفتقرا الى قصده و نيّته فكيف لا يقع بالحج الواقع أوّلا مع ان متعلق النذر هو الحج المستحب كما هو المفروض و الاختلاف من جهة الوجوب و الاستحباب لا يقدح لان المفروض في ذلك المثال إيقاع صلاة الليل بقصد الاستحباب مضافا الى ما عرفت منا من عدم سراية الوجوب من متعلقه الذي هو عنوان الوفاء بالنذر الى عنوان المنذور مثل الحج و صلاة الليل فالجمع بين الأمرين على ما ذكره مما لا مجال له أصلا هذا في الحج النذري الموسع و اما المضيق فلو خالفه و اتى بالمستحب يقع صحيحا بناء على صحة العبادة مع المزاحمة للأهم- كما هو التحقيق- و ان اختلفوا في وجه الحكم بالصحة فالمقام مثل ما إذا اشتغل بصلاة تحية المسجد في مثال الصلاة و الإزالة المعروف فان الحق صحتها و ان كانت مستلزمة لترك الإزالة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 484

[مسألة 8- لو علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام أو حج النذر]

مسألة 8- لو علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و لا كفارة عليه، و لو تردد

ما عليه بين ما بالنذر أو الحلف مع الكفارة وجبت الكفارة أيضا، و يكفى الاقتصار على إطعام عشرة مساكين، و الأحوط الستون. (1)

______________________________

هي واجبة فورا نعم في المقام يترتب على مخالفة النذر العمدية القضاء و الكفارة و قد مرّ البحث عن وجوب القضاء في المضيق.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في فرعين: الأول ما إذا علم ان على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام أو حج النذر فبناء على وجوب قضاء حج النذر عن الميت- كما اخترناه- يكون وجوب القضاء عنه معلوما تفصيلا و ان كان مرددا بين كونه قضاء حجة الإسلام أو قضاء الحج النذري و لا يلزم من هذه الجهة الإتيان بحجين بل يكفي حجة واحدة بعنوان القضاء عنه من غير تعيين كونه قضاء للأولى أو الثانية و هذا كما إذا علم بفوت صلاة منه مرددة بين الظهر و العصر فإنه و ان كان العنوانان من العناوين القصدية و اللازم مراعاتهما الا انه يكفى الإتيان بصلاة واحدة بقصد ما في الذمة من غير تعيين.

و اما الكفارة فعلى تقدير القول بلزومها على الوارث في موردها لا تجب في المقام لان ثبوتها متفرع أولا على إحراز كون الفائت الحج النذري و ثانيا على إحراز كون مخالفة الميت للتكليف بوجوب الوفاء بالنذر مخالفة عمدية اختيارية و كلاهما مشكوكان و لو فرض العلم بأنه على تقدير كون الثابت هو الحج النذري لكانت مخالفته عن عمد و اختيار لما كانت الكفارة واجبة أيضا لعدم إحراز الأمر الأول و منه يعلم ان قوله في المتن: «و لا كفارة عليه» يشمل كلا الفرضين هذا كله بناء على القول بوجوب القضاء في الحج النذري أيضا.

و اما بناء على القول

بالعدم و اختصاص وجوب القضاء بحجة الإسلام فلا يجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 485

..........

______________________________

القضاء كالكفارة نعم في خصوص ما إذا كانت المخالفة في الحج النذري مخالفة عمدية موجبة للكفارة على تقدير كون الثابت هو الحج النذري يكون أحد طرفي العلم الإجمالي قضاء حجة الإسلام و الطرف الآخر الكفارة لأجل مخالفة النذر العمدية على ما هو المفروض و اللازم مراعاة كلا الأمرين فيجب القضاء و الكفارة معا.

الثاني ما إذا تردد ما على الميت بين الحج النذري و بين الحج الثابت عليه باليمين مع إحراز كون الترك و المخالفة عمدية موجبة للكفارة فلا إشكال في وجوب القضاء عنه من غير تعيين بناء على ثبوته في النذر و اليمين فيأتي الوارث بحج واحد قضاء عنه مرددا بين النذر و اليمين و بعبارة أخرى يقصد ما في الذمة كما في المثال الذي عرفت.

و يجب هنا الكفارة أيضا من التركة بناء على ثبوتها بعد الموت فيها أيضا لأن المفروض كون الحنث في كلا الأمرين موجبا للكفارة كما ان المفروض تحقق المخالفة العمدية على كلا التقديرين و- حينئذ- ان قلنا بعدم مغايرة كفارة النذر لكفارة اليمين المصرح بها في الكتاب بقوله تعالى لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ الى آخر الآية فاللازم كفارة واحدة من غير تعيين كالقضاء و قد اختار هذا القول جماعة من الفقهاء.

و ان قلنا بالمغايرة و ان كفارة النذر انما هي كفارة الإفطار في شهر رمضان و هي التخيير

بين الخصال الثلث عتق الرقبة و صيام ستين يوما و إطعام ستين مسكينا- كما هو المشهور ظاهرا- فان اختار العتق المشترك بين الكفارتين فيكفي تحرير رقبة واحدة من غير تعيين أيضا و اما ان اختار الإطعام فقد اختار في المتن كفاية الاقتصار على إطعام عشرة مساكين و احتاط الستين بالاحتياط الاستحبابي و لكن السيد- قده-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 486

..........

______________________________

في العروة حكم بلزوم الاحتياط و لابدّيته غاية الأمر أنه يكفى في ذلك إطعام ستين مسكينا لان فيه إطعام عشرة أيضا و مراده انه لا يلزم في الاحتياط الجمع في جميع الموارد فان مقتضاه الأخذ بما هو المتيقن و هو قد يتحقق بالجمع كما في كثير من الموارد و قد يتحقق بالأخذ بأحد طرفي العلم الإجمالي كما في دوران الأمر بين التعيين و التخيير فان مقتضى الاحتياط فيه الأخذ بخصوص ما يحتمل تعيينه لا الجمع كما هو ظاهر.

ثم ان مبنى ما في المتن من كفاية الاقتصار على إطعام العشرة انما هو كون المقام من صغريات مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و حيث ان مختاره فيه جريان البراءة بالإضافة إلى الأكثر فاللازم الاكتفاء بإطعام العشرة و عدم لزوم ما زاد عليه.

و اما ما أفاده في العروة من الحكم بلزوم الاحتياط بإطعام الستين فالوجه فيه أحد أمرين:

الأول كون مبناه في مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين عدم جريان البراءة و لزوم الاحتياط على خلاف مبنى المتن.

الثاني عدم كون المقام من صغريات تلك المسألة بل الأمر دائر في المقام بين المتبائنين لاختلاف الكفارتين من جهتين:

إحديهما الاختلاف في الأطراف و الخصال و ان كان بينهما اشتراك في الجملة كما

في العتق و في أصل الإطعام.

ثانيتهما كون كفارة النذر مخيرة محضة و كفارة اليمين مخيرة و مرتبة كما في الآية الشريفة حيث انه تصل النوبة بعد عدم القدرة على الأمور الثلاثة إلى صيام ثلاثة أيام و عليه فالاختلاف من هاتين الجهتين يقتضي كون المقام من قبيل الدوران بين المتباينين خصوصا إذا قلنا في الواجب التخييري بتعلق الوجوب بما هو الجامع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 487

[مسألة 9- لو نذر المشي في الحج انعقد حتى في مورد أفضلية الركوب]

مسألة 9- لو نذر المشي في الحج انعقد حتى في مورد أفضلية الركوب و لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب حتى لو نذر في مورد يكون المشي أفضل و كذا لو نذر المشي في بعض الطريق، و كذا لو نذر الحج حافيا، و يشترط في انعقاده تمكن الناذر و عدم تضرره بهما و عدم كونهما حرجيين فلا ينعقد مع أحدهما لو كان في الابتداء، و يسقط الوجوب لو عرض في الأثناء و مبدأ المشي أو الحفاء تابع للتعيين و لو انصرافا، و منتهاه رمى الجمار مع عدم التعيين. (1)

______________________________

و القدر المشترك بين الأمرين أو الأمور و انها مصاديق لذلك الجامع و افراد له فإنه- حينئذ- يكون التباين واضحا جدا فان الجامع الذي لا ينطبق على إطعام أقل من ستين و لو كان واحدا مباين للجامع الذي ينطبق على إطعام العشرة و عليه فاللازم الحكم بالاحتياط و رعاية الأكثر و هذا هو الأظهر.

(1) اعلم انه في كل واحد من العناوين الثلاثة المشي و الركوب و الحفاء تارة يكون متعلق النذر هو الحج غاية الأمر مع تقيده بأحد هذه العناوين مثل ان يقول للّٰه علىّ ان أحج ماشيا أو راكبا أو حافيا و اخرى

يكون متعلق النذر هو أحد هذه العناوين في طريق حجة الإسلام أو غيرها مثل الحج المستحب و لا يكون لأصل الحج مدخلية في المتعلق بحيث يجب عليه إيجاده و عليه فالفروض ستة قد وقع التعرض لثلاثة منها كما انه وقع التعرض في العروة لخمسة منها و اللازم ملاحظة الجميع فنقول:

إذا كان متعلق النذر هو الحج المقيد بأحد هذه العناوين فلا شبهة في انعقاده من جهة اعتبار الرجحان في متعلق النذر فان المتعلق بلحاظ كونه هو الحج لا محالة يكون مشتملا على الرجحان لانه يلاحظ ذلك بالإضافة إلى الترك و عدم الإتيان بالحج و لا يلزم ان يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و أوصافه فإذا نذر ان يصلى صلاة مستحبة في الدار ينعقد نذره و ان كان وصف وقوعها في الدار فاقدا للرجحان لما عرفت من ملاحظة ذلك مع الترك لا مع الصلاة الفاقدة للقيد المذكور ففي المقام لا يكون- ح- فرق بين كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 488

..........

______________________________

المشي أفضل و عدمه لعدم الفرق من هذه الجهة على ما ذكرنا فما عن البعض من عدم انعقاد نذر الحج راكبا إلّا في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له كما انه لا مجال لدعوى الانعقاد في أصل الحج لا في صفة الركوب لان المفروض ان المتعلق انما هو المقيد و لا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده و كيف كان لا تنبغي المناقشة في صحة النذر في هذه الفروض الثلاثة التي يكون المتعلق هو الحج المقيد بأحد العناوين المذكورة.

و اما إذا كان المتعلق نفس هذه العناوين في طريق الحج فالكلام يقع في كل واحد منها مستقلا فنقول:

الأول ما إذا نذر

المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب و هو ينعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل لأن المشي في حد نفسه ذات فضيلة و رجحان كما يدل عليه الروايات و ما حكى عن الامام المجتبى- عليه السّلام- من انه حج ماشيا مرارا و المحامل تساق بين يديه و لا يعتبر في متعلق النذر ان لا يكون هناك أفضل منه فنذر المشي ينعقد و ان كان الركوب قد يكون أفضل لبعض الجهات فإن الأفضلية لا توجب زوال الفضيلة عن المشي فلو نذر ان يأتي بصلاته في مسجد المحلة ينعقد نذره و ان كان مسجد السوق أفضل منه و مسجد الجامع أفضل منهما فما هو المعتبر انما هو مجرد الرجحان المتحقق في المشي بمقتضى ما ذكر من قول الامام- ع- و فعله و قد وقع التعرض في المتن لهذا الفرض.

الثاني ما إذا نذر الركوب في حجه و الظاهر انه لا ينعقد إلّا في مورد ثبوت الرجحان للركوب بلحاظ بعض الجهات و الخصوصيات و الّا فالركوب في نفسه يكون فاقدا للرجحان المعتبر في متعلق النذر و هذا كما إذا نذر ان يأتي بصلواته اليومية في الدار بحيث كان المنذور مجرد الإيقاع في الدار فإنه لا ينعقد و لم يقع التعرض لهذا الفرض في المتن كالفرض الآتي الذي لم يتعرض له في العروة أيضا.

الثالث ما إذا نذر الحفاء في حجّه و الظاهر انعقاده لانه من أظهر مصاديق المشي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 489

..........

______________________________

الذي عرفت رجحانه بل يكون ثبوت الرجحان فيه بطريق اولى هذا ما تقتضيه القاعدة في هذا الأمر و لكنه ورد فيه روايات لا بد من ملاحظتها فنقول:

منها: صحيحة أبي

عبيدة الحذاء قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا فقال ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل فقال: من هذه؟ فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافيا فقال رسول الهّٰ - صلّى اللّٰه عليه و آله- يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب فان اللّٰه غنيّ عن مشيها و حفاها، قال فركبت. «1»

و لا شبهة في دلالة الصحيحة على بطلان نذر الحفاء و عدم انعقاده و لا مجال لدعوى كون ما وقع في زمان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قضية في واقعة يمكن ان يكون لمانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها أو تضررها أو غير ذلك فان هذه الدعوى لا تساعد مع اقتصار الامام عليه السّلام في مقام الجواب عن السؤال المذكور في الرواية على نقل القضية الواقعة في زمن الرسول فإنها لو كانت قضية خاصة في واقعة لما كان مجال للاقتصار عليه في مقام الجواب الظاهر في كون مورد السؤال يستفاد حكمه من تلك القضية خصوصا مع كونه سؤالا عن الرجل الذي نذر كذلك و مورد تلك القضية هي المرأة، و العجب من مثل السيد- قده- في العروة مع تبحره في الفقه و الحديث كيف حمل الرواية على ما ذكر مع انه لا يحتمله من له أدنى معرفة بهما و كيف كان فدلالة الصحيحة على بطلان نذر المشي حافيا بنحو الضابطة الكلية بلا فرق بين الرجل و المرأة واضحة لا مناقشة فيها أصلا.

و منها: ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في «نوادره» عن سماعة و حفص قال (لا) سألنا أبا

عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه حافيا، قال فليمش فإذا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 490

..........

______________________________

تعب ركب. «1»

و في الرواية إشكال من حيث السند لأن أحمد بن محمد من الطبقة السابعة و سماعة و حفص من الطبقة الخامسة و لا يمكن له النقل عنهما من دون واسطة و هو مجهول فالرواية ضعيفة غير معتبرة و لكنها بعينها قد رواها رفاعة و حفص عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- «2» مع صحة سندها فاللازم- ح- البحث في مفادها لاعتبار السند بهذا الطريق.

فنقول: يجري في الجواب احتمالان: أحدهما ان يكون المراد من قوله:

«فليمش» هو مجرد المشي المتعارف المنطبق على المشي مع الحذاء و النعل و عليه فالمراد لغوية قيد الحفاء المأخوذ في متعلق النذر لانه كان هو المشي حافيا فالجواب ناظر الى لزوم الاقتصار على المشي في مورد النذر المذكور و إذا تعب تصل النوبة إلى الركوب و يؤيد هذا الاحتمال عدم ذكر مثل قوله «كذلك» بعد قوله «فليمش» و لو كان المراد هو المشي المقيد بالحفاء المذكور لكان اللازم الإشارة إلى القيد في الجواب كما ان الانتقال الى الركوب في صورة التعب يؤيد كون المراد هو التعب بالإضافة إلى المشي لا التعب بالنسبة إلى قيده الذي هو الحفاء لان المناسب- ح- الانتقال إلى المشي.

و ثانيهما كون المراد من قوله: «فليمش» هو المشي المقيد بالحفاء الذي هو متعلق النذر و هذا الاحتمال بعيد.

ثم انه على التقدير الأول ذكر العلامة المجلسي- قده- ان المستفاد من صحيح رفاعة و حفص الوارد في باب النذر بطلان

النذر بالحفاء فان قوله عليه السّلام «فليمش» معناه انه يمشى مشيا متعارفا متنعلا بلا حفاء فهذه الخصوصية ساقطة لا أصل المشي كما اختاره في الدروس و صحيحة الحذاء أيضا دالة على مرجوحية الحفاء و بطلان

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 10

(2) ئل كتاب النذر الباب الثامن ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 491

..........

______________________________

النذر بالنسبة إليه فالروايتان متفقتان على سقوط خصوصية الحفاء و بطلان النذر بالنسبة اليه، و اما المشي المتعارف فيقع التعارض بين صحيح الحذاء و صحيح رفاعة لأن المستفاد من صحيح الحذاء مرجوحية المشي أيضا لأمره- ص- أخت عقبة بن عامر بالركوب و قال- ص-: فان اللّٰه غنى عن مشيها و حفاها، و اما صحيح رفاعة فيدل على سقوط الحفاء فقط و بقاء المشي على رجحانه لقوله- ع-: «فليمش» و بعد التعارض لا يمكن الرجوع الى الأدلة العامة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر لان المفروض ان النذر مقيد بالحفاء و المنذور هو المشي حافيا و العمل ببعض النذر دون البعض الأخر لا دليل عليه فلم يبق موضوع للوفاء بالنذر فالنتيجة سقوط النذر.

و على التقدير الثاني تقع المعارضة بين الصحيحتين و تتساقطان و اللازم- ح- الرجوع الى عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر و تصير النتيجة صحة نذر المشي حافيا كما هو مقتضى القاعدة على ما عرفت و لكن هذا التقدير خلاف ظاهر الرواية و قد استبعده العلامة المجلسي- قده- ثم انه قد جمع صاحب «المستمسك» بين صحيحة الحذاء و رواية سماعة و حفص بحمل الأخيرة على الاستحباب بقرينة الصحيحة مع ان الظاهر ان الحمل على الاستحباب انما هو فيما إذا كان الاختلاف

بين الروايتين في الحكم التكليفي المحض كما في قوله: اغتسل للجمعة- مثلا- فإنه يحمل على الاستحباب بقرينة ما ظاهره نفى الوجوب، و اما في مثل المقام ممّا إذا كان في البين حكم وضعي مشكوك كانعقاد النذر و عدمه و صحته و بطلانه فلا مجال للحمل على الاستحباب فإن إحدى الروايتين ظاهرة في البطلان و الأخرى في الصحة و لا جمع بينهما و بعبارة أخرى النذر ان كان منعقدا و صحيحا فلا محيص عن وجوب الوفاء به و ان لم ينعقد فلا يكون حكمه الاستحباب من جهة تعلق النذر بل يقع المنذور على ما كان عليه قبل النذر من الحكم من دون ان يكون النذر مؤثرا في شي ء أصلا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 492

..........

______________________________

ثم انه يغلب على الظن في أصل المسألة ان رواية سماعة و حفص التي رواها احمد بن محمد بن عيسى في نوادره هي نفس رواية رفاعة و حفص بمعنى ان سماعة ذكر اشتباها لأجل التشابه مع رفاعة فلا يكون هناك روايتان بل رواية واحدة.

و أيضا فالظاهر ان رواية رفاعة و حفص المذكورة في كتاب الوسائل في أبواب النذر هي رواية رفاعة المروية في كتاب الحج بهذه الكيفية محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن ابن أبي عمير و صفوان عن رفاعة بن موسى قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه قال: فليمش قلت: فإنه تعب قال:

فإذا تعب ركب. «1»

و يؤيد اتحاد الروايتين- مضافا الى كون الراوي عن رفاعة و حفص في كتاب النذر هو ابن أبي عمير أيضا و ان أضيف إليه صفوان هنا و

أضيف إلى المروي عنه حفص هناك الا انه لا يقدح في الاتحاد أصلا كما هو الظاهر- انه لو كان قيد الحفاء مذكورا في السؤال و لم يكن السؤال متمحضا في نذر المشي فقط كما في رواية و حفص لكان الجواب بقوله: فليمش ناقصا سواء أريد به هو المشي المقيد بالحفاء أو المشي من دون حفاء اما على الأول فلأنه كان اللازم ان يضاف اليه كلمة «الحفاء» أو «كذلك» للدلالة على لزوم مراعاة النذر بجمع خصوصياته و اما على الثاني فلأنه كان اللازم ان يضاف اليه مثل كلمة: «دون حفاء» لانه الغرض المهم لا أصل لزوم المشي و بعبارة أخرى محط نظر السائل على تقدير كون مورده هو نذر المشي حافيا هو التقييد بالحفاء و عليه فالجواب لا بد و ان يكون ناظرا اليه نفيا و إثباتا و لا يلائمه الاقتصار على قوله: فليمش، فالاقتصار عليه في الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو نذر المشي من دون قيد و عليه يحصل الاطمئنان بأن الروايات الثلاثة متحدة و ان السؤال فيها انما هو عن مجرد نذر المشي و الجواب منطبق عليه من دون نقيصة و عليه تنحصر

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 493

..........

______________________________

الرواية الواردة في المشي حافيا بصحيحة الحذاء و لا معارض لها أصلا و المراد من قوله- ص- فيها: «فان اللّٰه غنى عن مشيها و حفاها» مع انه تعالى غنى عن العالمين و عن عبادة الخلائق أجمعين هو عدم المشروعية و عدم الرجحان و- ح- ان قلنا بأن الرواية معرض عنها كما ربما يقال و يؤيده حكاية

الفتوى بالبطلان عن الدروس فقط فاللازم طرحها بناء على كون الاعراض قادحا و ان لم نقل بصغرى الاعراض أو لم نقل بقادحيته في اعتبار الرواية و حجيتها فاللازم الأخذ بها و الحكم ببطلان نذر الحفاء و ان كان على خلاف القاعدة.

ثمّ انه بقي الكلام في أصل المسألة فيما يتعلق بنذر المشي المطلق أو المشي حافيا في أمرين:

الأوّل في الأمور المعتبرة في انعقاد النذرين و هي عدّة أشياء:

أحدها التمكن فإنه مع عدم التمكن من متعلق النذر لا يقع صحيحا كما في سائر الأمور المتعلقة للنذر و قد عرفت في بعض المسائل السّابقة ان الاستطاعة المعتبرة في نذر الحج هي الاستطاعة العقلية لا الاستطاعة الشرعية- كما اختاره في الدروس- و مرجع ما ذكرنا إلى انه لا فرق بين كون المنذور هو الحج أو غيره من الأعمال الراجحة و المعتبر في الجميع هي القدرة العقليّة.

ثانيها عدم تضرّره بالمشي أو المشي حافيا و الظاهر ان المراد هو التضرر النفسي و عليه فالظاهر عدم ارتباط هذا الأمر بقاعدة «لا ضرر» المعروفة و ان كان عطف عدم الحرج عليه يؤيد كون المراد تلك القاعدة لكن حيث انّ مبنى الماتن- قدس سرّه الشريف- في القاعدة كونها حكما ناشيا عن مقام ولاية الرسول و حكومته و زعامته و تصدّيه لإدارة نظام المسلمين لا مرتبطا بمقام رسالته و نبوته حتى يكون حكما إلهيا ناظرا إلى الأحكام الأوليّة الثابتة للموضوعات بعناوينها الواقعية فلا بد من عدم كون النظر في المتن الى هذه القاعدة مضافا الى عدم اختصاصها بالضرر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 494

..........

______________________________

النفسي كما لا يخفى.

و عليه فاللازم ان يكون محطّ النظر في المتن هي حرمة الإضرار بالنفس

بعنوانه الاولى مطلقا أو في خصوص ما إذا كان منجرّا الى الهلاك عادة و قد ادّعى قيام الإجماع و غيره على ثبوت هذه الحرمة و ان وقع الاختلاف في متعلقها من حيث السعة و الضيق كما أشرنا.

و على هذا التقدير فالوجه في اعتبار عدم الإضرار امّا خروج متعلق النذر عن الرجحان بسبب الإضرار المحرّم لانه يصير بذلك مرجوحا فيكون النذر- ح- فاقدا لشرط الصحة و هو الرجحان فيحكم بعدم انعقاده و يظهر هذا الوجه من بعض الأعاظم على ما في تقريراته في شرح العروة و امّا ما ذكره بعض الاعلام كذلك من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فيصير الوجه في البطلان عدم التمكن من المنذور مع انك قد عرفت اعتباره.

أقول و في كلا الوجهين نظر:

اما الوجه الأول فلانّ متعلق الحرمة هي نفس عنوان الإضرار بالنفس- مطلقا أو في الجملة- و لا يتعدى الحكم من عنوان متعلقه إلى شي ء آخر و مجرد تحقق عنوان الإضرار في الخارج بالمشي لا يستلزم سراية الحرمة إلى المشي أصلا بل هو بعنوانه ذات رجحان و مزية و قد دلّ عليها قول المعصوم و فعله كما انّك عرفت ان تعلق النذر بالمشي لا يوجب صيرورة المشي واجبا بل هو باق على ما كان عليه قبل النذر و الواجب بالنذر انّما هو عنوان الوفاء به فالمشي لا يسري إليه الوجوب من ناحية النذر و لا الحرمة من ناحية حرمة الإضرار فلا مانع من ثبوت الوجوب و الحرمة غاية الأمر وقوع التزاحم بين التكليفين لعدم إمكان رعايتهما في مقام الامتثال و الموافقة، و اللازم الرجوع الى قاعدة التزاحم كما لا يخفى و من الواضح ان المزاحمة أمر و عدم الانعقاد الذي هو المدعى

أمر أخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 495

..........

______________________________

و اما الوجه الثاني فمضافا إلى انه لم يقم دليل على ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا بل كلماتهم خصوصا في كتاب الإجارة ظاهرة في ان الممنوعية أمر و الامتناع أمر أخر الا ترى ان استيجار الحائض لكنس المسجد انما يكون الوجه في بطلانه عندهم هي الممنوعية الشرعية و كون العمل محرّما لا الامتناع و الاستحالة و المعتبر في الإجارة أمران: كون العمل مقدورا و كونه محلّلا فيظهر أن الممنوعية الشرعية أمر مستقل و الامتناع أمر أخر.

نقول بما ذكرنا من عدم كون المشي الذي تعلّق به النذر ممنوعا شرعا فان الممنوع انما هو عنوان الإضرار بالنفس و هو لا يكون متعلقا للنذر فما هو المتعلق غير ما هو الممنوع.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه على تقدير كون الإضرار بالنفس محرما مطلقا أو في الجملة لا يوجب ذلك خللا في صحة النذر و انعقاده.

ثالثها عدم كون المشي المطلق أو المشي حافيا حرجيّا على الناذر لانه على تقدير الحرجية يكون مقتضى قاعدة «نفى الحرج» التي تكون حاكمة على أدلة التكاليف اللزومية- وجوبية كانت أو تحريمية- عدم لزوم الوفاء بالنذر إذا كان مستلزما للحرج كما هو المفروض.

ثم انّ السيّد- قده- في العروة قال: «لا مانع منه- اى من انعقاد النذر- إذا كان حرجا لا يبلغ حدّ الضرر لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و امّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطا للوجوب» و لا بد قبل ملاحظة مدّعاه و دليله و انّ دليله هل ينطبق على مدّعاه أم لا؟ من التعرض

لأمرين في قاعدة الحرج:

الأول ان مقتضى قاعدة نفى الحرج التي يدل عليها مثل قوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» هل هو نفى الحكم اللزومي على سبيل الرخصة أو على نحو العزيمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 496

..........

______________________________

و مرجع الأول إلى كون القاعدة ناظرة إلى رفع أصل اللزوم و اما المحبوبية و المشروعية فهي باقية بحالها لا ترتفع بالقاعدة أصلا كما ان مرجع الثاني إلى رفع الحكم بالكلية و عدم ثبوت اللزوم و لا المحبوبية و المشروعية فالوضوء أو الغسل الحرجي يقع صحيحا على الأول دون الثاني لفقد انه للمشروعية رأسا في حال الحرج و المختار عندنا هو الثاني و قد حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية.

الثاني ان قاعدة نفى الحرج كما تكون حاكمة على أدلة التكاليف الأصلية الابتدائية التي لا مدخل للمكلف في إثباتها كأكثر الأحكام الشرعية هل تكون حاكمة على أدلة التكاليف الثانوية التي يكون للمكلف مدخل في ثبوتها كالأحكام الثابتة في موارد التزام المكلف كالنذر و مثله أم لا؟

ربما يقال بالثاني نظرا الى ان قاعدة نفى الحرج واردة في مورد الامتنان و لا امتنان في نفى الحكم في مورد التزام المكلف و التفاته الى كون الملتزم به حرجيا فإذا كان عالما بأن المشي في الحج أمر حرجي من حين الشروع فلا امتنان في رفع الحكم بوجوب الوفاء بالنذر بالإضافة اليه و بعبارة أخرى منشأ الحرج في هذا الفرض هو التزام المكلف مع التوجه و الالتفات لا حكم الشارع.

كما انه ربما يقال بالأول نظرا الى ان ما يكون موجبا للحرج في هذه الصورة أيضا هو حكم الشارع بوجوب الوفاء بالالتزام الصادر من المكلف عليه لانه

بدون هذا الحكم لا يقع المكلف في الحرج أصلا فالقاعدة حاكمة على كلتا الادلتين و رافعة لكلا التكليفين من دون فرق في البين و هذا القول هو الظاهر و هو المستند لمثل المتن من جهة الحكم باعتبار عدم الاستلزام للحرج في انعقاد النذر و صحته.

إذا عرفت هذين الأمرين فاعلم ان ما يمكن دليلا لمدعي السيد من الانعقاد في الصورة المذكورة هو الأمر الثاني الذي ذكرنا بناء على اختيار عدم كون القاعدة حاكمة على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر و اما الأمر الأول فلا يرتبط بمسألة انعقاد النذر ضرورة ان رفع وجوب الوفاء بالنذر مع الالتزام بالبقاء على المشروعية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 497

..........

______________________________

و المحبوبية لا معنى له أصلا لأنه- مضافا الى كونه خلاف مدعاه من الحكم بالانعقاد و لازمة وجوب الوفاء بالنذر لان المدعى ليس مجرد الاستحباب و الى ان الاستحباب كان ثابتا قبل النذر و الا لا ينعقد النذر لاعتبار الرجحان في متعلقه فالرجحان ثابت في المتعلق مع قطع النظر عن الالتزام النذري و الى ان مقتضى ذلك عدم الاختصاص بخصوص المدعى لان كون الرفع بنحو الرخصة لا العزيمة لا ينحصر بمورد المدعي فإنه في مورد الجهل و عدم العلم يجرى ذلك من دون فرق.

نقول لا يجتمع الانعقاد مع استحباب الوفاء فان مرجع الانعقاد الى وجوب الوفاء بالنذر و هذا كما في البيع و نحوه من المعاملات و العقود و الإيقاعات فإنه لا يجتمع الصحة مع عدم لزوم الوفاء فالدليل لا ينطبق على مدّعاه أصلا.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا من حكومة القاعدة على مثل دليل وجوب النذر أيضا انه لو عرض الحرج في الأثناء يوجب ذلك سقوط

التكليف بوجوب الوفاء بالإضافة إلى الباقي و مقتضى ما ذكره السيد- قده- انه لو كان عالما من الأوّل بعروض الحرج في الأثناء عدم السقوط كما لا يخفى.

الأمر الثاني في مبدأ المشي أو المشي حفاء و منتهاه فنقول:

امّا المبدء فلم يرد فيه رواية و نص خاص و اختلفت الفتاوى و الآراء فيه على أقوال:

1- القول بكون المبدء بلد النّذر و اختاره صاحب الشرائع و حكى عن المبسوط و التحرير و الإرشاد.

2- القول بكونه بلد الناذر و هو المحكي عن ظاهر القواعد و الدروس و غيرهما و عن الحدائق الميل إليه.

3- أقرب البلدين الى الميقات و في الجواهر نسبه الى القول من دون أن يعرف قائله و في المسالك: «هو حسن ان لم يدل العرف على خلافه».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 498

..........

______________________________

4- ما في محكي كشف اللثام من انه يمكن القول بأنه من اىّ بلد يقصد فيه السفر الى الحجّ لتطابق العرف و اللغة فيه. و المراد من مساعدة اللغة ما عرفت في أوّل كتاب الحج من انه في اللغة بمعنى القصد فينطبق على اىّ بلد كذلك.

5- القول بأنه أوّل أفعال الحج و في الجواهر: «انه الأصح» و الوجه فيه- كما فيها- ان المشي في قوله للّٰه على ان أحج ماشيا حال من الحج و الحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة فلا يجب المشي إلّا حاله.

6- ما اختاره في العروة من انه مع عدم التعيين و الانصراف ان كانت العبارة هي قوله: للّٰه على ان أحجّ ماشيا فالمبدأ أوّل أفعال الحج و ان كانت قوله:

للّٰه على ان امشى إلى بيت اللّٰه أو مثله فالمبدأ حين الشروع في السّفر.

و اما ما في المتن

من ان المبدء تابع للتعيين و لو انصرافا فهل المراد منه انه لا يمكن الخلو عن التعيين و لو انصرافا غاية الأمر انه لا بد من ملاحظة المنصرف اليه و انه أيّ شي ء و من أيّ مكان أو انه يمكن الخلو منهما و لكنه لم يقع التعرض لحكمه في المتن كما قد وقع التعرض له في عبارة السيّد و الوجه في الأوّل انه لا يتصور الإبهام و الإجمال بالإضافة إلى نفس الناذر مع ان حقيقة النذر عبارة عن التزامه، كما ان الوجه في الثاني إمكان أن يكون الالتزام مقصورا على ما هو مفاد اللفظ و مدلول الصيغة من دون زيادة و نقصان.

و كيف كان فالظاهر ان المبدء ما ذكره في كشف اللثام من دون فرق بين العبارتين اللتين وقع التفصيل بينهما في العروة فإنه لا فرق بنظر العرف بين أن يقول الناذر: للّٰه علىّ أن أزور مشهد الرّضا- عليه آلاف التحية و الثناء- ماشيا أو يقول: للّٰه على أن أمشي إلى زيارته- عليه السّلام- كذلك و المراد من كليهما هو محلّ الشروع لسفر الزيارة فهذا الوجه هو الظاهر.

و اما المنتهى فمع عدم التعيين فالمنسوب الى المشهور انه طواف النساء و اختار السيد في العروة أنه رمى الجمار و قيل- من دون أن يعرف قائله: هي الإفاضة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 499

..........

______________________________

من عرفات.

وجه الأول ان طواف النساء و ان كان خارجا من الحج و ليس من اجزائه الّا انه بنظر العرف يكون معدودا من اجزائه و لا محالة يكون مشمولا للالتزام النذري.

و وجه الثاني جملة من الروايات الصحيحة التي منها رواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا- عليه

السّلام- قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي ء. «1»

و رواية جميل قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي. «2»

و رواية علي بن أبي حمزة عن أبى عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته متى ينقطع مشى الماشي قال إذا رمى الجمرة العقبة و حلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و اما القول بان المنتهى هي الإفاضة من عرفات فمستنده هي رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- متى ينقطع مشى الماشي؟ قال: إذا أفضت من عرفات. «4» قال في الوسائل بعد نقل الرواية: «أقول: ينبغي حمله على من أفاض و رمى لما مرّ و يمكن الحمل على التطوع بالمشي و عدم وجوبه بنذر و شبهه».

و على تقدير عدم صحة شي ء من الحملين تكون الرواية معرضا عنها لما مرّ من انه لم يعرف القائل بمفادها، و اما الروايات المتقدمة فحيث انه لم يثبت اعراض المشهور عنها لعدم ثبوت الشهرة فاللازم الأخذ بمفادها و الفتوى على طبقها كما في المتن.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 3

(2) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 2

(3) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 4

(4) ئل أبواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 500

[مسألة 10- لا يجوز لمن نذره ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر و نحوه]

مسألة 10- لا يجوز لمن نذره ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر و نحوه، و لو اضطر اليه

لمانع في سائر الطرق سقط، و لو كان كذلك من الأول لم ينعقد، و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور الا بالمركب يجب أن يقوم فيه على الأقوى. (1)

______________________________

و الاشكال في دلالتها بعدم التعرض فيها لجمرة العقبة عدا الرواية الأخيرة التي لا تكون معتبرة من حيث السند مدفوع بان التعرض في كثير منها لزيارة البيت راكبا قرينة على كون المراد هي تمامية أعمال منى بسبب رمى الجمار بحيث كان المراد العود إلى مكة للطّواف فلا مناقشة فيها من حيث الدلالة و كونها مخالفة للقاعدة المقتضية للعمل بالنذر ممنوع أوّلا لأن المفروض عدم التعيين من ناحية الناذر بالإضافة إلى المنتهى و ثانيا ان المخالفة للقاعدة لا تقدح في لزوم العمل بالرواية و الفتوى على طبقها كما لا يخفى.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين: الأوّل: انه لو نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه كما انه لا يجوز له أن يركب السيّارة و الطيّارة و الخيل و البغال و الحمير و أشباهها كذلك لا يجوز أن يركب البحر و يسافر من طريقه لمنافاته للمشي الذي هو متعلق النذر أو قيده فان مثل السفينة و الركوب عليها يكون من أقسام الركوب المغاير للمشي و هذا ظاهر.

نعم لو اضطر الى طريق البحر لمانع في سائر الطرق سقط وجوب الوفاء بالنذر و ظاهر المتن و ان كان هو السقوط مطلقا الّا ان اللازم تقييده بما إذا كان الحج واجبا فوريا في ذلك العام كما إذا نذر المشي في طريق حجة الإسلام التي تكون واجبة عليه أو نذر الحج ماشيا مقيدا بهذه السنة و امّا إذا كان المنذور هو الحج ماشيا من غير تقييد بهذه

السنة- و قد عرفت ان الحكم فيه هو جواز التأخير إلى الاطمئنان بالموت أو الفوت فالظاهر ان وجود المانع في سائر الطرق في هذا العام لا يوجب سقوط وجوب المشي كما انه إذا نذر المشي في حج التطوع أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 501

..........

______________________________

في حج واجب غير فوري لا يجوز السفر من طريق البحر و لو مع وجود المانع في سائر الطرق كذلك بل اللازم الانتظار و التأخير إلى زمان رفع المانع و لعلّ التعبير بالاضطرار في المتن يستفاد منه ما ذكرنا من التقييد.

و لو كان المانع موجودا من الأوّل لم ينعقد النذر و ان كان الناذر جاهلا به لاعتبار التمكن من المتعلق في انعقاد النذر و صحته و يمكن القول بعدم الانعقاد في الفرض الأوّل أيضا لأن القدرة المعتبرة إنما هي القدرة حال الوفاء لا حال النذر و الالتزام و عروض المانع يكشف عن عدم التمكن كذلك فلا ينعقد من الأول.

الثاني في النذر المذكور لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور الّا بالمركب ففي المتن- تبعا للمشهور- وجوب القيام فيه و عدم جواز الجلوس و اختار السيد- قده- في العروة عدم الوجوب و مستند المشهور ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه- عليهم السّلام- ان عليّا- عليه السّلام- سئل عن رجل نذر أن يمشى الى البيت فعبر في المعبر، قال: فيلقم في المعبر قائما حتى يجوزه. «1» و المعبر- بكسر الميم- هي السفينة التي يركب عليها في البحر و نحوه.

و لكنه أورد عليه في العروة بضعف السند مع ان الظاهر اعتباره لوثاقة السكوني بالتوثيق الخاص و النوفلي الراوي عنه بالتوثيق العام و

على تقدير الضعف فهو منجبر باستناد المشهور اليه و الفتوى على طبقه خصوصا مع كون الحكم فيه على خلاف القاعدة سواء كان مورد السؤال فيه هو نذر المشي في جميع الطريق حتى ما فيه من الشطوط و الأنهار أو كان مورد السؤال هو نذر المشي في جميع أجزاء الطريق ما عدي الشطوط و الأنهار.

اما على الفرض الأوّل فالظاهر عدم انعقاد النذر مطلقا أو في خصوص ما ذكر من الشطوط و الأنهار لفرض عدم التمكن من العبور عنها الّا بالمعبر و المركب و لا

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج الباب السابع و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 502

[مسألة- 11 لو نذر الحج ماشيا فلا يكفى عنه الحج راكبا]

مسألة- 11 لو نذر الحج ماشيا فلا يكفى عنه الحج راكبا فمع كونه موسعا يأتي به، و مع كونه مضيقا تجب الكفارة لو خالف دون القضاء و لو نذر المشي في حج معين و اتى به راكبا صح و عليه الكفارة دون القضاء، و لو ركب بعضا دون بعض فبحكم ركوب الكل. (1)

______________________________

يمكن ان يتحقق المشي بالإضافة إليهما و بعد عدم الانعقاد لا يبقى وجه لوجوب القيام عليه في المعبر.

و اما على الفرض الثاني فهما خارجان عن دائرة متعلق النذر فلا مجال أيضا لوجوب القيام فيه فالرواية على كلا التقديرين مخالفة للقاعدة لكن استناد المشهور إليها يوجب الفتوى على طبقها و الحكم بلزوم القيام.

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة بعد الحكم بضعف الرواية ان التمسك بقاعدة «الميسور» لا وجه له و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.

و مراده ان «المشي» يشتمل على خصوصيات ثلاثة: كون الرجلين على الأرض و القيام و التحرك فإذا صار الأوّل معسورا فالميسور و

هو الأمر ان الآخران لا يسقط بسقوطه فمراده من القيام المنفي هو القيام فقط لا القيام مطلقا.

لكن المهم في عدم جريان القاعدة المزبورة- على فرض تماميتها و سعة دائرة شمولها- ان القيام و لو كان مع التحرك لا يكون ميسورا للمشي أصلا فإن القيام كذلك في السفينة مع كون التحرك الى المقصد و القرب اليه انما يتحقق بها و لا أثر للتحرك فيها قائما بوجه بالإضافة إليه فهو لا يكون ميسورا للمشي أصلا بنظر العرف و لكن بعد تمامية الاستدلال بالرواية لا حاجة الى القاعدة بوجه فالأقوى ما في المتن.

(1) الكلام في ركوب الكلّ في الفروض الثلاثة المذكورة في المتن يقع من جهتين: تارة من جهة القضاء و الكفارة و اخرى من جهة صحة الحج الذي أتى به راكبا و بطلانه.

اما الكلام من الجهة الأولى ففي الفرض الأوّل الذي يكون النذر موسعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 503

..........

______________________________

غير مضيق لا يتحقق الوفاء بالنذر بالحجّ راكبا بل يجب عليه الإتيان به بعده من دون أن يتحقق بسببه موجب الكفارة أو القضاء.

و في الفرض الثاني الذي يكون النذر مضيقا و مقيدا بالسنة التي أتى فيها بالحج راكبا لا إشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية للنذر و ثبوت الحنث و اما القضاء فحكم بوجوبه السيد- قده- في العروة و لكنه نفاه في المتن و في الحاشية عليها مع انه حكم بوجوب القضاء فيما لو نذر الحجّ مقيدا بسنة خاصة و لم يأت به فيها مع التمكن و القدرة و لم يعلم وجه الفرق بين المقامين فإنه في كليهما تحققت المخالفة للنذر و لذا حكم بثبوت الكفارة و مع تحقق المخالفة يكون

مقتضى الدليل ثبوت القضاء و دعوى ان الفرق هو عدم الإتيان بمتعلق النذر هناك أصلا لأن المفروض ترك الحج رأسا في الزمان الخاص الذي أراده و الإتيان بذات المقيد هنا و هو أصل الحج غاية الأمر عدم رعاية قيده و هو المشي و في الحقيقة قد روعي هنا أمران:

أصل العمل و الزمان الخاص الذي قيده به و ترك قيده الأخر و هو المشي مدفوعة بعدم اقتضاء ما ذكر لنفى وجوب القضاء بعد عدم تحقق متعلق النذر فتدبر.

و في الفرض الثالث الذي يكون متعلق النذر نفس المشي في حج معين كحجة الإسلام- مثلا- إذا أتى بالحج المزبور راكبا يتحقق مخالفة النذر عمدا و هي توجب الكفارة و اما القضاء فلا مجال لوجوبه لكون الحج خارجا عن دائرة المتعلق لأن المنذور مجرد المشي و المفروض تحقق الحج المعين فلا وجه لوجوب القضاء الّا على تقدير كون الحكم الوضعي فيما أتى به هو البطلان و سيأتي البحث فيه إنشاء تعالى اللّٰه.

و اما من الجهة الثانية فلم يقع التعرض لها في المتن إلا في خصوص الفرض الأخير و حكم فيه بالصحة و الوجه فيه ان المشي الذي تعلق به النذر تارة يكون المراد به هو خصوص المشي في الطريق و قبل الميقات كما إذا نذر ان يمشى إلى المدينة في طريق حجة الإسلام و اخرى يكون المراد به أعم منه و من المشي حال الاعمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 504

..........

______________________________

و الإتيان بالمناسك.

ففي الصورة الاولى لا يكون اىّ ارتباط بين الركوب الذي تتحقق به مخالفة النذر و بين حجة الإسلام التي هي عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة التي شروعها في الفرض المذكور

من مسجد الشجرة و لا مجال في هذه الصورة لتوهم البطلان في الحج لأن العبادة لا دخل لها في مخالفة النذر بوجه و هذا من الوضوح بمكان و قد صرّحوا بان الركوب على الدابة الغصبية لا يضر بالحج أصلا.

و في الصورة الثانية ربما يتخيل البطلان نظرا الى ان الأمر بالوفاء بالنذر يقتضي النهي عن ضده و هو يقتضي الفساد و لكن يدفعه- مضافا الى منع اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده- انه على تقدير الاقتضاء يكون المنهي عنه هو الركوب في حال الحج لا نفس الحج حتى يكون النهى متعلقا بالعبادة فتصير فاسدة و من الواضح ان الركوب أمر و العبادة آمر أخر و لا تسرى الحرمة منه إليها فالحكم في هذه الصورة أيضا الصحة كما هو ظاهر.

و اما الفرضان الأولان فربما يتخيل البطلان فيهما نظرا الى ان المنوي هو الحج النذري و هو لم يقع و غيره لم يقصد.

و أجاب عنه السيد- قده- في العروة بأن الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف الا ترى انه لو صام أيّاما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلا و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قرائته و أذكاره التي اتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا.

أقول اما الفرض الأول فان لم يكن من نيته الوفاء بالنذر بالحج الذي اتى به راكبا بل قصده الوفاء به في بعض السنين الآتية و المفروض كونه موسعا غير مضيق فلا يجرى فيه ما ذكر من ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد لأنه- حينئذ- لم

ينو الوفاء بالنذر به. و ان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا- و الظاهر انه المقصود من هذا الفرض لا الصورة الاولى و لأجله لا مجال للإشكال على السيد بان تنظير المقام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 505

..........

______________________________

بصوم الكفارة في غير محله لان المفروض انه لم يأت بالحج راكبا بداعي الوفاء بالنذر بخلاف الصوم- و كيف كان:

فان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا يكون هنا عنوانان: أحدهما عنوان الوفاء بالنذر الذي يكون متعلقا للوجوب و واجبا توصليا غاية الأمر كونه من العناوين القصدية كما مرّ سابقا و ثانيهما عنوان الحج الذي يكون متعلقا للأمر الاستحبابي العبادي و لا يسرى حكم أحد العنوانين الى الأخر أصلا و مجرد قصد تحقق عنوان الوفاء بالحج مع كون الحج مقصودا بعنوانه و مأتيا به إتيان عبادة مستحبة لا يوجب ان يكون المقصود غير واقع و الواقع غير مقصود نعم ما هو غير الواقع عبارة عن الوفاء بالنذر الذي قد قصده لانه لا ينطبق على المأتي به و اما الحج المقصود بعنوانه و مأتيا به بعنوان انه عبادة مستحبة فلا وجه لعدم وقوعه بعد عدم خلل فيه أصلا فلا وجه للحكم بالبطلان فيه.

و اما الفرض الثاني الذي يكون النذر مقيدا بسنة خاصة فالحكم بصحة الحج راكبا فيها و عدمها يبتنى على ما مر في المسألة الأخيرة من الفصل السابق المتعرضة لحكم من اتى بالحج تطوعا أو نيابة عن الغير- تبرعا أو إجارة- مع استقرار الحج عليه و علمه بالاستقرار و بحكمه مع التمكن من الحج فان قلنا في تلك المسألة بالصحة- كما اخترناها و اخترنا صحة الاستيجار عليه- فاللازم الحكم بالصحة في المقام لعدم

الفرق بين المسألتين من هذه الجهة، و ان قلنا فيها بالبطلان- كما نفى البعد عنه سيدنا الأستاذ الماتن- قدس سره الشريف و اختار أيضا بطلان الإجارة- فاللازم الحكم بالبطلان في المقام أيضا إذا كان البطلان هناك مستندا الى اقتضاء القاعدة له و اما إذا كان مستندا الى خصوص بعض ما في الحجّ كالرواية الواردة هناك- بناء على دلالتها على البطلان- فلا يستلزم ذلك الحكم بالبطلان هنا، و ظاهر المتن هنا الصحة باعتبار نفى وجوب القضاء فإنه لو كان الحج راكبا باطلا لكان اللازم وجوب القضاء كما لا يخفى.

بقي الكلام في أصل المسألة فيما وقع التعرض له في الذيل و هو ما لو ركب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 506

..........

______________________________

بعضا دون بعض و الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في ترتب حكم ركوب الكل عليه من جهة لزوم القضاء و الكفارة في مورد ثبوتهما إنما الاشكال و الخلاف في كيفية القضاء و انه هل اللازم فيه المشي في جميع أجزاء الطريق كما في ركوب الكل أو يكفي المشي في موضع الركوب فقط كما عن الشيخ و جماعة من الأصحاب، و المحكي عن العلامة في «المختلف» الاستدلال له بان الواجب عليه قطع المسافة ماشيا و قد حصل بالتلفيق فيخرج عن العهدة ثم أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق.

و الظاهر هو القول الأول لأن المنذور بحسب نظر الناذر و ما هو المتفاهم عند العرف قطعها كذلك في عام واحد.

ثم انه ورد في مشى بعض الطريق رواية معتبرة لا بد من ملاحظتها و هي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام قال سأله عباد بن عبد اللّٰه البصري

عن رجل جعل للّٰه عليه نذرا على نفسه المشي إلى بيت اللّٰه الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر فقال: ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به. «1»

و السؤال في نفسه مجمل محتمل لان يكون المراد منه هو مشى المقدار المذكور- نصفا أو أقل أو أكثر- مع الركوب في الباقي و لان يكون المراد منه هو الموت بعد المشي بالمقدار المذكور و لا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر.

و لكن ظاهر الجواب بلحاظ كون الأفعال الواقعة فيه بصورة المبني للمفعول ظاهرا و هو لا ينطبق الا على موت الناذر و بلحاظ كون ظاهره لزوم التصدق بجميع ما ينفق من ذلك الموضع الذي انقطع منه المشي- أعم مما ينفق في بقية الطريق و ما ينفق في الأعمال و المناسك- و هو لا يلائم إلا مع الموت يقتضي كون المراد من السؤال هو الاحتمال الثاني و مرجعه إلى بدلية التصدق عن الحج و يؤيده بعض الروايات المتقدمة المشتملة على لزوم صرف التركة التي اوصى بها للحج الذي

______________________________

(1) ئل أبواب النذر الباب الواحد و العشرون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 507

[مسألة- 12 لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا]

مسألة- 12 لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا، سواء كان مقيدا بسنة أم لا، مع اليأس عن بعدها أم لا، نعم لا يترك الاحتياط بالإعادة في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك، و الأحوط المشي بالمقدار الميسور بل لا يخلو عن قوة، و هل الموانع الأخر كالمرض أو خوفه أو عدو أو نحو ذلك بحكم العجز أولا وجهان

و لا يبعد التفصيل بين المرض و نحو العدو باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني. (1)

______________________________

ظاهره حج التمتع مع عدم سعتها لها و كونها يسيرة في الصدقة مع عدم إمكان حج الافراد بها في مقابل فتوى بعض فقهاء العامة القائل بلزوم التصدق بمجرد عدم السعة للحج الموصى به و عليه فالظاهر من الرواية غير ما هو محل البحث في المقام و هو ركوب بعض الطريق و مشى البعض الأخر.

و يؤيد كون المراد من السؤال هو الموت هو ان السائل سئل عن قضية واقعة في الخارج و لا مجال لحملها على كون الرجل الناذر قد مشى المقدار المذكور و انصرف عن البقية و عن فعل الحج رأسا كما انه لا مجال لحملها على تحقق الركوب منه في الباقي و تحقق اعمال الحج منه لانه لا يناسب لزوم صرف مقدار النفقة المصروفة خارجا في بقية الطريق و الاعمال في التصدق فينحصر ان يكون المراد هو الموت بعد تحقق المشي بالمقدار المذكور.

ثم انه على الاحتمال الأخر تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار لان مفادها معرض عنه عند الأصحاب فتخرج عن الحجية.

(1) في أصل المسألة و هو ما لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره أقوال خمسة ذكرها السيد- قده- في العروة:

الأول وجوب الحج عليه راكبا مع سياق بدنة، نسب هذا القول الى الشيخ و جماعة، و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

الثاني وجوبه كذلك بلا سياق. و هو المحكي عن المفيد و ابن الجنيد و ابن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 508

..........

______________________________

سعيد و الشيخ في نذر الخلاف، و في محكي كشف اللثام انه يحتمله كلام الشيخين و القاضي و نذر النهاية و

المقنعة و المهذب.

الثالث سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك، و توقع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس، و قد حكى هذا القول عن الحلي و العلامة في الإرشاد و المحقق الثاني في حاشية الشرائع.

الرابع وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس، نسب إلى العلامة في المختلف و حكى عن ظاهر المسالك و الروضة.

الخامس وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام، و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، و توقع المكنة مع الإطلاق و قد اختاره في المدارك.

و ذكر السيد بعد نقل الأقوال ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث و لكن مقتضى الجمع بين الروايات الواردة هو القول الثاني و هو الذي اختاره الماتن- قدس سره الشريف- و عليه فاللازم البحث من جهتين:

الاولى فيما تقتضيه القاعدة و في هذه الجهة ان كان النظر مقصورا على مسألة النذر و شروط انعقاده و صحته فالحق ما افاده السيد- قده- من ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث لكن مع تبديل كلمة «السقوط» في الفرضين الأولين بعدم الانعقاد و الكشف عنه لان ما هو المعتبر في صحة النذر و انعقاده هي القدرة الواقعية على الإتيان بالمتعلق و الوفاء بالنذر في ظرف العمل و الوفاء فمع تحقق القدرة بهذه الكيفية ينعقد النذر و يصح و لو كان عاجزا حال الصيغة و الالتزام و مع عدم تحققها كذلك لا يكاد ينعقد و لو كان قادرا حال النذر كما ان المعتبر هي القدرة الواقعية و العلم بها حال النذر لا دخل له في الانعقاد كما ان الجهل بها لا يقدح فيه بعد انكشاف

الخلاف و ظهور تحقق القدرة.

و على ما ذكرنا فمقتضى القاعدة في صورة العجز عن المشي الكشف عن البطلان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 509

..........

______________________________

و عدم الانعقاد فيما إذا كان مقيدا بسنة معينة أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن لا السقوط بعد الانعقاد هذا لو قصرنا النظر على مسألة النذر فقط و كان المراد بالعجز ما ينافي القدرة العقلية المعتبرة في النذر لا ما يعم التعب و الحرج غير المنافي معها و الّا فلا يكون مقتضى القاعدة البطلان بالإضافة الى جميع الموارد و اما مع ملاحظة الخصوصية الموجودة في الحج و هي لزوم الإتمام بعد الشروع الثابت بقوله تعالى:

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» و بالإجماع عليه و لأجله يصير الحج التطوعى لازما بمجرد الشروع فاللازم ان يقال بأنه إذا كان العجز عن المشي بعد الدخول في الإحرام فاللازم- بمقتضى وجوب الإتمام- الحج راكبا و بهذه الملاحظة يصير مقتضى القاعدة هو القول الخامس مع تصحيحه بتبديل كلمة «السقوط» كما ذكرنا.

الثانية فيما تقتضيه الروايات الواردة في المقام و هي على ثلاث طوائف:

الأولى ما تدل على وجوب الحج راكبا بضميمة سياق بدنة كصحيحة ذريح المحاربي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه قال: فليركب و ليسق الهدى. «1» بناء على عموم الحلف للنذر أو ظهور اشتراكهما في مثل هذه الاحكام.

و صحيحة الحلبي قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه و عجز عن المشي قال فليركب و ليسق بدنة فان ذلك يجزى عنه إذا عرف اللّٰه منه الجهد. «2» و التعليل يدل على ان العجز

عن المشي لا يكشف عن عدم انعقاد النذر من رأس و لا يوجب عروض البطلان له بسبب العجز بل هو باق على صحته غاية الأمر ان العجز يوجب الانتقال الى الحج راكبا مع تحقق الجهد منه بحسب الواقع و يلزم سوق بدنة أيضا و عليه فالحج راكبا يقع وفاء للنذر و موافقة لوجوبه في صورة العجز عن المشي و عليه فلا مجال لاحتمال كون مفاد الرواية بطلان النذر المستلزم لعدم وجوب

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 2

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 510

..........

______________________________

الوفاء به و كون وجوب الحج راكبا امرا تعبديا غير مرتبط بالنذر أصلا لأن التعبير بالاجزاء لا يلائم هذا الاحتمال بوجه الثانية ما تدل على وجوب الحج راكبا من دون تعرض لوجوب سوق بدنة مثل صحيحة رفاعة بن موسى قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه قال: فليمش، قلت فإنه تعب قال فإذا تعب ركب. «1».

و ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّٰه فلم يستطع، قال: يحج راكبا. «2» فان السكوت في مقام البيان ظاهر في عدم وجوب سياق الهدى كما لا يخفى الثالثة ما تدل على وجوب الحج راكبا و استحباب الذبح و هي ما رواه البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: قلت له- يعني لأبي عبد اللّٰه- ع- اشتكى ابن لي فجعلت للّٰه علىّ ان هو بري ء ان أخرج الى مكة

ماشيا، و خرجت امشى حتى انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل علىّ شي ء؟ قال: فقال لي: اذبح فهو أحب الى قال: قلت له: أي شي ء هو الىّ لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: من جعل للّٰه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه و كان اللّٰه أعذر لعبده. «3» و ظهور الرواية في الاستحباب خصوصا بملاحظة ذيلها لا يكاد يخفى. كما ان الظاهر اعتبارها من حيث السند و ان عنبسة موثق اما بالتوثيق الخاص كما يظهر من صاحب الجواهر أو بالتوثيق العام لأجل وقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات فلا مجال للمناقشة فيه كما عن المدارك و ان كانت عبارتها أيضا لا تدل على عدم الوثاقة.

______________________________

(1) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 1

(2) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 9

(3) ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 511

..........

______________________________

و عليه فهذه الرواية قرينة على حمل الأمر بسياق بدنة في الطائفة الأولى على الاستحباب و عدم كون المراد ما هو ظاهره من الوجوب، و مع قطع النظر عن هذه الرواية لا مجال للحمل المذكور بمجرد السكوت في مقام البيان في الطائفة الثانية- كما استند اليه أيضا السيد في العروة- و ذلك لان السكوت في مقام البيان و ان كان في نفسه حجة و معتبرا الا انه لا ينهض لان يصير قرينة على التصرف في الظهور اللفظي و حمله على غير ما هو ظاهر فيه و لذا اعترض عليه

أكثر الشراح و عليه فيتعين القول الثاني من الأقوال الخمسة الذي اختاره الماتن- قدس سره.

ثم ان الطائفتين الأولتين و ان كان بينهما اختلاف في أنفسهما إلّا أنهما مشتركتان فيما عرفت من عدم كون عروض العجز موجبا لانحلال النذر أو الكشف عن عدم الانعقاد كما عرفت من استفادة ذلك من التعليل الواقع في بعضها و عليه فهما متحدتان في ثبوت الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للكشف أو الانحلال- على الأقل- و ان النذر بقوته باق غاية الأمر ان العجز يوجب التبدل الى الركوب و عليه فاللازم بملاحظة لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مقدار دلالة الدليل النظر في الروايات المذكورة من جهة المورد ضيقا أو سعة فنقول:

هنا صور أربعة: إحداها ما هو القدر المتيقن من مورد الروايات و تشمله قطعا و هو ما إذا طرأ العجز في الأثناء بعد الشروع في الوفاء بالنذر و طيّ جزء من الطريق أو الأعمال ماشيا و مقتضى الإطلاق في هذه الصورة عدم الفرق بين ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة أو مطلقا غير مقيد بها كما ان مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورة اليأس من المكنة بعده و صورة عدم اليأس منها و كذلك لا فرق في هذه الصورة بين ما إذا كان قبل الدخول في الإحرام و ما إذا كان بعده لانه على كلا الفرضين يأتي بالحج راكبا فلا ينافي آية الإتمام التي عرفتها.

ثانيتها ما هو المتيقن في جانب النفي و لا تشمله الروايات قطعا و هو ما إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 512

..........

______________________________

كان عالما حين النذر بعدم التمكن من الوفاء و عدم القدرة على المشي و لو في جزء

من الطريق و كان بحسب الواقع أيضا كذلك فإنه لا مجال في هذه الصورة لتوهم شمول الروايات لها و الحكم فيها بوجوب الحج راكبا و انه يجزى عما هو المنذور و لازمة صحة النذر و لزوم الوفاء به كذلك.

ثالثتها ما تكون مشمولة للروايات بمقتضى الإطلاق الواقع في بعضها و هو ما إذا كان حال النذر و الالتزام معتقدا بالتمكن من المشي و القدرة على المنذور و لكن قبل الشروع انكشف له عدم القدرة رأسا فإن مقتضى إطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة الشمول لها فان قوله: رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه و عجز عن المشي شامل بإطلاقه لها و لا يختص بما إذا كان العجز طارئا بعد الشروع.

رابعتها ما تكون مشكوكة من جهة الشمول و عدمه و هي الصورة التي نهى في المتن عن ترك الاحتياط فيها بالإعادة- اى بصورة المشي- و هي ما كانت مشتملة على الخصوصيات الأربعة: كون النذر مطلقا غير مقيد و لم يكن مأيوسا من المكنة في الآتية، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب، و حصول المكنة واقعا بعدا فإنه يمكن فيها دعوى انصراف الروايات عنها كما قد ادعى، و قد علل السيد- قده- لزوم الاحتياط بالإعادة في هذه الصورة باحتمال الانصراف و الظاهر ان مراد المتن و العروة لزوم الجمع بين الحج راكبا و الإعادة ماشيا خصوصا مع ملاحظة التعليل المزبور مع ان دعوى دلالة الروايات على لزوم الشروع في الحج راكبا مع ظهور العجز قبل الشروع و كون النذر مطلقا في غاية البعد حتى فيما إذا كان مأيوسا من المكنة بعدا فضلا عن صورة عدم اليأس كما لا يخفى.

بقي الكلام في أصل المسألة في أمور:

الأول انه

مع القدرة على المشي في بعض الطريق أو بعض الاعمال هل يجب عليه رعاية النذر بالإضافة إلى المقدار الميسور أو ينتقل في الجميع الى الحج راكبا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 513

..........

______________________________

مقتضى الاحتياط اللزومي هو الأول بل قال في المتن: «انه لا يخلو عن قوة» و هو الظاهر، و لا حاجة في الاستدلال له بقاعدة «الميسور» بل يدل عليه بعض الروايات المتقدمة مثل صحيحة رفاعة التي وقع فيها السؤال عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّٰه و مقتضى الجواب لزوم المشي ما لم يقع في تعب و ان الانتقال الى الركوب انما هو بعد التعب و عليه فتدل على لزوم رعاية المشي بالمقدار الميسور و هذا من دون فرق بين ان يكون العجز في الابتداء أو في الوسط أو في الآخر و كذا بين ان يكون منشأ العجز اختلاف الطريق من جهة السهل و الجبل أو يكون منشأه عدم القدرة له و يؤيد ما ذكرنا رواية عنبسة المتقدمة الواردة في طي ما عدي العقبة الواقعة في وسط الطريق ماشيا فتدبر الثاني ان المراد من العجز المأخوذ في موضوع الحكم في الروايات و ان كان هو العجز العرفي لا العجز العقلي في مقابل القدرة العقلية المعتبرة في متعلق النذر و انعقاده و ذلك لان المرجع في العناوين المأخوذة في الموضوعات في الكتاب و السنة هو العرف الّا انه مع ذلك لا يختص الحكم به بل يشمل التعب و المشقة أيضا و ذلك لانه و ان وقع التعبير بالعجز في كثير من الروايات المتقدمة الّا انه علق الانتقال الى الركوب في صحيحة رفاعة على مجرد التعب فالمراد من العجز أعم

منه هذا بالنظر الى الروايات.

و اما بالنظر الى القاعدة التي مرّ البحث عن مقتضاها فلا إشكال في ان اقتضائها للبطلان و الكشف عنه انما هو في خصوص فقدان شرطه و هي القدرة العقلية لأن القدرة المعتبرة انما هي هذه القدرة و اما العجز العرفي- فضلا عن التعب و المشقة و الحرج- فلا يكشف عن البطلان باعتبار فقدان الشرط و- ح- يشكل الأمر بناء على حكومة قاعدة نفى الحرج على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر من الاحكام التي يكون لالتزام المكلف و الجعل على نفسه مدخلية في ثبوتها كحكومتها على أدلة الاحكام التي ليست كذلك كأكثر الاحكام مثل وجوب الوضوء و الغسل و نحوهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 514

..........

______________________________

وجه الاشكال ان عروض التعب لا يكشف عن كون النذر فاقدا للشرط المعتبر فيها فاللازم الالتزام بانعقاد النذر و صحته و الحكم بعدم وجوب الوفاء بالنذر لأجل حكومة دليل نفى الحرج مع انه لا يكاد يتحقق الجمع بين الصحة و الانعقاد و بين عدم وجوب الوفاء بالنذر كما هو ظاهر نعم لو منعنا الحكومة بالإضافة الى هذه الأدلة لا يتحقق اشكال.

الثالث انه هل يلحق بالعجز عن المشي و التعب المرض أو خوفه أو العدوّ أو نحوها أم لا؟ نفى في المتن- تبعا للسيد- قده- في العروة البعد عن التفصيل بين المرض و نحوه و بين العدو و نحوه باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني و أضاف السيد قوله:

«و ان كان الأحوط الإلحاق مطلقا».

اما وجه التفصيل فهو ان الموانع الراجعة إلى الناذر سواء كانت راجعة إلى الضعف في البدن أو الكسر أو الجرح أو الوجع أو المرض و حتى خوفه مما

يشملها التعبير بالعجز الواقع في كثير من الروايات لانه لا فرق في تحققه بين الأسباب المذكورة و مثلها و اما الموانع الخارجية مثل العدوّ و الثلج الموجود في الطريق فالتعبير بالعجز لا يشمله و لكن ربما يقال بشمول رواية عنبسة المتقدمة له أيضا بالنظر الى قوله- ع- فيها: «فبلغ فيه مجهوده» نظرا الى ان مفاده ان الملاك بلوغ هذا المقدار من الجهد فيشمل جميع الموانع.

و لكن الظاهر انه ليس بظاهر في الشمول خصوصا مع ملاحظة مورد الرواية فالحق- حينئذ- ما في المتن من التفصيل.

و اما ما جعله السيد مقتضى الاحتياط من الإلحاق مطلقا فقد أورد عليه الماتن- قدس سره الشريف- في التعليقة على العروة بعدم كون الإلحاق مقتضى الاحتياط الا في بعض الصور و مراده ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة و اما في صورة الإطلاق فمقتضى الاحتياط توقع المكنة فيما بعد كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 1، ص: 515

..........

______________________________

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث الحج بالنذر أو العهد أو اليمين و به يتم الجزء الأول من مباحث الحج من هذا الكتاب الذي هو شرح تحرير الوسيلة للإمام الخمينى- قدس سره- و قد وقع الفراغ من تحريره بيد العبد المفتاق محمد الموحدى المعروف بالفاضل اللنكراني ابن العلامة الفقيه آية اللّٰه المرحوم الفاضل اللنكراني حشره اللّٰه مع من يحبه و يتولاه من النبي و الأئمة المعصومين- صلوات اللّٰه عليه و عليهم أجمعين- و أسأل اللّٰه الكريم ان يجعله خالصا لوجهه و ان ينفعني به يوم لا ينفع مال و لا بنون و المرجو من الفضلاء و المشتغلين الإغماض عما يجدونه فيه من النقص و الاشتباه كما ان المرجو من

جميع المراجعين طلب المغفرة و الرضوان للوالد الفقيد و للوالدة العلوية التي لم يمض من ارتحالها الّا ما يقرب من خمسة عشر شهرا فانّ لهما علىّ حقا عظيما لا اقدر على أدائه و كان ذلك ليلة الاثنين ثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة- 1411 من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء و التحية و السلام على من اتبع الهدى.

(و الحمد للّٰه أولا و آخرا)

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.